النظام يستفز السويداء وتحذيرات من دفع المحافظة إلى “دوامة عنف غير متوقعة”
بدأ التصعيد الأخير في المحافظة، التي تشهد حراكاً سلمياً منذ 20 آب، أغسطس 2023، على خلفية نصب النظام لحاجز أمني على مدخل المدينة الشمالي، يوم الأحد، وهو ما رفضه أهالي المحافظة وفصائلها المحلية، الداعمة للحراك.
25 يونيو 2024
السويداء- في وقفة احتجاجية نظمها أهالي السويداء، اليوم الثلاثاء، رفع المتظاهرون شعارات تعبّر عن رفضهم لأي حل أمني في المحافظة، التي شهدت توتراً خلال اليومين الماضيين، رافقه اشتباكات بين قوات النظام السوري والفصائل المحلية.
بدأ التصعيد الأخير في المحافظة، التي تشهد حراكاً سلمياً منذ 20 آب، أغسطس 2023، على خلفية نصب النظام لحاجز أمني على مدخل المدينة الشمالي، يوم الأحد، وهو ما رفضه أهالي المحافظة وفصائلها المحلية، الداعمة للحراك.
عاد الهدوء الحذر إلى المدينة، بعد دعوة شخصيات من المحافظة إلى “هدنة مؤقتة” من أجل استئناف المفاوضات مع الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، على أن تفضي النتائج إلى انسحاب الحاجز الأمني الجديد من دوار العنقود، على مدخل المدينة، وهو مطلب تصر عليه فصائل السويداء.
بدأ النظام بالتجهيز لإنشاء الحاجز قبيل عطلة عيد الأضحى، أي قبل منتصف حزيران/ يونيو الحالي، وشرع في مواصلة العمل عليه صبيحة يوم الأحد، واضعاً قواطع اسمنتية على مدخل السويداء الشمالي، وثلاث غرف مسبقة الصنع (كرفانات)، إضافة إلى استقدام سيارات دفع رباعي مُزودة برشاشات آلية متوسطة “دوشكا”، إضافة إلى معدات عسكرية ثقيلة بينها دبابتين.
ومن المفترض أن يكون الحاجز مشتركاً، يديره فرع المخابرات الجوية، إلى جانب وجود عناصر من الفوج 44 قوات خاصة، الواقع بين مدينة السويداء وبلدة قنوات في ريف المحافظة الشمالي، وميليشيات تابعة للنظام من أبناء السويداء، أبرزها ميليشيا الدفاع الوطني، كما قال مصدر عسكري في الفوج، من أبناء المحافظة، لـ”سوريا على طول”، شريطة عدم ذكر اسمه لدواع أمنية.
يمثل الحاجز تهديداً لحراك السويداء السلمي، باعتباره محاولة للتضييق على حركة المشاركين في ساحة الكرامة، خاصة مع رصد العديد من مذكرات الاعتقال وإصدار قرارات منع السفر بحق العديد من المشاركين في المظاهرات.
اقرأ المزيد: السويداء تتمسك بسلمية حراكها واستمراريته في مواجهة تعزيزات النظام
شرارة التصعيد
عند الساعة الثالثة والنصف من عصر يوم الأحد، نشر نشطاء السويداء دعوة تحت عنوان “لا لحصار السويداء”. تجمع عشرات الناشطين المدنيين عند دوار الباسل، هاتفين بإسقاط النظام، ومن ثم توجهوا إلى دوار العنقود، مطالبين الضباط والعناصر مغادرة الحاجز.
عاد المحتجون إلى دوار الباسل، محاولين تحطيم تمثال “باسل الأسد” الموجود على الدوار، ورددوا شعارات إسقاط النظام.
وعند الساعة الثامنة من ذات اليوم، استهدفت الفصائل المحلية مقر حزب البعث القريب من الحاجز، حيث تتمركز التعزيزات العسكرية التي استقدمها النظام خلال الأيام الماضية، ما دفع ضباط النظام إلى “طلب مهلة ساعة للتشاور”، كما أوضح مصدر من غرفة عمليات الفصائل لـ”سوريا على طول”، وهي غرفة تم تشكيلها بعد نصب الحاجز، تضم فصيل لواء الجبل بقيادة مرهج الجرماني، وأحرار الجبل بقيادة سليمان عبد الباقي، وفصيل “القوى المحلية في السويداء”.
وبينما استقدمَ النظام تعزيزات من “الفوج 44″، حاصرت الفصائل المسلحة مبنى المخابرات الجوية وفرع أمن الدولة داخل مدينة السويداء، وقطعت الطريق بين دمشق والسويداء لمنع وصول أي تعزيزات للنظام.
ومع انتهاء المهلة الممنوحة للنظام دون التوصل إلى حل، عاودت الفصائل استهداف مبنى فرع الحزب بالقذائف الصاروخية، ليرد عناصر النظام المتمركزين في المبنى على مصادر النيران. استمرت الاشتباكات حتى الساعة الرابعة فجراً من يوم الإثنين، وأسفرت عن إصابة عنصر من الفصائل المحلية بجروح، وإصابة ستة من قوات النظام.
في صبيحة الإثنين، وعد رئيس فرع أمن الدولة، سالم الحوش، عدداً من المرجعيات الدينية في السويداء بإمكانية التوصل إلى اتفاق بشأن الحاجز، وهو ما أدى إلى عودة الهدوء مجدداً.
ربما تكون السويداء على موعد مع التصعيد، لأن “الإيقاف المؤقت للعملية العسكرية”، الذي تمنحه الفصائل يومياً، “هدفه منح فرصة للحل السلمي”، بحسب المصدر من غرفة عمليات الفصائل العسكرية، متوعداً أن يعود “العمل المسلح إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن إزالة الحاجز”.
من جهتها، أجرت الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز في سوريا، التي يترأسها الشيخ حكمت الهجري، اتصالات مع القوات الروسية عبر سفارة موسكو في دمشق، مستنكراً التحركات الأمنية الأخيرة للنظام في السويداء.
الجانب الروسي، نفى وجود توجيهات روسية للنظام بشأن إنشاء الحواجز، وأبلغ الهجري بأنهم “حريصون على منع أي مواجهة مع المدنيين والمتظاهرين”، كما نشرت إحدى صفحات السويداء المحلية.
سبق مشكلة الحاجز الأمني، اختطاف فرع أمن الدولة في السويداء لقائد فصيل “القوى المحلية في السويداء”، رائد المتني، في 21 حزيران/ يونيو الحالي، أثناء توجهه إلى منزله في قرية الكسيب، الواقعة في ريف المحافظة الشرقي. يعرف المتني بدعمه لحراك السويداء المناهض للأسد.
وجاء اختطاف المتني بعد رفضه مراجعة فرع أمن الدولة في مدينة السويداء، ما دفع “إحدى العصابات المحلية المتعاونة مع الفرع باختطافه وتسليمه”، كما قال المصدر من غرفة عمليات الفصائل المحلية. رداً على اختطاف المتني، احتجز فصيلُه، في اليوم ذاته، أربعة ضباط للنظام السوري، وهددوا بإعادتهم “جثثاً” إذا لم يتم إطلاق سراح المتني، وفي اليوم التالي امتثل النظام وأفرج عن المتني.
ربما كانت حادثة اختطاف المتني سبباً في ردة الفعل الغاضبة لأهالي السويداء وفصائلهم ضد نصب الحاجز الأمني عند مدخل المدينة، خاصة أن الفصائل دعمت حراك السويداء السلمي، لكنها لم تجنح إلى التصعيد مع النظام طيلة الأشهر الماضية.
ماذا ينتظر السويداء
يحاول النظام من إثارة التصعيد في السويداء “تكرار نفس سيناريو 2011، الذي طبقه على كافة المناطق السورية الثائرة، المتمثل بإلصاق تهمة الإرهاب فيها”، كما قال الناشط الحقوقي أيمن شيب الدين، أحد المشاركين في تنظيم الوقفات الاحتجاجية في السويداء.
وأضاف شيب الدين في حديثه لـ”سوريا على طول” أن “النظام اتخذ قراره بسحق السلمية، وجرّ المحافظة إلى المواجهات العسكرية بعملية اختطافه للشيخ رائد المتني”.
وجاءت تحركاته باستكمال إنشاء الحاجز العسكري بمثابة رسالة تأكيد ثانية على أنه “حسم قراره باستخدام الحل العسكري في السويداء”، بحسب الناشط عماد الأطرش، أحد المشاركين في احتجاجات السويداء.
ومع أن النظام لم يفعّل الحاجز الجديد حتى الآن، إلا أن المضي في تفعيل دور الحاجز قد يؤدي إلى “حدوث تصادم في أي لحظة بين عناصر الحاجز والمحتجين الذين يمرون عبره قاصدين ساحة الاحتجاجات”، كما أوضح الأطرش لـ”سوريا على طول”، مستشهداً بما حدث عام 2019 عندما هاجم مواطنون حاجز جبل السويداء، رداً على مقتل شاب متأثراً بإصابات تعرض لها أثناء مروره على الحاجز.
وفي هذا السياق، نشر سليمان عبد الباقي، قائد فصيل أحرار الجبل، تحذيراً من إنشاء الحاجز الأمني عند دوار العنقود، معتبراً أنه “خطر على المنطقة كلها”، متهماً “الميليشيات الإيرانية” بأنها تريد الدم والمخدرات ودمار البلد.
رغم التصعيد ضد النظام، إلا أن فصائل السويداء متمسكة بعدم جر المحافظة إلى التصعيد العسكري، وفقاً لقائد فصيل لواء الجبل، مرهج الجرماني، كاشفاً لـ”سوريا على طول” عن “وجود اتصالات بين الفصائل والزعماء التقليديين والدينيين لمنع إقامة الحاجز بالحلول السلمية”.
وشدد الجرماني رفض فصائل السويداء “محاولات النظام فرض حلوله الأمنية على المحافظة”.
غاب فصيل حركة رجال الكرامة، أكبر الفصائل العسكرية، عن المشاركة في التصعيد الأخير في السويداء، إذ اكتفت الحركة بـمراقبة الوضع، “ولن تتدخل إلا إذا أدى التصعيد إلى تهديد سلامة الأهالي داخل الجبل”، كما قال أبو تيمور، الناطق الإعلامي للحركة.
وأضاف أبو تيمور في حديثه لـ”سوريا على طول”: “الوضع في الجنوب السوري معقد للغاية، وأي تصعيد عسكري غير مدروس قد يشغل المنطقة ويدخل المحافظة في دوامة عنف غير متوقعة”.