المحللة السابقة في وزارة الدفاع ميليسا دالتون: الولايات المتحدة تحتاج “نهجًا متماسكًا” للسياسة في سوريا
استهدفت الطائرات الحربية والصواريخ الأمريكية، الشهر الماضي، مواقع تابعة للأسد […]
3 مايو 2018
استهدفت الطائرات الحربية والصواريخ الأمريكية، الشهر الماضي، مواقع تابعة للأسد في سوريا للمرة الثانية خلال ما يزيد عن العام بقليل، عقب تقارير عن استخدام الأسلحة الكيماوية في البلاد.
وفي الصحراء الشرقية في سوريا تسيطر القوات ذات الغالبية الكردية، المدعومة من الولايات المتحدة والتي تأخذ نصائحها من أفراد أمريكيون وتحميها الطائرات الحربية الأمريكية، على مساحات شاسعة من البلاد و 50 في المائة من ثروة سوريا من النفط والغاز.
كما أن الولايات المتحدة رسخت نفسها في سوريا ولكن إلى أي حد؟
إن فهم الاستراتيجية الأمريكية في سوريا اليوم يتطلب “القليل من التخمين” وفقأ لما قالته ميليسا دالتون، محللة السياسة في واشنطن العاصمة، والتي خدمت لأكثر من 10 سنوات من في وزارة الدفاع ضمن الأدوار الاستخبارية والاستشارية.
دالتون زميلة قديمة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، حيث يتركز عملها في المقام الأول على سوريا والشرق الأوسط. وقد شهدت بانتظام أمام الكونغرس خلال جلسات الاستماع حول سوريا.
وتقول دالتون لمراسل سوريا على طول، جستن كلارك “يبدو أننا إذا واصلنا مسارنا الحالي، فإننا في طريقنا نحو إنشاء منطقة شبه مستقلة تتمتع بحكم ذاتي في شمال شرق سوريا، وهل نحن على استعداد لتحمل العواقب السياسية؟”
وأضافت “الشيء الذي لا يزال مفقوداً هو التوصل إلى استراتيجية أوسع تقود إلى تسوية سياسية”.
شنت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، الشهر الماضي، هجمات محدودة على مواقع الأسلحة الكيميائية في سوريا، ما مدى تأثير هذه الهجمات في ردع استخدام هذه الأسلحة؟ وكيف تتناسب هذه الضربات مع الاستراتيجية الأمريكية الأوسع في سوريا؟
كانت الضربات ضرورية لإظهار الالتزام الدولي بردع استخدام الأسلحة الكيماوية، وتم تحديدها بشكل جيد للتخفيف من مخاطر الخسائر المدنية السورية والروسية والإيرانية. ومع ذلك، من المرجح أنهم لن يردعوا الأسد عن استخدام الأسلحة الكيماوية مرة أخرى.
ويجب أن تُتبع الدبلوماسية الصعبة والمساءلة والعقوبات القضائية ضد الحكومة السورية وإيران وروسيا وكوريا الشمالية لمنع استخدام الأسلحة الكيماوية.
ولا تسبب الضربات شيئاً يذكر في تغيير الاستراتيجية الأمريكية في سوريا، التي ما زالت تركز على نهج وأهداف ضيقة: مكافحة الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل.
ولم تلتزم الولايات المتحدة بعد بإستراتيجية دولية تجمع بين الالتزامات الاقتصادية والقضائية والعسكرية والدبلوماسية وتعبئتها للتعامل مع الدوافع الكامنة وراء الصراع الذي تصنعه إيران وروسيا والجهات الفاعلة غير الحكومية مثل تنظيم الدولة.
وعلاوة على ذلك، لا تزال هناك مخاطر كبيرة تتمثل في أن الاستثمارات العسكرية والاقتصادية الايرانية والروسية في سوريا ستمكّنهما من استخدامها كمنصة لإبراز السلطة والمنافسة في مواجهة الولايات المتحدة في المنطقة. ومن المرجح أن عدم الاستمرار في متابعة تحقيق الإستقرار في شمال شرق سوريا قد يؤدي إلى إعادة نمو الجماعات المتطرفة مثل داعش.
وبين كل تلك الأحداث يعتبر المدنيون السوريون هم الخاسر الأكبر.
عندما نتحدث عن السياسة الخارجية الأمريكية تجاه سوريا، يبدو أن هناك أهدافاً غامضة لإعادة بناء المناطق التي دمرها تنظيم الدولة وعرقلة التوسع الإيراني. لكن الأهداف الطويلة الأجل والتي تتعلق بحقول النفط والقواعد العسكرية في أماكن مثل الصحراء الشرقية، لا تزال غير واضحة إلى حد ما.
وأنت كشخص عمل مع وزارة الدفاع حتى عام 2014 وزار الرقة في وقت سابق من هذا العام، هل يمكنك أن تحدّثيننا عمّ يقود السياسة الخارجية في سوريا في الوقت الحالي؟
بصراحة لا أعتقد أن هناك حالياً نهجاً متماسكاً.
وإن أوضح تعبير للسياسة التي كانت لدينا، على الأقل بشكل معلن، كان خطاب الأمين العام للولاية ريكس تيلرسون، في كانون الثاني والذي سعى إلى ربط الأهداف طويلة الأجل والرؤية المتعلقة بسوريا والقوات الأمريكية والأفراد العاملين في الميدان لتحقيق الاستقرار.
لكن هناك فجوة كبيرة بين تلك الأهداف الواسعة والنهج التصاعدي الذي تتبعه الولايات المتحدة في الوقت الحالي ، وهذا هو محور التقرير الذي كتبته [ لقراءة تقرير دالتون في كانون الثاني 2018، حول جهود تحقيق الاستقرار في شرق سوريا هنا].
ويبدو أننا إذا واصلنا مسارنا الحالي، فإننا نتجه نحو إنشاء منطقة كردية شبه مستقلة في شمال شرق سوريا. هل نحن مستعدون لتحمل العواقب السياسية لذلك مع الأتراك؟
عناصر من قوات سورية الديمقراطية التي تدعمها الولايات المتحدة في حقل نفط في محافظة دير الزور يوم الثلاثاء. الصورة من Delil Souleiman/AFP.
شرق سوريا يحتوي الكثير من الإمكانات، والإكتفاء الذاتي سيوفر بعض النفوذ وسط سوريا (حكومة الأسد) في المفاوضات السياسية. ومع ذلك ، يتعين عليك بناء قدرات قطاعي النفط والزراعة هناك لأن المنطقة غير مكتفية حالياً.
لا يزال النفط ينقل من شرق سوريا ليتم تكريره في المناطق الغربية التي تسيطر عليها الحكومة و قوات سوريا الديمقراطية تسهل ذلك.
وهناك العديد من المواضيع المتباينة التي يجب أن نأخذها في عين الاعتبار من حيث كيفية النهوض بفكرة منطقة شبه مستقلة بطريقة لا نتخلى بها عن شركائنا ولا نلغي نفوذنا في محاولة لإنهاء هذا النزاع . ولكن الى أي مدى يمكن أن يتبلور هذا التفكير فيما يتعلق بالخيارات السياسية الكبيرة التي يجب اتخاذها في العام المقبل؟ انا لا اعرف.
ولم يكن هناك أي تعبير عام عن تشجيع الاكتفاء الذاتي في شرق سوريا، وأعتقد أنه من المهم تعزيز هذا الجهد بشكل كامل وحشد الدعم الدولي له.
في تقريرك الصادر في كانون الثاني 2018 “Squaring the Circle” تركزين على أنه من المهم أن تخلق الولايات المتحدة نفوذاً دبلوماسياً مع المشاركين في النزاع. كيف يكون ذلك بالضبط؟
على مدى السنوات السبع الأخيرة من الصراع، أُثبت أن هذا الأمر صعب المنال، على الرغم من بعض الجهود النبيلة في محاولة القيام بذلك.
إن الأطراف الأخرى من النزاع قد أظهرت في نهاية المطاف أنها تهتم أكثر بمسار سوريا وهذا يمثل جزءا من المشكلة. لقد كانوا على استعداد لخسارة المزيد من مؤيديهم من أجل الالتزام وهذا يمنحهم المزيد من النفوذ في التسوية التي نأمل أن تأتي.
وكجزء من النفوذ، يجب إنشاء نفوذ على الأرض، ولكن يجب أن يتزامن مع الجزء الآخر خارجياً. ونظراً لحالة روسيا فإن الولايات الامريكية لديها استراتيجية وطنية جديدة للأمن والدفاع، تطرح فكرة المنافسة مع روسيا وبدرجة أقل مع إيران.
كيف عاشت سوريا ضمن تلك الاستراتيجية؟ وما مدى أهمية سوريا كحلبة تجري فيها تلك المنافسة ؟
في تقييمي الخاص، أعتقد أن سوريا هي المسرح النشط الذي تُلعب فيه هذه المنافسة. والآن روسيا وإيران لها اليد العليا.وذلك سوف يتطلب من الولايات المتحدة أن تتخذ خطوة للوراء والنظر في مدى أهمية سوريا في السياق الأوسع لما تريد القيام به حيال روسيا وأوروبا الشرقية.
خلاصة القول هو أنه من أجل خلق نوع من النفوذ الدبلوماسي الذي أشرت إليه، يجب على الولايات المتحدة أن تتراجع وأن تنظر إلى مكان وجود هذه الترابطات.
سمعنا الكثير عن فكرة التوسع الإيراني، وهي أنه في حال سمحت الولايات المتحدة لسوريا بالازدهار اقتصادياً، فإنها ستصبح قاعدة لطهران في بلاد الشام. وهناك بعض المحللين، مثل جوشوا لانديز، ممن يقولون إن المخاوف من “الهلال الشيعي” مبالغ فيها، وأن على الولايات المتحدة أن تتراجع، وأن تسمح للمنطقة بالتعافي من الناحية الاقتصادية. ما هو رأيك بذلك؟
هذا يعود إلى مسألة الحكم وما هو الوضع المستدام. من الواضح أن البذور التي سمحت لداعش، والقاعدة سابقا في العراق، بأن تزدهر، هي موجودة في نظام الحكم.
إن الحكم هو المحرك الرئيسي للحرب الأهلية السورية. إذا بقي الأسد في السلطة- وأنا لا أدافع عن تغيير النظام – لكن إذا بقي في السلطة، أعتقد أننا سنشهد حالات من التمرد. وبحدوث ذلك، سيكون هناك فرص للجهات الفاعلة مثل إيران وروسيا في زيادة توطيد نفوذها في المنطقة بطرق لن تفيد الولايات المتحدة أو شركائنا.
وإذا لم يوضع حد لهذه الطموحات بأي شكل من الأشكال، على سبيل المثال يوجد حالياً عدد كبير من قوات الحرس الثوري الإيراني في سوريا أثبتت قدراتها الاستطلاعية. لقد قام الإيرانيون بالفعل بإرسال بعض تلك القوى التي لديها خبرة في القتال في سوريا إلى اليمن لتعزيز المواجهة ضد السعوديين عبر الحوثيين.
والآن، لديك الإيرانيون والعراقيون والسوريون واللبنانيون وحزب الله يدعمهم المجندون الأفغان والباكستانيون من ذوي الخبرة العملية القتالية في سوريا، والذين يمكنهم الآن الانتشار في أجزاء أخرى من المنطقة لخوض هذه الحروب. وهذه حتما إمكانيات خطيرة.
ومجددا، أنا لا أدعو إلى تغيير النظام غدًا، لكني أعتقد أن التسوية السياسية النهائية في سوريا يجب أن تتضمن الحكم، ومشاركة السلطة ودروسا للحد من احتمال استمرار هذه السلوكيات.
وخلافا لذلك، فإننا قد نشهد المزيد من الصراعات، حتى لو كان ذلك من خلال وكلاء للحروب. ومن هنا تأتي إمكانية التصعيد لمستويات أعلى من الحرب والمواجهات.
ذكرت بإيجاز، وكتبت في تقرير سابق، أن كل من داعش والحرب الأهلية السورية هما مشكلتان لهما نفس الجذر: الحكم السيئ. برأيك أن أي حل طويل الأمد للصراع سوف يحتاج إلى معالجة هذه المشكلة.
في الأراضي التي استولت عليها قوات سوريا الديمقراطية مؤخراً، مثل الرقة، هل ترين أن الحكم المدني الفعال على المدى الطويل قد بدأ يظهر؟
أعتقد أن هناك خطوات حديثة في هذا الاتجاه. هناك محاولة لدمج البنى القائمة مع بعضها البعض، وتمكين المجالس والمؤسسات المحلية لجعلها أكثر قوة، وتزويدها بالأدوات وتقديم المساعدة التي تحتاجها لكي تحكم بشكل فعال على مستوى المجتمع المحلي. وهذا يشمل توفير الخدمات والأمان.
هناك أيضا السؤال المطروح عن الشرعية، وكيف يرى المجتمع المحلي ذلك. وبالطبع، كل هذه الأشياء مرتبطة ببعضها.
يمكن القول إنك بحاجة إلى الأمان أولاً حتى تتمكن من تقديم الخدمات. ومع ذلك، يجب أن تتوفر الخدمات الأخرى بسرعة كبيرة بعد تحقيق الأمان، لأن الناس في ظروف صعبة للغاية، و يمكن أن تبدأ مصداقية أو شرعية هذه الحكومات بالتراجع إذا لم تتوفر الخدمات.
ولكن فيما بعد، تعتمد القدرة على الحفاظ على الأمن وتقديم الخدمات فعليا على مصداقية الحكومة المحلية- وكل هذه الأمور متداخلة للغاية.
في هذه المناطق تحديدًا، يتم كبح نهج التحالف من خلال الاعتماد على قسد كقوة مسيطرة- حيث جاء ذلك من خلال طرد التنظيم من تلك المناطق.
لقد شهدت قوات سوريا الديمقراطية بعض التحولات من حيث تشكيلها، بسبب جهد حقيقي لمحاولة ضم المزيد من العرب ونسبة صغيرة من التركمان، لكن القيادة لا تزال في الغالب كردية. لذا، بعد إزالة داعش، يكون لديك فترة للتكيف وتحاول العمل مع ممثلين محليين لديهم بعض الشرعية في المجتمع.
أحد مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية يسير في مدينة الرقة في تشرين الأول ٢٠١٧. تصوير: دليل سليمان.
من الصعب تحديد من هم هؤلاء الممثلون المحليون من الخارج، في بعض الأحيان يزعمون أنهم ممثلي مجتمع محلي، لكنك تحتاج إلى جمع المعلومات لتحديد مدى فعالية أو شرعية هؤلاء الأشخاص قبل أن تتمكن من إعطائهم الصلاحيات.
وهناك فترة انتقالية حيث ما تزال قسد تعمل على توفير الأمن وتسليم بعض المهام لممثلي المجتمع الأصليين، بشكل تدريجي في الرقة. ذلك يعني تطوير قوات الشرطة والأمن الداخلي، وهي مهمة في طور الإنجاز.
على الأقل بالنسبة للمشهد الذي رأيته في نهاية كانون الثاني في الرقة، حيث كانت قوات سوريا الديمقراطية لا تزال في الدرجة الأولى توفر الأمن للمدينة، أن هناك تعاون بين مستشاري التحالف والتقنيين مع الشرطة وقوات الأمن المحلية- وهم أناس من الرقة بدأوا بملء تلك الأدوار.
إنها حديثة جدا وهشة، ولكن بعض بذور التغيير موجودة.
ما هي النقاط الرئيسية التي استخلصتها من زيارتك، في كانون الثاني، إلى الرقة؟
كان الأمر مذهلاً حقاً مقارنة بالعراق وأفغانستان، حيث رأيت مشاهدا على مدار الوقت تجسد جهود تحقيق الاستقرار. الرقة مختلفة جوهريا. كان هناك دعم صغير للغاية من الموارد المالية، لذلك لا يوجد فيض في الاقتصاد المحلي أو تشويه للحوافز الاقتصادية التي رأيناها في أمكان أخرى.
يعمل فريق دولي صغير جداً، معظمهم من المستشارين الفنيين، على أرض الواقع. لذا فإن سكان الرقة المحليين هم بالفعل أصحاب المبادرة ويقومون بتنفيذها بتلقي المشورة الفنية من الفريق.
وقام الرئيس ترامب مؤخراً بتجميد ٢٠٠ مليون دولار من المساعدات المقدمة لتحقيق الاستقرار في شمال شرق سوريا، لذا فهم يحاولون حقاً تجميع الموارد التي يمتلكونها.
إن حجم الدمار هائل للغاية- الرقة مدمرة تماما. هناك مناطق نجت وما زالت هناك بعض المتاجر والبيوت سليمة، لكنك إذا قمت بجولة بسيارتك سترى أن المدينة سويت على الأرض تماماً.
هناك الكثير من عدم الاستقرار. حيث تتركز جهود تحقيق الاستقرار على تفعيل الحكم المحلي والخدمات بسرعة. لكن عند نقطة معينة، سينفذ الصبر، وستعود حقائق القوى الدافعة للصراع السوري إلى المشهد، اعتماداً على ما تقرر الولايات المتحدة والمجتمع الدولي القيام به فيما يتعلق بوجودهم.
هناك نافذة ضيقة أعتقد أن فيها عددا من المكونات الرئيسية لإتمام هذا العمل، ولكن ما نفتقده هو الارتباط باستراتيجية على نطاق أوسع للوصول الى تسوية سياسية. كيف يتلاءم هذا مع الصورة الأوسع؟ وهل يمكنهم قلب المعدلة للواقع الراهن في أماكن مثل الرقة نفسها في المخطط الزمني المطلوب؟