6 دقائق قراءة

العودة الطوعية لمليون سوري من تركيا: مشكلة اللاجئين أكبر من تأمين سكن

تتزايد مخاوف السوريين من أن تكون خطة "العودة الطوعية" التي أعلنت عنها أنقرة بوابة لعمليات "الترحيل القسري"، واستجابة رسمية تركية للمعارضة التركية المناهضة لوجود اللاجئين السوريين.


12 مايو 2022

إدلب- خلال مشاركته “عبر الفيديو” في مراسم تسليم وحدات سكنية مبنية من الطوب للمستفيدين في مخيمات الكمونة شمال إدلب، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 3 أيار/ مايو الماضي، عن خطة من ثماني مراحل، تتيح العودة الطوعية لمليون لاجئ سوري.

ورغم أن التصريحات الرسمية التركية بخصوص إعادة اللاجئين السوريين ليست جديدة، إلا أنها تشير إلى جدية أنقرة في التنفيذ، وتتكامل مع سياساتها الداخلية في ترحيل اللاجئين السوريين المخالفين، خاصة في المدن التي تشهد اكتظاظاً بالسوريين، مثل: اسطنبول، أنقرة، وغازي عنتاب. إذ بحسب الخطة التركية ستبدأ العودة الطوعية من المدن الكبرى المكتظة بالسوريين إلى المناطق التي تشهد استقراراً عسكرياً وسياسياً وأمنياً، في إشارة إلى المناطق المدعومة من تركيا في شمال غرب سوريا، ومدينتي رأس العين وتل أبيض شمال شرق سوريا.

ورغم أن الخطة التركية، وفقاً للتصريحات الرسمية، تستهدف تحسين القطاع الاقتصادي في المناطق المخصصة لعودة اللاجئين، من حيث إنشاء مناطق تجارية وصناعية، وبناء الأسواق، وتوفير فرص عمل، لكن هذا لا يبدد مخاوف السوريين المقيمين في تركيا من التداعيات الأمنية والاقتصادية حال عودتهم إلى سوريا.

منذ مطلع العام الحالي حتى الخامس من نيسان/ أبريل الماضي، وثق فريق منسقو استجابة سوريا، أكثر من 782 هجوماً أو خرقاً على يد النظام السوري وروسيا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ما أدى إلى مقتل 47 شخصاً، بينهم 13 طفلاً و4 نساء، بالإضافة إلى تضرر أكثر من 21 منشأة خدمية.

أيضاً، لا تضمن الخطة التركية عودة اللاجئين إلى مواطنهم الأصلية الواقعة تحت سيطرة النظام، كما في حالة غسان علي، الذي ينحدر من مدينة معرة النعمان جنوب إدلب، الذي تمسك في حديثه لـ”سوريا على طول” بالعودة “إلى منزلي”، وتخوف من “واقع معيشي واقتصادي سيء، كالذي يعيشه أقاربي في مخيمات بلدة كللي شمال إدلب”.

في أسوأ الظروف، يمكن للعلي، المقيم في مدينة الريحانية جنوب تركيا منذ سبع سنوات، تأمين احتياجات عائلته المكونة من 7 أشخاص، من عمله في المجال الزراعي بتركيا، لكن “إن عدت إلى سوريا قد لا أجد فرصة عمل لأنفق على عائلتي”.

العودة طوعاً أم قسراً؟

بعد خمسة أعوام على إقامتها مع أولادها الثلاثة في تركيا، تشعر خديجة العمر (اسم مستعار) بالقلق من التصريحات التركية حول عودة اللاجئين، وتتخوف من إمكانية إجبارها على العودة وبدء حياة جديدة في سوريا.

تعمل العمر في مشغل للخياطة بمدينة نزب التابعة لولاية غازي عنتاب التركية، وهي المعيل الوحيد للأسرة بعد أن فقدت زوجها في قصف للنظام على حي الفردوس بمدينة حلب في عام 2015، ومع أنها لا تخالف قانون الحماية المؤقتة التركية، إلا أنها تتخوف “من أن تستهدف الخطة التركية كل السوريين”.

وبالنسبة للعمر “العودة ليست خياراً ما لم أجبر على ذلك”، وقالت لـ”سوريا على طول”، متسائلة: “إلى أين أعود ومنزلي تحت سيطرة النظام السوري”.

من جهته، نفى الكاتب التركي جلال ديمير، في حديثه لـ”سوريا على طول”، أن تنطوي الخطة التركية على الترحيل القسري، معتبراً أنها “مبنية على تشجيع العودة بملء الإرادة وتحت إشراف الأمم المتحدة”، وهذا لا يتناقض مع “حق تركيا الطبيعي في تشجيع اللاجئين على العودة إلى بلادهم”.

وتتزايد مخاوف السوريين من أن تكون خطة “العودة الطوعية” التي أعلنت عنها أنقرة بوابة لعمليات “الترحيل القسري”، واستجابة رسمية تركية للمعارضة التركية المناهضة لوجود اللاجئين السوريين، لا سيما أن الحكومة التركية ألغت “إجازة العيد” التي كان يستفيد منها السوريون في تركيا لزيارة بلادهم، في نيسان/ أبريل الماضي، تماشياً مع خطابات أحزاب المعارضة.

وتزامن الإعلان عن إعادة اللاجئين السوريين مع استعداد حزب العدالة والتنمية الحاكم للانتخابات المزمع إجراؤها في عام 2023، خاصة أن المعارضة التركية تضع قضية اللاجئين على رأس برامجها الانتخابية، “ما استلزم ردة فعل من الحزب الحاكم تخمد شرارة هذه الحملة”، وفقاً لديمير.

ويبني السوريون مخاوفهم على عمليات “الترحيل القسري” التي طالت حوالي 20 ألف لاجئ سوري، بحسب أرقام رسمية تركية، ووفقاً للرواية الرسمية رُحّلوا بسبب مخالفتهم للقوانين.

ومع ذلك، استبعد المحامي السوري عبد الناصر حوشان، المقيم في تركيا، أن تنفذ تركيا خطة “العودة الطوعية” بالإجبار، مشيراً إلى أن “تركيا يحكمها دستور وقوانين ناظمة للحكومة والمعارضة التركية”، وبالتالي “لا يمكن إجبار السوريين على الرحيل”.

وأضاف حوشان: “الدستور التركي يتوافق مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية الخاصة باللاجئين وحمايتهم”، وعليه تتعامل تركيا مع السوريين استناداً لهذه الاتفاقيات وقانون الحماية المؤقتة، وعليه “لا تتم إعادتهم إلى سوريا ما لم يطلبوا أنفسهم العودة”.

غياب الضمانات

تستهدف الخطة التركية إعادة اللاجئين السوريين إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية وهيئة تحرير الشام، شمال غرب سوريا، وتعتبر تركيا أن مناطق النفوذ التركي في سوريا، ممثلة بمناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام آمنة للعودة.

وبحسب جلال ديمير “المناطق التي تم الحديث عنها تتمتع بحالة من الأمان مقارنة بغيرها، ولم تشهد حرباً منذ العمل بالتفاهمات التركية في عام 2020″، معتبراً أن “نسبة الحوادث الأمنية فيها لا تتجاوز 10% من مجمل الاضطرابات والمشاكل في سوريا”.

واستند ديمير في ذلك على “وجود ستة ملايين شخص يعيشون في هذه المناطق، إلى جانب الموظفين الأتراك”، مؤكداً أن “تركيا تعمل من أجل سلامة موظفيها أيضاً”.

رداً على ذلك، قال محمد عبد الوهاب، وهو لاجئ سوري يقيم في مدينة غازي عنتاب التركية منذ تسع سنوات، “لا يوجد مكان آمن داخل سوريا مع وجود النظام السوري”.

وأشار اللاجئ، الذي ينحدر من قرية سفوهن في جبل الزاوية، إلى أنه لا يمكن تقييم المنطقة على أنها آمنة أم غير آمنة بناء على شدة القصف وحجم الأضرار الناجمة عنه فقط، فالفوضى في شمال غرب سوريا واقتتال الفصائل، “والسمعة السيئة” لبعض الفصائل المدعومة من تركيا، وتدني مستوى المعيشة في إدلب “كل ذلك يؤكد أن لا أمان هناك”.

وتشهد مناطق النفوذ التركي في شمال سوريا انتهاكات مستمرة بحق المدنيين، بعضها على يد قادة الفصائل المدعومة من تركيا، من قبيل محمد الجاسم أبو عمشة، قائد فرقة السلطان سليمان شاه، الذي لم تفلح مساعي محاسبته كونه مدعوماً من تركيا.

يضاف إلى ذلك، غياب الضمانات للعائدين “بعدم تعرض المناطق المخصصة لاستقبال اللاجئين تصعيداً عسكرياً”، خاصة أن “الخطة التركية لم تشر إلى هذا الجانب صراحة”، وفق المحامي عبد الناصر حوشان.

لذلك، لن يتقبل اللاجئون السوريون فكرة “العودة الطوعية” ما لم تُعتمد الخطة التركية دولياً “ويتوفر لها الدعم السياسي والمالي والقانوني عبر مؤسسات الأمم المتحدة”، بحسب حوشان.

هل يحل “الطوب” أزمة اللاجئين؟

في إطار استيعاب عودة مليون لاجئ إلى سوريا، تستهدف تركيا بناء 250 ألف منزل مبني من “الطوب”، كما جاء على لسان وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، في 5 أيار/ مايو الحالي، منها 100 ألف منزل في محافظة إدلب، سيتم تسليمها لمستحقيها نهاية العام الحالي.

وتبلغ مساحات المنازل المزمع بناؤها 40 و60 و80 متراً مربعاً، وفق صويلو، وتمويل هذا المشروع بالكامل من المنظمات الإنسانية الدولية، وليس من ميزانية الحكومة التركية.

من جهتها، بنت هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات التركية (IHH) أكثر من 25 ألف منزل في محافظة إدلب ومنطقة “درع الفرات” بريف حلب الشمالي، وتعمل حالياً على تنفيذ مشاريع في منطقة “غصن الزيتون”، كما ذكر زكي طاهر أوغلو، منسق الأنشطة في المنظمة لـ”سوريا على طول”، وهي واحدة من المنظمات التركية التي تنفذ مشاريع منازل الطوب شمال سوريا.

وتخطط هيئة الإغاثة التركية في مشاريعها القادمة “بناء منازل مكونة من طابقين أو ثلاثة طوابق، على أن يضم كل طابق شقتين أو أربعة لاستيعاب أعداد أكبر”، وفقاً لأوغلو، مشيراً إلى مراعاة مشاريع الإسكان تخديمها “بالمدارس والمراكز الصحية والمساجد”.

تعليقاً على ذلك، قال أيهم غريبي، 27 عاماً، المقيم في إحدى المشاريع المدعومة من هيئة الإغاثة التركية في بلدة كللي شمال إدلب، إن النازحين تشاركوا مع المنظمة في دفع تكاليف البناء، مشيراً في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى دفع 250 دولار أميركي لعمال البناء، فيما “تكفلت المنظمة بتقديم مواد بناء تصل قيمتها إلى 700 دولار، بالإضافة إلى تقديم الأرض”.

منزل في المخيم الذي يعيش فيه أيهم غريبي، المدعوم من هيئة الإغاثة التركية، 5/ 5/ 2022 (محمود حمزة)

ويعاني غريبي، النازح من بلدة كفرعويد جنوب إدلب مطلع 2020، من “عدم وجود سقف إسمنتي لمنزلي التي تبلغ مساحته 48 متراً مربعاً”، مشيراً إلى أن العازل البلاستيكي للمنزل “لا يقينا حرّ الصيف ولا برد الشتاء”، إضافة إلى بعد الخدمات الأساسية عن “مخيم الإخاء” الذي يقيم فيه، مشيراً إلى أن “المدارس تبعد 4 كيلومترات عن مكان إقامتنا”.

لكن التحدي الأبرز بالنسبة للخطة التركية، ليس استيعاب مليون لاجئ، وإنما “تهيئة الظروف اقتصادياً لإعادتهم”، خاصة أن المناطق المحددة “صغيرة وغير مهيئة، ما يعني تحويل العائدين إلى فئات مستهلكة وغير منتجة”، كما قال لـ”سوريا على طول” الباحث الاقتصادي يونس الكريم.

وفي ذلك، قال محمد عبد الوهاب، المقيم في غازي عنتاب، إن عودتي إلى سوريا “غير مرتبطة بوجود منازل إسمنتية بدلاً من الخيام”، مشيراً إلى إقامته في مخيم نزب القريب من غازي عنتاب لمدة أربع سنوات قبل أن ينتقل إلى منزل.

وختم عبد الوهاب: “المشكلة أكبر من توفير وحدة سكنية لنا”، مشدداً على ضرورة مراعاة توفير الظروف الاقتصادية والأمنية لإقناع الناس بالعودة”، من ذلك “توفير فرص عمل، وضمان عودة الناس إلى منازلهم”، مشيراً إلى أن عودته الحالية إلى سوريا دون إمكانية عودته إلى بلدته التي تقع على خط التماس بين النظام والمعارضة “يعني رحلة عدم استقرار جديدة” وتحوله من لاجئ في تركيا إلى نازح داخلياً.

شارك هذا المقال