العيتي: لا بد من عودة المهجرين إلى سوريا وتأمين بيئة آمنة قبل مناقشة الدستور
الأولوية حالياً لتحقيق الأمن والاستقرار في سوريا، ومن ثم تأمين الاحتياجات الأساسية للناس، ومن ثم عودة النازحين واللاجئين وتأمين البيئة الآمنة التي يمكن من خلالها مناقشة قضايا الحكم النهائي وشكل الدولة .النهائي، بحسب د. ياسر العيتي
20 يناير 2025
منذ سقوط النظام السوري وهروب بشار الأسد من البلاد، في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، أثيرت العديد من النقاشات في أوساط السوريين حول نظام الحكم في سوريا ومرجعيته، وعبر البعض عن خشيته أن تكون سوريا الجديدة تحت إدارة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) بلون واحد لا يسمح بالتعددية.
تولى الشرع قيادة البلاد، وكلف محمد البشير، رئيس حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام في شمال غرب سوريا، بتشكيل حكومة تصريف أعمال، لإدارة شؤون البلاد حتى آذار/ مارس المقبل. بالتزامن مع ذلك، أرسل رسائل تطمين داخلية وخارجية تعهد فيها بالحفاظ على تنوع المجتمع السوري وخصوصيات أطيافه.
وفي مقابلة أجراها الشرع، زعيم هيئة تحرير الشام مع قناة العربية في أواخر الشهر الماضي، أشار إلى بدء التحضيرات لعقد مؤتمر حوار وطني شامل، يصوت المشاركون فيه على القضايا الهامة والحساسة التي ستؤسس للمرحلة الانتقالية.
ومع ذلك، ما تزال صورة سوريا الجديدة ضبابية بالنسبة للكثير من السوريين وحتى بالنسبة للمجتمع الدولي والإقليمي، الذي يتعامل مع الإدارة السورية الحالية بانفتاح حذر واستعجال في القضايا المرتبطة بالدستور والتشاركية السياسية وحماية الأقليات، نظراً لتاريخ هيئة تحرير الشام، التي تزعمها “الجولاني” قبل أن يخرج باسمه الصريح.
وسط حالة الترقب هذه، لا بد من الإشارة إلى وجود “اختلاف في خطاب” هيئة تحرير الشام عمّا كانت عليه سابقاً، وهو “اختلاف إيجابي”، بحسب الدكتور ياسر تيسير العيتي، طبيب وسياسي سوري، ورئيس تيار سوريا الجديدة، وهو حزب سياسي تأسس عام 2019، وتم إشهاره في آذار/ مارس 2024، معلقاً على اختيار الشرع للأشخاص في هذه الفترة من الدائرة الضيقة بأن المرحلة الانتقالية قد تتطلب اختيار أشخاص “تثق بهم وتعرفهم وجرّبتهم”، وهذه مرحلة مؤقتة قد تكون لأيام أو أسابيع أو حتى آذار/ مارس، أي انتهاء فترة تصريف الأعمال، لكن بعد ذلك “أسلوب التفرد لا يعود مقبولاً ومبرراً”.
أجرى عمار حمو من “سوريا على طول” مقابلة مع العيتي، ناقش فيها أولويات المرحلة الحالية في سوريا وتحدياتها، باعتباره شخصية سياسية معارضة للنظام السوري، وفي نفس الوقت كان له موقف رافض للعديد من الانتهاكات التي ارتكبتها “تحرير الشام” في شمال غرب سوريا.
في الذكرى السنوية للثورة السورية، العام الماضي، أعلنتم في تيار سوريا الجديدة عن المؤتمر التأسيسي، وكانت كل أفق الحل السياسي مغلقة آنذاك، لكن مع سقوط الأسد ما هو دور الأحزاب، لا سيما في الفترة الحالية؟
يجب أن يكون لدى الأحزاب السياسية، سواءً تيار سوريا الجديدة أو غيره، رؤى للبلد، وبرامج للمرحلة الانتقالية وما بعد المرحلة الانتقالية. المفروض القوى والأحزاب السياسية أن تجتمع حول فكرة معينة أو لون معين، اليوم سوريا فيها أطياف وألوان، فيها اتجاه ليبرالي، فيها اتجاه علماني، فيها اتجاه محافظ، قومي يساري يميني، وبالتالي تحدد لونها لأنه هذا أساس لأي حزب، وبعد ذلك تعلن عن رؤيتها حول مستقبل البلد سواء في المرحلة الانتقالية أو فيما بعد المرحلة الانتقالية، وتحول هذه الرؤية إلى برامج عمل وتجمع الناس حولها، ومن ثم تلتقي بالأحزاب الثانية للبحث في المشتركات والتعاون.
سابقاً وجّهتم انتقاداً لهيئة تحرير الشام، بينما موقفكم في الوقت الحالي “وضع الخلافات” جانباً من أجل المساهمة في بناء سوريا الجديدة. هل لكم تواصل مباشر مع الحكومة الحالية؟ وكيف ترون الأمور بعد أسابيع من تحرير سوريا على صعيد إدارة الدولة ومؤسساتها؟
لا أذكر أني استخدمت وضع الخلافات ربما غيري استخدمها، لأن هذا يوحي بوجود خلافات شخصية ونحن نريد أن نُنحيها جانباً وهذا غير صحيح. نحن عارضنا هيئة تحرير الشام بسبب ممارسات استبدادية قامت بها، ولسنا نادمين على ذلك، ولا نعتبر أن هذه المعارضة خاطئة يجب ان ندعها جانباً، ولو عادت هذه الممارسات سنعود لنفس المعارضة.
لكن، ما نقوله الآن بالنسبة لهيئة تحرير الشام، هناك اختلاف في الخطاب، وهو اختلاف إيجابي ونحن نقابل هذا الاختلاف بالترحيب والتشجيع، وأيضاً هناك اختلاف في الممارسة وهو أيضاً إيجابي ونحن نستقبله بصدر رحب.
لا يوجد تواصل مع الحكومة الحالية، ولكن هناك تواصل مع أشخاص في الهيئة دون مستوى الحكومة، وإلى الآن نرى أن أداء الهيئة هو أداء إيجابي، طبعاً في عملية اختيار أشخاص معينين على أساس الولاء للهيئة وليس على أساس آخر، هذا نتفهّمه على أنه شيء انتقالي أو مرحلة انتقالية، بما أن البلد لا يوجد فيها أمن ولا جيش فأنت بحاجة أن تمسك بالأمور، لذا من الطبيعي أن تعيّن بشيء فوقي ومن دون أن تستشير أحد أن تختار من تثق بهم وتعرفهم وجرّبتهم، هذا لا نختلف عليه ولكن لمرحلة مؤقتة لأيام أو أسابيع أو ربما لأشهر أي حتى آذار/ مارس، أي فترة تصريف الأعمال، بعد ذلك أسلوب التفرد في التعيينات لا يعود مقبولاً ومبرراً، لأنه لا بد من المشاركة والتوسع في المشاركة.
بعد سقوط النظام تساءلت العديد من الأصوات عن شكل الدولة ونظام الحكم والدستور، بينما طلب آخرون تأجيل هذا النقاش، ما هو رأيكم في ذلك؟
من أجل مناقشة الدستور يجب أن يعود الناس من الأماكن التي هُجروا أو نزحوا إليها، نحن عندنا ملايين النازحين والمهجرين، وهؤلاء يجب أن يعودوا ويستقّروا، ومن ثم يجب تأمين الأمور الأساسية، وبذلك تتوفر بيئة آمنة مناسبة لمناقشة الدستور.
لذلك، لا نرى الآن أن الوقت مناسب لمناقشة مثل هذه القضايا، وهذا لا يعني أنه لا يجب مناقشتها. يحق لمن شاء أن يجتمع ويناقش، لكن كأولويّات نحن نقول أن مرحلة كتابة الدستور والاستفتاء عليه يجب أن تكون بعد تحقيق البيئة الآمنة بالحد الأدنى للاستقرار، وعودة النازحين والمهجرين، وهذا يكون في نهاية المرحلة الانتقالية، وتقديرنا أنها تحتاج ثلاث سنوات، ربما بعد العمل على ذلك بعد سنتين من الآن، أي في آخر سنة من المرحلة الانتقالية يكون عندنا جمعية تأسيسية ونبدأ بكتابة مسودة الدستور ومناقشتها.
حالياً الأولوية لتحقيق الأمن والاستقرار، وثانياً تأمين الاحتياجات الأساسية للناس، ومن ثم عودة النازحين واللاجئين وتأمين البيئة الآمنة التي يمكن من خلالها مناقشة قضايا الحكم النهائي وشكل الدولة النهائي.
ما هي أولويات المرحلة الحالية للانتقال من حالة الثورة إلى حالة الدولة؟
حتى ننتقل من الثورة إلى الدولة علينا تحقيق الأمن والاستقرار ووحدة الجيش وقوات الأمن وإنهاء الفصائلية، وأيضاً تحرير كامل سوريا، إذ إن هناك مناطق خاضعة لقسد [قوات سوريا الديمقراطية]. ثانياً، تأمين الخدمات الأساسية من كهرباء وغيرها، ومن ثم أن تبدأ عجلة الاقتصاد بالدوران لأن الناس تعاني من الفاقة والبطالة، فهناك حدّ أدنى من الخدمات الأساسية والاحتياجات الاقتصادية يجب أن يتم العمل عليها. وثالثاً، أن يتم إفساح المجال في الفضاء العام للعمل السياسي، بأن يجمع الناس أنفسهم في تجمعات سياسية كالأحزاب أو تجمعات مدنية كالنقابات ومنظمات المجتمع المدني، وأن يبدأ النقاش السياسي حول مستقبل سوريا وشكل الحكم.
هناك قلق بشأن “الأقليات”، وعبّرت العديد من الدول الغربية عن اهتمامها بملف الأقليات الدينية والعرقية، مبدية تخوفها من وقوع انتهاكات بحقها، واستندت في مخاوفها على انتهاكات ارتكبتها الهيئة سابقاً، فهل برأيكم تغيرت الهيئة بعد سقوط الأسد؟
لا شك أن خطاب هيئة تحرير الشام وسلوكها تجاه الأقليات تغير، رأينا بعد انطلاق عملية “ردع العدوان”، أصدرت هيئة تحرير الشام بياناً خاطبت فيه نبل والزهراء بخطاب وطني أكدت فيه بأنه ليس لديها مشكلة معهم كشيعة وإنما المشكلة مع المجرمين، وأيضاً كان هناك خطاب مشابه موجه للطائفة العلوية، وهذا تغير نوعي في خطاب الهيئة.
أيضاً، لاحظنا سلوك الهيئة ومن يتبع لها -طبعاً هناك استثناءات- كان سلوك منضبط تجاه الأقليات وخاصة العلويين، لم نرَ انتقام عشوائي، علماً أن النظام كان يروج بأن هناك مجازر ستُرتكب حال سقوطه وهذا لم يحدث، بل رأينا حالة عامة من الانضباط، وهذا يؤكد أن هناك تغيير واضح في الخطاب وفي التعامل مع الأقليات بالنسبة لهيئة تحرير الشام ويجب أن نشجع عليه.
كيف يمكن التعامل مع ملف “الأقليات” على المستوى الوطني؟ وما هو رأيكم بالتعامل الدولي مع هذا الملف؟
كل القوى السياسية والمجتمعية السورية تبدي رغبة بالعيش المشترك، ولا نريد أن ندخل في صراعات طائفية، ولا أن تدخل الدول فيما بيننا من خلال موضوع الطوائف والأقليات، فهناك رغبة عامة عند السوريين من جميع الأطياف، وخاصة الأكثرية، في العيش ببلد واحد متساويين في الحقوق والواجبات والابتعاد عن أي شكل من أشكال الطائفية والمحاصصة في شكل سوريا القادم.
التعامل الدولي مع ملف الأقليات مخجل للأسف، عندما نرى الدول تناقش موضوع الأقليات بينما عندما كان النظام يذبح السوريين ويقتل مئات الألوف منهم كانوا صامتين، لم يكن هناك قلق ولا مطالبة بالحقوق ولا خوف على الناس، فكأنه سوريا فيها دمّين دم أغلى من دم. لو كانت هذه الدول التي تطالب بموضوع الأقليات الآن رفعت صوتها أمام القتل والمجازر والكيماوي، كصوت وفعل وملاحقة وتصرف مع النظام بنفس الحرص مع الأقليات كنا قلنا كلامهم مقبول.
وما يعيب الدول الأوربية والغربية أيضاً أنها لولا عملية “ردع العدوان” وانقلاب الموازين العسكرية كانت تسير باتجاه التطبيع مع النظام والتصالح معه وإبقائه ولم يكن عندها مشكلة أنه قتل وذبح، فهذا لا شك متناقض ويعبّر عن تناقض وعجز أخلاقي عند هذه الدول التي تخاف على مصلحة مجموعة من السوريين وتطالب بحقوقهم بينما مجموعة أخرى لا يهمّها شأنها رغم ما حلّ بها من قتل وتهجير.
على صعيد حزبي، ما أهمية دور الأحزاب والحياة الحزبية في الفترة الراهنة؟
دور الأحزاب في المرحلة الحالية والقادمة. سوريا من دون أحزاب سياسية ستعود إلى الاستبداد، لأن المستبد سيقول لا توجد قوى سياسية وليس هناك برامج تتنافس فيما بينها لخدمة السوريين وبالتالي سيقول لا يوجد إلا حزبي ومجموعتي من أجل الحكم، وبالتالي موضوع الأحزاب السياسية موضوع جوهري بالنسبة لنا، خاصة أننا أهل الثورة خرجنا من أجل الحريات والمشاركة في الشأن العام.
لا يمكن أن يكون هناك حريات في سوريا القادمة وتنافس سياسي لخدمة الناس ومصلحتهم والابتعاد عن دولة الحزب الواحد والقائد المفدى الخالد إذا لم يكن عندنا أحزاب سياسية لها امتدادات شعبية وعندها كفاءات وكوادر.
اليوم أين ينشأ رجال الدولة؟ بالأحزاب. من الأحزاب يخرج أعضاء البرلمان والسياسيين والوزراء والقادة، طبعا نحن بحاجة عمل كبير في الحياة السياسية السورية حتى نؤسس أحزاب حقيقية وطنية قادرة على تنشئة كوادر، وأن تتفهم فيما بينها وتشكل تحالفات. لذلك من الآن يجب أن تبدأ الأحزاب بالتشكل وبالعمل ولا تنتظر أبداً مرحلة لاحقة، من الآن يجب أن تبدأ الأحزاب حتى تكسب الوقت ويستقيم عودها وتتطور تجربتها وتصبح جاهزة عند أول انتخابات بعد المرحلة الانتقالية على التنافس السلمي وتقديم أفضل ما يمكن تقديمه من أجل تحقيق مصالح السوريين.
في الختام، ما هي رسالتك للسوريين؟
بالنسبة للمواطن السوري يجب أن يعلم أن الفرصة أتيحت أمامه لأن يعيش حياة حرة كريمة، وبالتالي عليه أن يتحمل المسؤولية وأن لا يرمي المسؤولية على الدولة ويلعب دور الضحية، وإنما كل مواطن عام مسؤول عن مطالبه وحقوقه، وإذا رأى الخطأ أن يشير إليه، وأن يساعد الدولة على القيام بواجباتها.
الآن هو وقت أن نجهر بالحق وأن لا نعود إلى حالة الخوف والنفاق والتزلف، التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه، فاليوم كل مواطن مسؤول عن المكتسب العظيم -مكتسب الحرية- والدفاع عنه بالحكمة. الكثير منا يقول يجب عدم اتخاذ موقف معارض في الوقت الحالي حتى لا نقع في فتنة أو فوضى، فيعودوا بهذه الذريعة إلى الصمت وإلى الحالة التي كنا نعيشها.
وبالتالي الإشارة إلى الخطأ ورفضه لا يعني الخصومة والعداء مع من هم في الحكم، بالعكس هذا هو الوضع السليم والطبيعي من أجل أن تسير الأمور نحو الأفضل. عندما يلاحظ صاحب السلطة وجود رأي عام يشير إلى الخطأ يقوم على التصحيح وبذلك تستقيم الأمور.