بعد منعها من النظام والمعارضة: دخول محدود لمساعدات شمال شرق سوريا إلى المناطق المتضررة من الزلزال
منع دخول المساعدات القادمة عبر الخطوط من شمال شرق سوريا إلى المناطق المنكوبة في مناطق سيطرة النظام والمعارضة، هي محاولة واضحة لتسييس المساعدات والتحكم بدخولها إلى مناطقهم.
14 فبراير 2023
القامشلي- قضى جوان حمي الليالي الثلاث الماضية نائماً في سيارة، إلى جانب 14 عامل إغاثة آخرين، عند معبر التايهة بريف حلب الشرقي، الذي يصل مناطق سيطرة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا بمناطق سيطرة النظام، وهم عالقون هناك منذ 11 شباط/ فبراير الحالي.
عند الساعة التاسعة صباحاً، من يوم السبت، “وصلنا إلى المعبر وسط الصحراء، ونحن هنا منذ ثلاثة أيام، نعاني من سوء شبكة الاتصالات، ونرسل سيارة إلى منبج لإحضار الطعام لنا”، قال حمي في اتصال هاتفي مع “سوريا على طول”، أمس الإثنين، وأضاف: “نحن ننتظر فحسب. ننتظر السماح لنا بالعبور”.
بعد خمسة أيام على وقوع الزلزال المدمر، الذي ضرب شمال سوريا وجنوب تركيا، في السادس من شباط/ فبراير، هرع حمي، طبيب سوري يعمل مع الهلال الأحمر الكردي إلى سيارة الإسعاف، متلهفاً لعلاج الناجين الذين تم انتشالهم من تحت الأنقاض في حلب.
وصل حمي وزملاؤه إلى معبر التايهة في قافلة مؤلفة من سيارتي إسعاف وثلاث شاحنات محمّلة بالخيام والفرش والإمدادات الطبية المُخصّصّة للناجين في مناطق سيطرة الحكومة بمحافظة حلب. لكن مرت ساعات ومن ثم أيام، وما تزال سيارتا الإسعاف عالقتان على المعبر. طالبت قوات النظام على الحاجز بنصف إمدادات القافلة مقابل السماح لها بالعبور.
إلى جانب قافلة الهلال الأحمر الكردي، ما تزال عشرات القوافل المحمّلة بالوقود والإمدادات الإنسانية عالقةً في شمال شرق سوريا منذ عدة أيام، ولم تتمكن من عبور خطوط النزاع وإغاثة الناجين من الزلزال في كلٍ من مناطق سيطرة النظام والمعارضة في سوريا.
في بلدٍ مزقتها الحرب لمدة اثني عشر عاماً، ما يزال العداء بين أطراف الصراع وتسييس المساعدات يحول دون تعاضد السوريين ومؤازرتهم لبعضهم حتى في أشد الأوقات مرارة وبؤساً.
الإغاثة عبر خطوط التماس
مرَّ أكثر من أسبوع على وقوع الزلزالين، الأول بقوة 7.7 درجة على مقياس ريختر، والثاني 7.6 درجة، الذين دمرا جنوب شرقي تركيا وشمالي سوريا، وما تلاهما من هزات ارتدادية، وصلت إلى 2000 هزة تقريباً. غير أن المساعدات تدخل إلى المناطق المنكوبة في سوريا بالتقطير، وببطء ميت يحول دون تلبية الاحتياجات المهولة.
حتى 13 شباط/ فبراير، بلغ عدد الوفيات، جراء الزلزال، أكثر من 36 ألف شخص، بينهم 5,700 داخل سوريا. ومن المُرجح أن ترتفع حصيلة الوفيات في سوريا خلال الأسابيع المقبلة، لاسيما في مناطق سيطرة المعارضة، التي أعاق نقص الآليات فيها وعدم دخول أي مساعدات دولية إليها خلال الأيام الأولى للمأساة من جهود البحث والإنقاذ.
خرج شمال شرق سوريا من الزلزال بضررٍ أقل نسبياً؛ إذ تم الإبلاغ عن ست وفيات و57 إصابة في مناطق الإدارة الذاتية. وسعت الأخيرة خلال الساعات الأولى من الكارثة إلى إرسال المساعدات إلى أجزاء أخرى في سوريا وجعل مناطقها معبراً لنقل المساعدات إلى الأجزاء الأكثر تضرراً في البلاد.
في الأيام التالية، حاولت ثلاث قوافل مساعدات إنسانية عبور معبر التايهة، الذي يصل مناطق الإدارة الذاتية بحلب، الواقعة تحت سيطرة النظام، ومعبر أم جلود، الذي يصلها بجرابلس، الواقعة تحت سيطرة المعارضة، لكن جميعها بقيت عالقة لعدة أيام. أوقفت الحكومة السورية القافلة الأولى، التي نظمها الهلال الأحمر الكردي، واشترطت تسليم نصف الإمدادات إلى الهلال الأحمر العربي السوري، الذي يعمل تحت إمرة دمشق.
“شدّدت الحكومة السورية على عدم السماح بدخول أي من المساعدات المقدّمة من المنظمات غير الحكومية في شمال شرق سوريا إلى مناطق سيطرتها مستقبلاً، مالم تحصل على نصف حمولتها”، كما قال مصدر إنساني دولي رفيع المستوى لـ”سوريا على طول”، طلب عدم الكشف عن هويته، لأن منظمته غير مخولة بالتصريح لوسائل الإعلام.
كما أوقف النظام السوري قافلة ثانية أيضاً عند معبر التايهة، في العاشر من شباط/ فبراير، نظمتها الإدارة الذاتية، مؤلفة من 100 شاحنة وقود وشاحنتيّ مواد غذائية ومعدات طبية تبرعت بها عدة منظمات مجتمع مدني ومنظمات غير حكومية.
“طالب النظام السوري بـ 80 ٪ من المساعدات، تاركاً لنا فقط 20٪ منها لنوزّعه على المتضررين من الكارثة”، وفق ياسر سليمان، نائب الرئاسة المشتركة للمجلس العام في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، لكن “الإدارة الذاتية رفضت هذا الشرط، لأننا اعتبرناه نوعاً من الابتزاز ضد الناس في شمال شرق سوريا”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.
أطلقت الإدارة الذاتية قافلة ثالثة عبر خطوط التماس مكوَّنة من ثلاثين شاحنة وقود وشاحنتي مواد غذائية ومستلزمات طبية مخصصة لمناطق سيطرة المعارضة في شمالي حلب. وصلت منبج في الثامن من شباط/ فبراير، أي بعد يومين من الزلزال، لكن الحكومة السورية المؤقتة المدعومة من أنقرة، التي تدير مناطق المعارضة في ريف حلب الشمالي، منعتها من الدخول عبر معبر أم جلود.
إيقاف المساعدات وتأخير دخولها
ذكر المصدر الإنساني أنَّ محاولات الحكومة السورية مصادرة قافلة الهلال الأحمر الكردي، أول شحنة مساعدات تقودها منظمات غير حكومية من مناطق الإدارة الذاتية هي “عرقلة غير شرعية وتعسفية للمساعدات الإنسانية ومحاولة لحرف مسار المساعدات الموجّهة للمجتمعات المنكوبة”.
وتأتي هذه الخطوة في اتساق مع تاريخ النظام السوري في محاولات الاحتكار. لطالما حاول أن يحتكر توزيع المساعدات، وأن يحول دون وصولها إلى خصومه كنوع من العقاب الجماعي. وفي قافلة الهلال الأحمر الكردي العالقة حالياً عند معبر التايهة، تمنع الحكومة السورية وصول المساعدات إلى المجتمعات المحلية بمحافظة حلب، التي ينظر إليها على أنها داعمة لـ “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”.
ووفقا لمصادر إنسانية ومركز معلومات روج آفا، منظمة إعلامية محلية، فإن قافلة الهلال الأحمر الكردي مخصصة للناجين من الزلزال في الشيخ مقصود والأشرفية، وهما حيّان يقعان داخل مناطق سيطرة النظام في حلب، لكن تحكمهما وحدات حماية الشعب (ي ب ك)، الكيان العسكري الكردي الذي يشكل العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تسيطر على شمال شرق سوريا وتديرها خدمياً عبر الإدارة الذاتية. في أواخر العام الماضي، فرض النظام السوري حصاراً على الحيّين، لعدة أشهر، في خضم تصاعد التوتر بين الإدارة الذاتية والنظام.
وتستهدف قافلة المساعدات أيضاً الناجين في منطقة الشهباء، وهو جيب تسيطر عليه (ي ب ك) في مناطق النظام شمال حلب، يأوي العديد من الكرد النازحين من عفرين التي تحكمها المعارضة. أثار الوضع السياسي الخاص بهذه الجيوب الثلاثة، تخوفاً من أن لا تخدم الاستجابة الإنسانية التي تقودها الحكومة إثر الزلزال هذه المناطق.
أوضح مسؤولون في الإدارة الذاتية أنّ المساعدات المرسلة ليست مُوجهة حصراً للجيوب الثلاثة، التي يأمل الهلال الأحمر الكردي أن يتمكن من الوصول إليها، إذ بحسب سليمان “هذه المساعدات مخصصة لجميع المناطق المنكوبة ولا تستهدف فئةً بعينها”، لافتاً إلى أن “الكثير من الناس هنا تطوعوا وطلبوا المساهمة في عمليات الإنقاذ، إلا أننا لم نتمكن من إرسالهم بسبب الظروف الأمنية وعدم موافقة [أطراف أخرى]”.
في البداية، رفضت الحكومة السورية المؤقتة المدعومة من أنقرة، إدخال مساعدات مُرسلة من شمال شرق سوريا، على اعتبار أن “ميليشيا قسد تستثمر بآلام السوريين لتحقيق مكاسب سياسية تظهر فيها بالمظهر الحسن”، كما جاء على لسان رئيس الحكومة السورية المؤقتة عبد الرحمن مصطفى، في 9 شباط/ فبراير.
“استبدلت [قسد] الآن المفخخات [التي] كانت ترسلها للمناطق المحررة بسيارات وقود كي يتم اعتماد مناطقهم كمتنفس للمناطق المحررة”، على حد قوله، ويقصد بـ”المحررة”، المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة بريف حلب الشمالي.
ولكن في 12 شباط/ فبراير، وبعد عدة أيام من المفاوضات، أصدرت الحكومة السورية المؤقتة تصريحاً صحفياً رحبت فيه بدخول شاحنات المساعدة المقدّمة من قبل “الأهالي والعشائر في المناطق الشرقية من سورية”، في تلميح إلى السماح بدخول القوافل عبر خطوط التماس، ما لم تأتِ كمساعدات رسمية من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
تؤكد الحكومة السورية المؤقتة بأنّها “جاهزة لتقديم التسهيلات للمساعدات الإنسانية المقدّمة من العشائر والمدنيين في شرق الفرات وأنها جاهزة لتأمين وصولها إلى المناطق المنكوبة”، بحسب تصريح مصطفى في اليوم ذاته.
دخول المساعدات بالتقطير
في 13 شباط/ فبراير الحالي، تمكنت قافلة مساعدات لمنظمة طبية دولية، وأخرى لمنظمات مجتمع مدني في شمال شرق سوريا من الوصول أخيراً إلى مناطق المعارضة في ريف حلب الشمالي، عبر معبر أم جلود.
أعطى دخول القافلتين من مناطق الإدارة الذاتية إلى مناطق المعارضة بارقة أمل للسماح بدخول شحنات مساعدة أخرى مُرسلة من قبل منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في الأيام والأسابيع المقبلة.
“عشرات القوافل تُجهّز من قبل أهالي دير الزور، الرقة والجزيرة [الحسكة] إلى شمال غرب سوريا”، قال سليمان، معتبراً أن “الشيء الأهم هو أن تصل إلى من يحتاجها”.
إذا نجحت هذه القوافل بالوصول، فقد تُمثِّل أيضا نقطة دخول بديلة إلى مناطق سيطرة المعارضة في سوريا، إذ إنّ المساعدات بأكملها تقريباً كانت، حتى هذه اللحظة، تدخل عبر المنطقة الحدودية في جنوبي تركيا، التي تأثرت فيها مكاتب المنظمات غير الحكومية والطرق والخدمات اللوجستية إثر تعرضها لضربة قوية بفعل الزلزال.
لكن عند معبر التايهة، ما يزال عمال الإغاثة والشاحنات المتجهة إلى مناطق سيطرة النظام، بانتظار أن يسمح لهم بالعبور. “ليس الأمل ما يُبقينا هنا، وإنما معاناة واحتياجات الناس” قال حمي، مؤكداً أنه “طالما هناك من يحتاج إلى مساعدتنا، سنبقى على المعبر، حتى لو استغرق ذلك شهراً آخر”.
تم نشر هذا التقرير أصلاً باللغة الإنجليزية وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور