تحت الضربات الإسرائيلية: إيران تنوع آليات ضمان نفوذها في سوريا
هل قررت إيران الابتعاد فعلاً عن حدود الجولان السوري المحتل نتيجة الضربات الإسرائيلية، أم أنها تلجأ لآليات أخرى تضمن لها الحضور والنفوذ في هذه المنطقة الاستراتيجية؟
26 يناير 2021
عمّان- تشهد الفترة الأخيرة، تركزاً للضربات الجوية الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية في سوريا، لاسيما المليشيات المرتبطة بها، في البادية والمناطق الشرقية، في مقابل انخفاض استهداف مناطق جنوب سوريا وغوطة دمشق الغربية.
وإذ يفسر التحول الجديد بتغير توزع الأهداف الإيرانية على الأراضي السورية، وتركزها في مناطق البادية ودير الزور شرقاً، إلا أنه يفتح المجال أيضاً أمام تحليلات تتعلق فيما إذا كانت إيران قد قررت الابتعاد فعلاً عن حدود الجولان السوري المحتل، أم أنها تلجأ لآليات أخرى تضمن لها الحضور والنفوذ في هذه المنطقة الاستراتيجية.
تصاعد النشاط شرق سوريا
إلى حد ما، تعد الضربات الإسرائيلية التي تلاحق الأنشطة الإيرانية وأنشطة المليشيات المرتبطة بها، لاسيما حزب الله اللبناني، مؤشراً على مناطق حضور إيران العسكري، مباشرة أو من خلال المليشيات المدعومة منها، كما مقياساً لحجم هذه الأنشطة. وهو ما يعني أن تصاعد الضربات الإسرائيلية شرق سوريا مؤشر على تزايد الأنشطة الإيرانية هناك، مستفيدة من الموقع الجغرافي للمنطقة قرب الحدود العراقية، وبعدها في الوقت نفسه عن مرمى نيران إسرائيل.
في هذا السياق، رأى مصدر ضمن فصائل المعارضة سابقاً جنوب سوريا أن “إيران بدأت مؤخراً الابتعاد عن حدود الجولان المحتل، وتقليص قواتها في جنوب سوريا والغوطة الغربية”. مضيفاً لـ”سوريا على طول” أن “هذا التراجع باتجاه الشرق للضربات الإسرائيلية المكثفة على هذه المناطق خلال الأشهر الماضية”.
يعزز هذا الرأي ما نقلته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عن مسؤول استخباراتي إسرائيلي لم تسمه، بأن “إيران أجرت في وقت سابق تقييماً للأضرار بعد أن أدركت أنها ستواجه صعوبة في العمل بالقرب من الحدود الإسرائيلية، لذلك توجهت لغرب العراق”. موضحاً أن إيران “عمدت مؤخراً إلى نقل صواريخ يمكن أن تستهدف أي مكان في الأراضي الإسرائيلية، ويمكن أن يتم نقلها عبر طرق سرية إلى مواقع أقرب”.
وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإن “إيران انشأت أيضاً أنظمة طائرات بدون طيار وصواريخ أرض-أرض وصناعات عسكرية، لم تكن قادرة على إنشائها في دمشق والمناطق القريبة منها”.
وفيما أكد مصدر سياسي من المعارضة السورية، وثيق الاطلاع على التحركات الإيرانية، أن “تركيز الضربات الإسرائيلية على دير الزور حالياً لاسيما قاعدة الإمام علي، قرب البوكمال يعود لوجود أسلحة نوعية وصواريخ مضادة للطيران، ومنظومة دفاع جوي إيرانية كانت موجودة هناك، ومن ثم نقلت باتجاه العراق”، إلا أن ذلك لا يعني، كما ذكر لـ”سوريا على طول” شريطة عدم كشف هويته لأسباب أمنية، أن “إيران تبتعد عن حدود الجولان المحتل كما يروج البعض”.
إذ إن “إيران ستبتعد عن حدود الجولان في حالة واحدة، وهي: الوصول إلى اتفاق نووي جديد مع [الرئيس الاميركي جو] بايدن، وتأمين مصالح إيران وضمان تمددها وتوسعها براحتها “.
الرأي ذاته عبر عنه محمد سرميني، رئيس مركز جسور للدراسات، ومقره تركيا. معتبراً في حديثه لـ”سوريا على طول” أن “الضربات الجوية الإسرائيلية تركز على كل المواقع الإستراتيجية للقوات الإيرانية. وهي مواقع تتموضع بشكل أساسي في جنوب سوريا وشرقها”. مشدداً في الوقت نفسه على أن “هذا لا يعني أن المليشيات الإيرانية انسحبت من أي مكان آخر، بل لاتزال حاضرة في جنوب سوريا وريف العاصمة دمشق، فهذه جميعها مناطق حيوية للنفوذ الإيراني”.
في المقابل، نبهت الزميلة في مركز السياسة العالمية بواشنطن، إليزابيث تسوركوف، إلى أن “من السابق لأوانه القول بحدوث تحول في نمط الضربات [الإسرائيلية] استناداً إلى حادثتين”، لاسيما وأن “العديد من التقارير في وسائل الإعلام السورية المعارضة عن ضربات [جوية إسرائيلية] في دير الزور غير صحيحة”، كما أضافت لـ”سوريا على طول”، إذ “عندما نفحص صور الأقمار الصناعية بعد الضربات المفترضة، لا يلاحظ أي مؤشر على حدوثها”.
الاعتماد على الوكيل المحلي
بينما تتناقض الآراء بشأن ابتعاد طهران عن حدود الجولان المحتل، فإنها تلتقي على أهمية هذه المناطق بالنسبة لإيران، وبالتالي الاتفاق على اعتماد الأخيرة في تواجدها جنوب سوريا على مقاتلين سوريين من القوات الحكومية والأجهزة الأمنية والمليشيات المحلية من أبناء المنطقة عبر عمليات تشيع سياسي أو مذهبي للمقاتلين. أي في الوقت الذي أصبح تركز الثقل العسكري والنوعي لإيران في شرق سوريا، فإنها اعتمدت على السوريين قرب حدود الجولان لتعزيز نفوذها هناك، بحيث لم تخلف أي فراغ.
وكما أوضح المصدر من المعارضة السورية، فإن “إيران لا تحاول الابتعاد. هي فعلياً تقوم بزيادة نفوذها عبر قاعدة شعبية من أبناء الجنوب، على غرار حزب الله جنوب لبنان. بحيث لا نستطيع القول إن إيران ليست موجودة؛ هي في النهاية تتواجد عبر قوات بديلة وبقوة”.
ورغم أن اعتماد طهران هذه الاستراتيجية لا يعدّ وليد اللحظة، إلا أن الحاجة لها أصبحت ملحة مؤخراً، فمنذ صيف العام 2018، تاريخ بدء توغل إيران في مناطق سيطرة المعارضة سابقاً بفعل اتفاقيات التسوية التي رعتها موسكو بين نظام الأسد وفصائل المعارضة في الجنوب، اعتمدت إيران بشكل أكبر على سياسة تجنيد أبناء المنطقة واستمالة بعض مجموعات المعارضة عبر الفرقة الرابعة والمخابرات الجوية اللتان تعدان الذراع الإيرانية في سوريا، مستخدمة أيضاً في إطار ذلك “لباس الفرقة الرابعة ومقرات تابعة للقوات الحكومية”، بحسب المصدر السياسي.
لكن إسرائيل تعي الاستراتيجية الإيرانية في جنوب سوريا. يؤشر على ذلك، كما لفتت تسوركوف، “قيام إسرائيل مؤخراً، في مرتين على الأقل، بإلقاء منشورات فوق بلدة حضر قريباً من الحدود مع الجولان المحتل، تحذر السكان المحليين من التعاون مع حزب الله وفيلق القدس [التابع للحرس الثوري الإيراني]”. إذ “ما كانت إسرائيل لتفعل ذلك لو لم يكن لديها دليل على تجنيد السكان المحليين في شبكات العملاء أو المليشيات هذه”، كما أضافت.
ضربات إسرائيلية “سياسية”؟
رجح سرميني أن تكون “الجهود الإسرائيلية متناسقة”، بمعنى وجود “مقاربة تقوم على الضربات العسكرية والمفاوضات السياسية، بهدف عزل المليشيات الإيرانية عبر الجهود السياسية، ومن ثم إرغامها على الانسحاب تحت الضربات الجوية”.
ويستند سرميني في هذا الطرح إلى ما كان قد كشفه هو نفسه في مقال نشره مؤخراً، عن اجتماع سري سوري-إسرائيلي عقد في قاعدة حميميم الروسية على الساحل السوري، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وبحضور عسكري واستخباراتي روسي.
ومن بين مطالب الأسد التي طرحت في الاجتماع بالعودة إلى جامعة الدول العربية، والحصول على مساعدات مالية لسداد الدين الإيراني، ما يمكنه من إخراج إيران من سوريا، والذي يعد أبرز المطالب الإسرائيلية في الاجتماع ذاته، إضافة إلى طلبات تتعلق بتشكيل حكومة مناصفة مع المعارضة السورية، وإعادة هيكلة المؤسسة الأمنية والعسكرية السورية بشكل كامل، وإعادة الضباط المنشقين بضمانة روسية-أميركية-إسرائيلية.
وفيما نفت دمشق، عبر وزارة خارجيتها حصول لقاء مع مسؤولين إسرائيليين في حميميم، شككت تسوركوف بدورها بحدوث اللقاء، استناداً إلى “محادثاتي مع مسؤولين إسرائيليين وأميركيين”، إضافة إلى أن “المسؤولين الإسرائيليين لن يشعروا بالأمان لعقد اجتماع في حميميم”، كما قالت.
هل تستمر الضربات مع وجود بايدن؟
فجر يوم الجمعة الماضي، نفذت إسرائيل خامس هجماتها داخل سوريا منذ بداية العام الحالي، لكنها الأولى في عهد الرئيس الأميركي الجديد، جو بايدن، مستهدفة مدينة حماة، وبما يمكن تفسيره بأنه تأكيد على استمرار الضربات الإسرائيلية في سوريا رغم تغير الإدارة الأميركية.
وبحسب تسوركوف، فإن “إسرائيل ستستمر في قصف الأهداف الإيرانية في سوريا، فيما لن تعارض إدارة بايدن هذه الضربات باعتبارها محاولة إسرائيلية لحماية أمنها القومي”. مع ذلك، يظل من الصعب التكهن، بحسب تسوركوف، بشأن “ما إذا كانت الضربات ستكون أكثر كثافة أو أنها ستتراجع، كون ذلك يعتمد أيضاً على أنماط النشاط الإيراني، ونجاحات الاستخبارات الإسرائيلية ومدى تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الولايات المتحدة وإسرائيل”.