7 دقائق قراءة

بعد أحداث دامية: هل تنجح دمشق في احتواء أزمة الساحل السوري؟

بعد يومين داميين راح خلالهما عشرات المدنيين، أوقفت وزارة الدفاع السوري، عملياتها العسكرية في الساحل السوري حتى إخراج العناصر "غير المنتمين" إلى المؤسسة العسكرية والأمنية


8 مارس 2025

دمشق، باريس- بعد يومين داميين أعلنت وزارة الدفاع في الحكومة السورية الجديدة وقوات الأمن العام، اليوم السبت، إيقاف العمليات العسكرية في الساحل السوري حتى إخراج العناصر “غير المنتمين” إلى المؤسسة العسكرية والأمنية، بعد وقوع العديد من الانتهاكات هناك.

وقد أعادت القوات الحكومية الانتشار في مدن الساحل الرئيسية بعد مواجهات عسكرية واسعة ضد “فلول النظام” في الساحل، على خلفية قيام الأخيرة بـ”هجوم مدروس ومعد مسبقاً“، يوم الخميس، على نقاط وحواجز القوات الحكومية في المنطقة.

أدت المواجهات الحاصلة إلى مقتل 121 عنصر من قوات الأمن و26 مدنياً على يد عناصر من النظام السابق، فيما قتل 164 مدنياً، بينهم 7 أطفال و13 امرأة، على يد القوات الحكومية والمجموعات التابعة لها، بحسب أرقام وثقتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهي “الحد الأدنى وليست نهائية”، وسوف يصدر تقريراً مفصلاً بالأرقام المحدثة يوم الإثنين المقبل، كما قالت نور الخطيب من الشبكة السورية لحقوق الإنسان لـ”سوريا على طول”.

[تحديث: حتى 11 آذار/ مارس، أي بعد أيام قليلة من نشر هذا التقرير، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل ما لا يقل عن 803 أشخاص في اللاذقية وحماة وطرطوس وحمص، خلال الفترة بين السادس والعاشر من الشهر ذاته. وهي: 172 من القوات الحكومية، و211 مدنياً قتلوا على يد القوات الموالية للأسد، إلى جانب ما لا يقل عن 420 مدنياً و”مسلحاً منزوع السلاح” قتلوا على يد القوات المسلحة المتحالفة مع دمشق.]

واتهم رئيس جهاز الاستخبارات العامة السوري، أنس خطاب، قيادات عسكرية وأمنية سابقة تابعة لنظام الأسد بأنها “تقف وراء التخطيط والتدبير للجرائم في الساحل السوري”، مضيفاً في تغريدات له على منصة “إكس”، أن “هذه القيادات يتم توجيهها من بعض الشخصيات الهاربة خارج البلاد والمطلوبة للعدالة والقضاء”.

ملاحقة “الفلول” أم استفزاز حاضنتهم؟

في عصر يوم الخميس، هاجمت مجموعات مسلحة مراكز ونقاطاً أمنية تابعة لقوات الأمن والجيش السوري الجديد في محافظات الساحل، من غير المعلوم إن كان اندلاعه “في أعقاب مشاجرات بين قوات الأمن وشبان من أبناء بلدتي بيت عانا والدالية بريف جبلة أم أنه كان منظماً أو تم التخطيط له بشكل مسبق”، قال الصحفي رام أسعد، المقيم في طرطوس، لـ”سوريا على طول”.

سرعان ما توسعت التوترات في عموم محافظات الساحل السوري، وسيطرت المجموعات المهاجمة على مراكز المدن الرئيسية وبعض المقرات الأمنية والعسكرية، كما فرضت حصاراً على قوات حكومية تحصنت في ثكناتها، قبل أن تجلب دمشق تعزيزات عسكرية كبيرة لإعادة فرض سيطرتها على المنطقة، وتمشيطها من المجموعات العسكرية.

عزت الحقوقية والناشطة السياسية، خديجة منصور، المقيمة في محافظة طرطوس، اندلاع الأحداث الأخيرة في الساحل واتساع رقعتها إلى “استغلال بعض أخطاء السلطة في فصل الموظفين -وبالطبع هذا غير قانوني باستثناء العقود الوهمية- والوضع الاقتصادي السيء للناس، ما جعلهم ضعافاً يمكن التغرير بهم وجرهم إلى حرب”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

“هناك أخطاء وقعت على يد الحكومة الحالية، وهذه الأخطاء هي مدعاة للإصلاح والحديث بها، لا أن نذهب إلى العنف والقتل”، بحسب منصور، مستنكرة مواقف “رجالات النظام السابق”، الذين “ظلوا متحصنين في قراهم ويعملون على التجييش والتحريض على فتح جبهات مع الحكومة الحالية بحجة التجييش الطائفي” من الحكومة الحالية، وبالتالي جرّوا المنطقة إلى مزيد من العنف والقتل في كلا الطرفين. 

أطلق الهجوم “فلول النظام” في مدينة اللاذقية، يوم الخميس، وهم “عناصر سابقون من الجيش والأمن والقوات الرديفة لنظام الأسد كانوا متواجدين في المنطقة”، بحسب علاء عودة، مترجم مهتم بالشأن العام يقيم في اللاذقية، مشيراً إلى أن “الهجوم كان منظماً ومدروساً، وأدى إلى مقتل عناصر من الأمن العام بالإضافة إلى مدنيين”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.

بعد انتشار خبر الهجوم، شهدت المحافظات السورية، التي كانت حاضنة للمعارضة، حالة من الغليان الشعبي، وخرجت العديد من المظاهرات منددةً بالهجوم ومعلنةً وقوفها إلى جانب الدولة “في عمليتها الجارية ضد فلول النظام السابق”، وتحركت العديد من الأرتال التابعة للفصائل العسكرية المنضوية تحت وزارة الدفاع من محافظات أخرى للمشاركة في العملية.

في المقابل، دعا المجلس الإسلامي العلوي الموحد في سوريا والمهجر، يوم الخميس، أبناء الطائفة العلوية “للنزول إلى الشوارع والتظاهر في مدن وبلدات الساحل”، كما قال الصحفي رام أسعد، لكن “بعد نزول آلاف الناس إلى الشوارع وهتفوا: يسقط الجولاني، أطلق الأمن العام النار في الهواء”.

من جهته، استنكر رجل دين علوي بارز وعضو في المجلس الإسلامي العلوي “تهمة الفلول”، قائلاً في حديثه لـ”سوريا على طول”: “هذه التهمة هي تهمة جاهزة مثل تهمة الإرهاب عند النظام البائد، وتصلح [للاستخدام] في أي زمان ومكان”، مشيراً إلى أن العلويين “تعرضوا للاستفزاز من قبل العناصر الذين يتجولون في المناطق السكنية ويطلقون ألقاباً وشتائم ضد العلويين”.

وأضاف العضو: “إن عدم تلبية مطالب العلويين وتهميشهم بشكل تعسفي كان سبباً مباشراً لما حصل يوم الخميس”، خاصة أن “السيد الرئيس أحمد الشرع لم يجر أي لقاء معنا، رغم أنه التقى مع كل ممثلي الطوائف الأخرى”، ناهيك عن “معارضتنا في تشكيل المجلس الإسلامي العلوي”.

تشير العديد من التسجيلات المصورة التي جرى تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن طرفي المواجهات استخدما القوة بشكل مفرط، ونفذوا عمليات إعدام ميدانية، بعضها طال مدنيين. وأظهر تسجيل مصور عنصرين من القوات الحكومية يلقيان قذيفتين من طائرة مروحية في إطار العملية العسكرية بالساحل السوري. مصدر عسكري سوري قال أن القذيفتين استهدفتا مواقع تابعة لعناصر النظام السابق في مناطق جبلية بريف اللاذقية. 

تعليقاً على ذلك، وصف المهندس أيمن عبد النور، مدير منظمة “مسيحيون سوريون من أجل السلام” في حديثه لـ”سوريا على طول”، أن ما جرى “قتال مفتوح، بمعنى أن جميع الأطراف استخدمت الوسائل المتاحة لها، بغض النظر إذا كانت قانونية أو شرعية، مع فارق أن الدولة معها القانون والتشريع والدستور والحق في استخدام السلاح أو العنف”، إضافة إلى أن “الجميع يريد أن يخاطب ويشد أزر حاضنته أو من يتعاطف معه من المكونات الأخرى”.

وأضاف عبد النور: “نتيجة الحشد المعنوي الكبير وتفلّت السلاح، شعر كل من يملك السلاح أو فقد أحد أقاربه في الكمين [ضد الأمن العام] أنه معني”، وهذا أدى إلى تفاقم حالة الفوضى، مشدداً على أن “الدولة وجهازها الرسمي فقط هي المعنية” بالتعامل مع مثل هذه الأحداث. 

احتقان طائفي!

في وقت سابق من يوم أمس الجمعة، أصدر المجلس العلوي بياناً، جاء فيه: “النظام البائد هو الذي أبقانا فقراء ولا مجال لنا في كسب لقمة العيش إلا بالتطوع في الجيش أو في وظائف الدولة وكان حريصاً كل الحرص على ذلك وأنتم تعرفون ذلك وقرانا وأماكن سكنانا شاهدة بذلك”. 

وأشار البيان إلى أنه خلال لقاءات متكررة جمعت وجهاء العلويين بالإدارة الجديدة في دمشق، طالب الوجهاء بضرورة “التعاون مع الدولة وعناصر الأمن لتوفير الأمن، عبر تشكيل لجان أمنية من الطرفين”، ومنع الاستفزازات والشعارات الطائفية التحريضية، وعودة الموظفين المفصولين إلى عملهم بعدما جرى تسريحهم.

وأكد المجلس “رفضه للفوضى والانفلات الأمني”، مطالباً دمشق بمعالجة المطالب التي “سببت غليان الشارع واحتقان الناس والعودة بهم إلى نقطة الصفر من عدم الاستقرار”، بحسب البيان.

من جهتها، اعترفت حكومة دمشق بحدوث العديد من الانتهاكات في عمليتها بالساحل السوري، وأعلنت عن اعتقال مجموعة عسكرية من القوات الشعبية، التي كانت تساندها في الساحل، لأنها “خالفت التعليمات وارتكبت انتهاكات بحق مدنيين”، كما نقلت قناة الجزيرة، اليوم، عن مصدر أمني لم تسمّه.

قالت ثلاثة مصادر لـ”سوريا على طول” أثناء إعداد هذا التقرير أن المجموعات الشعبية، التي شاركت إلى جانب القوات الحكومية، متهمة بتنفيذ عمليات قتل على أساس طائفي، ومتورطة في عمليات نهب وسرقة. قالت الوكالة العربية السورية للأنباء الرسمية (سانا)، اليوم، أن الأمن العام صادر أكثر من 200 آلية مسروقة على يد من وصفتهم “ضعاف النفوس واللصوص” في جبلة وما حولها “مستغلين حالة عدم الاستقرار”.

منذ سقوط النظام، تعيش البلاد حالة من الاحتقان الطائفي وتأجيج خطاب الكراهية، الذي يمكن عزوه إلى “مقتلة كبرى حصلت خلال السنوات الماضية، ومشهد قاسي عاشته البلاد”. إلا أنه “على المستوى الرسمي يفترض أن يكون تعامل الحكومة بمنظور مختلف”، قال علاء عودة من اللاذقية، مشدداً على أن “فلول النظام هم أعداء كل السوريين، لكن مسؤولية السلطة حماية المدنيين، وأن لا تعتبرهم حاضنة لأسباب طائفية، مثلما كان النظام يبيد مناطق كاملة بحجة أنها حاضنة للإرهاب والمخربين”.

وفي هذا السياق، قال الصحفي رام أسعد أن “المدنيين متخوفين، لأنهم تحولوا إلى أهداف، كون فلول النظام يرتدون الزي المدني وينتشرون بين الأحياء المدنية، ما يعني أنه لا مسافة بينهم وبين المدنيين”، وبالتالي فإن “السلطة تتحمل مسؤولية [ما جرى] لأنها واجهتهم داخل المدن، وهي لا تستطيع التمييز بين المدني والفلول”.

“كان من المتوقع أن يكون الرد الحكومي نوعياً ويحيد المدنيين، وأن تضبط السلطة إعلان حالة النفير العام في بعض المحافظات السورية”، بحسب عودة، معتبراً أن ما حصل كان “شعبوياً وغير مدروس”.

لذا، فتحت دعوات النفير العام الباب “بشكل عشوائي لكل القادمين إلى الساحل بكل صفاتهم، والبعض منهم يريد أن يصفي حسابات على أساس طائفي”، بحسب عودة، محذراً من أن ما جرى خلال اليومين الماضيين كان “فتيلٌ لحربٍ أهلية كبيرة”.

وأشار عودة إلى أن “عمليات التمشيط التي جرت في الساحل كانت على عدة مراحل، وعندما داخل الأمن العام في المرة الأولى تعامل بحرفية”، لكن المشكلة كانت في موجات التمشيط الأخرى التي نفذتها الفصائل المحسوبة على وزارة الدفاع، لأنها “كانت أكثر قسوة وشهدت حدوث تصفيات واعتداءات بالإضافة إلى عمليات السرقة”.

من جهتها، اعتبرت الحقوقية والناشطة السياسية خديجة منصور أن “العمليات العسكرية في الساحل ضرورية”، مشددة على “حصر السلاح بيد الدولة، لأن وجود السلاح والفلول بين المدنيين يعد أكبر خطر”.

في المقابل، ترفض منصور ما حدث من تجاوزات، ولأجل ذلك “نحن في تواصل ومشاورات دائمة مع السلطة، وهناك طرح لكل المواضيع ويجري الإضاءة على الأخطاء من كل الأطراف”، مشيرة إلى “وجود مشاورات حالياً بين السلطة والوجهاء لبحث ما يجري في الساحل”.

وبما أن “الفلول لن يستجيبوا لأحد، وقد جرّوا البلد إلى حمام دم حاولنا مراراً تجاوزه، فإننا نعول على الشعب، الذي يريد السلام والعيش بسلام، بأن لا ينجر وراء الفتن والتجييش”، قالت منصور.

“أيادٍ خارجية”

اتهمت الإدارة السورية الجديدة مراراً وتكراراً من أسمتهم “أياد خارجية” بالوقوف وراء التصعيد العسكري الحاصل في الساحل السوري. ووجهت أصابع الاتهام إلى إيران في الوقوف وراء التصعيد الأخير ودعم فلول النظام، بعد دعمها الواسع طيلة السنوات الماضية للنظام البائد.

في الرابع من آذار/ مارس الحالي، أي قبل يومين من اندلاع أحداث الساحل، قال مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، إن هناك احتمالية اندلاع حرب أهلية بسوريا في أي لحظة، لافتاً إلى أن لدى طهران أدلة “تشير إلى وجود مقدمات لتفكك الدولة”.

وخلال الأيام الأخيرة، ناشدت مجالس دينية علوية روسيا ودول عربية والمجتمع الدولي للتدخل بشكل عاجل. في السادس من الشهر الحالي، ناشد المجلس الإسلامي العلوي في اللاذقية القيادة الروسية بـ”التدخل الفوري والعاجل، لحماية أبناء الشعب السوري، وخاصة الطائفة العلوية من خطر الإبادة الجماعية التي تمارسها المنظمات الإرهابية”، بحسب البيان.

وبما أن “هجوم الساحل حصل بعد تصريح المسؤول الإيراني”، هذا يؤكد أنه “جاء بعد تخطيط ممنهج ومسبق لهذه العملية من قبل الفلول وليس ردة فعل [شعبية]”، بحسب منصور، محذرة من أن “تحركات فلول النظام ترمي إلى التقسيم متوقعين بأن يكون هناك حماية دولية”.

واستبعدت منصور أن تفضي الأمور إلى تقسيم البلاد “لأن هناك صوت عالي في الساحل يرفض فكرة التقسيم أو الحماية الدولية”، كما قالت.

ومع ذلك، على الحكومة السورية أن تتدارك ما حدث من انتهاكات في الساحل، بحسب المهندس أيمن عبد النور، قائلاً: “وصل نظام الأسد إلى نهايته لاعتماده على الحل العسكري”، لذا على الإدارة الجديدة أن تدرك بأن الحل مع التطورات الأخيرة “سياسي عسكري اقتصادي، ويجب العمل على هذه الجوانب بالتوازي حتى لا نكرر أخطاء النظام البائد”.

شارك هذا المقال