بين “عادات” الأعراس وتدهور المعيشة: الزواج “حلم” يرهق شباب دمشق وريفها
متوسط تكاليف الزواج في مناطق سيطرة الحكومة السورية بدمشق وريفها تتخطى حاجز 17.5 مليون ليرة سورية (4465 دولاراً) ، وتشمل تجهيزات العرس وعفش المنزل وأدواته الأساسية، فيما لا يتجاوز الدخل السنوي للفرد بحسب متوسط الأجور 1.1 مليون ليرة (276 دولاراً).
11 مايو 2022
دمشق- بعد سنوات من الحرب في سوريا، وما خلفته من تدهور اقتصادي ومعيشي، بلغ ذروته خلال العامين الأخيرين، تخلى سكان دمشق وريفها عن أعراف لم يكن بالإمكان كسرها سابقاً، خاصة فيما يتعلق بمراسم الخطوبة والزواج.
وفي وقت يعيش أكثر من 90% من سكان سوريا تحت خط الفقر، وفقاً لوكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارتن غريفيث، في إحاطته لمجلس الأمن حول الوضع الإنساني، في 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، يكتفي بعض الشباب بالإعلان عن زواجهم من دون إقامة “حفلات الأعراس”، نظراً لارتفاع تكاليفها مقابل تدني الأجور وتدهور قيمة الليرة السورية، بينما عزف آخرون عن فكرة الزواج، كما في حالة الشاب سامر، 39 عاماً، المقيم في دمشق.
رغم عمله في شركة مالية خاصة، مقابل 500 ألف ليرة سورية شهرياً (127 دولاراً أميركياً بحسب سعر الصرف الحالي في السوق السوداء البالغ 3920 ليرة للدولار)، وهو “راتب جيد” مقارنة بمتوسط الرواتب، الذي يقدر بنحو 92 ألف ليرة (23 دولاراً)، إلا أنه ألغى فكرة الزواج “لأنني في حال تزوجت أحتاج أضعاف دخلي الحالي لأعيش مع زوجتي”، كما قال لـ”سوريا على طول”.
وبلغ وسطي تكاليف معيشة عائلة مكونة من خمسة أفراد، 2.8 مليون ليرة (714 دولاراً)، وفق تقديرات مؤشر قاسيون الاقتصادي التابع لحزب الإرادة الشعبية السوري، في نيسان/ أبريل الماضي، “وهو ارتفاع غير مسبوق خلال فترة قياسية، يهدد معه ملايين السوريين الذين يرون اتساعاً كارثياً بين تكاليف المعيشة والحد الأدنى لأجر العامل السوري”.
الاستسلام أمام التكاليف
جاء قرار سامر بالعزوف عن الزواج بعد تجربة لم يُكتب لها النجاح، إذ عزم في عام 2020 التقدم لخطبة فتاة، لكن اشتراط أهلها مهراً مرتفعاً، وإقامة العرس في أحد فنادق دمشق المعروفة، حال دون إكمال مشروعه، موضحاً أن عائلة الفتاة “طلبواً 10 ملايين ليرة مهراً مقدماً ومثلها مهراً مؤخراً”، أي ما يعادل 5100 دولار للمقدم والمؤخر.
وقف سامر عاجزاً أمام هذا المبلغ، وهو جزء من تكاليف أخرى، من قبيل “تكاليف العرس والخطوبة، وشراء الذهب”، مشيراً إلى أن “قيمة الذهب حوالي 6 ملايين ليرة [1530 دولاراً]”، فيما تبلغ تكاليف حضور الشخص الواحد لحفل الزفاف في الفندق 100 ألف ليرة (25 دولاراً)، أي بتكلفة 2500 دولار لحفل زفاف بحضور 100 شخص فقط.
ورغم معرفة عائلة الفتاة الوضع الاقتصادي لسامر إلا أنهم “رفضوا التنازل عن طلباتهم وعاداتهم في الزواج”، ما دفعه إلى التخلي عن فكرة الزواج. إذ بحسب الشاب الدمشقي “تأمين جرة الغاز أصبح حلماً، فما بالك بالزواج الذي أصبح مستحيلاً اليوم؟”.
وبدوره، أدى تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وعزوف الشباب عن الزواج إلى تسجيل سوريا أرقاماً غير مسبوقة في نسبة “العنوسة”، إذ بلغت نحو 70%، كما جاء في تقرير نشرته صحيفة البعث الناطقة باسم حزب البعث العربي الاشتراكي “الحاكم”، في نيسان/ أبريل 2019.
وبحسب الأرقام الصادرة عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، في آذار/ مارس 2022، بلغ عدد السوريين المحتاجين لمساعدة إنسانية وغيرها من أشكال المساعدة، 14.6 مليون شخصاً، فيما يحتاج حوالي 5.9 مليون شخصاً إلى المساعدة من أجل تأمين المسكن الآمن لهم.
زواج من دون عرس
في أيلول/ سبتمبر 2021، قرر صفوان، 39 عاماً، تنظيم “حفلة منزلية صغيرة” لإشهار زواجه، ولم يكن هذا القرار سهلا ً، كما قال لـ”سوريا على طول”، نظراً “لمعارضة خطيبتي وإصرارها على الحفلة ولبس الفستان الأبيض”.
واستمرت “المفاوضات” بين صفوان وخطيبته شهراً كاملاً، قبل أن ينجح في “إقناعها بشراء بعض الأدوات المنزلية الضرورية عوضاً عن إنفاق المبلغ في حفلة العرس”، على أن يعوضها “بالذهاب إلى صالون تصوير حفلات والتقاط بعض الصور التذكارية بالفستان الأبيض”.
ويعمل صفوان معلماً في إحدى مدارس دمشق، براتب 120 ألف ليرة شهرياً (31 دولاراً)، فيما تبلغ تكلفة استئجار سيارة ليوم واحد 100 ألف ليرة (25 دولاراً)، وتكاليف حجز صالة مع الضيافة لمئة شخص نحو 4 ملايين ليرة (1020 دولاراً)، بحسب قوله.
ورغم محاولاته اختصار تكاليف زواجه، أنفق صفوان حوالي 1.7 مليون ليرة (1700 دولار)، على “أجور صالون التجميل لزوجتي، وأجرة السيارة، وباقة ورد”، إضافة إلى “عشاء في مطعم” له ولزوجته فقط، متسائلاً “كم سندفع لو أقمنا حفلة زفاف؟!”.
ومع ذلك، يشعر صفوان أنه محظوظاً مقارنة بغيره من الشباب السوري، كونه يعيش في “منزل ملك بمنطقة عشوائية في دمشق”، وتسهم زوجته، التي تعمل موظفة حكومية “في تحمل بعض مصاريف البيت”.
ركود اقتصادي
على مدى عقود كانت حفلات الأعراس في سوريا ترفد الاقتصاد الوطني، خاصة في المواسم، حيث تنشط الأعراس في فصلي الربيع والصيف كل عام، لكن سامية، 56 عاماً، صاحبة محل تأجير فساتين الأعراس استقبلت موسم هذا العام “بتراجع كبير”، مشيرة لـ”سوريا على طول” أن العامين الأخيرين هما الأسوأ منذ عام 2011.
وتتراوح أجرة فستان العرس، أو ما يًعرف بـ”البدلة البيضاء”، التي ترتديها العروس ليلة زفافها، بين 2 و5 ملايين ليرة (500 و1275 دولار)، بحسب سامية، لذلك “استغنى الكثير عن فساتين الأعراس، واختزلوا أفراحهم في سهرات عائلية مصغّرة”، لينعكس ذلك سلباً على القطاع التجاري الخاص بالأعراس.
وفي العادة، تميّز صالونات التجميل النسائية في الأسعار بين العروس وغيرها من الزبائن، إذ “يبدأ مكياج العروس من مليون ليرة [255 دولار]”، وفقاً لفرح، وهي عاملة في إحدى صالونات التجميل بدمشق، لذلك صارت بعض العرائس “تخفي عن صاحبة الصالون حقيقة أنها عروس، ولا تخبرها بنوعية المناسبة”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.
وتضرر أيضاً أصحاب صالات الأفراح بالواقع الاقتصادي التي تشهده البلاد، ففيما عزف البعض عن استئجار صالة لإقامة حفلة العرس، اختصر آخرون أعداد المدعوين “ليصل إلى أقل من 50 شخص في الصالة، وهو ما اضطر الكثير من الصالات لإعادة تصميم صالاتهم بمساحات صغيرة تتناسب مع الوضع الحالي”، كما قال سمير، وهو صاحب صالة أفراح في دمشق لـ”سوريا على طول”.
وتعدّ صالات الأفراح خياراً أقل تكلفة من الفنادق، ومع ذلك “تبدأ تكلفة الشخص الواحد 50 ألف ليرة [13 دولاراً]”، أي أن تكلفة أرخص حفلة عرس تقدّر بنحو 2.5 مليون ليرة (640 دولاراً). هذا لا ينفي وجود حفلات أعراس فخمة وبأعداد كبيرة “لكنها لفئة قليلة من المجتمع”، بحسب سمير.
وبالتالي، فإن متوسط تكاليف الزواج في مناطق سيطرة الحكومة السورية بدمشق وريفها تتخطى حاجز 17.5 مليون ليرة سورية (4465 دولاراً) ، وفق الأسعار الرائجة كما رصدتها “سوريا على طول”، وتشمل تجهيزات العرس وعفش المنزل وأدواته الأساسية، فيما لا يتجاوز الدخل السنوي للفرد بحسب متوسط الأجور 1.1 مليون ليرة (276 دولاراً).
وعلى سبيل المثال، تتراوح أسعار المفروشات المنزلية المصنوعة من الخشب بين مليون ونصف المليون ليرة وخمسة ملايين (382 و1275 دولار)، كما قال علاء صايمة، وهو صاحب محل مفروشات في منطقة باب سريجة بدمشق لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أن “الأسعار تتغير بحسب نوعية الخشب وجودة التصنيع”.
وعزا صايمة ارتفاع أسعار الأثاث الخشبي إلى تدهور قيمة الليرة مقابل الدولار الأميركي، ما أدى إلى غلاء الأخشاب وكافة المواد الأولية التي تدخل في صناعة الأثاث، إضافة إلى “تحكم تجار محسوبين على الحكومة بسوق الخشب وتوفّره في الأسواق”.
وسط هذه الظروف، انصرف تفكير الشاب سامر إلى “الهجرة خارج سوريا”، وقدم فعلاً على طلب لجوء في السفارة الكندية بلبنان منتظراً رداً إيجابياً بخصوص ملفه. أما الزواج “ربما أعيد التفكير فيه إذا هاجرت وتحسنت أوضاعي المادية”.