المدنيون في دير الزور يدفعون ثمن الهجوم ضد “قسد” ويتخوفون من تداعياته
تشهد مناطق سيطرة "قسد" في دير الزور قصفاً متقطعاً من قبل قوات النظام وميليشيات الدفاع الوطني التابعة لها، منذ ليل الثلاثاء، عندما شنت "قوات العشائر العربية" بإسناد من النظام هجوماً على ريف المحافظة الشرقي.
10 أغسطس 2024
أربيل، الحسكة- ودعت عائلة عمر (اسم مستعار) خمسة أشخاص من أبنائها، بينهم امرأة وثلاث طفلات، إثر سقوط قذيفة على منزلهم في قرية الدحلة بريف دير الزور الشرقي، الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، فجر أمس الجمعة، أطلقت من “مناطق سيطرة النظام” في المحافظة الشرقية، كما قال الشاب لـ”سوريا على طول”.
سرد عمر، عبر تطبيق واتساب، تفاصيل “الفاجعة” كما وصفها لـ”سوريا على طول”، شريطة عدم ذكر اسمه لدواعٍ أمنية، مشيراً إلى أن “أفراد العائلة كانوا نائمين على سطح منزلهم عندما سقطت القذيفة عليهم، حوالي الساعة الثانية وثلاثين دقيقة فجراً”، توفيت الزوجة وطفلتيها فوراً، ليلتحق بها الزوج وطفلتهما أثناء محاولة إسعافهما إلى أحد مستشفيات مدينة الحسكة.
“بقي من العائلة طفل واحد، عمره سبع سنوات، لم يكتب الله له الموت معهم، جلس وصار يبكي عليهم”، قال عمر متأثراً. وأثناء حفر قبور الضحايا سقطت قذيفة على بعد 200 متراً من مقبرة البلدة، لذلك “دفنّاهم بسرعة في قبر واحد خشية تجدد القصف”، وفقاً له.
في ذات اليوم، قتل خمسة أشخاص من عائلة واحدة أيضاً وأصيب آخرون بجروح “حالة بعضهم حرجة”، في الدحلة، ليرتفع عدد الضحايا إلى عشرة، بينهم رجل وثلاث نساء وستة أطفال، وفق سكان البلدة.
انتشرت صور ومشاهد قاسية، على وسائل التواصل الاجتماعي، لأطفال فقدوا حياتهم في بلدة الدحلة بريف دير الزور. عبر عمر عن عجزه عن وصف المشهد، قائلاً: “مشهد لا يوصف، قطع لحم متناثرة، دماء، صراخ النساء والأطفال”.
تشهد مناطق سيطرة “قسد” في محافظة دير الزور قصفاً متقطعاً من قبل قوات النظام وميليشيات الدفاع الوطني التابعة لها، منذ ليل الثلاثاء، عندما شنت “قوات العشائر العربية” بإسناد من النظام هجوماً على ريف المحافظة الشرقي التابع لـ”ٌقسد”.
وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 14 شخص، وإصابة 36 آخرين بجروح في مناطق “قسد” ومناطق النظام السوري والميليشيات الإيرانية في ريف دير الزور، نتيجة تبادل القصف بين الجانبين.
وتواصل قوات النظام استهداف مناطق قسد، إذ قصفت، فجر اليوم السبت، مدينة البصيرة الخاضعة لسيطرة “قسد”، ما أدى إلى وقوع أضرار مادية. في المقابل، ما تزال “قسد” تفرض حصاراً على المربعين الأمنيين للنظام في مدينتي الحسكة والقامشلي.
حمّلت “قسد” النظام مسؤولية التدبير للهجوم، عبر حسام لوقا، رئيس المخابرات العامة وعدد من قادة النظام الذين وصلوا خلال الأيام الماضية إلى دير الزور، لإدارة العملية عبر غرفة عمليات خاصة.
ورغم محاولات النظام أن يلبس العملية ثوباً عشائرياً مناهضاً لـ”قسد”، التي سبق أن أخمدت انتفاضة عشائر عربية اندلعت ضدها في آب/ أغسطس 2023، إلا أن ريف دير الزور الشرقي شهد عدة مظاهرات، أمس الجمعة، تنديداً بهجوم النظام، ورفع المتظاهرون صوراً لضحايا قرية الدحلة.
تهديد استقرار المنطقة
بعد ارتكاب مجزرة بحق المدنيين، أمس الجمعة، نزح غالبية سكان قرية الدحلة إلى بادية تقع على الضفة الشرقية لحوض نهر الفرات، خاضعة لسيطرة “قسد”، خوفاً من تجدد القصف، كما قال سيف البجاري (اسم مستعار) من سكان القرية لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أن الأهالي ينزحون ليلاً “حيث تتصاعد حدة القصف”، ويعودون في الصباح.
“نحن ضد هذه الهجمات، ولا نرغب أن نكون ضحية لها”، بحسب البجاري، شاكياً “تأثير القصف على حياتنا وأرزاقنا”.
تداول رواد التواصل الاجتماعي، قبل يومين، تسجيلاً مصوراً، لأحد العناصر التابعة للنظام أو المدعومة منها، أثناء إطلاق قذيفة هاون بأمر من قائده، الذي صرخ قائلاً “اضرب” بعد أن تردد العنصر بإطلاقها لوجود منزل مدني.
يتخوف سكان دير الزور أن يجرّ النظام والميليشيات الإيرانية المنطقة إلى حرب، خاصة بعد استهداف قاعدة أميركية في من منطقة رميلان بريف محافظة الحسكة بطائرة مسيرة، ليل الجمعة-السبت، ليرد طيران التحالف بقصف مواقع للنظام في دير الزور.
حاولت روسيا التدخل لفك الحصار عن المربعين الأمنيين، بإرسال وفد للتفاوض مع “قسد”، لكن الوفد أخفق في مهمته وعاد إلى قاعدة حميميم العسكرية، اليوم السبت، عبر مطار القامشلي في محافظة الحسكة، شمال شرق سوريا.
وفي إطار “استفزاز” التحالف الدولي و”قسد”، تحصن مسلحون في محطة مياه العمر ببلدة ذيبان في ريف دير الزور الشرقي، المسؤولة عن استجرار المياه من نهر الفرات إلى قاعدة التحالف في حقل العمر النفطي، وتسببت الاشتباكات بين المسلحين، القادمين من مناطق النظام، و”قسد” المدعومة من التحالف بأضرار في المحطة، كما قال ناشط إعلامي في ريف دير الزور لـ”سوريا على طول”، شريطة عدم الكشف عن اسمه.
تعليقاً على أحداث ريف دير الزور الشرقي الأخيرة، قال صلاح السلمان، المتحدث باسم مجلس العشائر في الخط الشرقي لدير الزور أن ما يحصل ناتج عن “غضب الأنظمة في كل من تركيا وسوريا وإيران من استقرار المنطقة”، معتبراً في حديثه لـ”سوريا على طول” أن لتلك الدول “أطماع في دير الزور، وتعمل جاهدة على زعزعة أوضاع المنطقة لوضع سيناريو جديد شبيه بتنظيم داعش يخدم مصالحهم”، على حد قوله.
تطمح إيران عبر زج ميليشياتها في دير الزور بـ”الوصول إلى منابع النفط وتوسيع الهلال الشيعي من خلال السيطرة على دير الزور بشكل كامل”، لكنها تحاول مع أنقرة ودمشق “تصوير ما يجري على أنه اقتتال بين ما يسمى جيش العشائر وقسد”، بحسب السلمان، معتبراً أنه “ليس هناك وجود فعلي لجيش العشائر، وإنما هو أجندة تتبع بشكل مباشر للنظام”.
من جهته، ذهب رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، إلى أبعد من ذلك، معتبراً أن الولايات المتحدة “ترغب أيضاً باشتعال الحرب في المنطقة”، وصفاً ما يجري في دير الزور بأنه “صراعي أميركي إيراني على أرض سورية”، كما قال لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أن إيران وحزب الله اجتمعا قبل أسبوعين مع مقاتلين محليين عشائريين، وخططوا لاجتياح مناطق شرق الفرات لمنع المخطط الأمريكي بإغلاق طريق طهران- بيروت، وكذلك منع واشنطن من السيطرة على البوكمال، التي تقع تحت نفوذ الميليشيات الإيرانية، أو تحريضها لمقاتلين محليين مناهضين لطهران.
موقف العشائر
في مضافة إبراهيم الهفل، قائد قوات العشائر العربية، الذي فر إلى مناطق سيطرة النظام في الجانب الغربي من نهر الفرات، العام الماضي، على خلفية إخماد “قسد” لـ”الانتفاضة العربية، أعلن شيوخ ووجهاء قبيلة العكيدات بريف دير الزور الشرقي عن تأييدهم لـ”قسد” ووقوفهم إلى جانبها في التصدي لهجمات “المجموعات الإجرامية المرتبطة بالنظام السوري”، كما جاء في البيان، معتبرين أن الهجمات تهدف إلى “إعادة المنطقة إلى مربع العنف الأول”.
وكذلك، أعلن شيوخ وأعيان عشيرة الشعيطات عن وقوفهم إلى جانب “قسد” ضد “كل أشكال التهديد والوعيد ومحاولات تفكيك اللحمة المجتمعية في مناطقنا في سبيل حماية مناطقنا من أي اعتداء من قبل جهات تحمل أجندات لقوى خارجية لا تمت للوطنية السورية بأي صلة وهدفها زعزعة أمن واستقرار مناطقنا”، بحب البيان.
جاء رفض العشائر للهجمات كونها “تهدف إلى خلق حالة من عدم الطمأنينة بين أبناء المنطقة وقسد والتحالف الدولي، وإيصال رسائل بأن النظام سيعود إلى المنطقة وسوف يخضعها لسيطرته”، كما قال محمد البشير، أحد شيوخ قبيلة البكارة لـ”سوريا على طول”.
من جهته، حذّر صلاح السلمان من “توسع رقعة الاعتداءات في ريف دير الزور إلى أن تدخل المنطقة في صراع مستمر، وربما حرب مفتوحة”، معتبراً أن هناك “سيناريو يحاك ضد دير الزور”.
وفي هذا السياق، نفى رامي عبد الرحمن، مدير المرصد، أن يكون قرار توقيت الهجمات بيد المقاتلين المحليين، لافتاً إلى أن القرار “بيد من حرّكهم وسلّحهم”، في إشارة إلى إيران، المتهمة بـ”تسليح إبراهيم الهفل”، على حد قوله.
إذا تحول ريف دير الزور إلى ساحة حرب، سيضطر سيف البجاري إلى النزوح كياً من بلدته وترك أرزاقه وراء ظهره، معتبراً أن ترك النزوح أهون من أن “نفقد عزيزاً أو يصاب أحد بأذى”.
“الناس في حالة تخبط، لا تعرف ماذا تفعل ولا أين تذهب”، قال عمر، مشيراً إلى أن السكان يعيشون “حالة ذعر وخوف لا يمكن وصفها”، لأن العديد منهم ليس لديهم القدرة المالية ولا يملكون وسيلة نقل للخروج من المنطقة إذا اضطروا للنزوح.