المحامي الحقوقي أنور البني يحذر من “عقد صفقات مع مجرمي الحرب” في مؤتمر بروكسل
"كيف يمكننا أن نبني حلولاً مع مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب؟"، سؤال وجهه المحامي الحقوقي السوري أنور البني، الحائز على جوائز في مجال حقوق الإنسان، في غرفة مكتظة بممثلي الأمم المتحدة، ونشطاء المجتمع المدني، والمسؤولين الحكوميين، والصحفيين، خلال إحدى النقاشات الافتتاحية للجزء الخاص بحوار المجتمع المدني، في مؤتمر "بروكسل الثالث" لهذا العام.
17 مارس 2019
“كيف يمكننا أن نبني حلولاً مع مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب؟”، سؤال وجهه المحامي الحقوقي السوري أنور البني، الحائز على جوائز في مجال حقوق الإنسان، في غرفة مكتظة بممثلي الأمم المتحدة، ونشطاء المجتمع المدني، والمسؤولين الحكوميين، والصحفيين، خلال إحدى النقاشات الافتتاحية للجزء الخاص بحوار المجتمع المدني، في مؤتمر “بروكسل الثالث” لهذا العام.
وقال في خطاب ناري “الأمر يتعلق بعقد صفقات مع المجرمين، المطلوبين من قبل المحاكم الدولية لجرائم ضد الإنسانية”.
وتميز المؤتمر الدولي السنوي للمانحين، هذا العام، بتوتر متزايد بين هدفي جمع الأموال للاستجابة للاحتياجات الإنسانية العاجلة للمدنيين داخل سوريا وخارجها، وفي الوقت نفسه للضغط من أجل “حل سياسي دائم” للنزاع.
وكانت حجة البني أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. فمنذ آخر مرة اجتمع فيها الدبلوماسيون والمنظمات الإنسانية الدولية وممثلو المجتمع المدني السوري في بروكسل، لحضور المؤتمر السنوي “دعم مستقبل سوريا والمنطقة”، عززت الحكومة السورية من سيطرتها إلى حد بعيد.
وقد انهارت مساحات شاسعة من الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة في جميع أنحاء البلاد واحدة تلو الآخرى، وأثبتت الحكومة السورية موقفها، بدعم من حلفائها الروس والإيرانيين، أنها غير مستعدة لتقديم تنازلات، في حين أن المجتمع الدولي يتكيف مع واقع الحرب التي تدخل مرحلة جديدة، مع انتصار الحكومة فيها.
ومع تاريخ طويل من الدفاع عن الصحفيين والسجناء السياسيين في المحاكم السورية، أمضى البني سجيناً لأكثر من خمس سنوات قبل الانتفاضة، حيث تعرض للتعذيب كما ورد، وعند إطلاق سراحه في عام 2011، استمر في الدفاع عن حقوق المعتقلين قبل مغادرته البلاد في نهاية المطاف بالكامل في عام 2014.
أنور البني في مؤتمر “بروكسل الثالث” يوم الأربعاء.
وأصبح البني، وهو المدير التنفيذي للمركز السوري للدراسات والبحوث القانونية ومقره ألمانيا، معروفًا في الصيف الماضي بصفته المحامي المسؤول بشكل رئيسي عن إصدار مذكرة التوقيف الدولية الأولى ضد المسؤول الحكومي السوري الكبير جميل حسن.
حيث اتهم الحسن، وهو رئيس فرع أمن المخابرات الجوية السوري، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لدوره في اغتصاب مئات السوريين وتعذيبهم وقتلهم.
وبعد بضعة أشهر، أصدر المدعون العامون الفرنسيون مذكرة توقيف مماثلة ضد الحسن واثنين آخرين من كبار مسؤولي الأمن.
وفي الوقت الذي تبدو فيه محادثات السلام التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف راكدة إلى حد ما، لا يزال البني يشك بشأن احتمالات أي عملية سياسية حول سوريا.
وقال البني للصحفي عمار حمو من سوريا على طول يوم الأربعاء-اليوم الثاني من المؤتمر- “لقد حول المجتمع الدولي جنيف إلى مسرح للدمى”.
وأضاف، “نحن بحاجة إلى الأمل في التوصل إلى نتيجة سياسية”.
في الوقت نفسه، يأمل البني أن تمهد أوامر الاعتقال الدولية الصادرة العام الماضي، الطريق نحو المساءلة والعدالة الانتقالية للسوريين.
وقال “لا أتحدث فقط عن مجرم أو اثنين, أنا أتحدث عن البنية التحتية القانونية للنظام السوري، والتي تسمح لهؤلاء المجرمين … مواصلة ارتكاب الجرائم”.
هل تشعر أن هناك فجوة بين السياسات التي تجري مناقشتها هنا في بروكسل، والحقائق التي يعيشها السوريون على أرض الواقع؟
هناك فجوة بالتأكيد، لكن هذه الفجوة متعمدة. يدرك السياسيون حقيقة الواقع في سوريا، يعرفون بالتفصيل من خلال وكالات استخباراتهم ودبلوماسييهم.
أولا، هناك شيء لم يعد بإمكان المجتمع الدولي الالتفاف حوله – على الرغم من أنهم حاولوا كثيرا – وهو حقيقة أن الموجودين في السلطة في دمشق ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. لا يمكنك العمل مع هؤلاء الأشخاص، لا كجزء من فترة انتقالية، ولا في المستقبل كرؤساء لسلطة شرعية مفترضة.
كان هذا واضحًا من الناحية السياسية منذ فترة طويلة، من تقارير منظمات حقوق الإنسان ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وكذلك لجنة حقوق الإنسان ولجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة. لكنهم ما زالوا يحاولون تجاهلها والمضي قدماً كما لو أن هذا النظام لا يزال جهة فاعلة يمكنك العمل معها.
كانت هذه مشكلة تجاهلوها، لكن بعد إصدار ألمانيا وفرنسا أوامر اعتقال، لم يعد بإمكانهم تجاهلها. نأمل أن تفعل الدول الأخرى نفس الشيء قريبًا أيضًا.
وأنا هنا لا أتحدث فقط عن واحد أو اثنين من المجرمين، أو أن اللاجئين يخشون العودة بسبب واحد أو اثنين من المجرمين. أنا أتحدث عن البنية الأساسية القانونية للنظام السوري، والتي تسمح لهؤلاء المجرمين بالبقاء في مكانهم ومواصلة ارتكاب الجرائم. وإذا لم تصل هذه البنية التحتية القانونية إلى نهايتها، فإنها تسمح لهم بارتكاب جرائم مرة أخرى.
هل تعتقد سيتغير شيء بعد مؤتمر “بروكسل الثالث”؟
القرار ليس في أيدي الأوروبيين. الدور السياسي لأوروبا محدود للغاية وكذلك دورها العسكري، لأن أمريكا هي التي تقود الحل السياسي. ليس لدى الأوروبيين أي قدرة على اتخاذ قرار مستقل بالتدخل، سواء كان عسكريًا أو سياسيًا، رغم أنهم يحاولون في بعض الأحيان.
ولهذا السبب فإن اهتمامهم يقتصر على المجتمع المدني والمساعدات والاحتياجات الإنسانية. أعربت فيديريكا موغريني، رئيسة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، عن ذلك عدة مرات. وهذا ناتج عن عدم القدرة القانونية، وانعدام الوسائل لديهم. التحدي هو أنهم لا يستطيعون التحرك دون إرادة الأميركيين.
إذن آمالكم من هذا المؤتمر هو الجانب الإنساني أكثر من السياسي، أليس كذلك؟
لا، نحن بحاجة إلى الأمل في التوصل إلى نتيجة سياسية، لأن أوروبا قد تضغط على السياسة الأمريكية. وفي الوقت الحالي، ليس لدى الولايات المتحدة إستراتيجية لسوريا، لذلك من المهم حقًا ممارسة الضغط عليهم من أجل وضع استراتيجية إلى الأمام.
ومن المهم، أن تقدم أوروبا استراتيجية عن كيفية حل الوضع في سوريا. حتى الآن، كانت الدول الغربية تتفاعل فقط مع ما يحدث في سوريا.
لقد حول المجتمع الدولي جنيف إلى مسرح للدمى، والترفيه. إنهم يعلمون جميعًا أنه لن يخرج شيء من جنيف.
هل تعتقد أن أوامر الاعتقال الصادرة عن ألمانيا وفرنسا العام الماضي تعني أننا سوف نبدأ في رؤية الحكومة السورية تخضع للمساءلة في المستقبل؟
إن مقاضاة المجرمين الذين وصلوا إلى أوروبا أمر نلاحقه في الوقت الحالي، وسنحاكم جميع المجرمين الذين أتوا إلى أوروبا.
حيث استخدمت المحاكم الوطنية في أوروبا المبدأ القانوني المتمثل في الولاية القضائية العالمية – السماح للدول بالمطالبة بالاختصاص القضائي على شخص متهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة – لتوجيه وإصدار أوامر اعتقال ضد عدد من كبار المسؤولين السوريين.
هذه ليست مسألة سياسية، إنها مسألة يحكم عليها القضاء الوطني [للدول المعنية].
هل هذا يعني وجود بصيص من الأمل في نظرك؟
هناك دائما بصيص من الأمل. سوف تتغلب سوريا والسوريون على معاناتهم الهائلة.
الثمن الكبير الذي يدفعه السوريون ليس فقط ثمن تغيير النظام، ولكن ثمن تغيير العالم.
ساهم باريت ليموج في تقديم التقرير من بروكسل.
ترجمة بتول حجار