4 دقائق قراءة

بعد تدمير ترسانة سوريا العسكرية: هل يرسم التوغل الإسرائيلي حدوداً جديدة؟

دمرت إسرائيل ترسانة الجيش السوري في أكبر عملية جوية في تاريخها، إذ طال قصفها الطائرات العسكرية والسفن الحربية، إضافة إلى المنشآت والأسلحة الاستراتيجية منعاً لوقوعها تحت يد المعارضة السورية.


10 ديسمبر 2024

باريس- مع إعلان سقوط نظام بشار الأسد، فجر الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الحالي، بدأ الجيش الإسرائيلي عملية قصف واسعة مستهدفاً الترسانة العسكرية المتبقية للجيش السوري  والمطارات العسكرية على كامل الأراضي السورية، من الشمال إلى جنوب، بما في ذلك المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شمال شرق سوريا. 

ومن ثم بدأ عملية توغل بري داخل أجزاء محددة في المنطقة منزوعة السلاح الحدودية، مسيطراً على جبل الشيخ وعدة مناطق حدودية داخل المنطقة منزوعة السلاح بعمق 18 كيلومتراً: مدينة القنيطرة والبعث والحميدية.

وقال الجيش الإسرائيلي إن العملية، التي أطلق عليها اسم “سهم باشان” في إشارة إلى الاسم التوراتي لجنوب غرب سوريا، أصابت أكثر من 320 هدفاً في جميع أنحاء سوريا خلال 48 ساعة تقريباً. 

وفي إطار عمليته، استهدف الطيران الحربي الإسرائيلي مواقع عسكرية سورية من قبيل: مراكز البحوث العلمية، المطارات العسكرية، والمراكز التي يعتقد أنها تحتوي أسلحة كيميائية، وكذلك الثكنات العسكرية التي تحتوي أسلحة ثقيلة، في واحدة من أكبر العمليات الهجومية في تاريخ سلاح الجو الإسرائيلي، وفقاً لما نقلته وسائل إعلام دولية عن مصادر إسرائيلية.

وأيضاً، أعلنت هيئة البث العبرية، اليوم الثلاثاء، أن سلاح البحرية الإسرائيلي دمر الليلة الماضية أسطول الجيش السوري في ميناء اللاذقية وميناء البيضا في المحافظة ذاتها.

وبذلك، دمر الجيش الإسرائيلي “أكثر من 70 بالمئة من القدرات العسكرية الاستراتيجية لنظام الأسد السابق”، بحسب ما ذكرته صحيفة ”تايمز أوف إسرائيل“، اليوم الثلاثاء، في محاولة لمنع “حزب الله أو أي قوة معادية” من الوصول إليها. 

“دمروا كل سلاحنا”

في ساعات الفرح الأولى، التي كان يعيشها أبو محمد وعائلته في شمال درعا، كما ملايين السوريين، “بدأت الأرض ترتج بشكل عنيف كما لو حدث زلزالاً” نتيجة غارات جوية استهدفت قطعاً عسكرية في شمال غرب درعا. 

تحولت الفرحة إلى “خوف” نتيجة شدة القصف أو أن يعقب ذلك “اقتحام بري، لأننا على بعد 20 كيلومتراً من الشريط الإسرائيلي”، كما قال لـ”سوريا على طول”، مضيفاً: “ما أن انتهينا من الأسد حتى جاءت إسرائيل، وكأن الحرب لم تتوقف”.

في السياق ذاته، قال قيادي عسكري من فصائل المعارضة سابقاً، طلب من “سوريا على طول” عدم كشف هويته، أن “الضربات الإسرائيلية دمرت القدرة العسكرية السورية بشكل كامل”، حتى “الدبابات والعربات الثقيلة تم استهدافها شمال درعا”.

وأضاف القيادي السابق: “في الساعات الأولى لتحرير محافظة درعا، نقلنا بعض الدبابات من إحدى الألوية إلى ثكنة أخرى، يوم الأحد، لكن الطيران الإسرائيلي استهدف الموقع الجديد”.

“العمليات الإسرائيلية دمرت كامل سلاحنا، وليس فقط الأسلحة الاستراتيجية لعقود”، بحسب القيادي السابق، وبالتالي “نحتاج لعقود من أجل إعادة بناء جيش سوريا وطني”.

وفي أعقاب غارات إسرائيلية، استهدفت مساء أمس مراكز البحوث العلمية في محيط العاصمة دمشق، وقعت عدة حالات اختناق في منطقة برزة بالعاصمة دمشق، يعتقد أنها ناجمة عن استهداف أسلحة كيميائية كانت موجودة في مراكز البحوث العلمية القريبة، كما قال ناشطون.

وقال ناشط إعلامي يقيم في شرق درعا أن بعض أفراد عائلة عمته في حي برزة في العاصمة دمشق أًصيبوا بحالة اختناق بسبب استنشاق غازات في أعقاب غارة إسرائيلية للبحوث العلمية، لذا “هربوا من الحي بعد الحادثة خوفاً من تكرار القصف”.

وأضاف الناشط الذين كان على اتصال مباشر مع العائلة أنهم “لا يعرفون إذا ما كانت بسبب استنشاق غازات كيميائية انبعثت من المكان المستهدف أما أنها بسبب القصف نفسه”.

لكن الدفاع المدني نفى انبعاث غازات سامة أو وجود حالات اختناق بسببها، بعد القصف الإسرائيلي الذي استهدف مركز البحوث العلمية على أطراف العاصمة، مساء أمس الإثنين. مؤكداً أن فرق الإطفاء التابعة له استجابت لموقع الحادثة وقامت بإخماد الحريق الذي اندلع في المنطقة المستهدفة.

وكان وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، قال أمس الإثنين، أن إسرائيل ضربت مواقع يشتبه أنها تحتوي على أسلحة كيماوية وصواريخ بعيدة المدى في سوريا، منعاً من وقوعها في أيدي “جهات معادية”، على حد وصفه.

وفي يوم الاثنين، قالت نائبة السكرتير الصحفي للبنتاغون سابرينا سينغ للصحفيين إن الولايات المتحدة -حليف إسرائيل الوثيق- تحاول “من خلال عمل شركائنا الآخرين … التأكد من عدم وقوع تلك الأسلحة الكيميائية في أيدي أي شخص يريد استخدامها ضد المدنيين أو ضد قوات الولايات المتحدة أو شركائنا في المنطقة”، رافضة تحديد من هم هؤلاء الشركاء.

انهيار اتفاقية 1974

بعد سقوط نظام الأسد ودخول القوات الإٍسرائيلية إلى المنطقة منزوعة السلاح، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، “انهيار” اتفاق فض الاشتباك، الموقع عام 1974، مؤكداً أنه أمر قواته بـ”الاستيلاء” على المنطقة العازلة.

في عام 1974، توصلت سوريا وإسرائيل إلى اتفاقية هدنة تعرف باسم “اتفاقية فض الاشتباك” أو “اتفاقية 1974″، انسحبت إسرائيل بموجبها من كافة المناطق التي احتلتها في حرب 1973 ومناطق محدودة احتلتها في عام 1967.

واتفق الطرفان على إنشاء منطقة عازلة (منطقة فصل) تكون داخل مناطق سيطرة سوريا وعلى طول امتداد الخط الحدودي البالغ قرابة 75 كيلومتراً من جبل الشيخ شمالاً وصولاً إلى المثلث الحدودي السوري الأردني الإسرائيلي، بعرض يتراوح من 200 متراً إلى 10 كيلومترات، تتولى سوريا الإدارة المدنية داخل المنطقة، مع بقاء الجيش السوري خارج حدودها، وانتشار قوات أممية (أندوف) لمراقبة فض الاشتباك.

مع ذلك، يبدو الموقف الإسرائيلي “متناقضاً”، إذ أبلغ السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون، مجلس الأمن الدولي، أن إسرائيل “اتخذت إجراءات محدودة ومؤقتة” في المنطقة منزوعة السلاح على الحدود السورية لمواجهة أي تهديدات، مؤكداً أنهم ملتزمون باتفاقية 1974، وهو أيضاً ما أكده الجيش الإسرائيلي مشيراً إلى أن انتشاره في المنطقة العازلة “إجراء دفاعي ومؤقت”، لكن “قد ينتهي الأمر بالبقاء هناك في المستقبل المنظور اعتماداً على التطورات”.

وحتى اللحظة، لم تعلق هيئة تحرير الشام، الكيان العسكري الأكبر الذي أشرف على عملية “ردع العدوان”، ولا حكومة الإنقاذ، التابعة له، والتي تسلمت المرحلة الانتقالية في سوريا، على التوغل والضربات الإسرائيلية في سوريا، ولم تبدّ أي ردة فعل تجاهها.

تعليقاً على ذلك، قال مصدر مقرب من قيادة هيئة تحرير الشام، طلب من “سوريا على طول” عدم كشف هويته لأسباب أمنية، أن “التقدم الإسرائيلي الأخير على الأراضي السورية مؤقت إلى حين إعادة ترتيب الأوضاع الأمنية واستلام الحكومة النقاط الحدودية”، مشيراً إلى أنه “هناك احتمالية لتجديد اتفاقية 1974”.

في المقابل، أبدى مصدر عسكري من غرفة عمليات الجنوب، تخوفه من استمرار تقدم القوات الإسرائيلية البري في سوريا، متوقعاً بذات الوقت أن تواصل تل أبيب تقدمها حتى تل الحارة الاستراتيجي، بريف درعا الشمالي، كما قال لـ”سوريا على طول”.

وأضاف المصدر: “استخدمت روسيا تل الحارة قبل انسحابها كنقطة مراقبة للعمق الإٍسرائيلي، واليوم قد تقوم إسرائيل باتخاذه نقطة مراقبة متقدمة لها”.

شارك هذا المقال