7 دقائق قراءة

العودة إلى عفرين بعد سنوات من النزوح: فرحة يعكّرها الخوف من الانتهاكات

بعد عملية "فجر الحرية" التي أطلقها الجيش الوطني في مطلع الشهر الحالي، عاد أكثر  من  70 ألف نازح إلى عفرين وريفها، بينما نزح آخرون إلى شمال شرق سوريا خشية وقوع انتهاكات بحقهم


بقلم سلام علي

24 ديسمبر 2024

أربيل- بعد نحو سبع سنوات قضاها نازحاً في قرية مجاورة لقريته الواقعة على خط التماس الفاصل بين مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري (المعارض) ووحدات حماية الشعب، أحد أهم مكونات قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، عاد عمر جميل (اسم مستعار)، 35 عاماً، مع زوجته وأطفاله الخمسة ووالديه، في الخامس من كانون الأول/ ديسمبر الحالي، إلى منزله في ناحية شيراوا بريف عفرين.

كانت القريتان، التي طلب عدم ذكر اسمهما خوفاً على نفسه وعائلته، تقعان تحت سيطرة “قسد”، ومع ذلك نزح محاولاً الابتعاد بضعة كيلومترات عن قرى خط التماس، التي تعرضت لقصف مستمر، واستقرت إحدى القذائف بالقرب من بيته، كما قال لـ”سوريا على طول”.

أطلق الجيش الوطني عملية “فجر الحرية”، في الأول من الشهر الحالي، سيطر خلالها على منطقة الشهباء بريف حلب الشمالي، التي كانت تأوي 103 آلاف شخص، أي بحدود 25 ألف عائلة، من بينهم أربعة آلاف عائلة نازحة من عفرين، إضافة إلى 11 قرية في ناحية شيراوا، بما فيها قرية جميل. 

فضّل جميل العودة إلى قريته على النزوح إلى شمال شرق سوريا، وهو واحد من حوالي 70 ألف نازح عادوا إلى عفرين وريفها، بحسب أرقام حصلت عليها “سوريا على طول” من المجلس المحلي في مدينة عفرين، التابع للحكومة السورية المؤقتة المدعومة من أنقرة، رغم وجود مخاوف من تعرضهم لاعتداءات أو ابتزاز على يد فصائل الجيش الوطني، التي ارتكبت العديد من الانتهاكات بحق المدنيين، وخاصة أكراد عفرين.

الكثير من هؤلاء عادوا مباشرة بعد سيطرة الجيش الوطني على المنطقة، بينما عاد البعض بعد نزوحهم في أعقاب “فجر الحرية” إلى شمال شرق سوريا، لأنهم عجزوا عن تأمين مساكن لهم ما اضطرهم إلى البقاء في العراء لمدة أيام، بحسب رصد “سوريا على طول”.

بعد أيام من عودة جميل، عادت أمل أحمد (اسم مستعار)، 26 عاماً، رفقة أطفالها إلى ريف عفرين، بعدما نزحت في مطلع الشهر الحالي من منطقة الشهباء إلى مدينة الطبقة الواقعة تحت سيطرة “قسد” في شمال شرق سوريا، علماً أنها لم تفكر سابقاً العودة إلى منزلها، الذي نزحت منه عام 2018، بسبب “خوفي أن يتعرض زوجي للاعتقال”، خاصة أنه “أدى واجب الدفاع الذاتي في عفرين”، ومن ثم انتسب إلى قوى الأمن الداخلي (الأسايش) التابعة لـ”قسد” في الشهباء، كما قالت لـ”سوريا على طول”، مشيرة إلى أنها لم تتعرض لأي مضايقات عند عودتها في 13 كانون الأول/ ديسمبر من الشهر الحالي.

منذ نزوح أهالي عفرين، في أعقاب عملية “غصن الزيتون” العسكرية التي أطلقتها أنقرة بمشاركة فصائل المعارضة السورية عام 2018، لم تشهد عفرين عودة أبنائها “إلى منازلهم كما يحدث اليوم، حيث شجّع أبناء عفرين أقاربهم النازحين على العودة”، بينما “نزح عدد قليل إلى شمال شرق سوريا مصدقين الإشاعات التي روجتها قوت ب ك ك [في إشارة إلى قسد] على أن فصائل الجيش الوطني هم داعش وسوف يقطعون رؤوسهم”، كما قال آزاد عثمان، العضو في المجلس المحلي بمدينة عفرين. 

وأسهم “تنسيق أهالي عفرين والمجالس المحلية ورابطة المستقلين الكرد السوريين والمجلس الوطني الكردي ووجهاء عفرين في حسم قرار العديد من أهالي عفرين بالعودة”، بحسب عثمان، لافتاً إلى أن المجالس المحلية “أوفدت موظفين، لتسهيل عودة الناس بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني، التي قدمت خدمات الطوارئ مثل الإسعافات الأولية وبعض الأغذية للعائدين”، فيما أرسل “نشطاء عفرين سيارات إلى مناطق تجمع النازحين من الذين لا يملكون وسائل نقل لنقلهم إلى قراهم”.

منذ الأول من الشهر الحالي حتى 20 منه، عادت نحو 70 عائلة إلى قرية عمر جميل، بعد أن نزحوا منها، عام 2018، إلى القرى المجاورة ومخيمات الشهباء، بينما نزحت 15 عائلة، فضلت البقاء في القرية طيلة السنوات الماضية، إلى شمال شرق سوريا بعد دخول الجيش الوطني، بحسب أرقام تقريبية حصلت عليها “سوريا على طول” من مصادر ميدانية في القرية.

عودة لا تخلو من انتهاكات

بعد عملية “فجر الحرية”، تلقت أمل أحمد اتصالاً “من عائلة زوجها تطمئنها بأن “الفصائل لا تعترض أحد”، وبناء على ذلك قررت العودة، حالها حال “غالبية العائلات النازحة، لا سيما النساء والأطفال، بينما بقيت عشرة عائلات من قريتي في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية وشمال شرق سوريا”، أي مناطق سيطرة “قسد”، لأنهم “يتخوفون من العودة”.

قبل أن تعود من مدينة الطبقة إلى قريتها، لعدم تمكنها من تأمين مسكن لها هناك، توجهت أحمد مع عائلتها إلى ريف عين العرب (كوباني)، ومكثت هناك لأربعة أيام، لكن بسبب خوفها من عملية عسكرية مرتقبة ضد كوباني، قررت الانتقال إلى الشيخ مقصود بحلب، ومن هناك توجهت إلى قريتها، وكان “الطريق آمناً. سألنا عناصر أحد الحواجز عن أسمائنا ووجهتنا ثم واصلنا طريقنا”، كما قالت لـ”سوريا على طول” في 14 كانون الأول/ ديسمبر.

لم تدم سعادة عائلة أحمد بالعودة طويلاً، إذ بعد أربعة أيام من وصولها إلى القرية، قرر زوجها العودة أيضاً، لكنه “اعتقل أثناء مروره على أحد الحواجز” التابعة للجيش الوطني، في 17 كانون الأول/ ديسمبر الحالي،  وما زال معتقلاً حتى الآن، علماً أن “العديد من الموظفين في مؤسسات الإدارة الذاتية وقوى الأمن الداخلي (الأسايش) عادوا ولكن لم يتم اعتقالهم”، على حد قولها.

وثقت “رابطة تآزر للضحايا”، وهي مؤسسة غير ربحية تعمل على توثيق الانتهاكات، ومقرها في مناطق سيطرة “قسد” شمال شرق سوريا، اعتقال 128 شخصاً، بينهم 20 امرأة، معظمهم/ن من العائدين/ات إلى مناطقهم في عفرين أو العالقين في مناطق الشهباء، بالإضافة إلى حالات تعذيب، واعتداءات جنسية، مشيرة في تقريرها، الذي صدر في 19 من الشهر، أنه أفرج عن 52 شخصاً بعد تعذيب جسدي ونفسي، بينما لا يزال مصير 76 شخصاً مجهولاً حتى الآن.

وفي هذا السياق، قال عثمان، العضو في المجلس المحلي، أن فروع الشرطة العسكرية والجهات الأمنية، التابعة للجيش الوطني، “أوقفت عشرات الشباب من العائدين إلى عفرين، الذين خدموا واجب الدفاع الذاتي لدى الإدارة الذاتية، كما أوقفت آخرين بتهمة التعامل مع مؤسسات إرهابية أو تابعين لقوات PKK الإرهابية وقد يقومون بأعمال إرهابية انتقاماً لتقدم المعارضة”، مشيراً أن “البعض أطلق سراحهم، فيما هناك آخرون موقوفون لحين تحويلهم إلى القضاء وتسوية أوضاعهم”.

ملف المعتقلين في عفرين “معقد” على حد وصف عثمان، الذي يتابع هذا الملف بـ”التواصل مع الجهات الأمنية لإطلاق سراحهم أو تحويلهم إلى القضاء، لكن حتى الآن لم ننجز سوى 20 بالمئة”.

من جهته، نفى عبد الله حلاوة، قيادي عسكري في فرقة القوات الخاصة التابعة للجيش الوطني، اعتقال أي شخص أثناء عودته، باستثناء “من كان متورطاً مع الحزب [العمال الكردستاني] سيتم توقيفه، أما المدنيون والعاملون في المؤسسات المدنية نقدم ضمانات بعدم التعرض لهم”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

وأضاف: “بالنسبة للمنخرطين في الأعمال والمؤسسات العسكرية الراغبين بالعودة لم يتم تجهيز أي مراكز تسوية لهم، لأننا لم نتوصل إلى اتفاق مع قسد”.

رداً على ذلك، قال عز الدين صالح، المدير التنفيذي للرابطة لـ”سوريا على طول” أنهم رصدوا “هذه الانتهاكات من قبل باحثينا الميدانيين، ومن ثم توثيقها من خلال المتابعة والتحقق، مقاطعة المصادر، وجمع الأدلة والشهادات من الضحايا والشهود والتحقق منها”، مشيراً إلى أن جميع الأشخاص الذين تمّ توثيق اعتقالهم “مدنيون، بعضهم كانوا قد عملوا سابقاً في المؤسسات المدنية لدى الإدارة الذاتية قبل احتلال عفرين”.

ولفت صالح في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أن بعض العائلات أبلغت “تآزر” بأنها دفعت مبالغ مالية مقابل السماح لهم بالعودة إلى عفرين، علماً أن جميع المصادر التي تحدثت معهم “سوريا على طول” لم يدفعوا أي مبلغ مقابل عودتهم.

من جهته، لم يستبعد آزاد عثمان “تعرض بعض العائدين للابتزاز المالي من قبل سماسرة الفصائل ومحاميين”.

في المقابل، عادت عبير مجيد (اسم مستعار)، 30 عاماً، رفقة والديها واثنين من أشقائها إلى قريتها في ناحية شران بريف عفرين، وكان “طريق العودة آمناً، كما أننا لم ندفع أي مبلغ مالي للحواجز”، كما قالت لـ”سوريا على طول”، وتتطابق شهادتها مع شهادة 12 عائلة عادوا إلى عفرين تحدثوا لـ”سوريا على طول” عن تجربتهم في العودة.

نزحت مجيد، وهي معلمة لدى الإدارة الذاتية، إلى إحدى قرى منطقة الشهباء، وطيلة السنوات الماضية لم تفكر بالعودة “لأننا كنا ننتظر خروج القوات التركية والفصائل، لكن بعد سيطرتهم على الشهباء، وتهديدهم بالسيطرة على شمال شرق سوريا تبدد أملنا بخروجهم، وعليه فضلنا العودة على النزوح المتكرر”.

تعليقاً على ذلك، قال آزاد عثمان، العضو في المجلس المحلي بمدينة عفرين، إن عدداً قليلاً من النازحين، دخلوا منازلهم مباشرة، بينما سكن الغالبية مع أقاربهم حتى تفرغ منازلهم، مشيراً أن النازحين الذين يستقرون في منازل أهالي عفرين يعودون إلى مناطقهم تدريجياً بعد سقوط النظام السوري السابق، مشيراً إلى وجود مقترح لتجهيز مخيمات لإيواء العائدين إلى حين يتسنى للنازحين العرب من العودة إلى ديارهم.

وعمر جميل هو الآخر، لم يسمع عن أي حالة اعتقال في صفوف العائدين إلى قريته، ومع ذلك فضل عدم عودة العاملين في مؤسسات الإدارة الذاتية والمؤسسات العسكرية في الوقت الحالي “إلى أن تتضح الأمور”، على حد قوله.

لكنه، اشتكى من تصرفات بعض العناصر التابعين لفصائل المعارضة، الذين “قاموا بسرقة منازل العائلات التي فضلت النزوح إلى شمال شرق سوريا”.

ضمانات غير مطمئنة

تعهد عبد الله حلاوة، القيادي في الجيش الوطني، بـ”عدم التعرض للمدنيين والعاملين في مؤسسات الإدارة الذاتية المدنية أثناء عودتهم” باستثناء “من تلطخت أيديهم بدماء السوريين سوف يخضعون للمحاكمة”، على حد قوله.

ودعا آزاد عثمان، وهو من المكون الكردي، أبناء عفرين إلى “العودة” محذراً من أن يكونوا “وقوداً لأجندات متطرفين عابرين للحدود”، في إشارة إلى قيادات “قسد” المحسوبة على حزب العمال الكردستاني (التركي)، مشدداً على أنه “لا حل إلا بالعودة وتسوية الأوضاع لكل من تورط أو جبر على القيام بعمل ما، ونحن نساعد الذين تم توقيفهم مؤقتاً”.

رغم هذه الضمانات، ورسائل التطمين التي يرسلها أهالي عفرين إلى أقاربهم ومعارفهم في الخارج، لا يمكن للنازحين نسيان تاريخ طويل من الانتهاكات على يد الفصائل التي تحكم عفرين حتى الآن، كما هو حال كمال حسن (اسم مستعار)، 32 عاماً، الذي تساءل قائلاً: “كيف أعود وأعيش بين الذين ارتكبوا انتهاكات بحق عفرين”.

ومع أن حسن لم ينخرط في أي عمل عسكري مع “قسد” أو أي مجموعة عسكرية تابعة لها أو مناهضة للجيش الوطني، باستثناء “أداء واجب الدفاع الذاتي لدى قسد” وهي خدمة تجنيد إجباري، إلا أنه يخشى بصفته “مدني كردي” أن يكون “عرضة للاعتقال أو الابتزاز المالي”.

في الأول من الشهر الحالي، نزح حسن رفقة والده وشقيقته وأولادها من الشهباء إلى مدينة الرقة، فيما بقيت والدته في القرية رافضة المغادرة، ولأنهم لم يجدوا مأوى لهم هناك، عاد والده وشقيقته وأولادها إلى القرية بعد ثلاثة أيام من النزوح، بينما حلّ حسن ضيفاً عند أحد أقاربه، الذي تمكن من استئجار منزل في القامشلي بعد نزوحه.

لذات السبب، رفض جكر محمد (اسم مستعار)، 39 عاماً، العودة إلى قريته في عفرين، لا سيما أنه عمل كرئيس مشترك لكومين قريته (إدارة مصغرة مدنية تابعة للإدارة الذاتية، تتألف من عدة لجان قوامها سكان القرية، بهدف إدارة شؤونهم). 

يعيش محمد في مكان نزوحه بمدينة القامشلي “حائراً” بين البقاء في شمال شرق سوريا، المهددة بهجوم عسكري من تركيا والفصائل المدعوم منها، أو العودة إلى قريته ما قد يعرضه لـ”خطر الاعتقال”، حتى “الانتقال إلى دمشق خيار لا يخلو من المخاطر”.

وفي حديثه لـ”سوريا على طول”، تساءل محمد بتهكم وقلق: “برأيك أي طريق عليّ أن أختاره؟!”.

ورغم جميع المخاطر والتحديات التي قد يواجهها العائدون، تظل العودة إلى عفرين هي “الخيار الأفضل” من وجهة نظر عبير مجيد، التي دعت “جميع المغتربين والنازحين داخل سوريا بالعودة إلى عفرين، ففي النهاية الإنسان ليس له سوى بيته وأهله”.  

شارك هذا المقال