7 دقائق قراءة

النظام السوري “الغائب المتهم” في حرب “محور المقاومة” ضد إسرائيل

نأى النظام بنفسه عن الحرب بين "محور المقاومة" وإسرائيل، مع أنه مدين لطهران وحزب الله الداعمان الرئيسيان له، ومع غيابه يبرز السؤال: أين النظام من هذه الحرب، وأين وحدة الساحات وعمليات الإسناد بين أعضاء "المحور"؟


10 أكتوبر 2024

باريس- قصفت إسرائيل مبنى سكنياً بمنطقة المزة في العاصمة دمشق، في الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، ما أدى إلى مقتل ثمانية مدنيين، بينهم أربعة أطفال وثلاث سيدات، وأصيب 11 آخرين بجروح، بينما تشير الرواية الإسرائيلية إلى استهداف مسؤول رفيع في حزب الله اللبناني يشرف على عمليات تهريب الأسلحة بين البلدين.

تأتي الضربات الإسرائيلية الأخيرة في إطار حرب تل أبيب ضد إيران وحزب الله اللبناني، لملاحقة قادة بارزين في الحزب والحرس الثوري الإيراني وأهداف أخرى محسوبة على إيران في سوريا.

تصاعد القصف الإسرائيلي على سوريا -بشكل ملحوظ- بعد إطلاق طهران نحو 200 صاروخ بالستي باتجاه إسرائيل، مطلع الشهر الحالي. التصعيد داخل الأراضي السورية هو جزء من مواجه أكبر بين إسرائيل والمحور الإيراني الذي يطلق على نفسه اسم “محور المقاومة”. 

على مدى عقود، كان النظام السوري ضمن المحور الإيراني، الذي تقوده طهران، ويضم كلاً من: العراق، النظام السوري، حزب الله اللبناني، الحوثيون في اليمن، وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة.

ورغم انخراط أعضاء المحور في الحرب الشاملة ضد إسرائيل، رداً على الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة في فلسطين، التي اندلعت في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وما تلاها من ضربات صاروخية ضد إسرائيل، نأى النظام السوري بنفسه مع أنه مدين لطهران وحزب الله الداعمان الرئيسيان له في مواجهة الثورة السورية التي اندلعت في ربيع 2011.

ومع غياب الأسد عن مواجهة إسرائيل، يبرز السؤال: أين النظام من هذه الحرب، وأين وحدة الساحات وعمليات الإسناد بين أعضاء “محور المقاومة”، لا سيما بعد تعرض حزب الله لعملية اجتثاث من إسرائيل، التي استهدفت غالبية قياداته، على رأسهم أمينه العام حسن نصر الله، وخليفته هاشم صفي الدين وعشرات القادة رفيعي المستوى، في معركة ما زالت مستمرة، وتلاحق قادة الحزب في لبنان وسوريا.

موقف النظام من الحرب!

بعد قصف منطقة المزة بدمشق، اكتفت وزارة خارجية النظام بإدانة الهجوم، مؤكدة على “ضرورة اتخاذ إجراءات فورية لردع هذا الكيان عن الاستمرار في نهجه القائم على سفك دماء الأبرياء وإشاعة الفوضى والسعي لجرها إلى مواجهة ستكون لها عواقب كارثية”.

وفي لقائه بوزير خارجية إيران، عباس عراقجي، بالعاصمة دمشق، في الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، قال بشار الأسد، أن الرد الإيراني على اغتيال حسن نصر الله “كان رداً قوياً، وأعطى درساً”، بأن “محور المقاومة قادر على ردع العدو، وسيبقى قوياً ثابتاً”.

تشير تصريحات النظام السوري بشأن الهجمات الإسرائيلية إلى أنه غير راغب بالانخراط في العمليات العسكرية، التي يشنها أعضاء المحور، وهو ذات الموقف الذي اتخذه من الحرب الإسرائيلية على غزة.

كان متوقعاً أن تكون ردة فعل دمشق تجاه الحرب ضد حزب الله -حليفه الأبرز- مغايرة عن موقفه من حرب غزة، خاصة أن الحزب أرسل جزءاً كبيراً من ثقله العسكري إلى جبهات النظام ضد معارضيه، طيلة 14 عاماً الماضية من عمر الثورة السورية، ما تسبب بانكشاف ظهره، على عكس حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي اتخذت موقفاً رافضاً للنظام السوري وحربه ضد السوريين منذ بداية الثورة السورية وحتى إعادة تطبيع العلاقات مع الأسد في عام 2022.

لم يتجرأ النظام “حتى على مجرد إطلاق تصريحات سياسية”، لأن هدفه “المحافظة على نفسه”، وربما كان نصر الله لا يعول على الأسد أصلاً، لأنه قال قبل موته: “لا نريد من الإيرانيين ولا السوريين التدخل في الحرب، لأنه يعرف تماماً بأنهم لن يهبّوا لنصرته”، كما قال المحلل العسكري العقيد المنشق أحمد حمادة لـ”سوريا على طول”.

وعلى غير العادة، غابت الجبهة السورية عن خطابات نصر الله الأخيرة قبل موته، وتجاهل النظام السوري لمرتين -على الأقل- خطاب نصر الله، ولم يبث التلفزيون السوري خطاباته خلال الأسابيع الأخيرة قبل مقتله.

من جهته، استبعد حسن الشاغل، باحث في مركز بوليتيكس لهندسة السياسات، ومقره لندن، “انخراط النظام في الحرب”، على اعتبار أن “النظام هو فاعل دولي، ورغم كونه بسيط لكنه فاعل عقلاني ضمن النظام الدولي، يحدد المكاسب والخسائر أكثر من جماعات اللا دولة مثل حزب الله وجماعة الحوثي”.

“يدرك النظام أن حجم الخسائر التي قد يتلقاها أو تكون سبباً بسقوطه أكبر من أي سيناريو يحقق له المكاسب”، كما قال الشاغل لـ”سوريا على طول”، وهو حال إيران، التي تحاول “تفادي الحرب وعدم الانخراط مباشرة بها”، لأن النظامين السوري والإيراني “ليس لديهما إمكانيات سياسية واقتصادية واجتماعية كافية لخوض مثل هذه الحرب”.

واستبعد الشاغل أن “تضغط إيران على النظام للانخراط في الحرب ضد إسرائيل، فهي تدرك تماماً أن أي انخراط مباشر للنظام سوف يكون بمثابة إنهاء له من قبل إسرائيل أو الدول الغربية”، وهي تدرك أن النظام “هو نظام هرمي عكسي يبدأ من الأعلى، فمثلاً لو تم اجتثاث رأس الهرم سوف ينهار الهرم، وهذا ما لا تريده إيران، لأن المحافظة على النظام تعني المحافظة على النفوذ الإيراني” في المنطقة”.

وكذلك، ترى إيران أن “الحرب الحالية خاسرة” بكل المقاييس، ودخول النظام فيها “سوف يترتب عليه دخول فواعل غربية بشكل مباشر مثل الأميركان”.

ورغم ذلك، قد ينخرط النظام في الحرب “لكن ليس بمبادرة منه وإنما بمبادرة إسرائيل في ضربه”، بحسب الشاغل، ما يعني أن مشاركة النظام في الحرب “قائم على مدى قراءة إسرائيل لسلوكه الحالي، من استخدام الأراضي السورية لحشد الميليشيات الإيرانية أو السماح بمرور السلاح إلى حزب الله”، وهذا يعني أن النظام قد يتورط “لأنه لا يستطيع السيطرة على الميليشيات” الموجودة على أرضه.

تعرضت إسرائيل للعديد من الضربات مصدرها الأراضي السورية، وإن شعرت إسرائيل أن “هذه الضربات بتدخل مباشرة من النظام سوف تبادر لضربه”، بحسب الشاغل.

تحركات محدودة!

من خلال تتبع نمط الضربات الإسرائيلية في محافظات الجنوب السوري: درعا، القنيطرة، والسويداء، خلال الأسابيع الأربعة الماضية، يمكن فهم التحركات الإيرانية إلى حدّ ما. بحسب البيانات التي جمعتها “سوريا على طول” لأبرز الضربات الإسرائيلية في سوريا.

خلال شهري أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر الحالي، تركزت الضربات الإسرائيلية الجوية والمدفعية في محافظة القنيطرة على استهداف الطرق الرئيسية بريف القنيطرة الأوسط وقطعها، إضافة إلى إطلاق متكرر للقنابل الضوئية أثناء الليل في أعقاب رصد أي تحركات عسكرية.

وفي محافظتي درعا والسويداء، تركزت الضربات الإسرائيلية، خلال الأسبوعين الماضيين على وجه التحديد، في استهداف كتائب الرادار والمطارات الزراعية والعسكرية. في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، استهدفت غارات إسرائيلية خمس كتائب للرادار في المحافظتين، وهي: رادار الكتيبة الخامسة التابعة لمطار خلخلة شمال السويداء، رادار تل الخروف بريف درعا الشرقي، كتيبة الرادار التابعة للواء 79 في منطقة الصنمين شمال درعا، ومطار إزرع الزراعي والثعلة العسكري.

وبذلك “خرجت منظومة الإنذار المبكر والرادار للنظام في درعا عن الخدمة بعد الضربات الإسرائيلية بشكل شبه كامل”، بحسب أبو محمد، قيادي سابق في فصائل المعارضة يقيم في شمال درعا.

وأضاف أبو محمد في حديثه لـ”سوريا على طول”: “تلاحق الضربات الإسرائيلية التحركات الإيرانية في الجنوب السوري، وقد تكون مؤشر لتحديد ماهية هذه التحركات وحجمها رغم أنها تجري تحت غطاء قوات النظام”، مشيراً إلى أن مجموعة محلية – هو من ضمنها – “رصدت وصول قوات لحزب الله إلى مطار إزرع الأسبوع الماضي، إضافة إلى وصول شحنات من السلاح غالبيتها طائرات مسيرة إيرانية”.

وأيضاً، أجرى حزب الله، الأسبوع الماضي، “بعض التغييرات في مواقعه”، من قبيل “انسحابات من جبهة القنيطرة ونقاط أخرى قرب الحدود باتجاه شرق درعا”. ومع ذلك، فإن هذه التحركات “لا تشير إلى احتمالية اندلاع مواجهات، فالهدوء يسيطر على الجبهة من الجانب السوري”، بحسب أبو محمد.

وفي وقت سابق من الأسبوع الماضي، استبعد القيادي في حديثه لـ”سوريا على طول” أن يسمح النظام بفتح جبهة ضد إسرائيل من أراضيه، لأنه يعلم أن تل أبيب “سوف تقصف القصر الجمهوري”، معتبراً أن حدّ المواجهة من الأراضي السورية لا يعدو أكثر من “إطلاق المليشيات الإيرانية  لبعض المسيرات والصواريخ محدودة التأثير”.

وفي إطار التحركات العسكرية جنوب سوريا، “وصل مقاتلون لحزب الله اللبناني إلى مطار الثعلة العسكري واللواء 12 في إزرع، وتل القائد ومنطقة مثلث الموت وتلول فاطمة والفرقة التاسعة شمال درعا، وحي الضاحية في مدينة درعا خلال الأيام الماضية”، بحسب أيمن أبو نقطة، الناطق باسم تجمع أحرار حوران، مؤسسة إعلامية محلية معارضة.

وكشف أبو نقطة لـ”سوريا على طول” عن “وجود انتشار للميليشيات الإيرانية في اللواء 82 وكتيبة النيران قرب مدينة الشيخ مسكين” في محافظة درعا، إضافة إلى “وصول عائلات بعض مقاتلي حزب الله من الضاحية الجنوبية إلى المحافظة”.

روسيا ترفض!

أجرت القوات الروسية تغييرات متكررة على انتشار قواتها في جنوب سوريا، لاسيما في محافظتي القنيطرة ودرعا، خلال الأشهر الخمسة الماضية، آخرها انسحاب القوات الروسية، هذا الشهر، من تل الحارة الاستراتيجي شمال درعا، الذي كانت تتمركز عليه منذ سنوات، باتجاه نقطة عسكرية روسية في قرية زمرين القريبة منه شمال درعا، فيما ما تزال قوات النظام منتشرة على التل.

وفي أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي، وضعت القوات الروسية ثلاث نقاط مراقبة جديدة لها في ريف القنيطرة، قرب الحدود مع الجولان المحتل، ليرتفع بذلك عدد نقاط المراقبة الروسية في المناطق الحدودية مع الجولان إلى 18 نقطة، بحسب ما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان.

غالبية النقاط الروسية هذه، جرى نشرها بعد تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، أي بعد شهر واحد من عملية “طوفان الأقصى” التي بدأتها حماس ضد إسرائيل، لترد الأخيرة بحرب شاملة قد قطاع غزة، وهو ما يشير إلى الرغبة الروسية في عدم اتساع رقعة المواجهات مع إسرائيل داخل الأراضي السورية.

وفي هذا السياق، اعتبر العقيد حمادة أن لموسكو دور في عدم تدخل النظام بالحرب مع إسرائيل، فهي “تجبر النظام على ذلك، وتحاول الحفاظ على هدوء الجبهة السورية، رغم عمليات  القصف الإسرائيلي الذي استهدف تحركات إيران ونقاطاً لها بالقرب من النقاط الروسية”.

وأشار الشاغل إلى أن روسيا الإمارات قدمتا نصائح للنظام بـ”عدم الانخراط في الحرب بأي شكل من الأشكال”، إضافة إلى أن موسكو “ترغب في تقليص النفوذ الإيراني في سوريا لأنه أحد عراقيل إعادة تعويم النظام، خاصة في العلاقات مع الأتراك”.

ولا يستبعد الشاغل “تورط” النظام في “إرسال إحداثيات عن مناطق تواجد القوات الإيرانية في سوريا إلى إسرائيل، كون العملية الإسرائيلية الحالية تعد من أكثر العمليات كفاءة في تقليص النفوذ الإيراني في سوريا”، وإيران لاحظت هذا السلوك الرامي لتقليص نفوذها “لذلك سربت الديون المالية المترتبة على النظام، التي فاقت 50 مليار دولار، ضمن وثائق تتحدث عن الديون الإيرانية”.

وفي هذا السياق، اتهمت “جمهوري إسلامي” الإيرانية النظام السوري وروسيا بتسريب مواقع قادة الحرس الثوري الإيراني لإسرائيل، كما جاء في تقرير لها نشرته في كانون الثاني/ يناير الماضي.

شارك هذا المقال