6 دقائق قراءة

“تأزيم الأزمة لا إدارتها”: حرمان خدمي يعيشه سكان معضمية الشام

رغم مرور ثماني سنوات على عودة النظام ومؤسساته إلى معضمية الشام، ما تزال المدينة مهمشة خدمياً وتعاني من أزمة كهرباء ومياه وخبز ومواصلات عامة


29 أغسطس 2024

دمشق- منذ مطلع آب/ أغسطس الحالي، تضطر زهرة أحمد، 46 عاماً، شراء المياه من الصهاريج المتنقلة، نتيجة الانقطاع الكلي للمياه عن مكان إقامتها في شارع البلدية بمدينة معضمية الشام في ريف دمشق، الواقعة تحت سيطرة النظام السوري.

تدفع زهرة أحمد، التي تعمل في مركز تعليمي خاص بالعاصمة دمشق، 150 ألف ليرة سورية أسبوعياً  (عشرة دولارات تقريباً بحسب سعر الصرف في السوق السوداء البالغ 14650 ليرة للدولار الواحد) من أجل تعبئة خزان مياه شقتها، مشيرة في حديثها لـ”سوريا على طول” إلى أن سعر البرميل الواحد سعة 200 لتر بحدود 20 ألف ليرة (1.35 دولاراً).

وكانت أحمد تدفع بحدود خمسين ألف ليرة (3.4 دولارات)، حتى عام 2020، كاشتراك شهري للمؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي “خوفاً من تراكم الفواتير عليها”، لكنها لم تعد تكترث بدفعها بسبب أزمة المياه المستمرة، قائلة: “حتى مؤسسة المياه لم تعد تهتم بتحصيل الفواتير. لا مياه ولا فواتير”.

يتم تزويد أحياء معضمية الشام الشرقية بمياه الشرب من شبكة مدينة دمشق، بواقع ساعتين كل 15 يوماً، مقابل ساعة واحدة للأحياء الغربية، وربما لا يستطيع السكان تعبئة خزاناتهم أثناء ساعات التزويد بسبب الأعطال المتكررة أو لانقطاع الكهرباء، كما ذكرت عدة مصادر من المدينة لـ”سوريا على طول”.

معضمية الشام، المحاذية لمطار المزة العسكري بدمشق، كانت من أوائل المدن المشاركة في ثورة آذار/ مارس 2011، وتعرضت لقصف بالأسلحة الكيميائية بالتزامن مع استهداف الغوطة الشرقية، في 21 آب/ أغسطس 2013، وهو العام الذي حوصرت في مطلعه، ما دفع فصائل المعارضة فيها إلى توقيع تسوية مع النظام في كانون الأول/ ديسمبر من العام ذاته، انتهى بموجبها حصار المدينة مقابل تسوية أوضاع المطلوبين وإقامة حواجز مشتركة للنظام والمعارضة.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2016، خرج المئات من أبناء المعضمية، غير الراغبين بإجراء تسوية مع النظام، إلى مناطق المعارضة شمال غرب سوريا، ليدخل النظام بأجهزته الأمنية ومؤسساته المدنية إلى المدينة.

ورغم مرور نحو ثماني سنوات على عودة النظام ومؤسساته إلى المدينة، ما تزال المعضمية تعاني من سوء الخدمات الأساسية، كانقطاع الكهرباء، وأزمة المياه والخبز، وسوء المواصلات العامة من المعضمية وإليها.

من جانبه، اعتبر مدير المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي في محافظة دمشق وريفها، عصام الطباع، أن الواقع المائي لدمشق جيد ومستقر، أما واقع مناطق ريف دمشق، التي يتم تزويدها من شبكة دمشق كما في حالة المعضمية، “مقبول إلى حدّ ما”، عازياً أزمة المياه إلى ساعات تقنين الكهرباء، كما جاء في تصريحاته لصحيفة الوطن “الموالية” هذا الشهر.

لكن بالنسبة للأهالي “الواقع غير مقبول”، لأن “سكان معضمية الشام يعتمدون اعتماداً كلياً على صهاريج المياه المتنقلة غير الموثوقة صحياً، في ظل الانقطاعات المتكررة التي تستمر لأيام وأحياناً أسابيع”، بحسب زهرة أحمد.

أزمة كهرباء

لا يمكن فصل أزمة المياه عن أزمة الكهرباء، التي تمنع أهالي حال انقطاعها من تعبئة خزاناتهم بالمياه في ساعات التزويد المحدودة.

تصل ساعات تقنين الكهرباء النظامية إلى 23 ساعة في اليوم، بينما تصل لمدة ساعة واحدة في اليوم، بحسب أكرم زين، المقيم في المعضمية، معبراً عن استهجانه من سوء الخدمات المقدمة بالقول: “ما يجري تأزيم الأزمة وليس إدارة الأزمة”.

لذلك، يعتمد أهالي المعضمية اعتماداً رئيسياً على كهرباء “الأمبيرات”، التي تغذي أحياء المدينة عبر مولدات خاصة، وهو حال غالبية المدن والبلدات التي استعاد النظام السيطرة عليها بعد اتفاقيات المصالحة والتسوية، أو على ألواح الطاقة الشمسية.

يشترك زين مع أحد مزودي كهرباء “الأمبيرات” في الحي الذي يقطنه في المعضمية، معتبراً أنها “بديل جيد عن الكهرباء النظامية، لكن أعطالها كثيرة وأسعارها غالية”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

ورغم “تلاعب” أصحاب المولدات بكمية بالأسعار، إلا أن السكان مضطرون إلى “التغاضي عن ذلك مقابل الحصول على الكهرباء”، كما قالت منى سليم (اسم مستعار)، 45 عاماً، مشيرة إلى أنها تدفع أحياناً 25 ألف ليرة أسبوعياً (1.70 دولاراً) وفي أحيان أخرى تبلغ فاتورتها 90 ألف ليرة (6 دولارات تقريباً)، علماً أن “استهلاكي للكهرباء هو نفسه”.

في أيار/ مايو الماضي، رفع أصحاب مولدات الأمبيرات الرسوم من ثمانية آلاف ليرة للكيلو واط ساعي (0.54 سنتاً) إلى 11 ألف ليرة (0.75 سنتاً)، بينما تبلغ التسعيرة الرسمية لكهرباء الأمبيرات المرخصة 7500 ليرة (0.51 سنتاً)، كما حددتها محافظة ريف دمشق في شباط/ فبراير الماضي.

اقرأ المزيد: كهرباء “الأمبيرات” تغزو دمشق وريفها: النظام يتخلى عن مسؤولياته لصالح تجار الحرب

وتعرضت شبكة الكهرباء في مدينة معضمية الشام للتخريب بشكل كبير وخاصة في المحولات، وبعد استعادة النظام سيطرته عليها أعاد تأهيل الشبكة بنسبة 50 بالمئة، كما جاء في تصريح سابق لرئيس مجلس المدينة بسام سعدى لجريدة الثورة، لكن مشكلة التقنين الطويل للكهرباء ما زالت مستمرة.

أزمة خبز

تلازم أزمة الخبز أزمتي الكهرباء والمياه في كل مناطق سيطرة النظام، وتكون أكثر سوءاً في مناطق التسويات. إذ رغم الكثافة السكانية في مدينة المعضمية، التي تجاوز خلال عام 2020 ، 200 ألف نسمة، لا يوجد سوى ثلاثة أفران لا تغطي احتياجات السكان من الخبز.

عدا عن نقص الخبز، عبّرت زهرة أحمد عن استيائها من “سوء جودته وصغر حجم رغيف الخبز الذي يباع عبر المندوبين”، لذا تشتري الخبز أحياناً من الباعة المتجولين بأسعار مرتفعة، أو يضطر ابنها إلى جلب الخبز من مدينة داريا المجاورة.

وقالت الأحمد: “تتفاوت جودة الخبز بين أفران دمشق وأفران الريف، فالأول يتميز بجودة عالية، على عكس خبز فرن الزيتونة في المعضمية”، على حد قولها، لذلك يمتهن العديد من الأشخاص بيع الخبز القادم من دمشق في المعضمية.

تُباع ربطة الخبز، التي تحتوي على سبعة أرغفة، بـ400 ليرة سورية (ثلاثة سنتات تقريباً)على البطاقة الذكية في مراكز توزيع الخبز المعتمدة في المعضمية، بينما يصل سعرها في السوق السوداء إلى خمسة آلاف ليرة (34 سنتاً).

حدد النظام مخصصات الخبز المدعوم، في عام 2021، بحيث يحصل الفرد على أربع ربطات أسبوعياً، والاثنان على ست ربطات أسبوعياً، بينما تحصل العائلة المكونة من خمسة أفراد على عشر ربطات أسبوعياً، وبما أن هذه المخصصات لا تكفي في بلد يعتمد اعتماداً كبيراً على الخبز، يزيد الطلب على الخبز في السوق السوداء.

إهمال متعمد؟

إذا فكرت في الذهاب من معضمية الشام إلى العاصمة دمشق مستخدماً وسائل النقل العامة عليك أن تنتظر طويلاً في طوابير الطلبة الجامعيين والعمال والموظفين، وهو ما أدى إلى “جشع” السائقين، لا سيما في ساعات الذروة صباحاً ومساءً.

قال العديد ممن تحدثوا لـ”سوريا على طول” أثناء إعداد هذا التقرير أن تعرفة السرفيس من المعضمية إلى البرامكة وسط العاصمة هي 1500 ليرة (10 سنتات)، لكن السائقين يستغلون حاجة الراكب وسط الازدحام الشديد، فيرفعون التعرفة إلى 2500 ليرة (17 سنتاً).

ومع ذلك يرضخ الركاب لاستغلال السائقين لأن التشارك بسيارة أجرة (تكسي) يعني أن الشخص عليه أن يدفع 15 ألف ليرة (دولاراً واحداً)، وهو رقم يفوق قدرتهم، في وقت يبلغ الحد الأدنى للأجور قرابة 278 ألف ليرة (19 دولاراً تقريباً)، بينما الحد الأدنى لتكاليف المعيشة لعائلة مكونة من خمسة أفراد 8.1 مليون ليرة (551 دولاراً).

في الشهر الماضي، حرمت ابنة زهرة أحمد من تقديم الدخول إلى قاعة الامتحان لأنها “تأخرت عشر دقائق عن الموعد، بسبب أزمة السرافيس وزحمة السير”، كما قالت الأم، لذا ستضطر ابنتها، التي تدرس في معهد إدارة الأعمال بالمزة إلى العام القادم لتعويض مادتها الدراسية.

وفي سياق خدمي آخر، تؤرق أزمة النفايات سكان معضمية الشام، إذ تتكدس القمامة أمام المنازل والمحلات التجارية بعد امتلاء الحاويات المخصصة، ما يدفع العديد من السكان إلى رمي نفاياتهم في الأماكن المهجورة، وهذا يؤدي بدوره إلى انتشار الروائح الكريهة وتجمع الكلاب الشاردة حولها.

اشتكى العديد من المصادر الذين تحدثوا لـ”سوريا على طول” من عدم ترحيل النفايات إلا مرة كل يومين حتى في المناطق المكتظة بالسكان أو الأسواق رغم ضرورة ترحيل النفايات يومياً.

انتشار قمامة في محيط حاوية بشارع البلدية بمدينة معضمية الشام بريف دمشق، 2024/08/16،(كنانة سليمان/سوريا على طول)

انتشار قمامة في محيط حاوية بشارع البلدية بمدينة معضمية الشام بريف دمشق، 2024/08/16،(كنانة سليمان/سوريا على طول)

كان محمد تغلب (اسم مستعار)، 40 عاماً، يرتب المواد الغذائية في رفوف محله الصغير، ومن ثم طلب من ولديه جمع الكراتين والقمامة المتراكمة على رصيف محله، الواقع في شارع الزيتونة، ورميها في مكان مهجور قريب من المحل.

“في ساعات الصباح ترى أكواماً من أكياس القمامة لدرجة أنك لا تستطيع رؤية الحاوية المختفية”، قال تغلب، الذي يسكن بين بساتين معامل المعضمية منذ تسعينات القرن الماضي، واصفاً الخدمات بأنها “معدومة”.

في شارع الزيتونة، حيث محل تغلب، لا يوجد سوى حاويتين فقط، لذا تقدم بشكوى إلى بلدية المعضمية من أجل زيادة عدد الحاويات “لكننا لم نلمس أي استجابة”، قال تغلب لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أن مدينته تعاني من سوء الخدمات “منذ سنوات”.

وضع الخدمات في معضمية الشام يرثى له مقارنة بجارتها جديدة عرطوز، التي تبعد عنها نحو ستة كيلومترات، كما قال أكرم زين (اسم مستعار)، 47 عاماً، من سكان المعضمية، مشيراً قائلاً: “جميع حارات جديدة عرطوز وشوارعها نظيفة”، مبدياً تعجبه من سبب التمييز في “الخدمات” بين الجارتين.

وأضاف زين: “لا أدرى إن كانت هذه الظروف التي نعيشها منذ سنوات حقيقية”، أي بسبب أزمة فعلية تشهدها البلاد عموماً “أم أنها مفتعلة ومتعمدة” في مدينته.

وختمت زهرة أحمد قولها: “الوضع سيء جداً، على أمل أن يستلم البلد ابن حلال يحسن خدماتها”.

شارك هذا المقال