6 دقائق قراءة

بعد تحالف “قسد” مع دمشق: تحركات عسكرية على طول الحدود لصد العملية التركية

بعد الإعلان عن تحالف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مع النظام السوري لمواجهة العملية العسكرية التركية المرتقبة، في تموز/ يوليو الحالي، أنشأ الجانبان غرفتي عمليات عسكرية في منبج وتل رفعت بريف حلب، ويتم العمل على إنشاء غرفة عمليات مشتركة ثالثة في اللواء 93 بعين عيسى.


19 يوليو 2022

باريس- بعد الإعلان عن تحالف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مع النظام السوري لمواجهة العملية العسكرية التركية المرتقبة، في تموز/ يوليو الحالي، أنشأ الجانبان غرفتي عمليات عسكرية في منبج وتل رفعت بريف حلب، كما كشف مصدر عسكري من “قسد” لـ”سوريا على طول”.

وقال المصدر العسكري، وهو عضو في مجلس منبج العسكري ومشارك في غرفة العمليات المشتركة مع النظام، طالباً عدم الكشف عن اسمه لأنه غير مخول للحديث إلى وسائل الإعلام، أن الجانبين يعملان على “إنشاء غرفة عمليات مشتركة جديدة في اللواء 93 بعين عيسى”، مؤكداً “دخول 550 عنصر للنظام مع أسلحتهم الثقيلة من راجمات صواريخ ودبابات وأسلحة أخرى” إلى مناطق سيطرة “قسد” انتشروا “في منبج وعين العرب (كوباني) وعين عيسى وتل رفعت”، وهم الدفعة الأولى “من أصل ثلاثة آلاف عنصر وضابط وصف ضابط سيدخلون المنطقة”.

صورة تظهر قاعدة عسكرية بمدينة منبج، حيث تم إنشاء غرفة العمليات المشتركة مع النظام، 16/ 7/ 2022 (سوريا على طول)

وكان القائد العام “قسد”، مظلوم عبدي، قد أعلن في 15 تموز/ يوليو الحالي، السماح لقوات النظام بالانتشار في مناطق نفوذ القوات ذات الغالبية الكردية شمال شرق سوريا، معتبراً أن من واجب دمشق “الدفاع عن الأراضي السورية”.

وجاءت تصريحات عبدي خلال مؤتمر صحفي عقد في مقر القيادة العامة لـ”قسد” في “استراحة الوزير”، بالقرب مع بلدة تل بيدر شمال محافظة الحسكة، مؤكداً أن قواته على استعداد لمواجهة العملية العسكرية التركية المرتقبة، وأنهم مستعدون للدخول في حرب مفتوحة، لأنه “لم يبق لنا مكان للانسحاب إليه”.

ومن المتوقع أن تستهدف أنقرة في عمليتها العسكرية منطقتي منبج وتل رفعت، إلا أن “قسد” تعتزم فتح كافة الجبهات، بما في ذلك “عين عيسى وتل تمر وكوباني”، وفقاً للمصدر العسكري، مؤكداً أن “المعركة الحالية مختلفة عن سابقاتها في عفرين ورأس العين”. 

الموقف من العملية

جددت الولايات المتحدة الأميركية رفض العملية العسكرية التركية، كون المستفيد منها “تنظيم داعش سيستفيد من تلك الحملة، ناهيك عن التأثير الإنساني”، بحسب ما ذكرت نائبة مساعدة وزير الدفاع الأميركي للشرق الأوسط دانا سترول، في 13 تموز/ يوليو الماضي، لكن “دعوات التحالف الدولي والجانب الأميركي والمواقف الدولية غير كافية لردع التهديدات ووقف التصعيد”، كما جاء في كلمة عبدي في المؤتمر الصحفي.

وضمن الجهود الأميركية لوقف العملية التركية، تقدمت واشنطن من “قسد” بمقترحات لمنع العملية العسكرية، منها “تسليم بعض المناطق شرق الفرات لتبديد مخاوف أنقرة، مقابل تحييد مناطق أخرى”، وفقاً لجريدة المدن اللبنانية، في إشارة إلى تسليم مدينة منبج، حيث تداولت صفحات كردية خبراً مفاده أن مجلس منبج العسكري التابع لـ”قسد” رفض طلباً أمريكياً بتسليم منبج.

بدوره، نفى المصدر العسكري الأنباء التي تحدثت عن طلب واشنطن من المجلس العسكري لمنبج تسليم المدينة، وشارك المصدر تسجيلاً صوتياً داخلياً بين قياديين في مجلس منبج العسكري ينفيان العرض الأميركي من أساسه، لكن “سوريا على طول” لم تتمكن من التأكد من صحة التسجيل من مصدر مستقل. 

ويتوقع المصدر “بناء على معلومات استخباراتية”، على حد قوله، أن “مصير العملية التركية مرتبطة بزيارة أردوغان إلى إيران”، حيث يشارك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم الثلاثاء، في قمة ثلاثية بالعاصمة طهران، جمعته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، واعتبرت وسائل إعلام أن أنقرة تهدف “لانتزاع ضوء أخضر من موسكو بشأن عملية عسكرية في شمال شرق سوريا”.

ترقب وحذر

بالتزامن مع إعلان “قسد” تحالفها مع دمشق لصد الهجوم التركي، وإعلان حالة الطوارئ في عموم مناطق سيطرتها شمال شرق سوريا، يعيش سكان المنطقة، لا سيما أهالي مدينتي منبج وتل رفعت، حالة من الترقب والحذر الشديدين مع اقتراب موعد العملية العسكرية التركية، خاصة أن المدينتين هم على قائمة بنك الأهداف التركية.

وعليه، وقع سكان المنطقة أمام مخاوف أمنية واقتصادية، كما قال الناشط صدام الحسن، من سكان منبج، لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أن المخاوف تبلغ ذروتها عند فئة الشباب، خاصة “بعد تعزيز النظام وروسيا مواقعهم على حدود المدينة”، إذ يتخوف الحسن “من الاعتقالات على يد النظام أو سحبنا إلى الخدمة العسكرية الإلزامية في حال سيطر النظام على المدينة”، أو أن تواجه المدينة “مصيراً مشابهاً لباقي المناطق التي سيطرت عليها فصائل المعارضة المدعومة من تركيا من انتهاكات وسلب وسرقة”.

وسيطرت فصائل الجيش الوطني بدعم تركي على مدينة عفرين في عملية “غصن الزيتون”، في كانون الثاني/ يناير 2018، بعد طرد وحدات الشعب الكردية (YPG)، وشهدت المنطقة نزوحاً واسعاً لسكان المدينة الأصليين، خصوصاً الأكراد، بعد سلسلة من الانتهاكات، من قبيل: عمليات السلب والسرقة وفرض الإتاوات والضرائب من عناصر الجيش الوطني.   

تجربة سكان عفرين، ومن بعدها الانتهاكات التي وقعت من كل الأطراف بحق سكان رأس العين وتل أبيض، التي سيطرت عليها الفصائل المدعومة من أنقرة في عملية “نبع السلام”، في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، تعزز مخاوف المدنيين في المنطقة.

ورغم وجود سخط في أوساط المدنيين على “قسد” والإدارة الذاتية، المسؤولة عن تقديم الخدمات في مناطق سيطرة “قسد”، “بسبب التجنيد الإجباري وغلاء المعيشة”، إلا أن المدنيين يفضلون البقاء تحت سيطرة “قسد” كون “الأمور مستتبة نوعاً ما ، على عكس الفوضى الأمنية التي تشهدها مناطق الفصائل المدعومة من تركيا”.

وشهدت مناطق حدودية أخرى مع تركيا حالة من عدم الاستقرار في ظل الحديث عن اقتراب موعد العملية التركية، كما في مدينة عين العرب (كوباني)، التي قد تكون ضمن قائمة أهداف أنقرة في عمليتها العسكرية.

“العملية التركية هي حديث الشارع اليوم في كوباني”، كما قالت أمل عطي، العاملة في إحدى المنظمات الإنسانية بالمدينة، وينقسم الناس “بين من يقول لا داعي للخوف من العملية لأنها تقتصر على منبج وتل رفعت، وبين من يحذر من أن كوباني واحدة من الأهداف”.

ورغم أن المناطق الحدودية لم تشهد عمليات نزوح على خلفية التهديدات التركية، إلا أن “الجميع في حالة ترقب بسبب التهديدات”، بحسب ما ذكرت عطي لـ”سوريا على طول”، مضيفة “قد ننزح إلى الحسكة في حال تعرض مدينتنا للقصف”.

أما الحسن، الذي يجد أن “الخيارات محدودة أمامنا”، يفكر في “النزوح إلى مدينة الرقة أو الطبقة، وهو خيار غالبية من أعرفهم في منبج”.

تداعيات إعلان “حالة الطوارئ”

أعلن المجلس العام في شمال وشرق سوريا التابع للإدارة الذاتية، في 6 تموز/يوليو الحالي، حالة الطوارئ استعداداً للعملية العسكرية التركية، وجاء في بيان الإعلان أن “ميزانية 2022 ستُسخر لإجراءات حالة الطوارئ، كتجهيز ملاجئ، ومخيمات، ومستشفيات، وحفر أنفاق، وتخزين مواد غذائية، في كافة مناطق شمال وشرق سوريا”، وتقدر ميزانية الإدارة الذاتية لعام 2022 بحوالي 981 مليون دولار أميركي.

ويأتي إعلان حالة الطوارئ في ظل تردي الأوضاع المعيشية لسكان شمال شرق سوريا، تفاقمها أزمة الوقود والخبز التي تضرب المنطقة.

ويعد إعلان حالة الطوارئ الحالي “الأول من نوعه، إذ لم يسبق مثل هذا الإعلان في المعارك السابقة في عفرين ورأس العين”، كما قالت الرئيسة المشتركة للمجلس العام في الإدارة الذاتية، سهام قريو، لـ”سوريا على طول”، مشيرة إلى أن هدف الإدارة الذاتية من إعلان الطوارئ هذه المرة “أخذ الحيطة وتوجيه المعنيين ليكونوا على أهبة الاستعداد للمقاومة”.

وفي ظل تردي الأوضاع المعيشية، توقع صدام الحسن “ظروفاً معيشية أسوأ في حال بدأت العملية العسكرية”، وهو ما دفعه إلى “تخزين المواد الغذائية الأساسية وأهمها الطحين”، متوقعاً أن تشهد أسعار المواد الغذائية في الأيام القادمة ارتفاعاً ملحوظاً.

المشهد ذاته في عين العرب (كوباني)، حيث تعاني المدينة من نقص بعض المواد الأساسية كالسكّر، بحسب أمل عطي، حيث يتجه الناس إلى “تخزين المواد الأساسية خوفاً من تدهور الأوضاع المعيشية المتدهورة أصلاً”، على حد تعبيرها.

وإلى جانب التداعيات الاقتصادية لإعلان حالة الطوارئ، بدأت ملامحها على أرض الواقع تتضح، وفقاً للحسن، مؤكداً “بدء عمليات حفر الخنادق على حدود منبج، وسحب عشرات الشباب إلى الخدمة الإجبارية”.

ورغم أن إعلان حالة الطوارئ في شمال شرق سوريا “سيزيد الأوضاع الإنسانية سوءاً، وسينعكس على حياة المدنيين”، إلا أن “الإدارة الذاتية مجبرة على إعلان حالة الطوارئ”، كما أوضح الباحث الاقتصادي خورشيد عليكا لـ”سوريا على طول”، معتبراً أنه “قرار سياسي لوضع التحالف الدولي تحت الأمر الواقع ودفعه إلى دعم حلفائه في المنطقة والضغط على تركيا من أجل إلغاء العملية”.

في المقابل ستواجه الإدارة الذاتية “تحديات اقتصادية كبيرة في ظل الأوضاع الدولية الحالية، وأزمة الطاقة، والتضخم الذي يعصف بجميع دول العالم، وتراجع الواردات الزراعية نتيجة الجفاف في مناطق الإدارة الذاتية”، وفقاً لعليكا، لذلك “استخدام الموازنة للتصدي للعملية العسكرية سيكون على حساب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لسكان المنطقة”.

وفي الوقت الذي “تزيد النفقات العسكرية والأمنية للإدارة الذاتية على حساب النفقات الإنتاجية والخدمية ورواتب الموظفين، ستزيد فاتورة المصاريف الأساسية للمدنيين في المنطقة”، بحسب عليكا.

شارك هذا المقال