4 دقائق قراءة

بعد قاطني المدن.. “مستقبل مجهول” يواجه سوريين في مخيمات لجوء بتركيا

"صاحوا بالجامع بدنا نسكر المخيم"، يستذكر اللاجئ السوري شريف الخضر، والذي كان مقيماً في مخيم ملاطيا جنوب تركيا منذ العام 2013. 


28 يوليو 2019

عمان- “صاحوا بالجامع بدنا نسكر المخيم”، يستذكر اللاجئ السوري ثائر الخضر، والذي كان مقيماً في مخيم ملاطيا جنوب تركيا منذ العام 2013. 

يومها، صار عليه اتخاذ قرار بالمغادرة إلى إحدى المدن التركية، أو الانتقال إلى المخيم الذي حددته دائرة الهجرة. لكنه، كما يقول لـ”سوريا على طول”، لم يكن يملك “وقتاً طويلاً للتفكير”. موضحاً أنه “إذا انتهت المدة المحددة [نهاية الشهر الحالي] ولم تكن قد سجلت ضمن قائمة المغادرين، فلن يكون لديك فرصة ثانية للتسجيل، وسيتم نقلك إلى مخيم كلس2 حصراً”.

بدأ تفكيك مخيم ملاطيا الواقع شمال مدينة غازي عنتاب، وكان يؤوي 8000 لاجئ سوري، بداية الشهر الحالي. جاء ذلك في إطار استكمال عملية تفكيك مخيمات اللاجئين السوريين المشمولين بنظام الحماية المؤقتة في تركيا. وهي العملية التي أدت إلى إغلاق أكثر من نصف المخيمات حتى الآن.

ووفقاً لأرقام إدارة الهجرة التركية الصادرة في 30 كانون الثاني/يناير 2019، بلغ مجموع عدد اللاجئين السوريين في البلاد 3.636 مليون لاجئ، يشكلون 4.5 % من إجمالي سكان تركيا، من بينهم 143 ألفا و68 لاجئاً يعيشون في المخيمات.

وبحسب مدير مخيم نزيب بولاية غازي عنتاب، جلال دمير: “[كان] يوجد في تركيا 25 مخيماً لإخواننا اللاجئين السوريين، توزعت على المدن الحدودية كغازي عنتاب، وملاطيا، وأورفة، وأضنة، وهاتاي، وكهرمان، ومرعش، وماردين. بدأ تفكيكها العام الماضي، وتبقى منها اليوم 12 مخيماً”.

ويضيف في حديثه لـ”سوريا على طول”: “لن تفكك جميع المخيمات، وإنما ستبقي دائرة الهجرة على عدد من المخيمات حسب الحاجة، بعد تثبيت أسماء العائلات المحتاجة والأرامل والمعاقين، وبعض العائلات التي لا ترغب في الانتقال إلى المدن التركية”.

لكن يوسف الحلبي الذي الذي لجأ إلى المخيم منذ عام 2015، وتتوجب عليه الآن مغادرة مخيم نزيب مع عائلته المكونة من 4 أفراد، يرى قرار إغلاق المخيمات “قراراً كارثياً بحق الفقراء والمساكين واليتامى”.

وكما يشرح في حديثه لـ”سوريا على طول”، فإن السلطات التركية حددت “لنا مدة شهر واحد لنتخذ القرار [بالتوجه نحو المدن أو مخيم آخر]، وأغلب العائلات وضعها المادي صعب جداً لا قدرة لها على تأمين تكاليف إيجار المنزل والمعيشة خلال هذه المدة”. مضيفاً: “أعرف عائلات استدانت المال لتأمين إيجار”.

إذ قبل صدور قرار إغلاق المخيم، كان إيجار المنزل، كما يقول، “بين ٤٠٠ إلى ٥٠٠ ليرة تركية [شهرياً]، وأصبح بعد صدور القرار بين ٧٠٠ إلى ١٥٠٠ ليرة، عدا عن التأمين وعمولة [السماسرة] وتكاليف الغاز والكهرباء والماء”.

هذا الوضع واجهه ثائر الخضر، الأب لسبعة أطفال. إذ عجز عن تأمين منزل للإيجار قبل انتهاء المدة المحددة لمغادرة المخيم. ولم يكن أمامه إلا قبول دعوة أحد الأقارب في أنطاكيا بولاية هاتاي باستقباله بشكل مؤقت”.

وهو يشير إلى أن “هناك أزمة [سكن] في كل المدن. لكن إذا دفعت أكثر من القيمة المطلوبة ولمدة عام مقدماً، عندها يمكن أن تجد منزلاً”، مع أن أغلب البيوت التي شاهدها “متهالكة وقديمة، يتساقط التراب من أسقفها”.

أما المشكلة الأخرى، كما يقول، فهي أنه “بس يسمع [صاحب المنزل] أنك سوري يقول: ليس لدي منزل للإيجار”.

ويشير دمير إلى أن “الأمم المتحدة، بالتنسيق مع دائرة الهجرة، سوف تقدم منحة مالية لمرة واحدة للعائلات التي ستستقر في المدن، بهدف مساعدتها على دفع الإيجار والاستقرار. وتختلف قيمة [هذه المنحة] بحسب عدد أفراد العائلة، وتقدر بـ1200 ليرة تركية لكل شخص”.

بالرغم من ذلك، فإن هذا الدعم المادي لا يتم صرفه للاجئ إلا بعد خروجه، بحسب دمير. كما إنه لا يسد إلا جزءاً ضئيلاً من حجم التحديات التي تواجه اللاجئين في المدن التركية.

أيضاً، بحسب الخضر الذي اختار في البداية الانتقال إلى مخيم آخر بسبب ظروفه السيئة، فإن “وضع المخيم [البديل] سيء للغاية، وأي “كرفان” هناك يحتاج ما لا يقل عن 3000 ليرة تركية لإصلاحه. [كما إن] المياه قليلة جداً، ويمنع تركيب غسالة أو مكيف، وتمنع الزيارات أيضاً”.

وعزت دائرة الهجرة التركية  سبب تفكيك المخيمات في الولايات الجنوبية إلى سعيها إلى دمج اللاجئين السوريين في المجتمع التركي، وتمكينهم من العيش بعيداً عن المساعدات الإنسانية.

ويرى دمير في هذا السياق أن “قرار تفكيك المخيمات هو في صالح إخواننا السوريين، لأنه يؤدي “إلى اعتمادهم على أنفسهم بأن يكونوا منتجين، مع التطور ثقافياً ومهنياً”. 

ويضيف: “مضى على افتتاح المخيمات سنوات وجميعها مكتوب على أبوابها “مؤقت”. لذا يجب أن يخرج الشعب السوري ليتطور اقتصادياً”.

لكن الخضر لا يبدي تفاؤلاً كبيراً بشأن قدرته على الاندماج وتأمين فرصة عمل، في ظل عدم امتلاكه خبرات عملية، إضافة إلى وجود حاجز اللغة. متسائلاً: “كيف يمكنني الاندماج وكلما سمعوا أنني سوري يمتنعون عن تأجيري منزلاً؟”. 

أيضاً، تتزامن عملية تفكيك المخيمات مع حملة ترحيل لسوريين مقيمين في مدن تركية إلى سوريا، والتي بدأت عقب انتخابات بلدية اسطنبول، في 23 حزيران/يونيو الماضي، وأسفرت عن فوز مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض.

لكن دمير يرى أن “انتقال اللاجئين السوريين إلى داخل المدن التركية لن [يجعلهم عرضة] للتوترات الحالية، لأن أعداد سكان المخيمات قليلة جداً مقارنة بسكان المدن. وفي محافظة غازي عنتاب مثلاً تم إغلاق 3 مخيمات من أصل 4، ولم تحدث مشاكل”.

وبحسب المسؤول التركي، فإن هناك مدناً لا يمكن للاجئين السوريين التوجه إليها، مثل اسطنبول وأنطاليا.

رغم ذلك، فإن الخضر، الذي تعاني إحدى بناته مرضاً في الغدد يحتاج علاجاً دائماً، كما يعاني ابنه الوحيد مرضاً في الكلى، يعتبر أن “مغادرة المخيم كان بمثابة خروج إلى مستقبل مجهول”.

شارك هذا المقال