الفاقة والخداع يزجان بالسوريين في حرب أذرية-أرمينية لا ناقة لهم فيها ولا جمل
إن دوافع المقاتلين السوريين في مناطق المعارضة للذهاب إلى أذربيجان مادية فقط. إذ "رأوا أن هناك من خرج إلى ليبيا، وتقاضوا 6,000 آلاف دولار خلال ثلاثة أشهر وتحسنت أمورهم المادية".
8 أكتوبر 2020
عمان- “ميت هون وميت هنيك”، كان تبرير الشاب السوري أدهم، كما يروي ابن عمه شكيب (اسمان مستعاران) لقراره الانخراط في الصراع المتجدد بين أذربيجان وأرمينيا على إقليم ناغورنو كاراباخ جنوب القوقاز، حيث يكون قد مضى الآن على وجوده هناك حوالي أسبوعين.
إذ في اللقاء الذي جمعهما قبيل أيام من سفر أدهم، كما قال شكيب لـ”سوريا على طول”، شبّه الأخير حياته في خيمة بقرية كفر جنة في ريف حلب الشمالي، بالموت. “لم يبق لنا شيء. منذ سنتين من دون عمل أو بالكاد أعمل”، مضيفاً: “إن رجعت كان بها، وإن لم أرجع تعيش عائلتي”، المكونة من أربع بنات إضافة إلى زوجة حامل في الشهر الخامس.
في مناطق “غصن الزيتون” (نسبة إلى العملية العسكرية التي أطلقتها تركيا في العام 2018 وأفضت إلى سيطرة الفصائل السورية المدعومة من أنقرة على منطقة عفرين شمال غرب سوريا) هناك الكثير من الشباب بلا عمل أو أنهم يعملون لقاء دخل شهري يبلغ نحو 200 ليرة تركية، أو حوالي 40 ألف ليرة سورية، لا تكفي أسرة مكونة من زوجين وطفلين لأكثر من أسبوع ونصف الأسبوع، بحسب شكيب. موضحاً أن “ربطتي خبز يومياً تكلفان 2,000 ليرة سورية، من دون أي لوازم أخرى”.
وقد قرر أدهم الذهاب، عله يعود “بأربعة إلى خمسة آلاف دولار، تساوي نحو عشرة ملايين ليرة سورية، وبحيث يمكنني أن أستأجر منزلاً أو ربما أشتري واحداً”، كما قال لابن عمه الذي أشار إلى أنه تم تنسيق السفر عن طريق فصائل تابعة للجيش الوطني المدعوم من تركيا، مثل فصيل الحمزات الذي التحق أدهم معه.
خديعة عقود الحراسة
الدافع ذاته، العوز في مناطق المعارضة السورية شمال غرب سوريا، دفع أيضاً محمد عبد الرزاق، الملقب بمحمد شعلان، للذهاب إلى أذربيجان، كما يقول صديقه رامي عكوش.
محمد ذو الخمسة والأربعين عاماً، كان أحد الثوار الأوائل في محافظة حلب، ورب أسرة مكونة من زوجته وأربعة أبناء وبنتين، تقيم حالياً في بلدة راجو التابعة لعفرين. وكان يعتقد أن دوره، كما يؤكد صديقه لـ”سوريا على طول”، سوف يقتصر على حراسة منشآت تركية هناك وفقاً للعقد الموقع معه. وهي المهمة ذاتها كانت مضمون العقد الذي وقعه أيضاً محمد الشحنة، كما تقول شقيقته لـ”سوريا على طول”، ويمتد لثلاثة أشهر فقط، يتقاضى خلالها محمد راتباً شهرياً مقداره 1,500 دولار أميركي.
محمد الشحنة (26 عاماً)، الذي هُجر مع عائلته من مدينة معرة النعمان إلى مدينة معرة مصرين بريف إدلب، كان يعاني البطالة، وفقاً لشقيقته. وبعد انقطاع الاتصال به لمدة خمسة أيام، ظنت العائلة أنه تمكن من الوصول إلى تركيا (بطريقة غير شرعية)، لتفاجأ باتصال من ابنها يخبرهم فيه أنه في أذربيجان.
“أخبرنا أن شخصاً نصحه بالذهاب إلى أذربيجان التي تتوفر فيها فرص عمل أسهل وأقل مشقة من تركيا، ولقاء أجور أفضل”، تقول الشقيقة. مضيفة أن استفتى، كما قال، “أحد الشيوخ بشأن هكذا عمل، فكان رده أنه عبارة عن وظيفة بعقد خارج البلاد، ولا يوجد حرمة في ذلك”.
وبحسب أحمد البرهو، الناشط الإعلامي الحلبي، والمقيم حالياً في عفرين، فإن دوافع المقاتلين للذهاب إلى أذربيجان مادية فقط. إذ “رأوا أن هناك من خرج إلى ليبيا، وتقاضوا 6,000 آلاف دولار خلال ثلاثة أشهر وتحسنت أمورهم المادية”، كما قال لـ”سوريا على طول”. مؤكداً في الوقت ذاته أن “هؤلاء الشباب وإن كانوا قد قاتلوا واعتادوا المعارك، فإنهم خرجوا كما قيل لهم لحراسة القواعد التركية”.
صدمة الزج في المعارك
عندما تواصل شكيب مع أدهم في أذربيجان، عبّر الأخير عن رغبته في العودة، “لكننا لا نستطيع ذلك”، كما نقل شكيب عنه، مضيفاً أنهم “ممنوعون من التصوير أو التصريح لأي جهة حتى لي. وأن شاباً تم تهديده بالسجن بعد نشره فيديو من أذربيجان”، كما أبلغه أدهم.
وقد أدت مفاجأة تغيّر المهمة من حراسة منشآت تركية في أذربيجان إلى الانخراط في معارك ناغورنو قره باخ إلى اعتراض محمد شعلان، بحسب صديقه عكوش، مخاطباً أحد قادة فصيله بالقول: “جئنا كحرس حدود وليس مقاتلين. نحن لا نقاتل الى جانب الشيعة الذين هم من يقتلون أهلنا في سوريا ويرتكب المجازر بحقنا”. مضيفاً أن خلافاً نشب بين محمد وسوريين آخرين من جهة وقادة الفصيل من جهة أخرى، ما أدى إلى إعادتهم إلى موقعهم العسكري الخلفي، لكن “بعدها فوجئنا بنبأ سقوط قذائف على موقعهم ما أدى الى استشهاد [محمد] مع شاب ثان من قرية عينجارة التابعة لمدينة الأتارب”.
الخديعة والنهاية المؤلمة لمحمد شعلان شاركه إياها محمد الشحنة. إذ بعد يومين من وصوله إلى أذربيجان، قال لشقيقته: “انضحك علينا أنا ورفاقي. الموضوع كله كذب”. مضيفة أن العائلة طلبت منه أن يعود، لكن رده كان “لا يمكنني ذلك، نحن موقعين على عقد. فقط ادعو لي”.
بدا الشاب محظوظاً، إذ عمل سائق سيارة (بيك آب)، “ينقل جنوداً إلى الخطوط البعيدة عن المعارك”، وذلك مراعاة لكونه الشقيق الوحيد لسبع بنات، بينما “أجبروا غيري على النزول إلى جبهات القتال قسراً”، كما أخبر شقيقته.
لكن لم يمض على وصوله إلى أذربيجان سوى ثلاثة أيام حتى قضى نحبه هناك.
إذ أصيب قائد مجموعته، وهو شاب سوري أيضاً من جبل الزاوية بريف إدلب. ومع عدم مسارعة أحد إلى إسعافه، قرر محمد القيام بالمهمة، بحسب ما نقلت للعائلة والدة شاب من مدينة حمص كان موجوداً هناك وقتها. إذ أصابت رصاصة قناص محمد بالرأس، ليسقط بعدها في واد، حيث ظل ينزف حتى الموت، فلم يتم اخلاؤه إلا بعد ساعتين من إصابته.
الشاب محمد الشحنة الذي قضى في معارك ناغورنو كاراباخ
تسليم الجثامين ليلاً
لم يتمكن عكوش من المشاركة في تشييع صديقه محمد عبد الرزاق لأن “جثمانه وصل مع جثامين شهداء آخرين، ليل [3 تشرين الأول/أكتوبر]، وتم دفنه في اليوم التالي في مدينة الاتارب”، فيما يقيم الصديق في عفرين.
أما جثمان محمد الشحنة، فقد استلمه رفاقه عند الحدود مع تركيا، كما تقول شقيقته، ليقوم أزواج شقيقات له بتسلمه لاحقاً من مركز الفصيل الذي سافر إلى أذربيجان من خلاله بعفرين، و”دفناه الساعة الثانية والنصف فجراَ.
محمد عبد الرزاق (أو محمد شعلان) الذي قضى في معارك ناغورنو كاراباخ
ونشر الناشط سمير نحيلي أسماء وصور عشرة سوريين قتلوا في أذربيجان على صفحته بموقع “فيسبوك”، معلقاً: “بالأمس أُدخِلوا جثثا. أذربيجان والمخابرات التركية أجبرت اهاليهم أن يدفنوهم ليلاً بلا تصوير أو مراسم دفن، والبقية المتبقية عند أذربيجان تمردوا في معسكراتهم رافضين المشاركة بالمعارك وتم تهديدهم بالسجن”.
وبحسب الناشط عمر محمود البم، العامل في المركز الإعلامي العام المعني بتغطية الأحداث في شمال سوريا، فإن “هناك 200 شخص تقريباً خرجوا من إدلب [إلى أذربيجان] دفعة واحدة، عادت جثامين خمسين منهم من خلال معبر حوار-كلس في ريف حلب الشمالي وسُلِمت لأهلهم، كما ذكر مصدر في القطاع الطبي ينسق بين مختلف الجهات الطبية”.
ارتزاق أم تجارة بشر؟
“رغم المناشدات من المقاتلين الذي وصلوا إلى أذربيجان لإخوانهم في الداخل المحرر [المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة] بعدم المجيء الى هناك”، كما يقول عكوش، فإن “بعضهم لا يزال يقتنع بفكرة الذهاب والقتال”.
وهو ما يفسره الناشط البم بالتأكيد مرة أخرى على دافع الفاقة والعوز، إذ “أغلب الذين يذهبون من الفقراء المعدمين الذين يتم استغلال حاجتهم وإغراؤهم بالمال”. ومعتبراً أن ما يحدث “لا يعدو كونه اتجاراً بالبشر”، إذ إن “السمسار لا يبالي إن كان الشخص مدنياً أم عسكرياً. وهناك عسكريون تركوا الشؤون العسكرية منذ زمن”.
فيما يذهب محمد أبو خالد (اسم مستعار)، جار محمد الشحنة خلال إقامتهما في معرة النعمان، حد وصف ما يجري بأنه “شراكة تركية روسية لإنهاء الثورة وتجويع شرفائها وقتلهم، بشراكة قادة الفصائل المنبطحين لتركيا”.
“الناس صارت تكتب عن أخي مرتزق. من خرجوا إلى أذربيجان غرر بهم بالراتب الكبير والعقد ذي المدة القليلة” تقول شقيقة الشحنة، “هم ضحايا مظلومون في صراع دولي ليس لهم فيه ناقة ولا جمل”.