انهيار اقتصادي وفقر وبطالة: إنجازات بشار الأسد في سبع سنوات عجاف مضت
تتحول أجهزة الدولة وجيشها وأمنها إلى خدام لرجال الأعمال ومصالحهم على حساب المواطنين الذين يصبحون جزءاً من مكنة هؤلاء
26 مايو 2021
عمّان – بينما يستعد بشار الأسد لإعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية السورية المزمع عقدها اليوم الأربعاء المقبل، 26 أيار/ مايو الحالي، والبدء تالياً بولايته الرابعة، تكشف أسعار صرف الليرة، وأرقام الفقر والبطالة والغلاء في البلاد، زيف النصر الذي سيدعيه الأسد وحلفاؤه، لاسيما روسيا وإيران وحفنة دول أخرى تدور في الفلك ذاته.
الأسد بين ولايتين
منذ إعلانه الفوز في الانتخابات الرئاسية السابقة في 4 حزيران/ يونيو 2014، بنسبة 88.7% من أصوات المقترعين، كان أبرز ما حققه بشار الأسد خلال السنوات السبع التالية، هو استعادة السيطرة على غالبية مناطق المعارضة السورية. وهو ما كان نتيجة التدخل العسكري الروسي المباشر في العام التالي، ودعم المليشيات متعددة الجنسيات الممولة من إيران على أساس طائفي.
في المقابل، شهدت سوريا أزمات اقتصادية خانقة بحكم انهيار الليرة إلى مستويات غير مسبوقة، إذ ارتفع سعر صرف الدولار الأميركي من 147 ليرة يوم إجراءات الانتخابات الرئاسية السابقة، إلى 3,170 ليرة حالياً. وهو ما أفضى، ضمن عوامل أخرى طبعاً، إلى شح السلع والمواد الأساسية، وتفاقم الفقر والبطالة بين السوريين في مناطق سيطرة الأسد والمليشيات الحليفة.
ذلك أن “الإنجازات على قدر المعطيات”، بحسب الباحث الاقتصادي السوري د.كرم شعار، و”المعطيات التي يعمل ضمنها بشار الأسد غير جيدة. فالبلد في حالة حرب ومفروض عليها عقوبات اقتصادية غربية والوضع العام رديء، [بغض النظر عما] إذا كان هناك حاكم جيد أو سيء وإن كان هو المسبب [بذاك الوضع]”.
وما بين الحملة الانتخابية السابقة للأسد التي حملت شعار “نعمرها سوا”، والحملة الحالية التي تحمل شعار “الأمل بالعمل”، فإن “أهداف الحملة السابقة وبرنامج الأسد الانتخابي لم ينجزا. إذ لم يكن هناك أي حركة لإعادة الأعمار، وأسعار الصرف انهارت أكثر، وقاد البلد إلى خراب أعظم وأكبر مما كان عليه في 2014″، وفق الباحث الاقتصادي السوري، يونس الكريم.
لكن “الكارثة كانت في إدخال البطاقة الذكية إلى كل مناحي الحياة، وبالتالي دخول التقنين”، كما أضاف كريم لـ”سوريا على طول”، إضافة إلى “ظهور الأرقام الفلكية للموازنة العامة، ما قاد لانهيار سعر الصرف”. وفوق ذلك “زيادة أزمة المحروقات وطوابير الانتظار في كل مناحي الحياة”، و”فشل النظام في إعادة العلاقات [مع المجتمع الدولي عموماً]، بل على العكس فُرضت عليه عقوبات مضاعفة”.
كما اتسمت السنوات السابقة من حكم الأسد بـ”انهيار المنظومتين الصحية والتعليمية، كما لم يتحسن مستوى الكهرباء والخدمات الأساسية”، وفق كريم، بالتزامن مع “ظهور أسماء كبيرة من رجال الأعمال، بات بعض منهم أكبر من مؤسسات الدولة، وأصبحت تعتمد عليهم بالمناقصات، عدا عن توجه الحكومة إلى التوسع في صلاحيات رجال أعمال مثل آل قاطرجي وغيرهم”.
يضاف إلى ذلك سيطرة زوجة بشار، أسماء، على الاقتصاد السوري بشكل أكبر، بعد الصراع الحاصل مع ابن خال الأسد رامي مخلوف، إضافة إلى صراع مماثل بين حلفاء النظام الروس والإيرانيين على مقدرات وثروات البلاد.
المخدرات السورية تجوب العالم
بشكل ملفت، يعلن العديد من دول العالم مؤخراً إحباط محاولات تهريب مخدرات، لاسيما حبوب الكبتاغون، قادمة من مناطق سيطرة نظام الأسد، وبكميات ضخمة. وهو ما يشير إلى تحول تلك المناطق إلى مركز لإنتاج وتصنيع المخدرات والإتجار بها، وتورط أركان النظام في ذلك.
“هناك ارتباط بما لا يرقى إليه الشك بين تجارة المخدرات والنظام”، بحسب د. شعار. إذ إن “غالبية مراكز إنتاج المخدرات، لاسيما الكبتاغون، هي في مناطق النظام بحسب تقارير دولية تحدثت عن ذلك”، إضافة إلى أن سامر كمال الأسد، أحد أقارب بشار الأسد، هو “أحد الأشخاص المتورطين بموضوع المخدرات حتى نقي العظام. وكلنا متفقون أن الحكومة السورية متورطة بشكل مباشر. والحديث عن سامر الأسد بأنه متورط يعني أننا نتحدث عن ارتباط للعائلة وهو ما يعني وجود علاقة لبشار الأسد بشكل مباشر بالأمر”.
ووفقاً لشعار، فإن “الأرقام [المتعلقة] بالتجارة بهذه المواد مرعبة، والقيمة السوقية المقدرة لشحنات الكبتاغون في العام 2020 في سوريا تبلغ قرابة 3.5 مليار دولار أميركي، بينما بلغت موازنة سوريا ككل للعام ذاته، 2.7 مليار دولار”. لذا، فإن “الدور الاقتصادي الذي تلعبه تجارة المخدرات في سوريا مرعب، وهو شيء لا يمكن للعقل تصديقه”.
وهذا الدور، كما حذر شعار، قد يتحول في المستقبل إلى “مشكلة كبيرة، وعامل ضغط على صانعي السياسة الغربيين للاتجاه لحل سياسي تماماً مثل ما هو الواقع لملف اللاجئين”. فكما تحولت قضية اللاجئين السوريين إلى عامل ضغط وخوف لدى صناع القرار الغربيين، “يمكن أن يضاف موضوع المخدرات لذلك”، وبما قد يدفع الغرب إلى “فرض تسوية سياسية في سوريا لأجل القضاء على المخدرات”.
يعزز ذلك اتجاه “حلفاء الأسد الروس والإيرانيين إلى الضلوع في هذه التجارة بشكل أكثر”، بحسب الباحث يونس الكريم، ما يعد “أمراً بالغ الخطورة”.
لكن “تجارة المخدرات لم تكن قناة تمويل”، برأي الكريم، و”إنما الخنجر أو طلقة الرحمة التي ضربت سعر صرف الليرة”. موضحاً أن “المواد الأولية لصناعة الكبتاغون يتم استيرادها من الخارج ويدفع ثمنها بالدولار المحلي، ومن ثم تجري عملية التصنيع داخل سوريا ليتم بيعها خارجاً للحصول على دولار”. وحينما يتم ضبط الشحنة “يضيع الدولار والأموال المدفوعة”.
وضبط العديد من دول العالم كميات ضخمة من المخدرات بأوقات متقاربة يعني أن النظام “لم ينجح في تمرير شحنات المخدرات للخارج، لاسيما وأن الفترات متقاربة والكميات كبيرة وهي تحتاج وقتاً للتصنيع، ما يعني أن النظام لم يستطع الحصول على الأموال التي كان يطمح لها”، أضاف الكريم.
كذلك، جعلت تجارة المخدرات، وفق الكريم، “اقتصاد الظل أكبر من الاقتصاد الحقيقي، إلى حد بات الجميع يعمل في منظومة المخدرات، سواء في تسهيل مرورها أو تأمين العمالة والتعبئة وغيرها، وذلك على حساب القطاع الصحي، لكون بعض المواد المستخدمة في صناعتها هي مواد مستوردة للصناعات الدوائية”. عدا عن أن عمليات تغليف المخدرات داخل المنتجاب السورية “بدأت تضرب سمعة المنتجات ورجال الأعمال السوريين، وكل هذا كان له دور وثمن غال”. رغم ذلك، نشهد “اليوم تسهيلاً من السلطة التنفيذية لتجارة المخدرات”، برأي الباحث، بهدف “غسيل أموال أمراء الحرب. فمثلاً يتم تصدير المخدرات إلى بلد المقصد، ومن ثم يحصل هؤلاء التجار على سلع معينة من هناك يتم استيرادها بشكل نظامي للبلاد، أو يشترون هناك منازل وعقارات ثم يقومون ببيعها وتحويل الأموال إلى سوريا لتصبح أموالاً نظيفة”.
كذلك فإن الصراع الحاصل بين رامي مخلوف وأسماء الأسد “دفع جزءاً من رجال الأعمال إلى تهريب أموالهم خارج البلد خشية عليها من هذه المعركة الطاحنة”، لفت الكريم، و”لم يكن هناك طريقة أسرع من صناعة وتهريب المخدرات”. مشيراً إلى أن الأخطر من ذلك، أن هذه الصناعة “بدأت تنتقل من الورش الى معامل الأدوية التي تسيطر عليها بشرى الأسد، وبالتالي العائلة بدأت تحاول تمويل وترميم مؤسسات الدولة ونشاطاتها حتى تلك التي على صعيد إنساني في مناطق حضانتها الشعبية من هذه التجارة التي تتميز بالدولار، عدا عن أن المليشيات الأجنبية باتت تعمل أيضاً في هذه التجارة من أجل تمويل نفسها، لذا فإن جميع التيارات في النظام باتت تتجه بشكل أكبر نحو هذه التجارة وزيادة إنتاجها”.
عقلية كوريا الشمالية
تميز الطرح الاقتصادي الذي تبناه نظام الأسد خلال السنوات السبع الماضية بـ”محاولة أن يستفيد اقتصادياً من أي شيء يمكن الاستفادة منه”، وكذلك “إدارة الاقتصاد بعقلية كوريا الشمالية”، وفق د. شعار. موضحاً أنه “فرض على منتجي السلع ما يجب إنتاجه، وعلى مستوردي السلع ما يجب استيراده، وعلى البائعين الأسعار التي يجب البيع بها”، وهو ما يعكس “عدم فهم قوة الاقتصاد الحر؛ فالاقتصاد الحر ليس شيئاً يسهل قمعه بالبسطار [الحذاء العسكري]”.
إذ “مثلاً، في حال كانت الأسعار لسلعة ما مختلفة ما بين سوريا ولبنان، فمن الطبيعي أن يحدث تهريب لها، وضبط ذلك عملية شبه مستحيلة”، أضاف د. شعار. و”في حال كانت تكلفة الإنتاج على البائع أعلى من السعر المحدد لها من قبل الدولة، فإن البائع سيجد طرقاَ ليبيع بالسعر الذي يحقق له ربحاً معيناً مهما كان التهديد العسكري أو الضغط وإلا سيغلق العمل ككل”.
لذا فإن “فكر وعقلية الحكومة بأنه يمكن إدارة الوضع الاقتصادي وأن كل شيء تصلح معه القوة غير صحيح، هم لا يفهمون أن لا قوة في العالم أعدل من قوة السوق الحر الحقيقي بتحديد السعر الواقعي لأي سلعة”.
إضافة إلى ما سبق، اعتمدت حكومة دمشق على “الابتزاز” كوسيلة جديدة للحصول على التمويل. وكما أوضح شعار، فإنه “مثلاً، حينما تقول لصاحب مؤسسة يريد أن يستثمر في سوريا أن تكلفة التأسيس لهذا المشروع من حيث الجوانب الإدارية والمعاملات الرسمية هي X ليرة، فهذا ليس ابتزازاً. لكن حينما تقول لمواطن أنت لا تستطيع أن تسافر خارج بلدك إلا بجواز سفر سعره أضعاف أسعار الجوازات ببلدان أخرى، أو تقول له أنت لا تستطيع أن تدخل بلدك إلا حينما تصرّف 100 دولار، فهذا ابتزاز”، في إشارة إلى القرار الحكومي المتعلق بتصريف كل مواطن سوري يرغب بالدخول إلى سوريا مبلغ 100 دولار على الحدود.
استجداء رجال الأعمال
خلال السنوات الماضية، أصدرت حكومة دمشق العديد من القوانين والمراسيم التي تحمل في طياتها بشكل أساسي “منح أشخاص ورجال أعمال إعفاءات كبيرة”، ما يعني “ضياع الأموال على الدولة من مصدرها”، بحسب كريم. بينما يعد الهدف الأساسي لذلك “ترتيب البيئة الاقتصادية في البلاد، بحيث تناسب أشخاصاً معينين”، لاسيما في حال فرض حل سياسي. إذ إن “هذه البيئة الجديدة ستمكن النظام من إعادة تجديد نفسه وحماية أملاكه وأمواله بواسطة هذه القرارات الاقتصادية”، كما أوضح.
إذ يحاول النظام الاستفادة من جزئية أن “القرارات الاقتصادية عادة لا يشملها الحل السياسي، وتغيير السياسات الاقتصادية السابقة بعد أي حل سياسي قد يحتاج إلى فترة طويلة تتجاوز المرحلة الانتقالية، وأحياناً لا ينجح كما حدث في مصر”، وفق الكريم. وهو ما يعطي بالدرجة الأولى تيار أسماء الأسد فرصة “للبقاء حتى ما بعد أي حل سياسي”، لا سيما “إذا تم الحل بالتوافق ما بين المعارضة والنظام، بحيث سيتحكم هذا التيار بالاقتصاد مستقبلاً”.
وبشكل عام، ظهرت “تغيرات كبيرة في تعامل النظام مع الاقتصاد”، وفق د. شعار. مرجعاً ذلك إلى تعيين حاكم جديد لمصرف سورية المركزي، هو عصام هزيمة الذي يبدو أن “طرحه للإدارة النقدية مختلف تماماً عن الحاكم السابق حازم قرفول”. إذ يسعى هزيمة “إلى تقريب أسعار صرف السوق السوداء من الأسعار النظامية، كما يلغي تجريم حيازة الدولار الأميركي، ويرفع كمية النقد المسموح للتجار إدخالها معهم من الخارج خارج قنوات البنك المركزي”.
واعتبر شعار أن هذه الطرح الجديد “سوف يسهل الوضع النقدي للنظام ويخدمه، وهي تحركات بالاتجاه الصحيح إذا كان العامل الذي نتطلع إليه هو خدمة مصلحة النظام”. مشيراً إلى أن “المستقبل سوف يحمل المزيد من الاستجداء لأصحاب الأموال”، كما يتضح ذلك في “قانون الاستثمار الجديد”، من حيث “درجة السخاء في الاعفاءات الضريبية للمستثمرين الجدد”، بينما في مقابل ذلك، “يتوجب على المواطن الذي تجاوز سقف راتبه 50 ألف ليرة [قرابة 16 دولاراً أميركياً بحسب سعر صرف السوق الموازية البالغ 3,135 ليرة] ضريبة دخل”.
وعلى الرغم من أن هذا الواقع موجود من قبل، إلا أنه برأي شعار “هناك اتجاه لزيادة بشكل أكبر في هذا الأمر”.
سوريا في ولاية الأسد الجديدة
خلال السنوات الأخيرة، بدأ يتبلور أكثر تحول نظام الأسد إلى “نظام نيو رأسمالي”، بحيث تفقد الدولة دورها، و”تصبح حارساً لأملاك كبار المستثمرين”، بحسب الكريم، فيما “تتحول أجهزة الدولة وجيشها وأمنها إلى خدام لرجال الأعمال ومصالحهم على حساب المواطنين الذين يصبحون جزءاً من مكنة هؤلاء”.
ومن ثم، “نحن نتجه إلى وضع اقتصادي أصعب”، أضاف الكريم، و”إلى مزيد من انتزاع ملكيات الناس، وزيادة العقوبات الدولية”. منبهاً، بالتالي، إلى ضرورة أن تقوم المعارضة بـ”عمليات رصد حقيقية منذ الآن للبيئة الاقتصادية الحالية، وتفعيل المحاكم الاقتصادية لمتابعة أمراء الحرب ورجالات النظام، وإلا سوف نخسر المحتوى الحقيقي لأي حل سياسي”، لاسيما وأن أي حل سياسي سيكون النظام طرفاً فيه فـ”لن يستفيد منه المواطن، إنما سيكون مفيداً لأمراء الحرب نتيجة القرارات الاقتصادية التي تحميهم” وهي قرارات ستكون محيدة “خلال الفترة الانتقالية”.