بدلاء رامي مخلوف: أسماء جديدة لمواصلة نهب الاقتصاد السوري
على الرغم من ضآلة المعلومات الواردة من داخل "الغرفة المالية" التي تتحكم باقتصاد البلاد، إلا أن نتائج هذا الصراع بدأت تتضح اليوم بشكل أكبر، بهزيمة مخلوف
14 يونيو 2020
عمّان – بينما يحتدم الصراع بين ما يمكن وصفه بـ”مراكز قوى اقتصادية” داخل النظام السوري، يستمر اضطراب سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، بحيث سجل انهياراً غير مسبوق في الفترة السابقة، قبل أن يعاود التحسن نسبياً خلال الأيام الماضية. وهو ما يعكس مزيداً من التصدع للاقتصاد المتهالك، وارتفاع أسعار الخدمات والسلع الأساسية بشكل يزيد الضغط على أغلبية السوريين إلى درجة الانسحاق.
أبرز ملامح ذاك الصراع، هو ذاك الذي خرج إلى العلن مؤخراً بين تيارين رئيسين داخل ما يسميه الباحث الاقتصادي السوري يونس الكريم “الغرفة المالية للقصر الجمهوري”، هما: تيار أسماء الأخرس، زوجة بشار الأسد، وتيار ابن خال الأخير، رامي مخلوف الذي يستحوذ على 60% من الاقتصاد السوري، بحسب الكريم.
وعلى الرغم من ضآلة المعلومات الواردة من داخل “الغرفة المالية” التي تتحكم باقتصاد البلاد، إلا أن نتائج هذا الصراع بدأت تتضح اليوم بشكل أكبر، بهزيمة مخلوف. إذ صدر، في 19 أيار/مايو الماضي، قرار بإيقاع الحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة له ولزوجته وأولاده، وتعيين حارس قضائي على شركة سيريتل للاتصالات التي يملك مخلوف الحصة الأكبر فيها.
ومع انتصار تيار أسماء الأسد، تتكشف أيضاً هوية أعضاء تيارها الذي يعد شقيقها فراس فواز الأخرس، وابن خالتها مهند الدباغ، أبرز رموزه، إضافة إلى مجموعة كبيرة من “رجال الأعمال” الجدد وأمراء الحرب الذين طالت غالبيتهم العقوبات الدولية.
خمسة تيارات متصارعة
يمكن التمييز، كما ذكر الكريم لـ”سوريا على طول”، بين خمسة مراكز قوى أو تيارات اقتصادية رئيسة في النظام السوري، أبرزها تيار أسماء الأسد الذي “يحاول الاستحواذ على النظام والدولة السورية”، ويتألف من مكاتب علاقات عامة، وصحافيين، إضافة إلى الاقتصاديين الجدد وأمراء الحرب، وفقاً للكريم.
من أبرز الأمثلة على هؤلاء الإخوة قاطرجي الذين ذاع صيتهم لأول مرة نتيجة الدور الذي يلعبونه في تجارة النفط بين مناطق تنظيم الدولة (داعش)، شمال شرق سوريا، ثم قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وبين الحكومة السورية خلال السنوات الماضية.
كذلك، هناك سامر فوز، الذي لمع نجمه خلال السنوات الخمس الماضية، قبل أن تطاله العقوبات الدولية. لكن، يبقى فراس الأخرس، شقيق أسماء الأسد، ومهند الدباغ ابن خالتها، أبرز الوجوه الجديدة في هذا التيار.
وبحسب الكريم، فإن غالبية أمراء الحرب ورجال الأعمال الجدد قد “تقلبوا في العلاقات بين “داعش” و”قسد”، والروس والأميركيين”. موضحاً أن آل قاطرجي، على سبيل المثال، أصبحوا مؤخراً “يدينون بالولاء للروس بعد تقلبهم مع أكثر من طرف، حتى إن النظام صُدم من ذلك”. فوق ذلك، فإنه “لا يمكن الاعتماد عليهم في بناء الاقتصاد”.
على الضفة الأخرى، يكافح تيار رامي مخلوف، المكون من رجال الأعمال التقليدين والعائلات البرجوازية، والذين “يملكون علاقات دولية، وإرثاً تاريخياً طويلاً”، في الصمود بوجه صعود التيار الجديد، كما ذهب الكريم.
فعلى مدار العقود الماضية من حكم حزب البعث للبلاد، امتلك أعضاء هذا التيار “العلاقات الاقتصادية القوية مع أكثر من 100 دولة حول العالم، وعبر ما يقارب 77 غرفة تجارة معفاة من الضريبة”، بحسب الكريم، ما جعل سوريا “معبراً للتهرب الضريبي، بحيث يتم من خلالها تصدير البضائع إلى دول أخرى، تلافياً للعقوبات والضرائب”.
يضاف إلى التيارين السابقين تيارات أخرى، هي، خصوصاً، التيار الإيراني، والتيار الروسي، وتيار أمراء الحرب. ومع محاولة أمراء الحرب السيطرة على مؤسسات الدولة وأعضاء الحكومة، وبالتالي زيادة الفساد المستشري أصلاً في الدولة، ازداد الضغط على طبقة رامي مخلوف.
إلا أن د. رفعت عامر، الأستاذ الجامعي والباحث المقيم في السويد حالياً، رأى أن أسماء الأسد “تحاول مع شعورهم [هي وبشار الأسد] باقتراب نهاية النظام، تمثيل دور المصلح والمحارب للفساد”. مضيفاً في حديثه إلى “سوريا على طول”، أن الحقيقة تتمثل في كون “الهدف الضمني هو تثبيت الملكيات العائدة لبشار الأسد، من خلال تحويل الثروات الموجودة في الخارج باسم رامي مخلوف إلى أسماء أشخاص أكثر موالاة لبشار وزوجته”.
ومن أبرز العوامل الداخلية والخارجية التي تنبئ بقرب نهاية النظام السوري، بحسب عامر، “تلاشي قدرة النظام على إشباع أو تلبية حاجات القتلة ورجال العصابات إلى المزيد من المال والثروات”، إضافة إلى “حاجات مواليه إلى الحد الأدنى من متطلبات الحياة”. وفوق كل ذلك “الضغط الروسي بأشكال مختلفة على نظام أصبح غير قادر على أداء دوره في المرحلة المقبلة وفقاً للمأمول من روسيا”.
ولفت عامر إلى أن “عملية استعادة الثروات المنهوبة المسجلة باسم رامي مخلوف لا يخدم بالمطلق الاقتصاد السوري، لكون 80% منها خارج دورة الاقتصاد الوطني”. إضافة إلى أنه “لا يمكن تصور إرجاعها للشعب السوري، لا بل قد يزيد ذلك معاناة الشعب من خلال انعكاس الصراع على سعر الصرف والثقة بالليرة السورية المنهارة أصلاً”.
أثر صعود أمراء الحرب
في تسجيلات الفيديو التي ظهر فيها مخلوف، كرر عدة مرات أن ما يجري بحقه سيقود البلاد إلى “حالة صعبة”، في رسالة حملت في طياتها تهديدات تشير إلى أن النظام يسير نحو صدام داخلي بين مكوناته.
وعلى مدار السنوات الماضية، شكل رجال الأعمال التقليديين، إضافة إلى رامي مخلوف، سنداً اقتصادياً للنظام السوري، نظراً للقواسم المشتركة التي تجمعهم، والتي تخلق ما يشبه حالة من التكامل. إذ اعتبُرت هذه الطبقة البرجوازية “حاضنة للنظام، ترعاه أمام المجتمع الدولي” بحسب الكريم، مضيفاً أن “النظام اليوم يفتقد” هذه الحاضنة، الأمر الذي وضعه في “عزلة ووحدة”، بالتزامن مع ازدياد ضغط المواطنين وسخطهم نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية.
نقيض ذلك يبدو في حالة أمراء الحرب ورجال الأعمال الجدد. إذ “رغم ضخامة الأموال التي لديهم، إلا أنه ليس لديهم ولاء سوى الربح، بحيث لا يمكن لهم بناء اقتصاد أو الحصول على ثقة المجتمع الدولي”، وفقاً للكريم. إذ لم يكترث هؤلاء للانهيارات الجديدة الحاصلة لليرة، بل وذهب فريق منهم إلى محاولة استغلال أسعار الصرف المتعددة للدولار الأميركي التي حددها مصرف سورية المركزي، والمضاربة على الليرة، وبالتالي زيادة حجم الانهيار لأجل التربح غير المشروع.
وعلى سبيل المثال، كما أشار الكريم، ساهمت شركة تكامل التي كانت مسؤولة عن تشغيل البطاقة الذكية المخصصة لتوزيع سلع مدعومة، والتي يديرها كل من مهند الدباغ وفراس الأخرس، في “ابتزاز الناس، وتعميق أزمة نقص السلع الأساسية التي استولت عليها”. وبعد سخط شعبي، اضطرت الحكومة إلى نقل إدارة “البطاقة الذكية” إلى صلاحيات شركة “محروقات” الحكومية، إضافة إلى جعل وزارة الاتصالات السورية المسؤولة فنياً عن تشغيلها.
في السياق ذاته أيضاً، اعتبر عامر أن “ظهور رجال أعمال جدد لا يؤثر ولا ينعكس بالإيجاب على الاقتصاد السوري”، كون ذلك “عملية إعادة توزيع للثروة على رموز وشخصيات قريبة جداً من بشار و[شقيقه] ماهر الأسد، لاسيما وأن مخلوف أظهر، مع تعقد الأزمة السورية وانهيار الاقتصاد والدولة، رغبة في ممارسة دور سياسي بناء على إمبراطوريته الاقتصادية والمالية”.
وقد شكلت هذه المحاولة، كما ذهب عامر، “تحدياً صارخاً لنظام قام منذ الأسد الأب، وتالياً الابن، على تبعية الاقتصاد للسياسة، وحصر دور رجال المال والاقتصاد الموالين في تلبية حاجة السلطة السياسية فقط، أي الحكم الفردي المطلق”.
وهو ما يعني، بحسب عامر، “إعادة تشكيل الاقتصاد الوطني بشخوص جديدة قريبة من أسماء الأسد، على نحو مشابه لمبدأ وضعه حافظ الأسد، لترسيخ حكمه، إذ يستند إلى تحالف السلطة السياسية الممثلة بحكم الفرد المطلق ذات الأساس الأقلوي مع رجال المال والتجارة من الأكثرية السنية، من أجل حفظ التوازن، وديمومة الحكم المطلق في سوريا، على أن تكون السياسة هي المحرك والقائد
سيناريوهات متوقعة للاقتصاد السوري
مع سعي التيار الجديد للإمساك بزمام الاقتصاد السوري، سيكون نهب ثروات البلاد، مرة أخرى، هو الطريق إلى تحقيق ذلك. الأمر الذي يضع سوريا، كما أوضح الكريم، أمام سيناريوهات عدة، أبرزها ذاك المتمثل في “تحويل البلاد إلى طريق للمخدرات والدعارة، كما يظهر الآن”.
وتتجلى معالم هذا السيناريو مع “تحول مؤسسات الدول إلى مؤسسات فاشلة، منهارة”، ما يعني تحولها من خدمة المواطن إلى خدمة أمراء الحرب والأثرياء في البلاد. وقد “أصبحت سوريا تمول الصراعات العالمية بالمقاتلين والمخدرات وغسيل الأموال”، بحسب الكريم. مستدركاً بأن “انهيار العملة السورية، والعقوبات الدولية، منعا النظام من السير في هذا السيناريو”.
السيناريو الثاني يتمثل في قيام الحكومة برفع الدعم الكامل عن السلع، وتعويم الليرة، بمعنى خضوعها لقانون العرض والطلب. وهو ما يقود إلى “انتشار المجاعات”، وفتح الطريق أمام “دخول الشركات الكبرى غير الخاضعة لرقابة الدولة، للاستثمار في سوريا”.
وقد اصطدم هذا السيناريو باستحواذ الروس والإيرانيين على معظم المؤسسات المولدة للدخل، ما يعني، بحسب الكريم، عدم قدرة الشركات الكبرى على الدخول إلى سوريا من دون التفاوض مع حلفاء النظام.
أما السيناريو الثالث، والذي اتبع في العراق، فيستند إلى قيام “المجتمع الدولي بتقديم مساعدات للشعب السوري، ودفع أموال للنظام، مقابل أن يقدم الأخير تنازلات كبيرة أو امتيازات معينة للجهات المانحة”.
وقد تتمثل هذه التنازلات والمنح في امتيازات تقدمها دمشق في مشاريع نقل النفط والطاقة عبر سوريا، إذ يمر فيها خمسة أنابيب نفطية، إضافة إلى موقعها الاستراتيجي كصلة وصل بين أوروبا ودول الخليج العربي وتركيا وغيرها، كما امتلاكها مخزوناً نفطياً وآخر من الغاز يتوقع استثماره قبالة السواحل السورية.