الفرار من إدلب إلى تركيا تهريباً: رحلة موت من أجل الحياة
خاض أحمد، وهو أحد المهربين على الحدود السورية- التركية، "10 رحلات تهريب في شهر آب وحده" وصفها بأنها "مرعبة". وفيما "نجحت ثلاث رحلات منها، فشلت السبع الأخرى
13 سبتمبر 2020
عمان – بعد ثلاثة أيام من محاولته الأخيرة عبور الحدود السورية-التركية، انقطعت أخبار الشاب أحمد الناصر، إذ “لم يرسل لي رسالة يطمئنني بها عن حاله، كما كان يفعل أثناء محاولاته السابقة، حين كان يخبرني أنه بخير”، كما قالت زوجة أحمد لـ”سوريا على طول”.
وكان أحمد قد استقل في 4 آب/أغسطس الماضي، دراجته النارية، وانطلق من خيمته في مخيم أطمة بريف إدلب الشمالي، الذي نزح إليه مع زوجته وأطفالهما الثلاثة وأمه وأبيه، من مدينة سراقب بريف إدلب الجنوبي قبل عام تقريباً، قاصداً تركيا عبر أحد طرق التهريب، في محاولة جديدة للعبور من أجل “تأمين حياة أفضل للعائلة”، كما أضافت زوجته فاطمة منذر، لكنها كانت المحاولة الأخيرة.
فبعد أسبوعين على انقطاع الاتصال به، وصل إلى زوجته نبأ مقتله برصاص حرس الحدود التركي (الجندرما). إذ تم إطلاق النار عليه “أثناء محاولته اجتياز الجدار الإسمنتي الحدودي”.
كان همّ أحمد “إطعامنا وتأمين احتياجاتنا بعد أن ضاقت بنا الحياة هنا بسبب غلاء المعيشة. فكل ما كان يتقاضاه يومياً لقاء عمله في البناء مبلغ 3,000 ليرة [1.4 دولار بحسب سعر الصرف في السوق السوداء]، وهو لا يلبي احتياجاتنا من الخبز وحده، فكيف ببقية الاحتياجات؟!”، بحسب فاطمة.
هكذا، وعلى النقيض مما كانت تتمناه عائلة الناصر، فإن مسعى أحمد الذي انتهى بمقتله قد أدى إلى تعميق معاناة العائلة، كما أوضحت الزوجة. فعدا عن ألم الفقد “زادت معاناتنا لعدم مقدرتي على إيفاء مبلغ 900 دولار أميركي [1,926,000 ليرة]، استدانه زوجي من أصدقائه ليدفعه للمهرب الذي كان من المفترض أن يوصله إلى تركيا، وأنا لا أملك سدّ رمق أطفالي الجوعى”.
حركة نشطة رغم فشل المحاولات
رغم تشديد حرس الحدود التركي الرقابة على الحدود مع سوريا لمنع عمليات تهريب البشر، تشهد مناطق المعارضة في شمال غرب سوريا زيادة ملحوظة في هذه العمليات، لاسيما بعد إغلاق تركيا معابرها الحدودية في 13 آذار/مارس الماضي كأحد التدابير الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، ووقف استقبال الحالات المرضية غير الحرجة منذ 14 آذار/مارس الماضي، وبعدها تشديد الإجراءات حتى على عبور الحالات الحرجة، منذ 29 آذار/مارس.
كل ذلك يجعل من رحلة التهريب “بمثابة مقامرة على الحياة”، كما أقر أحمد (اسم مستعار)، وهو أحد المهربين على الحدود السورية-التركية، في حديث لـ”سوريا على طول”. مضيفاً أن “رحلات التهريب لم تتوقف منذ سنوات، لكن إقبال الشباب على الهجرة خلال شهري تموز وآب الماضيين ارتفع بنسبة 50% عن الأشهر السابقة من هذا العام”. إذ إن “هجرة العائلات قلّت بشكل كبير في الآونة الأخيرة”، كما أوضح، “مقابل حركة نشطة لهجرة الشباب”.
ووفقاً لأحمد، فإن محاولات الوصول إلى تركيا غالباً لا تنجح من المرة الأولى، وتحكم نجاحها ظروف الطريق. “فالرحلة يمكن أن تؤجل عدة مرات، كما قد تستغرق أياماً وليال، تتخللها محاولات اختباء ومناورات سعياً للوصول بسلام”.
وقد خاض أحمد، كما ذكر، “10 رحلات تهريب في شهر آب وحده” وصفها بأنها “مرعبة”. وفيما “نجحت ثلاث رحلات منها، فشلت السبع الأخرى، أربع منها بسبب انتشار حرس الحدود [التركي] في أكثر من نقطة، وثلاث نتيجة تعرض الهاربين [محاولي عبور الحدود] لإطلاق رصاص من الجندرما التركية”.
وخلال الأشهر الثماني الماضية، وثقت الشبكة السورية لحقوق الانسان مقتل سبعة مدنيين سوريين، بينهم طفل وسيدة، على يد قوات الحرس التركية، كما ذكر مدير الشبكة، فضل عبد الغني، لـ”سوريا على طول”. فيما تشير أرقام المرصد السوري لحقوق الإنسان، إلى مقتل نحو 452 مدنياً سورياً، بينهم 80 طفلاً و44 امرأة، بنيران الجندرما، منذ اندلاع الثورة السورية ربيع 2011 وحتى 13 آب/أغسطس الماضي.
ويتقاضى أحمد لقاء عمليات تهريب الأشخاص من شمال غرب سوريا إلى تركيا، مبلغاً يتراوح “بين 700 إلى 1000 دولار عن الشخص الواحد، مقارنة بمبلغ كان يتراوح بين 1,500 و1,700 دولار قبل شهرين”، كما قال. عازياً ذلك إلى تدهور الظروف المعيشية شمال غرب سوريا، وبحيث يتم تعويض الفارق من خلال “نقل أكبر عدد من الأشخاص طالما ان هناك طلب على الهجرة”.
لكن حتى بعد تخفيضها، تظل المبالغ المطلوبة “خيالية، لا يمكن تأمينها إلا بالاستدانة”، بحسب ما أكد عدة شبان من إدلب تواصلت معهم “سوريا على طول”.
وهم النجاة
ككثيرين غيره من عابري الحدود إلى تركيا بشكل غير قانوني، توقع مصطفى المحمود أن تتحقق أحلامه بحياة أفضل بمجرد أن تطأ قدماه الأراضي التركية. لكن بعد أيام من وصوله إلى ولاية هاتاي التركية المحاذية لمحافظة إدلب، قضاها عند أحد أصدقائه هناك، فوجئ بأنه غير قادر على “الحصول على الكملك [بطاقة الحماية المؤقتة] لأن التقدم للحصول عليها موقوف”، كما روى لـ”سوريا على طول”.
وهذا يعني، كما قال المحمود (47 عاماً)، أن زيارة ابنته المقيمة في اسطنبول غير ممكن “لأنني لا أملك إذن سفر، ولا يمكن أن أحصل عليه قبل استصدار بطاقة الكملك”. يضاف إلى ذلك أن فرصة حصوله على عمل تكاد تكون معدومة ما لم يصوّب أوضاعه القانونية.
المحمود، الأب لخمسة أطفال، والنازح أصلاً من محافظة درعا إلى شمال غرب سوريا، اختار طريق التهريب رغم ما فيه من مخاطر، بعد أن “رفع صاحب البيت الذي أقطنه في إدلب أجرته من 40 ألف ليرة [18.6 دولار] إلى 90 ألف ليرة [42 دولاراً]”. موضحاً أنه يحصل على “مساعدة مالية من ابنتي المقيمة في اسطنبول قدرها 50 دولاراً شهرياً [107,000 ليرة] أدفع إيجار المنزل منها وأنفق ما يتبقى لتغطية احتياجاتنا”.
ولم يتوقع المحمود أن يغادر إدلب إلا “عائداً إلى درعا في حال سقط النظام. لكن بعد أن ازدادت الضغوط المعيشية، استدنت 800 دولار من صديقي، ووصلت إلى تركيا عبر طريق التهريب من دون عائلتي التي بقيت هناك [في إدلب]، ولم أكن أعلم أن القوانين التركية بهذه الصرامة”.
في هذا السياق، أوضح المحامي حسام سرحان، عضو مجلس إدارة تجمع المحامين السوريين في تركيا، أنه “تم إصدار تعليمات بإيقاف منح بطاقة الحماية المؤقتة للسوريين في معظم الولايات التركية، منذ ثلاثة أشهر، اقتداء بولاية إسطنبول”. في المقابل “ما تزال ثلاث ولايات تمنح تلك البطاقة، هي أورفا وأضنة وكهرمان مرعش”. وهذا يستدعي بالنسبة للأشخاص القادمين من إدلب إلى تركيا عبر شبكات التهريب “أن يصلوا إلى تلك الولايات عبر مهربين داخل تركيا، ما قد يجعلهم عرضة للترحيل إلى سوريا”، كما حذر سرحان في حديثه إلى “سوريا على طول”.
“لكن بمجرد وصول الشخص إلى إحدى الولايات الثلاث واستئجاره منزلاً فيها، يستطيع التقدم بطلب للحصول على الكملك من دائرة الهجرة باعتباره مقيماً في هذه الولايات ويتم منحه البطاقة”، وفقاً لسرحان.
خسارة على جانبي الحدود
كونه أصبح مقيداً بحزمة من القوانين والإجراءات، اتجه مصطفى المحمود إلى العمل بشكل مخالف في قسم داخلي لأحد محال الحلويات “مقابل 700 ليرة تركية [207,900 ليرة سورية] شهرياً، حفاظاً على سلامتي من دوريات التفتيش”.
ويشترط قانون العمل التركي على اللاجئين السوريين “الحصول على إذن عمل بموجب معاملة قانونية يتم إجراؤها في دائرة العمال”، كما قال المحامي سرحان، شريطة “أن يكون قد مضى على حصول اللاجئ على الكملك مدة لا تقل عن ستة أشهر”.
وفيما كان عمل اللاجئ السوري من دون إذن عمل، قبل تفشي “كوفيد-19” يؤدي إلى عقوبة “ترحيل المخالف إلى سوريا” بحسب سرحان، فإنه منذ انتشار الفيروس “لم يتم ترحيل المخالفين، وتم استبدال ذلك بفرض عقوبات على أرباب العمل، قد تصل إلى إغلاق المنشآت المخالفة”.
هذه التغيير دفع “أرباب العمل إلى عدم توظيف السوريين من غير حملة إذن العمل وبطاقة الكملك”، لاسيما وأن القانون التركي يفرض على أرباب العمل “دفع تأمين شهري مقداره 700 ليرة تركية [93.95 دولاراً] عن كل عامل سوري”، ما يعني أيضاً أنه “ملزم بدفع مستحقات العامل السوري بما لا يقل عن الأجور الدنيا المحددة في قانون العمل التركي”، وفقاً لسرحان.
إزاء كل ذلك، تبدو حصيلة رحلة مصطفى، كما قال، أن “حرمت من رؤية عائلتي المقيمة في إدلب، ولا يمكنني زيارة ابنتي في اسطنبول. عدا عن شعور القلق الذي يلازمني لأنني مخالف، وقد ينتهي ذلك باحتجازي وإعادتي من حيث أتيت”.