المواليد الجدد في الرستن يعانون سوء التغذية والنحول مع تعثر تمويل حليب الأطفال
يقاسي مئات المواليد الجدد في الرستن، بلدة شمال حمص يحاصرها […]
12 نوفمبر 2016
يقاسي مئات المواليد الجدد في الرستن، بلدة شمال حمص يحاصرها النظام، من الجوع، فيما يعاني عشرات آخرين من سوء التغذية، بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من نقص حليب الأطفال بسبب قلة التمويل، وفق ما قالت مصادر ميدانية لسوريا على طول، هذا الأسبوع.
شهد، ذات الستة شهور، هي إحدى الأطفال الذين تأثروا بالنقص، وُلِدت في أيار، في بلدة الرستن التي يقطنها 105 آلاف نسمة، وتحاصرها قوات النظام منذ عام 2012. ورغم أنها لم تزل برعماً صغيراً، فشهد جائعة في معظم عمرها تقريبا.
وشهد، واحدة ضمن 2000 طفل تقريباً في الرستن، ممن يعتمدون على عبوات حليب الأطفال المجفف، والذي، في حال توافره، يوزع مجاناً في كل أسبوع من مكتب رعاية الطفولة والأمومة وذوي الاحتياجات الخاصة في الرستن.
وهذا المكتب الإغاثي المستقل، هو المصدر الوحيد لحليب الأطفال في البلدة المحاصرة، لأن عبوات الحليب لم تدخل في قافلة المساعدات الدولية السابقة للمنطقة. وآخر قافلة أدخلت الحليب كانت في تموز الماضي.
ويؤمن مكتب رعاية الطفولة والأمومة، الغذاء والدواء والحفاضات، والعكازات والكراسي المتحركة، لأهالي الرستن بالمجان. وكان المكتب يتلقى تمويلاً من منظمة تركية، ولكنها توقفت عن المساعدة في وقت سابق من هذا العام، تاركة المكتب يعتمد على التبرعات النقدية من قبل الأفراد أو المؤسسات الصغيرة.
طفل في الشهر الرابع من العمر، في آب الماضي. حقوق نشر الصورة لـ أحمد البيروتي.
حين يتلقى المكتب النقود سواءً من المانحين المحليين أوالإقليمين أوالدوليين، تقوم مديرة المكتب، مها أيوب بالدفع للتجار في الرستن الذين يجلبون حليب الأطفال عبر حواجز النظام التي تتحكم فيما يدخل وفيما يخرج من المنطقة المحاصرة.
ومادة الحليب، بحد ذاتها، غالية الثمن، ويترواح سعر العبوة بين 15 و20 دولارا، وبعد أن يأخذ التاجر أجرته والرشاوي التي يدفعها لأفراد النظام العاملين على الحاجز، الذين يشترونها ويدخلونها، يصبح “بالطبع كم العلب الذي يمكن أن نشتريه أقل، فالدعم في الأصل قليل ويصبح أقل بين كلفة إدخال الحواجز ونقل ما أدخل إلينا”، وفق ما قالت أيوب لسوريا على طول.
وأضافت “كل ما ندخله في المكتب، نقوم به بشكل شخصي وبمعاناة مريرة ومبالغ طائلة”.
وفي بعض الأحيان، فإن حليب الأطفال لا يكون متوفراً في البلدات المجاورة، وأحياناً، لا تأتي النقود مطلقاً.
وأوضحت مها أيوب لسوريا على طول أن “أزمة الحليب لدينا هي أزمة مستمرة، وبسبب انقطاع الدعم، فإن ما يقدر بـ 1000 طفل دون عمر الستة أشهر دون حليب منذ 21 يوماً” ودون أي بدائل صحية للتغذية.
والوضع أفضل بقليل بالنسبة لنحو 885 رضيعا في الرستن ممن تتجاوز أعمارهم الستة شهور. حيث أن مكتب رعاية الطفولة والأمومة، تلقى تبرعات نقدية الأسبوع الماضي، واشترى كمية من الحليب من الفئة 2 للرضع الأكبر من خلال الحواجز تكفي لأسبوع، “رغم أننا اشترينا نصفه بالمال المتوفر ونصفه الآخر استدنا لشرائه لعدم كفاية المال وغلاء سعر علبة الحليب بعد أن بقينا مدة 3 أشهر من دون حليب لتلك الفئة”، وفق ما قالت أيوب.
وأضافت “من غير المعقول أن ينال الطفل الرضيع عبوة حليب كل شهرين وثلاثة أشهر(…) هذا وضع متعب ومأساوي”.
نعتذر عن توزيع الحليب، بسبب عدم وجود المال لشرائه. حقوق نشر الصورة لمكتب رعاية الطفولة والأمومة وذوي الاحتياجات الخاصة في الرستن.
فلماذا لم يُدرج حليب الأطفال في المساعدات الدولية السابقة للرستن؟ أجابت إنجي صدقي المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سوريا، والتي أرسلت شحنة في تموز، عن هذا السؤال لسوريا على طول، في بيان لها في أب، تتحدث فيه عن مخاوف تتعلق بالصحة والأمان.
وكتبت صدقي في رسالة بالبريد الإلكتروني “بشكل عام، لا توزع اللجنة الدولية للصليب الأحمر حليب الأطفال، سواء في سوريا أو أي بلد آخر”، فمادة حليب الأطفال تتطلب “شروطا صحية ووقائية ملائمة لتجهيزه” مثل العبوات الزجاجيية والمياه النظيفة، والتي قد لا تتوفر في منطقة الصراع.
وقالت صدقي أن الهلال الأحمر العربي السوري، زود في بعض الأحيان بحليب الأطفال، في أماكن أخرى في سوريا “بناء على ظروف مخصصة”.
وفي حين يشير الأطباء والأهالي في مناطق القصف والحصار أن التوتر وسوء التغذية المزمن يمكن أن يمنع الأمهات من الإرضاع، تؤكد منظمة الصحة العالمية أن “الرضاعة الطبيعية تبقى دائماً خياراً واقعياً”.
“علينا أن نكبح المفهوم الخاطئ الشائع أن الأمهات لا يمكنهن الإرضاع على نحو كاف في ظروف التوتر أو إن كن يعانين من سوء التغذية”، وفق ما قالالدكتور فرانشيسكو برانكا، مدير قسم التغذية للصحة والتنمية في منظمة الصحة العالمية ، في بيان للمنظمة نشر في أيار.
ونقضت مها يعقوب الروايتين بالقول إن “كانوا (اللجنة الدولية للصليب الأحمر) يحتجون بالمياه المعقمة فهم أدخلوا حبوبا معقمة للمياه، ولكنهم لم يدخلوا ولا علبة حليب واحدة”، وقالت بالنسبة لـ”تشجيع الرضاعة الطبيعة، هذا مبرر غير منطقي في ظل القصف والحصار، ونحن نعلم أنها حجج واهية”.
وبالعودة لأم شهد فهي لا تستطيع إرضاع طفلتها لأنها تعاني من حالة عصبية وتأخذ دواء يمنعها من الإرضاع. ولكن حتى لو أنها لم تكن تتناول الدواء،”جف حليبي تماما، منذ أن ولدت شهد لم أكن في صحة جيدة بسبب قلة الغذاء ومحدوديته قبل الحمل وبعده والخوف المرافق لي من القصف المستمر”.
ومع عدم وجود مصدر ثابت ومستقر من التمويل لحليب الأطفال، سيضطر أهالي الأطفال إلى اعتماد بدائل غير آمنة.
وقال طبيب الأطفال، أحمد البيروتي، لسوريا على طول، إن اعتماد الأهالي على أغذية بديلة كحليب البقر أو الماعز الذي يُخلط مع الماء، أو خلط الماء مع النشاء، الشاي والزهورات، سبّبّ معاناة للكثير من الأطفال الصغار في الرستن نتيجة إصابتهم بأمراض سوء التغذية والتهاب الأمعاء الحاد والجفاف والسعال وارتفاع درجات الحرارة كمضاعفات لتناول بدائل غذائية غير صحية.
ويشرف البيروتي على حالة الرضيعة شهد حالياً، والتي وصف “نحولة جسدها الواضحة” في آب الماضي، في الفترة التي شهدت نقصاً لمادة الحليب. وفي ذلك الوقت كانت أم شهد تذهب بطفلتها إلى المستشفى، “مرتين أو ثلاثة مرات أسبوعياً بسبب ما يحدث معها من إسهال وإقياء وجفاف نتيجة سوء الامتصاص والتهاب الأمعاء”، وفق ما قال الطبيب.
وتحسنت حالة شهد بعد أن استطاع مكتب الطفولة والأمومة شراء الحليب وإدخاله إلى الرستن، ولكن اليوم وفي ظل النقص الجديد الذي تشهده البلدة منذ ثلاثة أسابيع، فإن صحة الطفلة ذات الستة شهور، في تراجع، وفق ما قالت والدتها لسوريا على طول، في هذا الأسبوع.
وقالت أم شهد “قمت بالاستدانة لأشتري لطفلتي كيلو من حليب الماعز لأقوم بخلطه بالماء لأسد رمقها به، وعادت طفلتي لما كانت عليه سابقا في آب عندما فقد الحليب فقد عاد إليها الذبول والإقياء الدائم”.
وقال طبيب الأطفال البيروتي، لسوريا على طول “هناك حوالي 60 إلى 80 طفلا مصابين بسوء تغذية”.
وختمت أم شهد “أناشد العالم بأسره لفك الحصار عن مدينة الرستن قبل أن يموت من تبقى فيها من أطفال (…) فليس لهم ذنب بما نحن فيه”.
ترجمة: فاطمة عاشور