6 دقائق قراءة

العودة إلى الجنوب: مجموعات صغيرة تنشط في درعا باسم هيئة تحرير الشام

بعد ست سنوات من خروج عناصر "تحرير الشام" من درعا نحو الشمال، بدأ يعود نشاط الأخيرة إلى جنوب سوريا عبر مجموعات شكلها عناصر سابقون وانضم إليها شبان جدد من أبناء المنطقة.


24 مايو 2024

باريس- بعد ست سنوات على خروج عناصر هيئة تحرير الشام من جنوب سوريا إلى شمالها، في أعقاب اتفاق التسوية (المصالحة) عاد نشاط الهيئة إلى الجنوب على شكل مجموعات صغيرة تنتشر في عدد من المدن والقرى في محافظة درعا.

في صيف 2018، توصلت فصائل الجبهة الجنوبية، التابعة للمعارضة السورية، إلى اتفاق تسوية مع النظام السوري برعاية روسية، خرج بموجبه مقاتلون رافضون للتسوية ومدنيون، وضمت قافلة المغادرين عناصر من الهيئة.

خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، بدأ نشاط “تحرير الشام” يظهر عبر مجموعات شكلها عناصر سابقون وانضم إليها شبان من أبناء المحافظة، ونفذت هذه المجموعات عدد من عمليات الاغتيالات ضد تجار ومهربي المخدرات وقوات النظام السوري وميليشيات تابعة له، كما ذكرت مصادر محلية لـ”سوريا على طول”.

تثير عودة المجموعات، التي تنسب نفسها تحرير الشام، عدة تساؤلات حول أهداف الهيئة في الجنوب، وتبعية المجموعات للقيادة المركزية في محافظة إدلب شمال غرب سوريا بزعامة أبو محمد الجولاني، خاصة أن الهيئة في الجنوب قررت سحب الجزء الأكبر من قياداتها من درعا، عام 2016، أي قبل التسوية بعامين في عملية غامضة، ناهيك عن أن الجنوب يقع حالياً تحت سيطرة النظام السوري مع وجود فصائل التسوية، التي كانت جزءاً من الجبهة الجنوبية قبل “المصالحة”، وهي تختلف في مرجعيتها وأيديولوجيتها مع الهيئة.

البعث في الجنوب!

قبل شهرين، قطعت مجموعة صغيرة من شبان مسلحين أحد شوارع مدينة في شمال غرب درعا، وهتف العناصر لـ”تحرير الشام”، وادعوا أنهم منتسبون لها وأن الهيئة عادت من جديد إلى المدينة، كما قال اثنان من أبناء المدينة لـ”سوريا على طول”، شريطة عدم الكشف عن هويتهما وعن اسم المدينة خشية وقوع مخاطر على المدنيين فيها.

شكلت هذه الحادثة صدمة لأبناء المدينة، الذين يخشون عودة الفصيل وما تحمله هذه العودة من “اغتيالات للمعارضين له”، إضافة إلى أن “النظام سوف يتخذ ظهورهم ذريعة لاقتحام المدينة”، كما قال أبو قاسم، 30 عاماً، وهو مدني من سكان المدينة التي ظهرت فيها المجموعة.

تنتشر مجموعات صغيرة أخرى في ثماني نقاط بمحافظة درعا، تتركز في شمال المحافظة وشرقها وغربها، وفقاً لخمسة مصادر عسكرية ومدنية تحدثت معها “سوريا على طول” لأجل إعداد هذا التقرير.

في صيف 2016، قررت هيئة تحرير الشام -جبهة النصرة آنذاك- سحب غالبية قياداتها من محافظة درعا إلى شمال غرب سوريا، بموجب صفقة غامضة مع النظام، إذ عبرت القافلة مناطق النظام وصولاً إلى إدلب، ومن بين القيادات التي خرجت آنذاك أبو ماريا القحطاني، الرجل الثاني في الهيئة، الذي اغتيل في نيسان/ أبريل 2024، وأبو جليبيب أمير قطاع درعا سابقاً، وأبو البراء الجزراوي أمير القنيطرة سابقاً.

بعد الانسحاب الكبير، بقيت مجموعات صغيرة لـ”جبهة النصرة” من أبناء المحافظة الذين فضلوا البقاء في بلداتهم وبقي نشاطهم محدوداً، بعض هؤلاء هم نواة المجموعات الحالية التي عاودت نشاطها في الأشهر الأخيرة.

انتسب أبو عبد الله (اسم مستعار)، 19 عاماً، لهيئة تحرير الشام قبل خمسة أشهر، وعزا انتسابه إلى “الانتقام من النظام الذي قتل والدي، ونصرة للثورة السورية”، كما قال الشاب المقيم في ريف درعا الشمالي لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أن والده اعتقل على يد النظام عام 2012، وبعد ست سنوات وصل خبر موته “تحت التعذيب” لعائلته.

الهيئة “هي آخر فصيل يقاتل النظام بشكل حقيقي، بعدما انضمت فصائل درعا إلى النظام”، بحسب أبو عبد الله، الذي انتسب مع 15 شاباً من جيله تقريباً، عبر شخص يكنّى بـ”أبو حفص”، وهو أحد قادة تحرير الشام في درعا سابقاً، وهو المسؤول عن عمليات الانتساب وإدارة المجموعات في شمال درعا من مكان إقامته في إدلب.

العودة اليوم إلى درعا، التي كانت في وقت سابق أقل أهمية بالنسبة لـ”تحرير الشام”، تعد بمثابة “مرحلة بعث جديدة لفصيل قرر الانسحاب جزئياً قبل التسوية والانسحاب كلياً مع توقيع التسوية”، بحسب أبو محمد، قيادي سابق في فصائل المعارضة، يقيم شمال درعا.

“ما تقوم به تحرير الشام هو إعادة تموضع على الخارطة السورية، ومحاولة لملئ فراغ أمني في بقعة جغرافية مهمة لأطراف الصراع كافة”، كما قال القيادي السابق لـ”سوريا على طول”.

حاولت “سوريا على طول” الحصول على تعليق من القيادي أبو حفص، المسؤول عن الانتساب في مجموعات درعا بحسب ثلاثة مصادر تحدثت لـ”سوريا على طول”، لكنه رفض التعليق قبل معرفة أسماء المصادر التي تحدثت لإعداد هذا التقرير.

العلاقة باللواء الثامن

في ثلاث من أصل ثماني نقاط لهيئة تحرير الشام في ريف درعا، انتشرت مجموعات الهيئة إلى جانب مجموعات اللواء الثامن، الذي يقوده القيادي السابق في المعارضة أحمد العودة، ويتبع اليوم للأمن العسكري، وبحسب ثلاثة مصادر، بينهم مصدرين عسكريين، فإن اللواء الثامن يوفر الحماية لمجموعات “تحرير الشام” ويؤمن تنقلهم.

فسّر أبو محمد، القيادي السابق في المعارضة، العلاقة بين الهيئة واللواء الثامن في الجنوب بـ”تبادل المنفعة بينهما، بحيث يقدم اللواء الحماية لهم مقابل تنفيذهم عمليات اغتيال وضرب أهداف لصالح اللواء، مثل تجار المخدرات وعناصر داعش وضباط في قوات النظام”. 

أكثر من ذلك، “تدخل اللواء الثامن في عدة مرات لوقف عمليات اقتحام للنظام ضد مقرات يشتبه أنها تابعة لتحرير الشام في شرق درعا”، بحسب مسؤول إعلامي سابق في فصائل المعارضة، مؤكداً أن “اللواء الثامن يوفر الحماية لهذه المجموعات”، وقبيل عمليات اقتحام النظام “أخرج اللواء مجموعات الهيئة إلى مناطق آمنة، ونفذ عمليات تفتيش مشتركة مع النظام لكنها شكلية، وفي اليوم الثاني عادت المجموعات إلى مقراتها”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

لم ينفِ أبو عبد الله، العنصر في “تحرير الشام” شمال درعا وجود علاقات مع “اللواء الثامن”، مؤكداً أنهم حصلوا على “مساعدة وحماية في أماكن إقامتنا وتنقلنا”، وعزا هذه العلاقة إلى “وجود الكثير من القواسم المشتركة، أهمها: مواجهة عملاء النظام وتجار المخدرات”.

من جهته، قال أبو صقر (اسم مستعار)، أحد وجهاء مدينة درعا، لـ”سوريا على طول”، شريطة عدم كشف هويته لأسباب أمنية، أن “الهيئة تحاول إعادة تواجدها في كل حوران، وفي هذه المرحلة تفضل أن لا تظهر العداء للجان المركزية ومجموعات الأمن العسكري وفصائل التسوية”، معتبراً أن “استراتيجيتها تقوم على تمكين تواجدها كونها ما تزال ضعيفة في درعا، والعمل ضد داعش والنظام، وإعادة المزيد من عناصرها من أبناء حوران المتواجدين في الشمال نحو حوران من جديد”.

وأكد أبو صقر أن عشرات عناصر تحرير الشام من أبناء درعا، الذين خرجوا في حافلات التهجير عام 2018، “عادوا خلال الأشهر الثلاث الماضية”.

حاولت “سوريا على طول” الاتصال عدة مرات بالمكتب الإعلامي في اللواء الثامن للحصول على مزاعم علاقة عناصر الهيئة في الجنوب مع اللواء، التابع للنظام، لكنها لم تحصل على رد حتى لحظة نشر هذا التقرير.

مستقبل الهيئة في درعا

“سعي هيئة تحرير الشام الانتشار في درعا ليس أمراً مستغرباً”، وللهيئة “نشاط أيضاً في الرقة ودير الزور الخاضعتين لسيطرة قسد، لكنه نشاط أمني لا يهدف إلى عمليات تجنيد عناصر جدد”، كما قال باحث في شؤون الجماعات الإسلامية لـ”سوريا على طول” من مكان إقامته في تركيا، شريطة عدم ذكر اسمه لدواع أمنية، مشيراً إلى أن عناصر الهيئة في مناطق قسد “هدفها جمع معلومات ونقل أموال، وتتبع نشاط داعش وتجار المخدرات وبعض قادة قسد”.

وأوضح الباحث أن لهيئة تحرير الشام “فرع أمني داخل منظومتها الأمنية، يسمى فرع ما وراء الخطوط، في إشارة إلى خطوط أطراف الصراع، مهمته جمع المعلومات”، وربما وجود الهيئة في الجنوب “ضمن هذا الإطار”.

وذهب الباحث إلى أبعد من ذلك، متوقعاً أن يشهد الجنوب سيناريو “إخراج النظام من المنطقة الجنوبية، وتحرير الشام هي أبرز المرشحين لتنفيذ هذه المهمة اليوم”، أو ربما تحاول الهيئة التموضع في مكان “يشكل تهديداً للنظام بالقرب من دمشق”، مستغلة “المنظومة الأمنية شبه المنهارة للنظام وحزب الله وإيران مقارنة عما كانت عليه بدايات الثورة”.

واستند الباحث في تحليله إلى “وجود طرح عام في إعادة محاصصة النظام في دمشق وحصاره، وربما الهيئة تحاول استباق الأحداث والتموضع في عدة نقاط خارج حدودها” في شمال غرب سوريا.

لم يستبعد أبو محمد، القيادي السابق من شمال درعا “تنامي وجود تحرير الشام، وتوسعها في جنوب سوريا”، معتبراً أن “الهيئة لديها مقومات كبيرة في الشمال تستطيع تسخيرها لدعم وجودها في الجنوب”، إضافة إلى أن “الحالة الأمنية وحالة اليأس العام لدى الشباب، وكذلك تردي الوضع المعيشي، كلها عوامل معززة لنمو وجود الهيئة في الجنوب”.

“جزء كبير من المنتسبين الجدد للهيئة في درعا هم أبناء شهداء أو معتقلين، عاشوا حياة يتم وفقر، ولديهم حقد على النظام وفصائل التسوية، والهيئة استغلت ذلك بشكل جيد”، كما قال أبو محمد.

وعلى عكس التوقعات بتنامي دور هيئة تحرير الشام في الجنوب، استبعد أبو صقر، أحد وجهاء مدينة درعا، هذا السيناريو، مستشهداً بـ”التجارب السابقة للهيئة في درعا التي باءت بالفشل كونها مرفوضة فصائلياً وشعبياً وأفكارها غير مقبولة اجتماعياً”، إضافة إلى “وجود أطراف ما تزال تحاربها وتمنع توسعها، كما هو الحال بالنسبة للجنة المركزية في غرب درعا”.

شارك هذا المقال