بعد عام على الزلزال: آلاف السوريين بلا مأوى وسط ضعف برامج الدعم
بعد عام على زلزال السادس من شباط/ فبراير، ما يزال هناك عشرات آلاف الناجين مشردين، في ظل غياب الدعم الكافي لإعادة بناء منازلهم أو ترميمها. يشدد عمال الإغاثة على أهمية برامج التعافي المبكر لتيسير عمليات العودة وتأمين سبل العيش.
6 فبراير 2024
مرسيليا، جنديرس- في فجر السادس من شباط/ فبراير 2023، كانت منطقة شمال غرب سوريا وجنوب شرق تركيا على موعد مع زلزال، بلغت قوته 7.8 درجات على مقياس ريختر، أعقبه آلاف الهزات الارتدادية، فانهارت الأبنية، ودُفن تحت أنقاضها عشرات الآلاف.
قُتل في تركيا أكثر من 44 ألف شخص، وأُصيب 2.2 مليون، وفي سوريا قُتل أكثر من 4,500 شخص، وأُصيب 8,500 بجروح، معظمهم في شمال غرب سوريا، الذي تسيطر عليه المعارضة. اضطر المنقذون هناك للحفر بأيديهم بحثاً عن ناجين، في ظل غياب المعدات وفرق الإنقاذ الدولية مع توقف عمليات إيصال المساعدات العابرة للحدود لنحو أسبوعين.
في أعقاب الزلزال مباشرة، نزح أكثر من 100 ألف سوري بعد أن انهارت منازلهم المتضعضعة أصلاً بسبب سنوات الحرب و بنائها بشكل غير مطابق لمعايير البناء الهندسي. تعرض نحو 1,900 مبنى لدمار كلي، وتضرر نحو 8,800 جزئياً وأصبح غير صالح للسكن.
لكن، العدد الفعلي للأبنية المتضررة غير معلوم وربما هو أعلى بكثير من الأرقام المذكورة، كما أوضحت لـ”سوريا على طول”، وحدة تنسيق الدعم (ACU)، مؤسسة سورية غير حكومية تعمل على تحديد الاحتياجات على الأرض وتنسيق توزيع المساعدات.
اقرأ أكثر: الزلزال وسنوات من الحرب تحول مباني شمال غرب سوريا إلى “قبور فوق الأرض”
بعد مرور عام على الزلزال، ما يزال عشرات آلاف الناجين مشردين في شمال غرب سوريا، المنطقة التي تضم 2.9 مليون نازح. يعيش العديد في الخيام، بعضهم نصبها على أنقاض منازلهم، خصوصاً في المناطق الأكثر تضرراً ومحيطها، كما في جنديرس بمحافظة حلب، وحارم وسلقين بمحافظة إدلب.
ومن هؤلاء، علا العلوش، 26 عاماً. في يوم الزلزال كانت برفقة زوجها وابنتها، ذات الثمانية عشر شهراً، بمنزلهما في جنديرس، حيث بنت العائلة حياتها جديدة بعد تهجيرهم من مدينة حلب، لكن جاء الزلزال “فهدم بيتي كلياً ومات زوجي”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.
كما العديد من جيرانها، نصبت العلوش خيمة في موقع منزلها المدمر، بعد إزالة الأنقاض مباشرة، قائلة: “لا أملك شيئاً، حتى سجادة لا يوجد عندي، فقط عندي فرشة ومدفأة”، وبما أنها لا تملك ثمن حطب التدفئة، تستخدم “أكياس البلاستيك لتشغيل المدفأة”.
“لا أملك أنا وابنتي غير رحمة ربي”، قالت العلوش بأسى، مشيرة إلى أنها لم تحصل على أي دعم أو تعويض من أي منظمة إنسانية أو مجلس محلي أو جهة رسمية رغم مرور سنة على الكارثة.
المنازل المنهارة كلياً كمنزل العلوش غير مؤهلة للمساعدات المالية التي تقدمها المنظمات المحلية، كما أوضح سليم الجرك، منسق إعلامي في منظمة شفق، مشيراً إلى أن منظمته تقدم مساعدة مالية مقدارها 600 دولار تقريباً، لإصلاح النوافذ والأبواب والجدران والأرضيات، بينما منزل العلوش يحتاج نحو عشرة آلاف دولار لإعادة بنائه، وفقاً للسيدة.
“لم تحدث أي نشاطات إعادة بناء إلى الآن”، كما أوضح قاسم يازجي، مدير وحدة إدارة المعلومات في وحدة تنسيق الدعم لـ”سوريا على طول”، وإنما تم إجراء إصلاحات لـ15,354 منزلا في 88 منطقة تعرضت لأضرار طفيفة أو متوسطة خلال الزلزال، وفقاً له.
وأضاف يازجي أن نحو 40,500 من الذين شردهم الزلزال لجؤوا إلى مراكز الاستقبال في شمال غرب سوريا، بينما لم يجد آخرون مأوى لهم سوى الخيام، مثل العلوش، ويقدر عدد هؤلاء بـ 800 ألف شخص.
لا يقدم كبار المانحين الدوليين، الذين يمولون عمل منظماتٍ مثل شفق، على تمويل إعادة الإعمار في سوريا المتوترة سياسياً. وكذلك لا تمول الجهات المانحة، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، المنازل المدمرة نتيجة الصراع، حتى في ظل استمرار قصف النظام والروس في شمال غرب سوريا، بانتظار حدوث انتقال سياسي ينهي الحرب السورية المستمرة منذ أكثر من عقد من الزمن.
وفي الوقت الذي تشدد فيها منظمات الإغاثة والناجون من الزلزال في شمال غرب سوريا على الحاجة الماسة إلى مزيد من الدعم لإعادة الإعمار وإصلاح البنية التحتية، يُخفِّض المانحون التمويل وتتزايد الاحتياجات، ويُترك الآلاف مثل العلوش يصارعون وحدهم إعادة الأمور إلى نصابها.
” مجرد وعود”
في حين أنَّ منزل العلوش غير مؤهل للدعم، تلقى آخرون مثل مهند محمد، 43 عاماً، مبلغاً صغيراً لترميم منزله، في مدينة حارم بريف إدلب، الذي تضررت أرضيته بفعل الزلزال، إذ حصل على 150 دولار من منظمة “الناس في حاجة“، بينما دفع من جيبه مبلغاً مقداره 600 إلى 700 دولار،
بعد مرور عام على الزلزال، ما تزال شقة محمد بحاجة لمزيد من الإصلاحات، تبلغ تكلفتها بحدود 700 دولار إضافية، بحسب تقدير محمد، بينما يتراوح دخله الشهري في محل لبيع الإطارات بين 100 و150 دولار، لذلك يصعب عليه توفير المبلغ المطلوب.
“لا يريد الأولاد العودة إلى البيت لأنهم خائفون من حدوث هزات جديدة أو زلازل”، بحسب محمد، الذي يسكن مع زوجته وأطفاله الأربعة منزل استأجره بقرية مجاورة، مقابل 75 دولار شهرياً، وهو أمر لا يقدر عليه الغالبية العظمى من النازحين، كما قال عبد الرزاق عوض، مدير منطقة شمال غرب سوريا في منظمة إغاثة سوريا (سيريا ريليف).
وأضاف عوض: “نحن في منطقة تعاني من أزمة مستمرة. الأسعار في ارتفاع نظراً لعدم وجود منازل كافية”. يضم شمال غرب سوريا الآن 4.5 مليون نسمة؛ أي أضعاف التعداد السكاني عما كان قبل قبل الحرب، بسبب موجات النزوح المتتالية إليه، وبحسب عوض “كان عدد سكان إدلب 152 ألف نسمة، بينما نحن نتحدث اليوم عن مليون من دون وجود منازل جديدة”.
مصطفى مصطفى، 28 عاماً، أُصيب بشدة بسبب الزلزال، ومنذ عام لم يتمكن من العمل، وبالتالي لم يعد قادراً على ترميم منزله أو استئجار منزل آخر،، كما قال الشاب، الذي ينحدر من محافظة اللاذقية الساحلية، فرَّ إلى سلقين في عام 2021 تفادياً للتجنيد الإجباري في صفوف النظام، ومنذ وصوله عاش مع عائلته في مبنى من خمس طوابق، وعندما حدث الزلزال انهار المبنى بالكامل.
“أمضيت 12 ساعة تحت الأنقاض مع والدي وعائلتي”، قال مصطفى لـ”سوريا على طول”، مستذكراً الفاجعة، وأضاف: “مات أبي فوقي على الفور”. عندما سُحب مصطفى من تحت الأنقاض، أمضى شهراً في أحد مستشفيات إدلب، وأجرى سبع عمليات جراحية.
يعيش مصطفى حالياً في خيمة على بعد عدة كيلومترات عن منزله المدمر. تلقى الشاب 400 دولار من منظمة بنيان، وهي منظمة محلية غير حكومية، ومساعدة إضافية طارئة قدرها 150 دولار، ولكن لم يتلق دعماً لترميم منزله، وإنما سمع أطراف حديث عن إعادة البناء، لكن “جميعها مجرد وعود، حتى الآن لم نرَ أي شيء منها”.
بعد تقييمات مدى درجة الخطورة التي أمرت بها المجالس المحلية، هُدمت بعض المنازل التي تضررت بفعل الزلزال، كما قال الجرك من شفق، مشيراً إلى أن “البعض ما زالوا يسكنون في منازل متداعية لأنهم يفضلونها على الخيام… لقد اعتادوا العيش في المدينة ويصعب عليهم الذهاب إلى المخيم” رغم المخاطر المحدقة بهم في هذه المباني.
“الحل المستدام”
في السنوات الأخيرة، أخذت المنظمات غير الحكومية السورية تنادي بضرورة إيجاد حلول مستدامة للاحتياجات الأساسية الناشئة عن الصراع، ويرون أن مثل هذه الحلول يجب أن تأتي في صيغة زيادة برامج التعافي المبكر.
“التعافي المبكر هو نهج يركز على استعادة الخدمات الأساسية الجوهرية التي تُمكن المتضررين من الكوارث من الاعتماد على أنفسهم بطريقة مستدامة، بدلاً من الاعتماد المستمر على منظمات الإغاثة لتلبيتها”، كما أوضح خالد كبش، مدير البرامج في منظمة بنفسج العاملة في مجال المساعدات الإنسانية والإنعاش المبكر.
يعد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) أحد الجهات الفاعلة الرئيسة، التي تتولى تنفيذ برامج التعافي المبكر في سوريا، بما في ذلك الاستجابة لزلزال العام الماضي. ما يزال هناك نقص في التمويل اللازم لخطة التعافي من الزلزال بمقدار 10.7 مليون دولار من أصل 397.6 مليون دولار.
تشير الجهات العاملة في مجال الإغاثة بسوريا إلى أن الميزانية الفعلية اللازمة للاستجابة الفعالة للزلزال أعلى بكثير. إذ بحسب كبش فإن التمويل المخصص لإعادة ترميم المباني “غير كاف”، رغم “تزايد الاحتياجات يوما بعد يوم بسبب عمليات القصف المستمرة والمتكررة” من قبل النظام السوري وحليفته روسيا.
يقدِّر عوض من منظمة إغاثة سوريا أنه تم إعادة ترميم نحو 60 بالمئة من المنازل المتضررة جزئياً، بينما نسبة المنازل المدمرة التي أعيد بناؤها أقل من 30 بالمئة، ما يعني أن معظم النازحين بسبب الزلزال لم يتسن لهم العودة إلى منازلهم، بحسب قوله.
وأشار عوض إلى أن الجهات المانحة الخاصة هي الممول الرئيسي لمشاريع الترميم وليس الأمم المتحدة أو المنظمات الدولية. على سبيل المثال، جمع فريق ملهم التطوعي 13.4 مليون دولار من أجل الاستجابة للزلزال الذي ضرب شمال غرب سوريا وجنوب تركيا، وفق بيانات منشورة على موقعه الإلكتروني.
وصنَّف عوض التمويل الدولي، من مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، على أنه المصدر الثاني للتمويل، يليه رجال الأعمال والمجالس المحلية التي تنسق عمليات الترميم وتأهيل المباني. إضافة إلى ذلك، قدمت المجالس المحلية السكن البديل في المنازل المتنقلة والمجمعات السكنية الخرسانية.
وحدها التبرعات الخاصة هي من يغطي تكاليف المنازل المدمرة كلياً. إذ يقيّد قانون العقوبات الأميركية (قيصر) تمويل إعادة الإعمار حتى حدوث انتقال سياسي وفق قرار الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، الذي ينص على فرض عقوبات على الجهات الفاعلة غير الأميركية. ويتخذ الاتحاد الأوروبي موقفاً مشابهاً. بموجب هذه التقييدات، لا يمكن للجهات الفاعلة في مجال الاستجابة أن تذهب إلى مدى أبعد من برامج التعافي المبكر، ولكن حتى هذه البرامج محدودة.
نحاول -كمنظمات- أن ندفع دائماً باتجاه التعافي المبكر لأنه الحل المستدام، خاصة مع توقعاتنا بإجراء تخفيضات مستمرة، لكن الجهات الدولية لا تمنحنا المجال المفتوح للقيام بذلك”، بحسب عوض.
في الشهر الماضي، أنهى برنامج الأغذية العالمي جميع المساعدات الغذائية العينية في سوريا. من المتوقع أن يعاني أكثر من نصف السكان من آفة الجوع في هذا العام، ومن المقرر إجراء المزيد من التخفيضات وفقاً لمصادر إنسانية.
اقرأ أكثر: قطع الدعم الغذائي عن ملايين السوريين: أزمة الاستجابة بنيوية تتعلق بغياب “الحلول المستدامة”
ليست المنازل وحدها بحاجة الإصلاح بعد زلزال العام الماضي، إنما مرافق المياه والصرف الصحي والمدارس والمستشفيات والمباني الحكومية. دُمِرت الشركات أيضاً، ما أثر على سبل عيش الناس على المدى البعيد.
“لا بدَّ من تدخل أكبر في مشاريع الترميم وإعادة الإعمار، فضلاً عن دعم الأنشطة التجارية والمشاريع الصغيرة والمشاريع المستدامة”، بحسب الجرك.
ولكن وبدلاً من ذلك، ما تزال المساعدات الطارئة تحظى بالأولوية. واتفق الجرك مع عوض في أنَّ التنمية الاقتصادية ودعم سبل العيش والتدريب المهني، إلى جانب مشاريع البنية التحتية، هي السبيل الوحيد المستدام للتقدم.
لا تسمح إصابة مصطفى له بمزاولة العمل اليدوي، ولكنه يحلم بافتتاح “بقالة صغيرة”، لو وجد مستثمراً، ولو كان بإمكانه العمل لبنى منزله على نفقته الخاصة، كما قال. شعور مشابه يراود محمد، مؤكداً أنه لو كان يحصل على أجر شهري كافٍ يلبي احتياجات عائلته المعيشية لن يتوانى عن استكمال ترميم منزله.
“سئمت الناس من السلل الغذائية… إنهم يريدون العمل”، قال عوض.
تم نشر هذا التقرير أصلاً في اللغة الإنجليزية وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور