بطقوس “باردة” يقضي السوريون في أوروبا شهر رمضان ويستقبلون عيد الفطر
رغم انتشار اللاجئين السوريين في أوروبا، حيث تستضيف الدول الأوروبية أكثر من مليون لاجئ سوري، 59% منهم في ألمانيا، إلى جانب وجود جاليات عربية مسلمة، إلا أن ذلك لن يعوض العائلات السورية أجواء رمضان وبهجة الأعياد كما كانوا يعيشونها في بلادهم.
28 أبريل 2022
باريس- مرّ أول رمضان على نور الدين مخيبر في مكان إقامته الجديد بمدينة إبنال، شرق فرنسا، ويستعد لاستقبال عيد مختلف عن الأعياد السابقة “بعيداً عن جمعة الأصدقاء وبهجة الأعياد”، كما كان يعيشها في تركيا ومن قبلها سوريا.
قبل ستة أشهر، وصل مخيبر، 34 عاماً، رفقة زوجته وطفليه إلى فرنسا، وتم نقله للسكن مؤقتاً في مدينة إبنال إلى حين استكمال إجراءات اللجوء “على بعد مئات الكيلومترات عن أصدقائي في هذا البلد”، كما قال لـ”سوريا على طول”، ما زاد من قسوة شهر رمضان عليه وأفقده لذة بهجة العيد “لأني لن أزور أحداً، ولا أتوقع زيارة من أحد”.
حُرم مخيبر، منذ تهجيره من مدينة معضمية الشام في ريف دمشق عام 2016، من “لمة العائلة” على موائد الإفطار في رمضان، لكن وجود الأصدقاء في فترة إقامته بتركيا وأجواء رمضان والأعياد التي تتميز بها تركيا، إضافة إلى “التواصل عبر الإنترنت مع أبي وأمي” كانت كفيلة بالتخفيف عنه.
ورغم انتشار اللاجئين السوريين في أوروبا، حيث تستضيف الدول الأوروبية أكثر من مليون لاجئ سوري، 59% منهم في ألمانيا، إلى جانب وجود جاليات عربية مسلمة، إلا أن ذلك لن يعوض العائلات السورية أجواء رمضان وبهجة الأعياد كما كانوا يعيشونها في بلادهم، ومهما حاولت هذه العائلات خلق أجواء خاصة تربطها بتراثها ستبقى طقوس رمضان والأعياد في أوروبا “باردة” على حدّ تعبير هيا توركو، وهي لاجئة سورية تنحدر من مدينة قدسيا بريف دمشق الغربي، وتقيم في مدينة كريستينساند جنوب النرويج منذ العام 2017.
“أجواء لا تتجاوز جدران المنزل”
تعمل هيا توركو، 28 عاماً، وهي متزوجة وأم لطفلين، في إحدى رياض الأطفال جنوب النرويج، وتمارس حياتها وسط المجتمع النرويجي، لكن في كل شهر رمضان ينتابها شعور الغربة، فخارج المنزل “لا توجد أي مظاهر رمضانية كتلك التي اعتدنا عليها في بلادنا”، ورغم عدم تعرضها لمضايقات إلا أن “وجودك في مكان العمل مع أصدقاء لا يعرفون عن صيامك وخصوصية هذا الشهر بالنسبة لك كمسلم يشعرك بانعدام وجود الدعم الجماعي”، بحسب قولها.
وتستذكر توركو بهجة رمضان والأعياد في سوريا، حيث “موائد العائلة”، وفي محاولة لتعويض هذه الأجواء “نبالغ اليوم في تزيين المنزل، على أمل تعويض غياب الأهل وخلق الأجواء الرمضانية”، لكن كل ما تصنعه في غربتها “لا يعادل وجود الأهل”، كما قالت.
وبدأت توركو تحضيرات الاستعداد لعيد الفطر “من تزيين المنزل وصناعة معمول العيد”، هذا إلى جانب المبادرات المجتمعية الخاصة بالعيد التي تشرف عليها ، منها “استئجار صالة فيها ألعاب للأطفال، وتجهيز قائمة بالمأكولات والحلويات احتفالاً بالعيد”، وتترأس توركو إدارة مسجد مدينتها إلى جانب زوجها وثلاثة رجال آخرين.
أما بالنسبة لنور الدين مخيبر، اقتصرت الأجواء الرمضانية بالنسبة له على “بعض الصور والإمساكيات المعلقة في المحلات العربية والتركية”، غير ذلك “لم أشعر بوجود أجواء رمضانية”. ورغم وجود جيران عرب في البناء الذي يسكن فيه، إلا أنه “من الصعب الانخراط في نشاطات مجتمعية قبل أن تنخرط في المجتمع المضيف بشكل أكبر”.
وبما أن الأجواء الرمضانية والأعياد بالنسبة للسوريين ترتبط أيضاً بأصناف من المأكولات والحلويات “مثل الناعم (الخبز المحمص مع الدبس)، والمعروك، ومشروب العرقسوس”، وهذا غير موجود في أوروبا، خاصة في النرويج “كون أعداد السوريين أقل مقارنة بأعدادهم في ألمانيا وفرنسا”، تصنع توركو بعض المأكولات في منزلها لاستحضار الأجواء الرمضانية، مستفيدة من “وجود المواد الأولية من المحلات العربية والتركية”. لكن هذا لا يعوض “الإحساس بشرائها من أسواق دمشق”، مشيرة إلى أن لذة الطعام مرتبطة بالمكان.
وعلى النقيض من التجارب السابقة، كان أحمد جلس، 30 عاماً، اللاجئ في ألمانيا منذ العام 2017 محظوظاً بموقع منزله القريب من شارع العرب في برلين “الذي خفف من قسوة الغربة”، مشبهاً المكان بأنه “جزء من دمشق، حيث المحلات السورية التي تقدم ما لذ وطاب من المأكولات والحلويات الشامية”.
حاول ابن مدينة القصير في محافظة حمص التكيف مع حياته في المنفى، ومع اقتراب عيد الفطر بدأ بالتخطيط “لتنظيم نشاطات شبابية، ورحلات وزيارات للعائلات السورية أيام العيد”، بحسب قوله.
التكيف مع المكان
مع قدوم شهر رمضان، تأججت مشاعر الغربة في داخل نور الدين مخيبر، وكأنه وصل قبل أيام، أسهم في ذلك حالة الفراغ والانتظار التي يعيشها إلا من بعض الإجراءات الروتينية المتعلقة بأوراق اللجوء، لذلك “في مثل هذه المناسبات نشعر بمزيد من الضغط النفسي أكثر من أي وقت آخر”.
المشاعر التي يعيشها مخيبر حالياً، أعادت أحمد جلس لاستذكار أول رمضان قضاه في ألمانيا، معتبراً أنه كان “من أصعب الشعور”، إذ كان حديث عهد مع المكان “لا أملك أصدقاء، ولست قادراً على تكوين علاقات مع أهل البلد المضيف بسبب حاجز اللغة”.
وتتفق توركو مع ذلك، إذ كان “أول رمضان لنا في النرويج صعباً جداً، واقتصرت نشاطاتنا داخل المنزل”، لكن مع تراكم السنين، وكسر حاجز اللغة “تعرفنا على العديد من العائلات المسلمة هنا” وتشاركت معهم النشاطات في مثل هذه المناسبات.
وكان شهر رمضان الحالي مميزاً بالنسبة لتوركو “من ناحية المبادرات المجتمعية الخاصة بهذا الشهر”، مشيرة إلى أن “معظم المراكز الدينية في النرويج نظمت إفطارات جماعية مرتين أو ثلاث مرات هذا الشعر، وهو ما أضفى أجواء رائعاً”، على عكس السنوات الماضية حيث تعذر تنظيم مثل هذه الإفطارات “نتيجة الإغلاقات لمواجهة فيروس كورونا، وتأخر موعد الإفطار إلى ساعات متأخرة، إذ كان يصادف موعد أذان المغرب الساعة العاشرة ليلاً”.
وتحولت توركو من مستفيد من المبادرات الرمضانية إلى مشاركة في تنظيمها، فخلال شهر رمضان الحالي شاركت في “ترتيب لقاءات إفطار جماعية لنساء سوريات ونرويجيات”.
وأسهم المناخ العام في النرويج بتكيف توركو مع المكان، خاصة في رمضان والأعياد، فالحكومة النرويجية “تدعم النشاطات الرمضانية، بمجرد رفع الفواتير إليها”، بحسب توركو، كما أن “المجتمع النرويجي يتعامل بألفة مع مناسبات الجالية المسلمة، ويغطي التلفزيون النرويجي سنوياً نشاطات أول أيام عيد الفطر”.
ويستضيف برنامج “صباح الخير نرويج” شخصيات مسلمة، “لتحضير الطعام أمام الشاشة، وقد عرضوا صورتي مع عائلتي في إحدى حلقات البرنامج”.
إضافة إلى ذلك “يوجد مسجد في كل بلدية بالنرويج، ولكل مسجد مبادراته واحتفالاته”، كما قالت توركو، لكن الاحتفالات الأكبر في العيد “تكون في الساحة الكبيرة لمسجد العاصمة، برعاية وحضور رئيس البلدية ورئيس الحكومة”.
في الوقت الذي يكافح نور الدين مخيبر للتأقلم مع حياته الجديدة، يعمل على تهيئة مناخ يشعر ابنه داني، ذو الخمسة أعوام، بأجواء رمضان وفرحة العيد، الذي صنع بدوره “زينة المنزل بنفسه”.