المجتمع المدني في سوريا: أسير الخوف وبيروقراطية الحكومة.. والسياسة
عمان- "حتماً أنتم تمزحون! لا يمكن لأحد الحديث حتى وإن كان أجنبياً"، علق مدير إحدى المنظمات الإقليمية العاملة في سوريا على سعينا لإيجاد مصادر معلومات من بين العاملين في منظمات إنسانية تتواجد في مناطق سيطرة الحكومة السورية. وخلال جمع المعلومات وإجراء المقابلات، تهرّب عاملون في مجال الإغاثة بدمشق، سوريون وأجانب على حد سواء، من الإدلاء بإفاداتهم حول ظروف العمل الإنساني هناك.
3 يوليو 2019
عمان- “حتماً أنتم تمزحون! لا يمكن لأحد الحديث حتى وإن كان أجنبياً”، علق مدير إحدى المنظمات الإقليمية العاملة في سوريا على سعينا لإيجاد مصادر معلومات من بين العاملين في منظمات إنسانية تتواجد في مناطق سيطرة الحكومة السورية. وخلال جمع المعلومات وإجراء المقابلات، تهرّب عاملون في مجال الإغاثة بدمشق، سوريون وأجانب على حد سواء، من الإدلاء بإفاداتهم حول ظروف العمل الإنساني هناك.
وذكر مسؤول في قسم العلاقات العامة لمنظمة إنسانية دولية لها نشاط في العاصمة دمشق، من مكان إقامته في العاصمة الأردنية عمّان، لـ”سوريا على طول” أن “المعلومات الواردة عن طبيعة العمل الإنساني في دمشق شحيحة، حتى بين المكاتب الإقليمية للمنظمة ذاتها”. مبيناً أن المعلومات المتاحة تقتصر على “الميزانيات والمخصصات المالية والبرامج، فيما يتجنّب العاملون الأجانب في سوريا الحديث عن أي تحديات تحمل طابعاً سياساً، أو [تلك التي] قد تُستخدم لانتقاد حكومة دمشق”.
وتكشف الانتهاكات المتواصلة بحق الكوادر العاملة في مجال العمل الإنساني ، كما رفض جميع المصادر التي أدلت بشهادتها في هذا التحقيق الكشف عن هويتها الحقيقية أو اسم منظمتها، عن خطورة العمل الإنساني في سوريا، لا سيما في مناطق سيطرة الحكومة.
إذ وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان (SNHR) في تقريرها الصادر في منتصف آذار/مارس 2019، مقتل 1109 عاملين في المجال الإنساني على يد أطراف الصراع المختلفة ، منذ اندلاع الاحتجاجات في آذار/مارس 2011، منهم 872 شخصاً على يد النظام السوري، إضافة إلى 91 من تلك الكوادر على يد القوات الروسية، في مقابل 52 قضوا على يد تنظيمات إسلامية متشددة (تنظيم الدولة، وهيئة تحرير الشام). كما لا يزال 3984 شخصاً آخر قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري، يُتهم النظام السوري -بحسب تقرير “الشبكة”- بمسؤوليته عن اختفاء أو اعتقال 3847 منهم.
تزايد الحاجة إلى العمل الإنساني
في نيسان/ أبريل 2018، انقطعت “الكفالة المالية” الشهرية التي كانت تستلمها سهى عامر، 25 عاماً، من إحدى الجمعيات الإغاثية المحلية، باعتبارها إحدى المستفيدات من “كفالة الأرامل في المنطقة”.
عامر، وهي أم لثلاثة أيتام من حرستا بريف دمشق، اعتادت تلقي مبلغ 25 ألف ليرة سورية (50 دولار أميركي تقريباً) شهرياً منذ مقتل زوجها في قصف للنظام السوري على الغوطة الشرقية في كانون الأول/ ديسمبر 2016. لكن الجمعية التي كانت تقدم “الكفالة” انتقلت إلى الشمال السوري بعد سيطرة القوات الحكومية على المنطقة العام الماضي.
ففي منتصف آذار/مارس 2018، بدأت الحافلات إجلاء عشرات الآلاف من سكان الغوطة الشرقية إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية في شمال غرب سوريا، ولتنتقل “عدوى التهجير” نحو الشمال إلى سكان مناطق جنوب دمشق والقلمون، وأخيراً الجنوب السوري، فأصبحت تلك المناطق تحت سيطرة الحكومة السورية.
نتيجة عمليات الإجلاء، توقفت نحو 90 منظمة إنسانية محلية ودولية عن العمل في الغوطة الشرقية لوحدها، بحسب ما ذكر عضو في المكتب الإغاثي الموحد لـ”سوريا على طول”، والذي كان قد تأسس لتنسيق عمل المؤسسات الإغاثية في الغوطة الشرقية. كما أتلفت وثائق وسجلات تغطي سنوات من العمل، خشية وقوعها بأيدي أجهزة الحكومة السورية، وتعرّض الأفراد المذكورين فيها، بالتالي، للخطر، لا سيما أن عدداً كبيراً من المدنيين المنتفعين من منظمات العمل الإنساني فضّلوا خيار البقاء في مناطقهم على التهجير.
اليوم، وجدت سهى عامر ومثيلاتها أنفسهنّ أمام ظروف إنسانية صعبة مع انتهاء دور الجمعيات والمنظمات الداعمة لذوي الضحايا. وقالت لـ”سوريا على طول”: “عشنا سنوات تحت الحصار في الغوطة، لكن كانت حركة الإغاثة كبيرة. أحياناً، كان يُنظر إلينا على أننا محظوظون، لحصولنا على مساعدات مالية وعينية أكثر من غيرنا، فيما أنا اليوم من دون معيل أو كفالة”.
متطوع في الهلال الأحمر يقدم طرد غذائي لأحد المستفيدين في ريف دمشق، 25/6/2019 (الهلال الأحمر السوري)
وعلى سبيل المثال، كانت منظمة “كير الدولية” واحدة من المنظمات الدولية العاملة في الغوطة الشرقية ودرعا في جنوب سوريا، لكنها أوقفت عملها في هاتين المنطقيتين بعد سيطرة الحكومة السورية عليهما. ونفى مصدر في المنظمة وجود مكاتب لها في العاصمة دمشق.
لكن بعض الجمعيات المحلية التي كانت تنشط في مناطق المعارضة السورية في ضواحي دمشق، ما تزال تسعى – إلى جانب عدد قليل من الجمعيات التي تعمل في مناطق سيطرة الحكومة “بشكل سرّي”- إلى تلبية بعض الاحتياجات الإنسانية لسكان تلك الضواحي، رغم أن “العمل محفوف بالمخاطر، ولا يلبي احتياجات أكثر من 10 بالمائة من المستفيدين السابقين”، بحسب ما قال العضو في إحدى جمعيات رعاية الأيتام عدنان الحسني، من مكان إقامته الحالي في ريف حلب الشمالي. .
وأضاف الحسني، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه الحقيقي خوفاً على عائلته المقيمة في مناطق الحكومة السورية، أن “الحاجة الآن في الغوطة الشرقية ملحّة. فأعداد الأرامل والأيتام الذين لم يغادروا الغوطة كبيرة. لذلك استأنفنا العمل رغم المخاطر الأمنية على العاملين والمستفيدين”. مشيراً إلى أنهم يكفلون حالياً نحو 1500 يتيم في الغوطة الشرقية.
وكانت الأجهزة الأمنية الحكومية قد شنت حملة اعتقالات طالت عدداً من صرّافي الغوطة الشرقية، في تموز/يوليو 2018، بتهمة نقل الأموال من مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري إلى الغوطة.
وحتى في مدينة دمشق ذاتها، لا يقلّ العمل الإنساني ضرورة عن باقي المناطق التي عادت لسيطرة الحكومة السورية في صيف 2018، وإن اختلفت التحديات والاحتياجات فيها. وغالباً ما يرتبط الدعم الإغاثي في دمشق بمواسم محددة، كحلول فصل الشتاء وشهر رمضان والأعياد.
وقالت أم زيد، 30 عاماً، وهي أم لأربعة أطفال، من مكان إقامتها في دمشق لـ”سوريا على طول”: “بداية الشتاء الماضي، وزعت جمعية محليّة صغيرة ملابس على العائلات المحتاجة في منطقتنا. و[كانت] هذه آخر مرة أحصل عليها على مساعدات عينية”.
وأضافت: “توجد جمعيات ومبادرات شبابية في دمشق، لكن ما يقدمونه محدود ومشروط؛ كأن تخصص المساعدات للأرامل أو الأيتام”. ومن ثم، فرغم حاجتها للمساعدة، كون زوجها عاطل عن العمل فعلياً، فإن “شروط الجمعيات المحلية لا تنطبق علينا، لأن الدعم موجه للأرامل والأيتام بالدرجة الأولى، وتخصص بعض المؤسسات دعمها في دمشق للنازحين من مناطق ثانية”، بحسب قولها.
وقال متطوع سابق في الهلال الأحمر السوري: “العمل الإنساني في دمشق اليوم مهم جداً، لكن تحديداً الأعمال الإنمائية والتشغيلية وليس الإغاثية”. موضحاً أن “الناس تريد فرصة عمل، وليس سلّة [غذائية] تنفد بعد أيام”.
جدلٌ حول العمل الإنساني في مناطق الحكومة
في آذار/مارس الماضي، عقد الاتحاد الأوروبي “مؤتمر بروكسل الثالث” لدعم مستقبل سوريا والمنطقة. وشهدت الاجتماعات الرسمية للمؤتمرات، والفعاليات الجانبية، ارتفاع أصوات عاملين في القطاع الإنساني بمناطق الحكومة السورية، تطالب بحصّة هذه المناطق من أموال المانحين.
ولم يدعُ الاتحاد الأوروبي حكومة دمشق للمشاركة في مؤتمر بروكسل، ما دفع الأخيرة إلى اتهامه بـ”التسييس المتعمد للشأن الإنساني، ومحاولة استغلاله للاستمرار في ممارسة الضغوط على سورية وتعقيد الأزمة فيها”، بحسب بيان رسمي لوزارة الخارجية والمغتربين السورية.
وتعهدت الجهات الدولية المانحة، خلال المؤتمر، بتقديم ٦,٧٥ مليار دولار مساعدات إنسانية لسوريا والدول المجاورة، منها ٥٦٠ مليون يورو (٦٣٧,٦ مليون دولار) من الاتحاد الأوروبي، و٣٩٧ مليون دولار من الولايات المتحدة، و٣٠٠ مليون دولار من الكويت ستقدم للبلدان المضيفة للاجئين السوريين.
كما اجتمعت على هامش المؤتمر منظمات مجتمع مدني عاملة في كل من مناطق الحكومة والمعارضة مع مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا “غير بيدرسون”، ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي “فيديريكا موغريني” لبحث ملف دعم العمل الإنساني داخل سوريا وخارجها.
وانصب تركيز المنظمات السورية القادمة من دمشق على المطالبة بعودة اللاجئين، وإعادة الإعمار، ورفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، فضلاً عن دعم جهود التنمية والصحة والتعليم، بحسب ما ذكر أحد المشاركين في الاجتماع لـ”سوريا على طول”.
وقال الدكتور شادي قطيفان، مدير “منظمة أورانتس“، وهي إحدى المنظمات العاملة في المجال الإنساني والخدمي في مناطق جنوب سوريا قبل سيطرة الحكومة عليها: “رغم أننا منظمة عملت في مناطق المعارضة، إلا أننا لم نطلب إيقاف الدعم بشكل كامل عن دمشق”. مؤكداً ضرورة “استمرار العمل الإنساني الذي يخفف من معاناة المواطن العادي”.
لكنه نبه إلى ضرورة التفريق بين الدعم الإنساني وإعادة الإعمار، مشدداً على ضرورة “عدم دعم الإعمار، والإبقاء عليه ورقة ضغط على الأطراف السياسية للوصول إلى حلّ سياسي”.
ورغم التجاذبات السياسية بين النظام والمعارضة، وتأثيرها على العمل الإنساني في دمشق، فإن “دور المجتمع المدني بمناطق الحكومة مهم وضروري”، بحسب ما قال لـ”سوريا على طول” سامي البارودي، المتطوع في منظمة محلية بمناطق الحكومة السورية.
وأضاف البارودي، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه الحقيقي لأسباب أمنية: “أغلب المبادرات والأنشطة تحقق حاجات حقيقية للناس”.
في المقابل، يتساءل الحقوقي والمعتقل السابق في سوريا، أنور البني: “كيف يمكننا أن نبني حلولاً مع مرتكبي جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب؟”. وجاء طرحه هذا التساؤل في إحدى النقاشات الافتتاحية للجزء الخاص بحوار المجتمع المدني ضمن فعاليات “مؤتمر بروكسل الثالث” هذا العام. فهكذا خيار، كما يرى البني “يتعلق بعقد صفقات مع مجرمين مطلوبين من قبل المحاكم الدولية لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية”.
“لا يمكن فصل العمل الإنساني عن السياسة”
في المناسبات واللقاءات الدولية، تدعو الحكومة السورية المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية إلى تحمل مسؤولياتها على صعيد توفير الخدمات ورفع العقوبات أو الإجراءات “أحادية الجانب” كما تسميها، المفروضة على سوريا منذ العام 2011.
لكن الاتحاد الأوروبي أعلن مطلع العام الحالي 2019، فرض عقوبات جديدة شملت 11 رجل أعمال وخمسة كيانات (شركات) لهم علاقة بحكومة دمشق. ومن بين المدرجين على قائمة العقوبات الجديدة شخصيات استثمرت في مشروع “غراند تاون”، وهو عبارة عن قرية تضم 600 وحدة سكنية بالقرب من مطار دمشق الدولي.
وكان موقف الاتحاد الأوروبي في “مؤتمر بروكسل الثالث” حازماً بعدم تقديم أي مساعدات لدعم جهود إعادة الإعمار في سوريا، بحسب ما ذكرت موغريني خلال حديثها إلى الصحافيين في “مؤتمر بروكسل الثالث”.
وبينما تتهم دمشق المجتمع الدولي بـ”تسييس” الملف الإنساني، بحسب ما جاء في البيان الذي نشرته الخارجية السورية في أعقاب “مؤتمر بروكسل الثالث”، وكلمة وزير الخارجية السوري وليد المعلم أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2018، فإن حكومة دمشق متهمة بدورها، من قبل منظمات دولية، بـ”تسييس” الملف الإنساني، والتدخل المباشر وغير المباشر في العمليات الإنسانية في مناطق نفوذها.
وكان كارستن هانسن، المدير الإقليمي للمجلس النرويجي للاجئين، انتقد في اجتماعات بروكسل “القيود التي تفرضها الحكومة على العاملين في المجال الإغاثي”.
ومع سيطرة الحكومة السورية على جنوب البلاد، أوصلت عبر مؤسسات الأمم المتحدة العاملة في المجال الإنساني في دمشق، رسالة إلى المنظمات السورية والدولية العاملة في مناطق المعارضة سابقاً، مفادها السماح لهذه المنظمات بالعمل بشكل قانوني في دمشق.
وقال إداري في منظمة إقليمية، من مقر إقامته في العاصمة الأردنية عمان: “طُرح في اجتماعات مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية (OCHA) بأن النظام يشجع افتتاح مكاتب للمنظمات الإنسانية في دمشق ولكن ضمن شروط معينة”.
وأضاف المصدر: “بحسب النقاشات –وهي غير رسمية وغير مباشرة مع النظام– فإن التسجيل في دمشق يجب أن يكون باسم جديد غير الاسم الذي كانت تعمل به المنظمة في مناطق المعارضة، واستبعاد بعض الشخصيات من هذه المنظمات أيضاً، وأن يكون العمل تحت مظلة الهلال الأحمر السوري”.
ويُشرف الهلال الأحمر السوري، على معظم الأعمال الإنسانية السورية في مناطق الحكومة السورية، ويعدّ الناقل الحصري للمساعدات الأممية من العاصمة دمشق إلى مناطق المعارضة السورية كمخيم الركبان، والغوطة الشرقية عندما كانت خارج سيطرة الحكومة. لكن منظمات إنسانية كانت قد أثارت منذ مرحلة مبكرة من الصراع شكوكاً بشأن العلاقة بين الهلال الأحمر السوري والحكومة بما يسمح للأخيرة باستغلال المساعدات لمصلحتها، مادياً ومعنوياً.
على الرغم من ذلك، فإن هذا الانفتاح من قبل الحكومة السورية شجع منظمات دولية على محاولة الدخول إلى دمشق. وفعلاً، تمت الموافقة في أيلول/سبتمبر 2018، على منح تأشيرات لعاملين في إحدى المنظمات الدولية (فضلت عدم ذكر اسمها) التابعة للاتحاد الأوروبي. لكن الحكومة “تؤثر على سير العمل الإنساني في دمشق”، بحسب ما ذكر عضو منظمة دولية لـ”سوريا على طول”. وهو ما يظهر على مستويين رئيسين اثنين.
الأول، يتعلق بالحصول على التراخيص والموافقات الرسمية لعمل الفرق الإنسانية في مناطق سيطرة الحكومة، كما انطلاقاً من مناطق الحكومة إلى مناطق المعارضة.
واعتبر متطوع سابق في الهلال الأحمر السوري لـ”سوريا على طول” أنه “لا يمكن لمنظمات العمل الإنساني أن تعمل بعيداً عن مظلة الدولة. والعمل الإنساني يكون ضمن إطار ترسمه وزارة الشؤون الاجتماعية بما يناسب وضع البلد”.
وأضاف: “حالياً الدولة متجهة إلى دعم أسر قتلى الجيش”، منوهاً إلى ضرورة “دعم المنظمات المحلية والدولية هذه الأسر حتى تحصل على التسهيلات اللازمة”.
ويؤكد تقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش، أواخر الشهر الماضي، بعنوان “نظام مغشوش: سياسات الحكومة السورية لاستغلال المساعدات الإنسانية وتمويل إعادة الإعمار”، الاتهامات السابقة، عبر الكشف عن قيام دمشق بوضع “إطار سياسي وقانوني يسمح لها باستغلال المساعدات الإنسانية وتمويل إعادة الإعمار”.
ويفيد التقرير بأن “القيود الحكومية المنتظمة على وصول المنظمات الإنسانية إلى المجتمعات المحلية، والموافقة الانتقائية على المشاريع الإنسانية، واشتراطها على أن تشارك الجهات الفاعلة المحلية التي خضعت لتدقيق أمني… تضمن ان الاستجابة الإنسانية تحوّل بشكل مركزي لصالح أجهزة الدولة”.
وبحسب سامي البارودي، فإن إجراءات العمل الإنساني تحت مظلة الدولة، تنقسم إلى ما نسبته 30 بالمائة إجراءات قانونية سهلة التطبيق، و70 بالمائة إجراءات أمنية وموافقات ودراسات، ويمكن بعد كل ذلك “أن ترفض معاملتك بسبب ملفك الأمني أو ملف أحد أقاربك”.
في السياق ذاته، يكشف أحد العاملين في منظمة دولية، زار دمشق عدة مرّات في الأشهر الأخيرة، أن “من القيود المتعلقة بالعمل الإنساني في سوريا ما يتعلق بالعمليات البيروقراطية التي تفرضها الحكومة السورية، وجهات فاعلة أخرى، مثل الهلال الأحمر العربي السوري”. وهذه “البيروقراطية” تسببت في إلغاء بعض الزيارات الميدانية لمنظمات إنسانية دولية إلى سوريا، بحسب ما ذكر.
وأضاف: “من العوائق التي تواجه شركاءنا التنفيذيين في دمشق، التأخر في صدور الموافقات لبعض المشاريع، وعدم قدرتهم على الوصول من دمشق إلى مناطق أخرى في سوريا خاضعة لسيطرة الحكومة، ما يحول تنفيذ بعض المشاريع أو تأخيرها”.
وفي ردّه على الاتهامات الموجهة الى الحكومة السورية بعرقلة العمل الإنساني والتأثير عليه، قال محامٍ من دمشق لـ”سوريا على طول”، أنه “في كل دول العالم يتم الإشراف على العمل الإنساني من الوزارة المختصة، ويكون للوزارة دور رقابي على الجمعيات وقراراتها والمبالغ المالية وكيفية صرفها”.
وتنصّ المادة (44) من قانون الجمعيات والمؤسسات رقم (93) على أن “الجمعيات ذات النفع العام تخضع لرقابة الجهة الإدارية المختصة، وتتناول هذه الرقابة فحص أعمال الجمعية، والتحقق من مطابقتها للقوانين، ونظام الجمعية، وقرارات الهيئة العامة، ويتولى هذه الرقابة مفتشون يعينهم الوزير المختص”.
لكن إفادات العاملين في منظمات إنسانية بمناطق الحكومة السورية، تشير إلى أن تدخل الحكومة ورقابتها تتجاوز القانون، وتتضاعف التحديات والمخاطر الأمنية على المنظمات المحلية والعاملين السوريين دون سواهم.
وقال البارودي: “العمل الإنساني لا يعفيك من المخاطر الأمنية، أو التجنيد الإجباري”. مشيراً إلى أن “العمل أو التمويل الخارجي من دون علم الحكومة يعرّضك للمساءلة”. وبحسب تعبيره، فإن “كلمة خارجي لوحدها توتّر الأجواء”.
وختم البارودي بالقول: “لا يمكن فصل العمل الإنساني عن السياسة. توجد سياسة في البلد يجب أن تُفرض على العمل”. وذكر نموذجاً لمنظمة محلية، أصدرت وزارة الشؤون الاجتماعية قراراً بمنع التعاون معها. إذ رغم إلغاء القرار الوزاري بحق المنظمة، يرفض الأشخاص التعامل معها للآن، إذ “لا أحد يريد أن يدخل نفسه في متاهة” بحسب قوله.