“بدنا المعتقلين”: أساس أي استراتيجية أميركية بشأن سوريا
"بدنا المعتقلين" المقولة الأكثر ترديداً وديمومةً في التاريخ السوري الحديث، ويجب أن يكون المعتقلون والمعتقلات محور تركيز السياسة الأميركية تجاه سوريا، من وجهة نظر الحقوقي السوري
28 مارس 2023
طوال سنوات، اتُّهمت الولايات المتحدة بعدم تطوير استراتيجية أو سياسة شاملة تجاه سوريا، حتى أن البعض وصف هذا النهج الأميركي بأنه استراتيجية اللااستراتيجية.
بعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا في شباط/ فبراير 2023، نشرت “خدمة أبحاث الكونغرس” الأميركية وثيقة عن سوريا والسياسة الأميركية تنص على ما يلي:
حددت إدارة بايدن أربع أولويات سياسية لتحقيق هدف الولايات المتحدة في التسوية السياسية للصراع حسب ما ورد في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254: (1) دعم حملة الولايات المتحدة والتحالف ضد الدولة الإسلامية؛ (2) دعم وقف إطلاق النار المحلي؛ (3) توسيع إيصال المساعدات الإنسانية؛ و(4) الضغط من أجل المساءلة واحترام القانون الدولي مع تعزيز حقوق الإنسان ومنع الانتشار، بما فيه من خلال فرض عقوبات محددة الهدف.
في 27 آذار/ مارس 2023، أفادت مواقع إخبارية بأن مجموعة من الخبراء والمسؤولين الأميركيين السابقين وقعوا رسالة موجهة إلى الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن بشأن سياسة مقترحة تجاه سوريا.
دعت المجموعة، المكونة من نحو 40 خبيراً في الشأن السوري ومبعوثين أميركيين سابقين إلى سوريا ومسؤولين سابقين في وزارة الخارجية والبنتاغون ووكالة المخابرات المركزية، إلى تبني سياسة شاملة تجاه سوريا، واقترحت إطاراً جديداً لإنهاء الأزمة السورية، بحسب موقعي بوليتيكو والمونيتور.
تضمنت رسالة السياسة عناصر مهمة واقتراحاتٍ محددة، مثل:
– على الولايات المتحدة بذل مزيد من الجهود لإعادة عناصر داعش والنساء والأطفال المحتجزين في شمال شرق سوريا إلى بلادهم.
– على المجتمع الدولي إصدار قرار بإنشاء آلية لتوضيح مصير أكثر من 100 ألف مفقود ومختفٍ سوري.
لكن الجدير بالملاحظة، أن الرسالة لم تتضمن أحد أكثر السمات المميزة للنزاع في سوريا وواحدة من أكثر القضايا إلحاحاً بنظر ملايين السوريين، وهي: إطلاق سراح المدنيين المحتجزين تعسفياً بمن فيهم الأطفال والنساء.
من المعروف والموثق على نطاق واسع أن ممارسة نظام الأسد للاحتجاز التعسفي للمدنيين كانت سبباً رئيسياً ومحركاً للثورة السورية عام 2011 والصراع اللاحق. تحولت المطالبة بالإفراج عن المعتقلين إلى دعوة حاضرة في كل مظاهرة وتجمع عام تقريباً منذ ذلك الحين، وطالبت أكبر المظاهرات في سوريا بالإفراج عن المعتقلين.
أصبح شعار “بدنا المعتقلين” المقولة الأكثر ترديداً وديمومةً في التاريخ السوري الحديث، بحسب اعتقادي.
أي سياسة أميركية أو توصية بخصوص سياسة أو استراتيجية بشأن سوريا ستكون ناقصة بشكل خطير إن لم تسمع هذا الشعار وتطالب بما ردده ملايين السوريين. لا يمكن التغاضي عن تأثير كارثة الاعتقال التعسفي التي صنعها الأسد على عشرات آلاف الضحايا، ومئات الآلاف من عائلاتهم، والمجتمع السوري ككل، والطريق إلى السلام والعدالة وإنهاء المعاناة الإنسانية والصراع في سوريا، ويجب أن يفهم الجميع أن ملف المعتقلين يجب أن يكون أولوية في أي سياسة أو استراتيجية معنية بسوريا.
المطالبة بالإفراج عن الأشخاص المحتجزين تعسفياً، بمن فيهم النساء والأطفال، مدعومة ليس فقط بقرار واحد تم تبنيه بالإجماع من قبل مجلس الأمن الدولي، بل بعديد من القرارات، بما فيها:
- قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 (2015)، الذي دعا إلى ” الإفراج عن أي محتجزين بشكل تعسفي، لا سيما النساء والأطفال”، والذي دعا أيضاً دول “المجموعة الدولية لدعم سوريا” بما فيها الولايات المتحدة إلى “استخدام نفوذها على الفور تحقيقاً لهذه الغايات”.
- قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2139 (2014)، الذي طالب بـ”إطلاق سراح جميع الأشخاص المحتجزين بصورة تعسفية بدءاً بالنساء والأطفال، وكذلك المرضى والجرحى وكبار السن، بما يشمل موظفي الأمم المتحدة والصحفيين”.
- قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2191 (2014)، الذي طالب بـ”إطلاق سراح جميع الأشخاص المحتجزين تعسفاً بدءاً بالنساء والأطفال، وكذلك المرضى والجرحى وكبار السن بما في ذلك موظفو الأمم المتحدة والعاملون في المجال الإنساني والصحفيون”.
في تصريحها، قبل أقل من عام، في اجتماع للأمم المتحدة، قالت ممثلة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، السفيرة ليندا توماس غرينفيلد:
نعرف منذ سنوات أن الحل الوحيد للصراع في سوريا هو الحل السياسي الشامل، كما أفاد مجلس الأمن في القرار 2254. لا يمكن تحقيق سلام ومصالحة دائمين في سوريا مع وجود أكثر من مئة ألف سوري يقبع في السجون… حان الوقت للإفراج عن المعتقلين بشكل تعسفي.
تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية تنفيذ القرارات التي دعمتها ووافقت عليها، ويجب أن تكون التزاماتها التي فرضتها على نفسها تجاه المدنيين السوريين المحتجزين تعسفياً جزء من سياستها تجاه سوريا. تسريع دمج وتنفيذ “استراتيجية الولايات المتحدة لتوقع الفظائع ومنعها والرد عليها لعام 2022” فيما يتعلق بسوريا يشكل خدمة حيوية لأي سياسة أو استراتيجية أميركية بشأن سوريا.