المخدرات في الرقة: انتشار بين الشباب وجهود محدودة لمكافحتها وعلاج المدمنين
وسط انتشار المخدرات في أوساط شباب مدينة الرقة، شمال شرق سوريا، تقتصر جهود مكافحة المخدرات وعلاج المدمنين على الحملات التوعوية ومركز متخصص وحيد بتكاليف مرتفعة
29 نوفمبر 2022
برلين- “المواد المخدرة في متناول الجميع” بمدينة الرقة، الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في شمال شرق سوريا، لدرجة أن “وجود المخدرات صار من البديهيات، وينتشر الباعة والمروّجون في معظم الأحياء، كما قال (خ.م) أحد المتعافين من الإدمان لـ”سوريا على طول”.
تدفع الظروف المعيشية “الصعبة” العديد من سكان الرقة إلى المخدرات هرباً من واقعهم، كما في حالة سعيد (اسم مستعار)، المعلم في إحدى مدارس المدينة براتب شهري 360 ألف ليرة سورية (64 دولاراً أميركيا بحسب سعر الصرف في السوق السوداء، البالغ 5600 ليرة للدولار)، وهو لا يكفي تأمين مصاريفه الشهرية، ليسير في طريق تعاطي المخدرات “أملاً بنسيان ضغوط الحياة والتزاماتها”، بحسب قوله لـ”سوريا على طول”.
وفيما تتشابه قصة سعيد مع أقرانه من المتعاطين، من حيث سبب الإدمان المرتبط بظروف المعيشة أو الأوضاع الأمنية أو التجنيد الإجباري، كما قال الشاب لـ”سوريا على طول”، زلّت قدما (خ.م)، 35 عاماً، المقيم في الرقة، في مستنقع المخدرات “بسبب فضولي في تجريب الشعور الذي يتداوله المدمنون، وساعدني في ذلك سهولة الحصول على المخدرات في ظل غياب الدور الحقيقي للجهات المختصة بمنعها وملاحقة المروجين، وهو ما سهّل إيقاع الشباب بفخ الإدمان”، بحسب قوله.
تعلن قوى الأمن الداخلي في الرقة من وقت إلى آخر القبض على عصابات المخدرات، لكن “العديد من التجار يخرجون من السجن بعد أشهر من إلقاء القبض عليهم، مقابل دفع رشاوى لقياديين في قوات سوريا الديمقراطية”، ناهيك عن أن “بعض المواد المخدرة يتم جلبها إلى المنطقة من قبل قادة متنفذين في قسد”، كما أوضح مصدر من الرقة، طالبا عدم الكشف عن اسمه لدواع أمنية.
وحاولت “سوريا على طول” الحصول على تعليق من لجنة الداخلية في الرقة، ومن قسم مكافحة الجريمة المنظمة التابع لقوى الأمن الداخلي معرفة عدد الضبوط التي تم تنظيمها بخصوص المخدرات، لكنها لم تتلق رداً حتى لحظة نشر هذا التقرير.
بعد محاولات من الإقلاع عن تعاطي المخدرات، تعافى (خ.م) من الإدمان بجهد شخصي وإرادة منه، مستقبل أشهر من ذلك، معتبراً أن انتشار أصناف من المخدرات، وسهولة الحصول عليها بأكثر من طريقة، ونشاط المروجين في المنطقة، يسهّل إيقاع الشباب بفخ الإدمان. واستذكر الشاب أيام كان عاجزاً عن توفير المال لشراء الجرعة، ليحصل عليها “مجاناً” من المروج ” مقابل “الترويج له في أوساط المتعاطين”، وفقاً للشاب صاحب الخمسة والثلاثين عاماً.
تباع الحبوب المخدرة، مثل: بيوغابلين، ترامادول، بالتان، وزولام، عبر صيدليات على “يملأ الصيدلي سجل الأدوية النفسية بأسماء وهمية تفادياً للمساءلة والتفتيش من لجان الصحة” أو عبر بعض تجار المخدرات، الذين يحصلون عليها من “مستودعات دوائية أو صيادلة متواطئين”، كما يبيعون أصنافاً أخرى مثل الحشيش والكريستال ميث (الأتش بوز)، بحسب الشاب.
وكانت قوى الأمن الداخلي التابعة للإدارة الذاتية، في شمال شرق سوريا، ضبطت كميات من الحبوب المخدرة، في تموز/ يوليو الماضي، كانت مخبأة داخل مستودعين للأدوية في الرقة.
تعد مادة “الأتش بوز”، كما يطلق عليها محلياً، من أشهر الأصناف تعاطياً بين المدمنين في الرقة نظراً “لتأثيرها القوي على المتعاطي”، كما قال الشاب أحمد، 31 عاماً، لـ”سوريا على طول”، الذي حاول مراراً ترك الإدمان لكنه فشل مع أنه لا يشعر بالنشوة عند تعاطي المادة “إلا أن جسمي يطلبها”، وكثيراً ما فكّر بـ”الانتحار” لعجزه عن تركها.
ولا يقتصر ضرر المخدرات على المدمنين، وإنما يطال سكان الرقة، كما أوضح أحمد، لأن “عجز بعض المدمنين عن تأمين المال الكافي لتعاطي هذه المادة يدفعهم إلى سرقة المنازل أو المحلات التجارية أو الهواتف المحمولة”، ناهيك عن أن “مروجي المخدرات يوسعون شبكة بيعهم عبر هؤلاء، بحيث يعطونهم الجرعات مجاناً مقابل بيعها لآخرين”.
وفي ذلك، قال عبد الصمد الجاسم، أخصائي علم نفس وناشط مجتمعي من محافظة الرقة، “إن غياب الأمل بمستقبل أفضل، ومرارة الظروف المحيطة، يجعل الشباب عرضة لتعاطي المخدرات، خاصة في ظل سهولة الحصول عليها”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.
مكافحة الإدمان
في مطلع أيلول/ سبتمبر الماضي، افتتح مستشفى النور في منطقة الكسرات جنوب مدينة الرقة “شعبة الطب النفسي”، التي تضم أطباء وأخصائيين نفسيين لعلاج المدمنين والاضطرابات النفسية الأخرى، من قبيل: الاكتئاب، الفصام، والتوحد.
تعد هذه الشعبة الأولى من نوعها في محافظة الرقة، التي تعاني من أزمة إدمان بين شبابها، وتشكّل نقلة نوعية في سياق الجهود الرامية لعلاج الإدمان، بعد أن اقتصرت الجهود السابقة على ندوات ونشطة توعوية من قبل لجان الصحة، التابعة للإدارة الذاتية، ومنظمات المجتمع المدني دون أي جهود طبية علاجية حقيقية.
بعد أكثر من شهرين على افتتاحها، بلغ عدد المراجعين 20 شخصاً، معظمهم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و25 عاماً، وتعافى منهم 7 أشخاص حتى الآن، بحسب أحمد البكار، المدير الإداري لمشفى النور، موضحاً في حديثه لـ”سوريا على طول” أن البرنامج العلاجي للمدمنين “يتضمن جلسات استشفاء في المستشفى، يتم خلالها إعطاء حقن وريدية تحت إشراف طبيب مختص، مرفقة بجلسات دعم نفسي ونقاش مع المدمنين، يتبع ذلك فترة علاج منزلية على أن يتم تقييم الحالات كل أسبوعين لقياس مدى جدوى البرنامج العلاجي”.
وفي الوقت الذي “يبشّر تفاعل ذوي المدمنين وتعاونهم مع كادر المستشفى بالخير”، فإن “رفض المجتمع للمدمنين، وخوف المدمنين من الإفصاح العلني عن تعاطيهم، خشية الوسم بالعار، يشكل عائقاً أساسياً أمام الشباب الراغبين بالإقلاع عن الإدمان”، وفقاً للبكار، الذي اعتبر أن “الإقلاع عن الإدمان يتطلب إرادة وجرأة في نفس الوقت”.
لكن، ربما تكون تكاليف العلاج أحد أسباب عزوف المدمنين على مراجعة مشفى النور، إذ تصل تكلفة جلسات العلاج أسبوعياً مليوني ليرة سورية (357 دولار أميركي، بحسب سعر الصرف في السوق السوداء البالغ 5600 ليرة للدولار)، وفقاً للبكار.
وقال البكار أن شعبة الطب النفسي هي المركز المتخصص الوحيد لمعالجة الإدمان في شمال شرق سوريا. فيما تقتصر باقي الجهود على التوعية من مخاطر المخدرات، عبر توزيع بروشورات في المدينة، الحملة التي أطلقتها لجنة الشباب والرياضة، التابعة لمجلس الرقة المدني، في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تحت عنوان “لا للمخدرات”، شملت عدة أحياء في المدينة.
وفي وقت يتم الحديث عن التوعية من المخدرات وضرورة تقديم علاج للمدمنين، كما في “شعبة الطب النفسي”، هناك “العديد من الشباب الذين لا يرغبون أصلاً بالخلاص من المخدرات، كونها السبيل الوحيد للهروب من الواقع”، وفقاً لـ(خ.م) المتعافي من الإدمان.