بعد استرداد بلادهم: سوريون يتطوعون في تنظيف شوارع دمشق وحماية آثارها
بعد سقوط بشار الأسد شعر العديد من السوريين أن لهم وطن يتوجب عليهم حمايته وتنظيف شوارعه والحد من الفوضى فيه، بينما لم يكن هذا البلد لهم قبل ذلك
12 ديسمبر 2024
دمشق- حمل فاروق الحسامي من ضاحية قدسيا بضواحي دمشق، ونزل إلى الشارع يشارك مجموعة من المتطوعين والمتطوعات في تنظيف شوارع الحي من النفايات وصور بشار الأسد الممزقة، بعد يوم من إعلان سقوطه.
“لم أفكر يوماً بالمشاركة بمثل هذه المبادرات قبل ذلك لأن البلد لم يكن للسوريين”، ولكن بعد سقوط الأسد “أدركنا أن لنا وطناً يتوجب علينا تنظيف شوارعه، والمساهمة في تقليل الفوضى فيه”، كما قال لـ”سوريا على طول”.
انطلقت المبادرة من فريق صغير يضم خمسة أشخاص من سكان قدسيا، أسسوا مجموعة على تطبيق “واتساب”، دعوا فيها الراغبين في المشاركة، وسرعان ما تطوع 40 شخصاً ونزلوا إلى الشوارع لتنظيفها، وفي المرة الثانية شارك نحو 25 شخصاً، وفق الحسامي.
بالتزامن مع ذلك، شارك عشرات المتطوعين والمتطوعات الآخرين في حملات تطوعية فردية وجماعية للمساهمة في تنظيف العاصمة دمشق، التي شهدت توافداً كبيراً للزوار من ضواحيها أو من محافظات أخرى للاحتفال بإعلان سوريا خالية من عائلة الأسد، التي حكمت سوريا لأكثر من خمسين عاماً.
وفي هذا الإطار، أطلق “فريق عمرها التطوعي” مبادرة لتنظيف الشوارع وتقديم الخبز ووجبات الطعام، في التاسع من كانون الأول/ ديسمبر، ونفذوا مبادرتهم في يومها الأول بساحة الأمويين وشارع الجامعات في البرامكة ومشفى التوليد، واقتصر عدد المتطوعين على 30 شخصاً في البداية، كما قال المتطوع في “عمرها”، عمران الجاسم لـ”سوريا على طول”.
“كان الوضع مزرياً. المكان مليء بالصور الممزقة وفوارغ الرصاص، لذا حققت مبادرتنا إنجازاً رائعاً رغم قلة عدد المشاركين”، كما أنها “أثرّت بالناس وانضم الكثير إلينا، وهذا شجعنا على المتابعة”، بحسب الجاسم، مشيراً إلى أنه بلغ عدد المتطوعين حالياً إلى أكثر من 175 شخصياً، وهناك من يطلب التطوع أيضاً.
وإلى جانب حملة التنظيف، اقترح الفريق على المشاركين والمشاركات “إحضار كل شخص، حسب قدرته، خبزاً أو جبناً أو غير ذلك، ومن ثم أعددنا سندويشات ووزّعناها على أطباء كل من مستشفى التوليد والمجتهد الحكوميين”، وفقاً للجاسم.
تتقاطع مبادرة فريق “عمرها” المعنية بتوزيع الطعام على المستشفيات مع مبادرة أطلقها “فريق مجال التطوعي”، إذ اقترحت الصيدلانية رنيم الزين، على الجمعية مساعدة الأطباء المنهكين في العمل نتيجة الضغط وغياب الموظفين المعنيين بإعداد الطعام في المستشفيات.
وجاءت الفكرة عندما اتصل بها طبيب في مستشفى المجتهد، في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر، طالباً منها المساندة “بسبب نقص المواد الغذائية، والحالة الكارثية التي يعيشونها مع تسجيل العديد من الإصابات نتيجة الرصاص الطائش، ومراجعة العديد من المساجين الذين أطلق سراحهم للمستشفيات”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.
وأضاف عبد القادر البوشي، طالب جامعي وعضو في جمعية مجال منذ عام 2021، أن “الموظفين هربوا من المستشفيات ولم يبق من يعدّ الطعام أو يقوم بأعمال التنظيف، لذلك حاولنا سد الفجوة. بدأنا بإعداد السندويشات، ومن ثمّ صرنا نقدم وجبات طعام سريعة أو معدّة في المطابخ المنزلية”.
يقدم الفريق يومياً وجبات طعام في مستشفيات المجتهد وابن النفيس والأسد الجامعي والتل، وأيضاً ذهبوا إلى “مسجد السلام في برزة، حيث يقف المعتقلون الذين خرجوا من السجون أو ذووهم، وقدمنا لهم طعاماً للتخفيف من جوعهم”، بحسب البوشي.
أطلق الفريق على هذه المبادرة اسم “نحن ولادها”، والهدف منها توظيف طاقات الشباب في فريق “مجال” بما يخدم المجتمع، سواء في مساعدة الأطباء أو تقديم الطعام في المستشفيات أو التنظيف، كما قال د. حسان عجمي، مسؤول الموارد البشرية في الفريق.
وشارك العديد من المتطوعين في “مجال” بتنظيف مبنى محافظة ريف دمشق، المكون من ثمانية طوابق، بعد أن تعرض للاعتداء والتخريب، بحسب سارة علي ديب الطالبة في كلية الهندسة المعمارية، التي ذهبت مع زملائها وزميلاتها في الفريق، قائلة: “من واجبنا تقديم يد العون للمساعدة في النهوض بالبلد”.
حماية الآثار
في “فزعة” السوريين تجاه بلادهم المستردة، كلّ منهم حاول التطوع حسب اختصاصه، كما فعل إياد غانم، مؤسس ورئيس جمعية أصدقاء المتاحف والمواقع الأثرية، الذي أوضح أنه خلال معركة التحرير الأخيرة وُضعت جمعيتهم أمام أول تجربة حقيقية له في مجال التعاطي مع حماية التراث السوري.
أوقفت الجمعية كافة الأنشطة والفعاليات الثقافية، ووضعت كافة كوادرها في المحافظات تحت تصرف المديرية العامة للآثار والمتاحف لحماية الآثار والمواقع الأثرية السورية، وطالبت الجهات الحكومية بضرورة القيام بإجراءات للحماية للمتاحف، والعمل على تدريب أعضاء الجمعية للتدخل السريع في الوصول الى القطع المهمة وأساليب الحفظ السليم لها.
تواصل غانم مع أمين متحف حلب، ووضع كوادر الجمعية في حلب تحت تصرفه عند الضرورة، “ويحمد الله لم نضطر للتدخل، لأن هذه المواقع بقيت سليمة ولم تتعرض لأي ضرر، لأن إدارة العمليات العسكرية حافظت على الممتلكات الثقافية، ومنعت وقوع أي خرق في المتحف الوطني بحلب، إذ منعت الجميع من التواجد ضمن هذه المنشآت، باستثناء الموظفين الذين يحق لهم الدخول لتفقد الممتلكات”، كما قال لـ”سوريا على طول”.
وفي دمشق، ركزت الجمعية على عدة متاحف، وخاصة متحف دمشق الوطني، وحينما علم غانم بوجود فوضى في محيط المتحف الوطني من بعض مثيري الشغب والسارقين، تواصل مع أحد القادة بعلمية ردع العدوان، وطلب منه “توفير حماية للمتحف الوطني بدمشق، وكانت الاستجابة سريعة لذا لم يحصل أي تخريب”، وفقاً له.
ونظراً لصعوبة التنقل في الأيام الماضية، اقتصر دور أعضاء الجمعية على متابعة كل الصفحات وما تنشره عن المواقع والمتاحف السورية، وإجراء اتصالات مع الجهات المختصة للتأكد من سلامتها “مع التدخل حين الحاجة”، ومثال ذلك “ما حصل مع المنشور المزور عن سرقة قصر العظم، الذي تبين أنه يهدف لخلق الفوضى وإشغال الجهات المسؤولة بالبلاغات الكاذبة، لصرف النظر عن بعض المباني الحكومية”، كما أوضح غانم.
وإلى جانب حماية المتاحف، قرر غانم وفريقه النزول إلى المتحف الوطني في دمشق مزودين بالمكانس لتنظيفه “حتى يكون بهياً عندما يفتتح أبوابه مجدداً أمام الزوار”.
وعن مشاركتها، أخبرتنا سارة بحبوح، وهي متطوعة في جمعية أصدقاء المتاحف ودليلة سياحية، أن الجمعية تهتم أصلاً بحماية المتاحف وتنظيم الفعاليات، ولهذا قرروا “اليوم المشاركة بتنظيفه حتى يعود للعمل الأسبوع القادم”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.
وعلى صعيد شخصي، كانت بحبوح تريد من خلال مشاركتها “الاطمئنان على المتحف وتنظيفه، وفعلاً وجدت أن المتحف سالماً ولم يتعرض للضرر”.
تغلبت شهندا البارودي، وهي عضوة أخرى في الجمعية، على صعوبة المواصلات من أجل المشاركة في النشاط بالمتحف، وحملت مكنسة “لكنس أوراق الأشجار المتساقطة وتجميعها”، وتأمل أن تشمل هذه الأنشطة “بقية المواقع الأثرية، مشددة على ضرورة العمل يداً واحدة”.