تحت القصف.. أطباء شرقي حلب: نعمل بشكل جنوني وبكثير من التحدي والصمود
وسط الهجوم الأعنف للقوات الموالية على الأحياء الثائرة في حلب […]
29 سبتمبر 2016
وسط الهجوم الأعنف للقوات الموالية على الأحياء الثائرة في حلب القديمة في الحرب التي تكاد تبلغ الستة سنوات، مئات الإصابات تذهل وتعيي الأطباء والمنقذين والعاملين في المستشفيات وتتهافت لأجلها المناشدات الدولية للإخلاء الطبي.
وخلال التسعة أيام الماضية، قتل نحو400 شخص وأصيب 1300 شخص آخر في أحياء شرقي حلب، الواقعة تحت سيطرة الثوار، حسب ما ذكر الدفاع المدني في المدينة.
وبدأت الغارات الجوية من قبل الطيران الحربي للنظام السوري وحلفائه الروس في 19 أيلول، بعد أن أعلن النظام نهاية سريان الهدنة التي توستطتها واشنطن وموسكو. اشتد القصف بشكل هستيري في يوم الجمعة الماضي، بعد إعلان النظام الحملة ضد شرقي حلب.
“هذه أعداد من استطعنا إخراجهم من تحت الأنقاض فقط، أما هؤلاء القابعين بين الدمار ولم نستطع الوصول إليهم لا يتم حسابهم”، وفق ما صرح عمار سلمو، مدير الدفاع المدني بحلب لسوريا على طول، لافتاً إلى أن “العدد الحقيقي للضحايا ربما أكبر بكثير مما تم تسجيله”.
وأرهقت الأعداد الكبيرة للجرحى، في الأيام الأخيرة الكادر الطبي المرهق أصلاً وفرق الإنقاذ في أحياء شرقي حلب، الخاضعة لسيطرة الثوار.
ويخدم نحو 30 طبيبا حالياً ما يقدر بربع مليون نسمة في أحياء شرقي حلب المحاصرة، ولكن بالكاد نصفهم ممن تخرج من مدرسة أو كلية طبية، وفق ما صرح موظفين في المستشفى ومسعف لسوريا على طول. وما تبقى هم من الممرضين وطلاب الطب الذين توقفوا عن إكمال دراستهم بسبب الحرب ويعملون حالياً بصفتهم أطباء في المستشفيات التي تعاني من نقص حاد في الكادر الطبي.
وقال محمد زين، مدير في المعهد الطبي وإداري في المجلس الطبي بحلب ويعمل بإحدى المستشفيات الميدانية، إن “عدد الأطباء من جراحين واختصاصيين وأطباء عامين لا يتجاوز 12، هذا ما جعلنا نقف عاجزين ومذهولين أمام هذا الكم الهائل من المصابين والمجازر المتواصلة”.
وانخفضت وتيرة القصف الجنوني بشكل ملحوظ في هذا الأسبوع، فيما قدر عدد القتلى بـ250 خلال ثلاثة أيام، ولكن القصف المتوالي الجوي والبري استمر في يوم الأربعاء، مما أدى إلى تدفق عدد جديد من الجرحى إلى المستشفيات التي تفيض بالمصابين والقتلى أساساً.
إحدى المنشآت الطبية في شرقي حلب. حقوق نشر الصورة لـ الدفاع المدني في حلب
وذكرت المواقع الإعلامية المعارضة أن مزيداً من الشهداء والجرحى سقطوا في الغارات الجوية التي استهدفت سبعة أحياء على الأقل مع غروب شمس يوم الأربعاء. وقُتل ستة أشخاص في غارة جوية روسية كانوا ينتظرون دورهم ليشتروا الخبز في صباح يوم الأربعاء، في حي المعادي، شرقي حلب. وفي اليوم السابق قتل 24مدنيا في القصف الذي تعرض له حي الشعار، وفق ما ذكر الدفاع المدني في حلب.
وصرح جمعة عرب، مدير منظومة الإسعاف بحلب، لسوريا على طول، “للأسف هناك الكثير من الجرحى نحتاج نقلهم بصورة عاجلة”، مشيراً إلى أنهم “بحاجة إلى عناية خاصة ومعدات لا تتوفر لدينا”.
ودعت فضيلة الشايب، المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، إلى “إنشاء ممرات إنسانية فورية لإخلاء المرضى والجرحى” من شرقي حلب، وذلك في مؤتمر صحفي في جنيف، يوم الثلاثاء. وأضافت أن المرافق الصحية المتبقية “على وشك الإنهيار التام”.
وصرحت الشايب أن هناك سبعة مستشفيات متبقية من أصل 25، وهو العدد المجمل للمنشآت الطبية. وبيّن العديد من المسعفين والأطباء الذين تحدثوا لسوريا على طول، الأربعاء، أن عدد المستشفيات التي ما تزال قيد العمل حالياً هي خمسة بعد أن ُدمر السادس جزئياً بالقصف وأغلق في هذا الأسبوع.
وقبل فجر يوم الأربعاء، دمرت الغارات الجوية الروسية أو الطائرات الحربية للنظام المستشفى الميداني M10 أكبر منشآة طبية لمعالجة الصدمات في شرقي حلب، وأخرجته عن الخدمة.
واستهدف المستشفى M2بقذائف المدفعية والهاون المنطلقة من قلعة حلب المجاورة التي يسيطر عليها النظام وذلك في الوقت ذاته تقريباً. وأفاد حسين دباك، محاسب المستشفى لسوريا على طول، أن القصف سبب “أضرار مادية في سيارات الإسعاف والمولدات وقسم الطوارئ”. وأضاف أن المستشفى أغلقت للإصلاح في يوم الأربعاء.
حي الشعار في شرقي حلب بعد استهدافه بغارة جوية، الثلاثاء. حقوق نشر الصورة لـ المركز الإعلامي في حلب
ولم يعلق الإعلام الحكومي السوري والروسي على قصف المستشفى في يوم الأربعاء. وشنت قوات النظام السوري والميليشيا الحليفة هجوماً برياً في يوم الثلاثاء، وسيطرت على حي الفرافرة.
وذكرت وكالة أنباء تاس الحكومية الروسية أن تسعة أحياء في مناطق غربي حلب الخاضعة لسيطرة النظام تحت نيران الثوار في الشرق، في يوم الثلاثاء، وأن “عشرات المصابين يرسلون إلى المستشفى يومياً”.
وقال محمد زين، والذي يعمل في المجلس الطبي، المسؤول عن كل المستشفيات في الأحياء الثورية، “نحن لا يسعنا فعل شيء؛ فالمصابون منتشرون في كل مكان، يملؤون المشافي ويستلقون على الأرض بانتظار دورهم، ونحن نقف عاجزين نشاهدهم يموتون واحداً تلو الآخر وهم ينتظرون دورهم للنجاة”.
وتظهر الصور والفيديوهات التي نشرتها مصادر إعلامية داخل المدينة غرف الإسعاف التي تبدو كـ”المسالخ”؛ فالجرحى ينتظرون أن ينظر إليهم وملقون على الأرض هناك، بعضهم تحجر وجهه وصمت كما التمثال، وبعضهم يئن وجعاً، فيما يشق الأطباء بالزي الأزرق طريقهم في المجزرة بين المصابين والجثث.
وصرح زين “إذا كانت الإصابة عظمية فيتم البتر مباشرة، في حين لو كان لدينا أخصائي لاستطعنا الحفاظ على هذه الأطراف”.
ومع قلة مصادرهم، يلجأ الأطباء إلى اتخاذ قرارات مستحيلة، وقال زين “ففي مركز العناية المشددة الوحيد في حلب، نضطر أن ننقل المريض الموجود على المنفسة ونضع مكانه مريضا آخر لديه فرصة أكبر بالنجاة ونترك الأول يموت”.
ويتنقل الأطباء المختصين، على قلتهم، من مستشفى إلى آخر، تبعاً للحاجة. وينسق المسعفون مع المستشفيات ما أمكن بحيث لا يضيفون عبئاً إضافياً إلى غرف الطوارئ التي تنازع للصمود.
وقال زين “نقوم بما نستطيع وبكل قوتنا”، متابعاً “فيتم قصفنا صباحاً، فنعمل ليلاً. يتم ضرب المولدة، فنعمل على تجهيز الأخرى، نعمل بشكل جنوني وبكثير من التحدي والصمود”.
وختم “ما يحدث معنا فيه شيء من العجائب من الله لنصمد”.
ترجمة: فاطمة عاشور