تاجر عقارات نجى بعد اختطافه في قلب معقل الموالين للأسد في اللاذقية: شريعة الغاب تحكم هنا
اختطف ثلاثة مسلحين ملثمين مصطفى، 50عاماً، من حيه وبالقرب من […]
14 مارس 2017
اختطف ثلاثة مسلحين ملثمين مصطفى، 50عاماً، من حيه وبالقرب من منزله في مدينة جبلة الساحلية، 23 كم جنوب شرق مركز محافظة اللاذقية، في شهر أيلول الماضي. لم يقبضوا عليه متلبساً بجرم ما، وإنما فقط سحبوه وأمسكوا به بقوة السلاح.
لعشرين يوماً ظل المسلحون يعذبون تاجر العقارات الثري، ويضربونه بالكابلات الحديدية، ويطفئون السجائر في جسده ويغرقونه في الماء وهو يترنح ما بين الوعي والإغماء.
وهو مريض بالسكري وما من سبيل لأخذ الأنسولين و”بدأت أشعر بتخوفهم من وفاتي وهذا ما لاحظته مؤخراً من طريقة التعذيب”، وفق ما قال مصطفى لمراسلة سوريا على طول، نورا الحوراني.
ومن أجل فدية بمبلغ 20 مليون ليرة سوري، نُكِل بالأب الذي لديه ثلاثة أطفال، ورُكِل وضُرب وأُدمي حتى تقرحت جراحه.
وليس من الواضح من الجهة التي اختطفت مصطفى الذي يعيش في محافظة اللاذقية في كنف النظام. ولكن وبعد ستة شهور يقول أنه ما يزال يعيش في “قيود الوساوس والمخاوف المستمرة”.
اللاذقية، كانون الأول 2017. حقوق نشر الصورة لـ شبكة أخبار اللاذقية
وبقي الأهالي الذين يعيشون في اللاذقية، قلب النظام الذي يتمركز فيه العلويون الموالون، بمنأى إلى حد كبير عن القصف والمعارك. إلا أن مصطفى يقول أن سنوات الحرب الستة جردت مدينته من أي شكل من أشكال القانون أو النظام، حيث تعمل الميليشيا المسلحة وشبكات المجرمين على مرأى الجميع.
وأوضح مصطفى أن الوضع الأمني “يتدهور” داخل اللاذقية الخاضعة لسيطرة الحكومة “فالقوي يأكل الضعيف ولا قانون يردعه، فما بالك إذا كانت الجهات الأمنية والمسؤولة عن الأمن والتي تملك السلطة والنفوذ هي بالغالب من يقوم بعمليات الخطف والسرقة”.
الآن وبعد مرور ستة أشهر على اختطافك، هل عادت حياتك إلى طبيعتها؟
بالتأكيد لا، ولا أعتقد أنها ستعود كالماضي، كيف يمكنني أن أنسى ما مررت به من عذاب جسدي ونفسي.
حياتي كلها تغيرت، أصبحت أخاف البقاء وحدي أو ترك أي فرد من عائلتي يذهب لأي مكان وحده.
لم أعد أسمح لأبنائي حتى بالذهاب للسوبرماركت في الشارع المقابل، عندما أذهب لعملي ترافقني زوجتي طيلة الطريق على الهاتف وكذلك عند العودة.
أصبحت أحسب ألف حساب عند ذهابنا للتنزه، فعندما يطلب مني أولادي الذهاب إلى الطبيعة والأماكن الخالية البعيدة عن المدن أرفض بشدة وبعنف لا إرادياً.
شبح الاختطاف والمرارة التي عشتها تلاحقني في كل تصرفاتي وتحرمني التحرر من قيود الوساوس والمخاوف المستمرة.
أشك في كل شيء وكل شخص من حولي هو متهم.
كيف ترى الوضع الأمني في اللاذقية خلال مسار الحرب؟
لا يوجد أمن أبداً، وكان هذا الوضع قبل اختطافي، لكن ربما لأنني لم أعش التجربة قبل ذلك ولم أتعرض للخطف لم أفكر بالأمر كثيراً والخوف والهواجس لم تكن تراودني.
وبالنهاية لا أحد يمكنه أن يجرب شعورك أو ردة أفعالك ما لم يعش نفس التجربة.
اليوم أصبحت هذه الأمور تستوقفني كثيراً وأقول في نفسي لقد وصلنا فعلاً لما نسميه شريعة الغاب.
القوي يأكل الضعيف ولا قانون يردعه، فما بالك إذا كانت الجهات الأمنية والمسؤولة عن الأمن والتي تملك السلطة والنفوذ هي بالغالب من يقوم بعمليات الخطف والسرقة.
وكل يوم يزداد الوضع سوءاً ويستغل الجناة الأوضاع، فليس هناك من يحاسب والمدينة بلا كهرباء طوال الوقت، ظلام دامس يعم المدينة مع حلول الظلام، والاتصالات ضعيفة وغلاء فاحش يزيد من فرص الجريمة.
كل يوم أسمع بحالة خطف واختفاء أو سرقة أو حتى قتل، نحن فعلاً نعيش برعاية القدر ولعبة الحظ.
ماذا حدث ليلة اختطافك؟
كنت في طريق العودة إلى منزلي على موعدي اليومي المعتاد، غادرت مكتبي وركبت سيارتي كانت ليلة عطلة نهاية الاسبوع، اتصلت بي زوجتي وطلبت بعض الحاجيات للرحلة التي نقوم بها كل جمعة لترفيه الأولاد قليلاً.
تأخرت قليلاً حتى اشتريت جميع الأغراض، لم أشعر بشيء غريب، ولا أن أحد يتتبعني أو يراقبني، كان الوضع طبيعياً كالمعتاد.
عندما وصلت الحي الذي أعيش فيه، لم أجد مكاناً لأركن السيارة بسهولة مما جعلني أركنها في مكان يبعد ما يقارب 200 متر عن المنزل.
نزلت من السيارة وحملت الأغراض وبعد أن مشيت 100 متر تقريباً اعترضت طريقي سيارة سوداء بزجاج عاتم لم أر من بداخلها.
نزل منها 3 أشخاص ملثمون ومسلحون لم أعرف من هم، وأرغموني بالقوة على دخول سيارتهم التي لم تكن تحمل أرقاماً ايضاً وهذا ما عرفته من عائلتي بعد نجاتي.
الناس من حولي شاهدوا ما حصل بذهول وخوف لم يتحرك أحد من مكانه خوفاً من السلاح.
نوافذ مدرسة حافظ الأسد في اللاذقية ذات القضبان والتي تم إغلاقها في عام 2011. حقوق نشر الصورة لـ Sergei Bobylev\TASS
ماذا حدث بعد ذلك؟ وإلى أي جهة تم اقتيادك؟
قاموا بشد وثاقي جيداً وعصب عيوني حتى لا أرى شيئا وكله تحت تهديد السلاح، لم أعرف إلى أين نذهب ولكن بحسب تقديري مشينا بالسيارة مدة 45 دقيقة إلى ساعة تقريباً.
لم يشغل تفكيري منذ بداية اختطافي إلا أولادي وسألت نفسي هل سأراهم ثانيةً؟ هل سيعيشون أيتاما؟
كانوا يتناوبون على ضربي واحداً تلو الآخر، مع سيل من الشتائم حتى شعرت أخيراً ببعض الدوار.
كنت أسال طوال الطريق ماذا تريدون مني؟ من أنتم؟ وكلما سألت زاد الضرب أكثر، حتى بدأت ألحظ ذلك فتوقفت عن السؤال ربما أحظى بضرب أقل حدة.
توقفت السيارة أخيراً، بدأت ضربات قلبي تتسارع أكثر مع الخوف من المجهول، قاموا بركلي خارج السيارة بقسوة فسقطت أرضاً.
“قوم يا حيوان …. لسى ما بلش الجد” هذا ماتفوه به أحدهم بعدما بدأ بركلي برجليه وقفت متألماً واقتادني إلى مكان أعتقد أنه مستودع او مرآب بسبب صوت بابه المعدني المزعج والذي كان يسحبه كلما أراد الدخول والخروج.
كم طالت مدة اختطافك وماذا حصل معك؟ وماذا طلبوا منك؟
اختطفت لمدة 20 يوماُ كنت أعدهم يوماً بيوم، بعد اختطافي بيومين اتصلوا من هاتفي على زوجتي وطلبوا منها فدية مالية مقدارها 20 مليون ليرة سورية.
بعد ذلك استمروا بالتواصل مع زوجتي من هاتف آخر، وكانوا يتعمدون الاتصال كل أسبوع مرة وبمدة لا تتجاوز الدقيقة.
تم طلب المبلغ في الاتصال الأول دون إعطاء تفاصيل عن كيف سيتم التسليم وبأي مكان ومتى، كل الذي قالوه نحن نعاود الاتصال بك وبالطبع هذا الأسلوب لزيادة الضغط النفسي على الأقرباء وجعلهم يستسلمون ويرضون بدفع المبلغ دون تردد.
مضت عشرة أيام قبل الاتصال الثاني، خلال هذه المدة لم يبق نوع من الضرب والعذاب لم أتذوقه، تمنيت الموت عدة مرات وكنت أتوسل لهم كي يتصلوا بأهلي ويكملوا الصفقة حتى أنتهي من عذابي، فكان جوابهم “لازم تستوي الطبخة على نار هادئة”.
ضربوني بالكابلات الحديدية، وكانوا يطفئون السجائر في جسدي، كنت مصاباً بالسكري وأحتاج إلى دواء لكنهم دون رحمة ولا شفقة، فكان من الصعب أن تندمل جراحي وتقرحت وتفاقمت.
عذبوني كثيراً بمحاولة خنقي في الماء، أدخلوا رأسي في المياه حتى أكاد ألفظ أنفاسي الأخيرة.
شعور كلما تذكرته أصاب بقشعريرة في كامل جسدي، علامات العذاب والحرق ما تزال تذكرني بما حصل كلما رأيتها.
فكيف خرجت من هذا كله؟
بعد أن مضى 15 يوما وبدأت حالتي تسوء كثيراً، حتى تكررت حالات غيابي عن الوعي وبدأت أشعر بتخوفهم من وفاتي وهذا ما لاحظته مؤخراً من طريقة التعذيب.
اتصلوا مجدداً بزوجتي المتلهفة للاتصال وأبلغوها أنهم يريدون المبلغ نقداً بعد 3 أيام يجب أن يكون جاهزاً، وقالوا لها أن لا تفكر باللجوء للقانون أو الشرطة لأنها لن تنتفع شيئاً وهي تعلم تماماً ما سيحل بي.
استمروا بتعذيبي ولكن بوتيرة أخف، لكن حالتي بدأت تسوء أكثر وأكثر، حتى شعرت أنني سأفارق الحياة.
مرت الأيام الثلاثة كأنها سنة، واتصلوا بزوجتي مجدداً، أخبروها أن تحضر المبلغ وهم سيحددون لها المكان في اليوم التالي وأن تأتي وحدها.
أخرجوني في نفس اليوم ووضعوني بسيارة، سرنا ما يقارب النصف ساعة، وهذه المرة وضعوني في أحد البيوت على ما أعتقد حيث سمعت صوت طرق الباب وصعدت بعض الدرجات قبل الدخول.
في اليوم التالي وضعوني في سيارة مع شخص، وسمعتهم يقولون نحن نلحق بك بسيارة.
اتصل بزوجتي وطلب منها أن تترك المبلغ في زاوية بأحد الشوارع وتبتعد، أما أنا فقد رمى بي من السيارة وأنا مكبل ومعصوب العينين، في هذه الأثناء اتصلوا بزوجتي وأخبروها أنها ستجدني مرمياُ على الاوتستراد في مكان قرب الكازية.
كيف كان حالك حين تم إطلاق سراحك؟
لم تتعرف عليّ زوجتي في بداية الأمر، من هول وفظاعة المشهد، كنت شخصاً آخراً، وخسرت 15 كيلو من وزني، جسدي أزرق ومتورم والدماء تسيل من كل مكان.
نقلتني إلى المستشفى مباشرة، بقيت شهرا و5 أيام في المشفى أكتفي بالنظر في عيون عائلتي والتزم الصمت.
شهر كامل لم أتفوه بكلمة، تضررت إحدى كليتي كثيراً بسبب السكري وقال الطبيب أن كليتي لا تعمل إلا بنسبة 4%.
لا يمكنني نسيان ما حصل معي بسهولة، والخوف أصبح يلاحقني في كل مكان، أشك بأي شخص من حولي وأشعر أنه يراقبني ويلاحقني.
صرت أرافق أولادي إلى المدرسة وأعود بهم للبيت بنفسي، ومنعتهم من الخروج وحدهم بشكل نهائي.
لم يعد هناك قانون ولا أمان فهؤلاء الأشخاص فوق القانون ولهم كل الصلاحيات ولن أكون الحالة الأولى ولا الأخيرة، والأغنياء هم الفريسة الأكثر جذباً.
ترجمة: فاطمة عاشور