7 دقائق قراءة

ما مدى تأثير الزلزال على السدود والأنهار في سوريا وتأثره بها؟

ما تزال هناك أسئلة تدور حول تأثير زلزال السادس من شباط/ فبراير على الممرات المائية في سوريا، كون العديد من السدود تأثرت به، ما أدى إلى حدوث فيضانات محلية.


20 فبراير 2023

القامشلي- في الثامن من شباط/ فبراير، أي بعد يومين من وقوع الزلزال، الذي حوّل المباني إلى ركام، وقتل آلاف البشر في شمال سوريا وجنوب تركيا، أخلت 500 عائلة قرية التلول التابعة لمدينة سلقين بريف إدلب، شمال غرب سوريا، إثر فيضان نهر مجاور.

وخلال الأيام التالية، اضطر نحو سبعة آلاف شخص من أهالي القرى المحيطة إلى مغادرة منازلهم، نتيجة ارتفاع منسوب مياه النهر، التي أغرقت آلاف الهكتارات من حقول القمح والفاصولياء، بحسب مزارعين محليين

وقال شهود عيان لوسائل إعلام محلية أن سبب الفيضانات انهيار سدٍ ترابي على نهر العاصي، الذي ينبع من لبنان ويتجه شمالاَ عبر الأراضي السوري، ويشكل حدوداً بين مدينة سلقين في ريف إدلب وتركيا. بعد الزلزال مباشرة، ظهرت التصدعات في السد، وحاول الأهالي تحصينه بالأكياس الرملية، لكن الأمطار الغزيرة، التي هطلت على مدى اليوميين التاليين، رفعت منسوب مياه العاصي، فانهدم السد. 

في غضون ساعات، انتشرت صور فيضان قرية التلول على وسائل التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم. وأضيفت محنة العائلات، التي نجت من الزلزال لكنها نزحت بسبب ارتفاع منسوب المياه، إلى صور أخرى: التصدعات في سد ميدانكي بعفرين، شمال غرب سوريا، ومياه الأنهار التي تتدفق بقوةٍ من جنوب تركيا.

ومثل السيول، تدفقت الصور خلال الأسبوع التالي، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأعرب المستخدمون عن مخاوفهم بشأن التأثير المحتمل للزلزال على السدود في بلد أنهكت الحرب بنيتها التحتية. ورغم تطمينات خبراء السدود الأتراك والمسؤولين السوريين بأن السدود آمنة، غير أنّ هذه المخاوف لم تتبدد كلياً.

فما هي بعض هذه المخاوف؟ وهل تستند إلى حقائق؟ بحثت “سوريا على طول” في أبرز ما تداولته وسائل التواصل الاجتماعي من شائعاتٍ حول وضع السدود والممرات المائية السورية في أعقاب الزلزال. 

ما مدى خطورة السدود التركية والسورية ؟

زاد فيضان قرية التلول من المخاوف والشائعات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي حول السدود المتضررة والفيضانات المحتملة بعد الزلزال.

في أعقاب زلزال السادس من شباط/ فبراير، انتشرت صورة تصدعات في الجزء العلوي من السد، على نطاق واسع في تويتر وفيسبوك. زعمت بعض حسابات وسائل التواصل الاجتماعي أن الصورة تعود لسد أتاتورك، أكبر سد في تركيا وخامس أكبر سد في العالم. الصورة حقيقية، لكنها لسد ميدانكي في منطقة عفرين، شمالي حلب، إحدى مناطق سوريا الأكثر تضرراً من الزلزال. ورغم التشققات الظاهرة في الجزء العلوي من السد، أعلن المجلس المحلي لعفرين، في العاشر من شباط / فبراير أنّه آمن، استناداً على تقييم أجراه خبراء من نقابة المهندسين السوريين الأحرار.

شارك بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر ارتفاع منسوب مياه الأنهار في سوريا، وادعوا أنَّ تركيا فتحت تفتح بوابات سدودها الرئيسية لتجنب انهيارها. لكن هذه الادعاءات مبالغ بها، شأنها شأن التقارير الكاذبة عن تصدّع سد أتاتورك.

حتى الآن، لم يبلغ العراق، حيث يجري فيه الفرات ودجلة، أي زيادة كبيرة في تدفق الأنهار القادمة من تركيا، منبع النهرين.

لوضع هذه الشائعات في سياقها، من المهم معرفة أن السدود الكبيرة، التي تم تصميمها لتحمل الظروف القاسية، نادراً ما تتضرر بشكل كبير من الزلازل، وفقاً لدراسة أجرتها جمعية الولايات المتحدة للسدود عام 2014، التي أوضحت أن “عشرة سدود [حول العالم] قد انهارت بفعل الزلازل”.

في الأيام التي أعقبت الزلزال، فُحِصت السدود التركية الواقعة في المناطق المتضررة من قبل مهندسين في شركة الأشغال الهيدروليكية الحكومية (DSI)، الهيئة المسؤولة عن سلامة السدود في تركيا. في 14 شباط/ فبراير، قال وزير الزراعة والغابات التركي، وحيد كِيريشتشي، لوسائل الإعلام المحلية  أنّه تم التأكد من سلامة 79 سداً وبركة من أصل 140 في المنطقة وتم اعتبارها آمنة، وأن عمليات التفحص ستستمر على مدى الأيام التالية. 

وفي الوقت نفسه، أعلنت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، حيث تقع العديد من السدود الرئيسية في البلاد  أن السدود الثلاثة المقامة على نهر الفرات آمنة وما تزال تعمل بشكل طبيعي بعد الزلزال.

هل تسببت السدود التركية بالزلزال؟

على مدى العقود الماضية، أصبحت تركيا من الدول الأكثر سدوداً في العالم، بواقع 860 سداً نشطاً، بما في ذلك العديد من السدود الضخمة مثل سد أتاتورك، الذي تبلغ سعته أكثر من 43 مليار متر مكعب. في عام 1977، أطلقت تركيا مشروع جنوب شرق الأناضول (GAP)، وهي مبادرة تنموية ضخمة تضمنت بناء 22 سداً و19 محطة للطاقة الكهرومائية على نهري دجلة والفرات.

أثارت حقيقة وقوع الزلازل، الأسبوع الماضي، في هذه المنطقة التي تغزوها السدود تكهنات حول الدور الذي قد تكون لعبتها السدود الضخمة في الكارثة، والتي سرعان ما تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي مقابلة مع وكالة سبوتنيك الحكومية الروسية، أشار أحمد ملاعبة، خبير جيولوجي أردني، إلى  مساهمة السدود التركية بإحداث الزلزال. نفس الادعاء الذي أدلى به المتخصص الزراعي العراقي، خطاب الضامن الذي يقول: “إن بناء سدود عملاقة ضمن منطقة نشاط زلزالي يضاعف احتمالية حدوث الزلازل بسبب قدرتها التخزينية الهائلة”.

في المقابل، نفى خبراء آخرون هذه الادعاءات، مؤكدين أن الزلازل تحدث بشكل طبيعي ومتكرر في تركيا.

لقد درس العلماء منذ فترة طويلة العلاقة بين السدود والزلازل، وخلصوا إلى أنه يمكن للخزانات الكبيرة جداً في ظروفٍ معينة أن تؤدي إلى إحداث زلازل في المناطق المعرضة أصلاً للزلازل، من خلال ظاهرة تسمى “الزلزال الناجم عن الخزان”.

بلغةٍ أبسط، يمكن أن يؤدي التغيّر في الضغط الناتج عن تراكم المياه في السد إلى إحداث زلزال، ولكن هذا يقتصر فقط على المناطق، التي هي أصلاً تحت ضغط كبير، وكان من المحتمل حدوث الزلزال فيها طبيعياً بمرور الزمن. 

في عام 2021، نشر العلماء الأتراك دراسة مفصَّلة عن الزلازل الناجمة عن المياه الحبيسة، التي يختزنها سد أتاتورك، وخلصوا إلى أن الزلازل زادت “إلى حدٍ كبير” بعد ملء السد. وأفادوا أن وجود السد ربما ساهم في وقوع زلزالين في بلدة سامسات القريبة، بقوة 5.5 و5.2 درجة، في عامي 2017 و 2018، غير أنَّه لا يوجد دليل يؤكد ارتباط الزلازل الأخيرة بسد أتاتورك.

هل منسوب المياه يرتفع في سوريا؟

في السنوات الأخيرة، حالت سياسة تركيا، المتمثلة بالتحكم بمياه المنبع، عن طريق احتجازها في السدود، دون حصول الأنهار في شمال شرق سوريا على حصتها العادلة من المياه، بما في ذلك نهر الفرات وروافده، وزاد الجفاف التاريخي، الذي ابتليت به سوريا منذ صيف عام 2020، من أزمة المياه.

في الأيام التي أعقبت الزلزال، شهد المزارعون في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا عودة تدفق أنهارها من جديد بعد جفافها لفترة. في 16 شباط/ فبراير، قالت أم أحمد، مزارعة كردية تقيم على ضفاف نهر زركان، قرب مدينة تل تمر: “هذا النهر جاف منذ ثلاث سنوات، لكنه بدأ يتدفق مرة أخرى قبل عشرة أيام”.

عندما ارتفع منسوب المياه، سارعت أم أحمد وجيرانها لضخ المياه من زركان لري حقولهم من القمح، كما أوضحت لـ”سوريا على طول”.

ربط العديد من المزارعين في المنطقة، كما أم محمد، ارتفاع منسوب المياه بالكارثة. إذ شارك الناس صوراً لجريان نهر الخابور، مبتهجين بذلك. في مدينة القامشلي، حتى نهر جقجق، الراكد والملوث ذي اللون الداكن، عاد كما كان، وهو أحد روافد نهر الفرات، الذي حرفت تركيا مساره إلى حد كبير لريّ الأراضي الزراعية شمال الحدود.

مياه نهر جقجق تتدفق في مجرى النهر بمدينة القامشلي شمال شرق سوريا من جديد، 12/ 02/ 2023 (ليز موفة/ سوريا على طول)

لكن في بعض الحالات، كانت المعلومات التي شاركها مراقبون محليون عبر الإنترنت مبالغاً بها. إذ تداول مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي ادعاءات ليس لها أساس علمي، من قبيل: “فتح سد أتاتورك العملاق، سينعكس على سوريا والعراق ودول الخليج العربي. ويُتوقع زيادة الأسماك في الكويت والخليج مع اختلاط مياه النهر العذبة بمياه البحر المالحة”، كما جاء في تغريدة أحد المستخدمين.

“في الوقت الحالي، [هناك] الكثير من الادعاءات على وسائل التواصل الاجتماعي، بخصوص ارتفاع مستويات مياه السدود التركية والفرات أو دجلة في سوريا والعراق”. غرّد ألكسندر ماكيفر، باحث وصحفي استقصائي، في العاشر من شباط/ فبراير.  “إلى الآن، لم أرَ أي دليل مقنع على ذلك. كل ما تم تأكيده هو أنّ السدود الترابية المؤقتة على الخابور انهارت”. 

بُنيت السدود المؤقتة، التي أشار إليها ماكيفر، على نهر الخابور وروافده، في صيف عام 2021، في المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية المدعومة من تركيا، بهدف احتجاز مياه ريّ إضافية في ذروة الجفاف التاريخي.

وانقطعت مياه نهر الخابور كلياً بعد بناء هذه السدود، ما حرم المزارعين في الأراضي المحاذية لمجرى النهر من مياهه. علماً أن منسوب مياه النهر انخفض بشدة في تسعينيات القرن العشرين، إثر جفاف الينابيع الرئيسية للنهر في رأس العين، نتيجة الإفراط في الضخ.

إن ارتفاع منسوب المياه في بعض الأنهار السورية لم يكن مرتبطا بانهيار السدود فحسب، وإنما تزامن زلزال السادس من شباط/ فبراير مع هطول الثلوج والأمطار، لعدة أيام، وهو ما أدى إلى ارتفاع مستوى المياه في الأنهار التركية والسورية، كما هو الحال في كل شتاء.

نهر الخابور، جنوب بلدة تل تمر في الثاني من شباط/ فبراير 2023، أي قبل أربعة أيام من حدوث الزلزال (في الأعلى)، مقارنةَ بـه في 12 شباط/ فبراير، أي بعد مرور ستة أيام على الزلزال (في الأسفل)، (ليز موفة/ سوريا على طول)

من الشائع أن ينتشر القلق والخوف في أوساط المجتمعات المتضررة من الكوارث الطبيعية. مع تتابع الأحداث الدرامية من حدثٍ إلى آخر، يتم تداول المعلومات المتضاربة، وتنتشر الشائعات بسبب الفوضى.

في الساعات والأيام التي أعقبت حدوث الزلزال المدمر في سوريا وتركيا، تبين أن بعض الروايات التي انتشرت حول السدود والفيضانات مبالغ فيها ولا أساس لها من الصحة. وبعد مرور أكثر من عشرة أيام على الزلزال، لا يزال هناك الكثير من العمل، الذي يجب القيام به لتقييم مدى تأثيره إجمالاً على الممرات المائية والسدود الترابية في سوريا.

تم نشر هذا التقرير أصلاً في اللغة الإنجليزية وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور

شارك هذا المقال