اللجنة الدستورية: مناسبة جديدة لتأكيد دمشق رفضها حل الصراع
عمان - رغم اللغة الاحتفالية التي ميزت إعلان الأمم المتحدة عن تشكيل اللجنة الدستورية المكلفة وضع دستور سوري جديد، لا يبدو أن عمل اللجنة ينبئ بكونها خطوة أساسية على طريق حل الصراع المستعر منذ ما يقارب تسع سنوات. فمنذ انطلاق اجتماعاتها في 30 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أخذت تتسع أكثر الهوة التي يحاول المبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسون ردمها، بين وفدي الحكومة والمعارضة السوريتين.
6 ديسمبر 2019
عمان – رغم اللغة الاحتفالية التي ميزت إعلان الأمم المتحدة عن تشكيل اللجنة الدستورية المكلفة وضع دستور سوري جديد، لا يبدو أن عمل اللجنة ينبئ بكونها خطوة أساسية على طريق حل الصراع المستعر منذ ما يقارب تسع سنوات. فمنذ انطلاق اجتماعاتها في 30 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أخذت تتسع أكثر الهوة التي يحاول المبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسون ردمها، بين وفدي الحكومة والمعارضة السوريتين.
وقد شهدت الجولة الثانية من الاجتماعات خلافات “عميقة” وصراعاً “حاداً” بشأن جدول الأعمال، ما أدى إلى اختتامها، في 29 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي في جنيف، من دون أي نتائج. إذ رفض وفد الحكومة المقترحات التي قدمتها المعارضة، مصراً على مقترحات مقابلة تتعلق بما يسميه “الركائز الوطنية”، وأخرى اعتبرها وفد المعارضة خارج ولاية اللجنة الدستورية.
هذا الأمر دفع وزارة الخارجية الأميركية إلى اتهام وفد الحكومة بتعطيل عمل اللجنة، نتيجة “الشروط المسبقة” التي جاء بها إلى اجتماعات الهيئة المصغرة للجنة الدستورية، “قبل أن يكون مستعداً لمناقشة المبادئ الدستورية”، بحسب بيان نشرته الوزارة في 30 تشرين الثاني/نوفمبر، معتبرة أن تلك الشروط “تنتهك بوضوح” النظام الداخلي للجنة، وأنها “محاولة صارخة لتأخير عمل وجهد مهمين تدعمهما كل من مجموعة الدول المصغرة [التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا والأردن والسعودية ومصر] ومجموعة أستانة [التي تضم روسيا وتركيا وإيران]”.
جولة عنوانها “المماطلة”
وفقاً للقواعد الإجرائية لعمل اللجنة الدستورية، والتي وافقت عليها الحكومة وهيئة التفاوض السوريتان، يتولى الرئيسان المشتركان للجنة؛ من وفدي الحكومة والمعارضة، مهمة “تيسير واقتراح جدول أعمال وخطط عمل تمكن من تناول كل المسائل”، على أن يتوصلا، بحسب رئيس وفد المعارضة هادي البحرة، إلى جدول أعمال مشترك قبل 72 ساعة من عقد جولة الاجتماعات.
ويتركز العمل داخل ما يسمى “الهيئة المصغرة” التي تضم 45 عضواً من أصل 150 عضواً يشكلون كامل أعضاء اللجنة الدستورية أو “الهيئة الموسعة”، ويمثلون أيضاً المجتمع المدني إضافة إلى الحكومة والمعارضة. إذ “تقوم الهيئة المصغرة بإعداد وصياغة المقترحات الدستورية، وتقوم الهيئة الموسعة بإقرارها”.
وفيما تقدمت المعارضة بخمسة مقترحات لجدول أعمال الجولة الأخيرة، تم رفضها جميعاً من وفد الحكومة، اكتفى رئيس الأخير، أحمد الكزبري، بتقديم مقترح واحد صباح اليوم الأول لأعمال الجولة، تضمن “فقرة واحدة حول ما سماه الركائز الوطنية السورية”، بحسب ما ذكر عضو الهيئة المصغرة أحمد العسراوي، لـ”سوريا على طول”. وهو ما تسبب في سجال واضح بين الوفدين لأيام عدة، انتهى بانسحاب وفد الحكومة من دون عقد أي اجتماع خلال هذه الجولة.
لكن عضو الهيئة المصغرة، نائب رئيس هيئة التفاوض المعارضة، الفنان جمال سليمان، اعتبر في حديث لـ”سوريا على طول”، أن “وفد النظام لم ينسحب”، بل “كل ما جرى هو أنه ماطل وتهرب من الالتزام بأي جدول أعمال ذي صلة بالعملية الدستورية. فهو أراد من هذه الجولة أن يأخذ من المعارضة مواقف سياسية، وهذا ليس ضمن ولاية اللجنة الدستورية”.
في هذا السياق، أرجع عضو اللجنة عن المعارضة فراس الخالدي، استراتيجية “وفد النظام” في المماطلة والتعطيل إلى “كون الدكتاتور يرى [الوضع] حتى الربع الساعة الأخير جيداً”. موضحاً في تصريح لـ”سوريا على طول”، أنه “يراهن على كسب الوقت، وتغير المناخ الدولي تجاه الحل في سوريا، وتأخير انهيار جبهته الداخلية بشكل يضمن فيه وأد المعارضة السياسية عبر إفراغ قرار [مجلس الأمن الدولي] 2254 من مضمونه”.
ويبدو أن الوفد الحكومي نجح، بحسب العسراوي، في مهمة “المماطلة”، إذ انتهت الجولة الثانية من أعمال اللجنة “من دون التقدم للأمام، ولو خطوة واحدة”.
ذرائع ضعيفة
تحت ما سماه “الاتفاق على الركائز الوطنية”، استخدم الوفد الحكومي في الجولة الأخيرة مجموعة من الذرائع لإفشال الاجتماعات، شملت محاربة الإرهاب، ورفض العقوبات الاقتصادية على سوريا، وغيرها. وهي ما اعتبرها سليمان “ذرائع ضعيفة جداً”. مشدداً على أن “أي ركيزة وطنية يجب أن تناقش تحت عنوان المبادئ الأساسية للدستور”، فيما المشكلة، بحسب سليمان، تكمن في تعريف النظام السوري للركائز الوطنية، إذ يعتبر أن “محاربة الإرهاب من الركائز، [مع] اعتبار كل من حمل السلاح إرهابياً. ونحن نعرف أن آلاف السوريين الذين حملوا السلاح لا يمكن تصنيفهم إرهابيين. فهو يرى أن من كل وقف في وجهه، ولم يتفق مع سياسته أو عارضها، إرهابي”.
مع ذلك، دعا سليمان وفدي المعارضة والحكومة إلى مناقشة ملف الإرهاب ضمن الدستور، على اعتبار أن المجتمع السوري يحتاج “مواد معينة في الدستور لمكافحة الإرهاب والتطرف بصورة عامة، بما يمنع خطاب الكراهية والعنف والطائفية من التداول في المجتمع”.
وفيما أكد الخالدي أيضاً أنه “لا توجد ذرائع منطقية أو واقعية متماشية مع واقع الحال ومهمة اللجنة الدستورية، استخدمها النظام، بما يشير إلى أنه كان يرغب في المماطلة وإضاعة الوقت فقط”، اعتبر أنه “عندما طرح [النظام السوري] الثوابت الوطنية نسي أنه سلم البلاد والعباد لكل قوى الاحتلال والمعاناة الإنسانية، وأفقد الوطن سيادته عبر رهنه لمشاريع سياسية ضيقة تخدم عصبة حاكمة”، ولتكون غاية النظام “تحقيق مطالب تعيد له شرعيته السياسية، وتظهر أن المعارضة مرتهنة”. مضيفاً أن “لا أحد يقبل الإرهاب والاحتلال بكل أنواعه ونتائجه، ولا [أحد لا] يحلم بدولة قوية تحمي الإنسان السوري وتصون كرامته وحقوقه”.
“وفد تركي” و”وفد مخابراتي إيراني”
تتمثل ولاية اللجنة الدستورية المتفق عليها برعاية الأمم المتحدة في “إعداد وصياغة إصلاح دستوري يطرح للموافقة العمومية، كإسهام في التسوية السياسية في سوريا وفي تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 2254”. ولها في ذلك “أن تراجع دستور 2012، بما في ذلك في سياق التجارب الدستورية السورية الأخرى وأن تقوم بتعديل الدستور الحالي أو صياغة دستور جديد”.
لكن وفقاً لسليمان، حاول وفد الحكومة إخراج اللجنة من جوهر عملها، نحو “إصدار بيان ضد العقوبات الاقتصادية، وبيانات سياسية لا علاقة لها بالدستور، وهو [أمر] ليس من صلب عمل اللجنة”. موضحاً أن محاولات وفد الحكومة انصبت باتجاه “تجنب ذكر عملية دستورية ودستور”. كما أن للجنة قواعد إجرائية، وقد تجنب الوفد “الاتفاق على أي جدول أعمال يتعلق بصياغة الدستور ومناقشة مواده”.
بناء على ذلك، طلب وفد المعارضة، كما ذكرت عضو الهيئة المصغرة من وفد المعارضة بسمة قضماني “أن يكون هناك عنوان لاجتماع [الجولة الثانية]، يشير إلى أنه: وفقاً لولاية اللجنة الدستورية وقواعدها الإجرائية، نقترح جدول الأعمال الآتي”. الأمر الذي “لم يعجب وفد النظام”. موضحة أن “هذه العبارات تبدو مكررة ولا أهمية لها، لكنها بمنتهى الأهمية ونحن نصر عليها. وهذا الذي جعل انعقاد الجلسات غير ممكن”.
فوق ذلك، أضافت قضماني في حديثها إلى “سوريا على طول”، فإن الوفد الحكومي “لم يحدد الثوابت [الوطنية]، إنما سمعنا عنها في الإعلام”، وهو “يرى أن من هذه الثوابت أن نصرح بنية محاربة الإرهاب وإدانة الاحتلال التركي، ورفع العقوبات المفروضة على النظام ورموزه”. معتبرة أن الطريقة التي تعامل بها الوفد الحكومي توحي بأنها “طريقة اختبار لوفد المعارضة ما إذا كان وطنياً أم غير وطني”.
وبالفعل، وصف رئيس الوفد الحكومي، أحمد الكزبري، في تصريح للصحافيين في جنيف عقب فشل الجولة الأخيرة، وفد المعارضة بـ”وفد النظام التركي”، الذي “رفض الركائز الوطنية الأساسية التي تهم الشعب السوري، والمتعلقة برفض الاحتلال بشكل مطلق وتجريم التعامل مع المحتل ومكافحة الإرهاب”. فيما وصف البحرة وفد الحكومة بكونه “وفد أجهزة المخابرات ومشغله الإيراني”.
استراتيجية المعارضة
لخص العسراوي ما حصل في الجولة الثانية بوجود “موقفين متباينين لدى وفدي الحكومة والمعارضة. الأول لا يريد الدخول الى المهمة الأساسية لهذه اللجنة، والثاني يريد الدخول إليها وفق قواعدها الإجرائية المعتمدة”.
وفيما اعتبرت قضماني “أن الأمور التي يعتبرها الطرفان ثوابت وطنية لا شك فيها سنسعى إلى تدوينها في الدستور”، فإنها أعادت التأكيد على أن وفد المعارضة تبنى استراتيجية “نحن لا ندخل إلى قاعة الاجتماع من دون جدول أعمال”. وهو جدول أعمال لا بد وأن يجسد “التمسك بالعملية الدستورية وفق ما جاء في قرار تشكيلها وقواعدها الإجرائية”، بحسب سليمان.
وعلى الرغم من نجاح الوفد الحكومي في عرقلة عمل الجولة الثانية، ذهبت قضماني إلى أن “النظام مرغم على الحضور والمشاركة، لكنه لا يرغب في مناقشة أو إصلاح الدستور أو تغييره”. مضيفة أن إصرار المعارضة “على جدول الأعمال وفق القواعد الاجرائية، جعلنا نخسر دخول القاعة هذه المرة، لكن جعلنا نكسب على المدى الطويل تثبيت القواعد الاجرائية. و[نحن] لن نقبل بخرق القواعد، ومن دون احترامها لن تعمل اللجنة”.
وأضافت أن “المبعوث الدولي كان يصر على احترام القواعد [الإجرائية]، وأخبرنا بأنه لن يقوم بتيسير عملية غير مفهومة ملامحها وقواعدها”.
لكن دور الأمم المتحدة، ممثلة بالمبعوث الخاص بيدرسون، كميسر فحسب لعمل اللجنة الدستورية، يجعلها مجرد “ضامن لاحترام القواعد [الإجرائية]، فلا يمكن [للمبعوث الخاص] التدخل لحل مشكلة عندما يكون الوضع مستعصياً بهذا الشكل”، وفق قضماني.
ومن ثم، فقد اكتفى بيدرسون بإعلان انتهاء جولة المحادثات الثانية من دون اجتماع الهيئة المصغرة نتيجة عدم اتفاق رئيسي وفدي الحكومة والمعارضة على جدول أعمال.
كذلك، وعدا عن انقسام أعضاء وفد المجتمع المدني، بحسب قضماني، بين فريق “يعتبر تابعاً للحكومة السورية، لا يختلف عن أعضاء كتلة النظام، وآخر مستقل لا يتبع لأي جهة، إنما هناك تقارب في وجهات النظر مع المعارضة”، فإن هذا الوفد “لا يمكنه الدخول إلى قاعة الاجتماعات في حال لم يدخل وفدا الحكومة والمعارضة. وهو ما جعل دوره محدوداً”، في ظل الخلاف الحاصل في الجولة الثانية.
إفشال بدماء المدنيين
بالتزامن مع المماطلة في جنيف، كان النظام السوري يمارس ضغطاً آخر بغية إفشال عمل اللجنة الدستورية، عبر استهداف المدنيين في شمال غرب سوريا التي يفترض أنها منطقة خاضعة لاتفاق خفض التصعيد بين روسيا وتركيا وإيران.
فقبيل بدء أعمال الجولة الثانية، قتل 12 مدنياً وأصيب 20 آخرون، في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، جراء قصف صاروخي استهدف مخيم قاح للنازحين بريف إدلب الشمالي. كما شهدت فترة انعقاد جولة الاجتماعات تواصل الغارات الروسية والسورية ضد محافظة إدلب، بحيث طالب أعضاء في وفد المجتمع المدني المبعوث الأممي إلى سوريا، بوقف إطلاق النار، أو تجميد الاجتماعات المقبلة.
ورأت قضماني أن “النظام يتعمد التصعيد ضد إدلب قبل الجولة، في ظل سكوت كامل من المجتمع الدولي وبالتعاون مع روسيا، من أجل دفعنا إلى الانسحاب من أعمال اللجنة”. معتبرة أن هذا سيكون “أكبر هدية يمكن أن نقدمها له، لنريحه من أعمال اللجنة التي لا يريدها”.
وهو ما اتفق معه سليمان، مؤكداً بدوره أن انسحاب وفد المعارضة “لن يحدث”، لاسيما وأن “الانسحاب من اللجنة لن يوقف القتل والمعارك”.
كذلك، فإنه على الرغم من أن “مذكرات الاحتجاج أو التصريحات، والتواصل مع الدول والمبعوث الدولي فيما يخص القصف، هي من صلاحية هيئة المفاوضات السورية”، بحسب قضماني، فإن “تواجد العديد من أعضاء اللجنة الدستورية في مبنى الأمم المتحدة بجنيف مع المبعوث الخاص وفريقه، يسمح بالبحث في ملفات أخرى، كالمعتقلين وإدلب، بشكل غير رسمي من خلال قنوات خلفية”.