7 دقائق قراءة

ترحيل السوريين من تركيا: هدم استقرار ورمي إلى المجهول

عملية الترحيل الجماعية الأخيرة، التي طالت 150 لاجئاً سورياً، بينهم طلبة جامعات، وغالبيتهم يحملون وثائق رسمية كإذن العمل أو بطاقة الحماية المؤقتة (الكملك)، هي الأكبر منذ عمليات الترحيل التي طالت سوريين في عام 2019.


بقلم عمر نور

14 فبراير 2022

باريس- فيما كان يستكمل إجراءات معاملة “لم الشمل” في قنصلية السويد باسطنبول، وجد مهند السياد نفسه في ريف حلب الشمالي، بعد أن رحّلته السلطات التركية إلى سوريا، وهو واحد من أصل 150 لاجئاً سورياً تم ترحيلهم أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي.

يحمل السياد، المهجر من الغوطة الشرقية، بطاقة حماية مؤقتة (كملك) صادرة عن ولاية مرسين، التي عاش فيها مع زوجته وطفليه منذ وصولهم إلى تركيا في عام 2018، قبل أن تتمكن زوجته من السفر مع أحد أبنائه إلى السويد في تشرين الأول/ أكتوبر 2020.

وفي أعقاب سفر زوجته وطفله، انتقل السياد مع ابنه الآخر إلى سكن شبابي باسطنبول، “لأجل التقدم بمعاملة لم الشمل إلى السفارة السويدية وإجراء المقابلات اللازمة”، كما قال لـ”سوريا على طول”، حتى “لا أقطع مسافات طويلة بين مرسين واسطنبول لمراجعة القنصلية”.

وفي 22 كانون الثاني/ يناير الماضي، ترك السياد ابنه عند أحد أصدقائه، وذهب لشراء حاجيات من السوق في منطقة اسنيورت بمدينة اسطنبول، ليتم توقيفه من الشرطة، كونه لا يحمل “كملك” اسطنبول، “وبعد توقيفي لمدة 8 أيام تم ترحيلي إلى سوريا”، فيما “بقي ابني ريان وحيداً عند صديقي في اسطنبول”.

بقي ابني ريان وحيداً عند صديقي في اسطنبول

السبب ذاته كان وراء ترحيل محمد حسام رمضان، 47 عاماً، الذي قدم إلى اسطنبول، قبل ثلاثة أيام من توقيفه، للحصول على ترخيص صناعي يتيح له الإقامة فيها مع عائلته ومزاولة مهنته في صناعة الأحذية، بما لا يخالف قوانين وزارة الداخلية الخاصة بإقامة اللاجئين، لكن قرار “الترحيل” كان أسرع من إنجاز معاملته، بحسب قوله. 

ويعيش رمضان، ابن حي جوبر الدمشقي، منذ وصوله إلى تركيا، في عام 2019، رفقة زوجته وأطفاله الخمسة في مدينة أورفة جنوب تركيا، لكن “عدم وجود فرص عمل بمهنتي دفعني إلى التفكير للإقامة والعمل في اسطنبول”، قال لـ”سوريا على طول”، مستدركاً “لم أتوقع أن ينتهي بي المطاف في سوريا”.

مخالفة السياد ورمضان لقوانين الإقامة في تركيا لا يبرر ترحيلهما إلى سوريا، إذ “من المفترض إعادة اللاجئ السوري إلى الولاية التركية التي صدرت منها بطاقته المؤقتة”، بحسب الناشط في قضايا حقوق اللاجئين، طه الغازي، مستدلاً على ذلك بالمادة 6 في اللائحة التنظيمية للحماية المؤقتة، الصادرة عن قرار مجلس الوزراء التركي رقم 6883 في تشرين الأول/ أكتوبر 2014، التي تنص على “عدم جوازية إعادة أحد الأشخاص الذين تشملهم اللائحة إلى مكان قد يتعرضون فيه للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة المهنية أو غير الإنسانية، أو المكان الذي تكون فيه حياتهم أو حريتهم مهددة بسبب العرق أو الدين أو الجنسية أو الانتماء إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب الرأي السياسي”.

عملية الترحيل الجماعية الأخيرة، التي طالت 150 لاجئاً سورياً، بينهم طلبة جامعات، وغالبيتهم يحملون وثائق رسمية كإذن العمل أو بطاقة الحماية المؤقتة (الكملك)، هي الأكبر منذ عمليات الترحيل التي طالت سوريين في عام 2019.

ترحيل سياسي

في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 اعتقلت السلطات التركية 19 سورياً بتهمة “تحريض الناس على الكراهية والعداء”، على خلفية “قضية الموز” التي شهدت تفاعلاً كبيراً من سوريين في تركيا وخارجها، استنكاراً لما جاء في شريط مصور لمواطن تركي يشتكي عدم قدرته شراء الموز على عكس السوريين في بلاده.

الصحفي ماجد شمعة، الذي يعمل لصالح قناة أورينت السورية المعارضة، واحد من بين الذين أوقفوا في “قضية الموز”، وكاد أن يواجه مصير الترحيل إلى شمال سوريا رغم صدور حكم قضائي بتبرئته وبيان المخاطر الأمنية التي ستواجهه في حال ترحيله. 

“ولم يكن قرار الترحيل ليتوقف لولا التضامن الكبير الذي حصلتُ عليه من قبل السوريين والعديدِ من المنظمات والجهات الحقوقية ومئاتِ الناشطين على منصات التواصل الاجتماعي”، كما قال شمعة لـ”سوريا على طول” من مكان إقامته الجديد في فرنسا.

ورغم أن أياً من السوريين الموقوفين على خلفية “قضية الموز” لم يُرحّل إلى سوريا، بحسب نائب المدير العام لرئاسة إدارة الهجرة التركية، محمد سنان يلدز، إلا أن استمرار التحريض ضد اللاجئين السوريين في تركيا، واستخدامهم كورقة ضغط بين الأحزاب السياسية، يجعلهم في حالة قلق دائم من عمليات الترحيل.

وفي الوقت الذي أتيحت للصحفي شمعة مغادرة تركيا، في أواخر الشهر الماضي، كان مصير الناشط السوري منيب الجلحة، 27 عاماً، الترحيل إلى سوريا بعد اعتقال دام سبعة أشهر في السجون التركية، بتهمة “التحريض على الفتنة ونشرها بين الشعوب”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

ورحّلت السلطات التركية الناشط الجلحة، المعروف باسم منيب العلي، في 29 كانون الثاني/ يناير الماضي، بتهمة “التواصل مع أشخاص مشبوهين، وقد تم إسناد التهمة إليّ بعد يوم واحد على الإفراج عني من السجن”، وفقاً للجلحة، الذي اعتقل في 4 أيار/ مايو 2021، على خلفية انتقاده في تغريدة عبر منصة تويتر “استخدام الشرطة التركية الغاز المسيل للدموع لتفرقة معتكفين بأحد مساجد غازي عنتاب”.

أمثلة عدة على ترحيل لاجئين سوريين بسبب آرائهم أو نشاطاتهم السياسية والإعلامية، منها اعتقال العميد المنشق عن النظام السوري، أحمد الرحال، في 18 آب/ أغسطس 2020، بتهمة الظهور الإعلامي على فضائيات معادية لتركيا وانتقاده فصائل الجيش الوطني السوري (المعارض) المدعوم من تركيا. وصدر بحق الرحال قرار ترحيل لكنه لم ينفذ بعد طعنه بالحكم.

وبحسب رأي الصحفي شمعة، فإن “الخطاب السياسي للمعارضة التركية يسهم بشكل كبير في عمليات ترحيل السوريين”، مشيراً إلى أن “اعتقالي كان بسبب التحريض ضدي من بعض رموز المعارضة التركية، مثل إيلاي أكسوي، عضو المجلس التأسيسي والإداري لحزب الجيد المعارض”.

الخطاب السياسي للمعارضة التركية يسهم بشكل كبير في عمليات ترحيل السوريين

عودة بالإكراه

رسمياً ترحل السلطات التركية اللاجئين السوريين إلى بلادهم بعد توقيعهم على وثيقة “عودة طوعية”، لكن التوقيع بحسب مصادر تحدثت إلى “سوريا على طول” يتم بالإكراه، علاوة عن منع المرحّلين من قراءة مضمون الوثيقة.

وقد رفض الصحفي ماجد شمعة التوقيع على الوثيقة، مبرراً ذلك بالمخاطر التي ستواجهه حال عودته، لكن “قوبلت بالصراخ والوكز، ما اضطرني للتوقيع”، بحسب قوله، لكن مهند السياد ومحمد حسام رمضان وقعا على ورقة “العودة الطوعية” تحت الضغط والتهديد.

أما بالنسبة للناشط منيب الجلحة (العلي)، فتم تخييره بين “السجن لمدة سنة كاملة بتهمة لا علاقة لي بها، وبعدها يتم البت في قرار ترحيلي، أو أن أوقع على قرار العودة الطوعية وهو ما حصل”، لافتاً إلى أن “مركز الترحيل في غازي عنتاب قام بتصوير مقطع فيديو لي، يفيد بأنني أرغب العودة الطوعية من دون إجبار أو تهديد!”.

ومن ناحية قانونية، تخالف عمليات ترحيل اللاجئين السوريين إلى بلادهم القوانين والمواثيق الوطنية والدولية التي تحذّر من إعادتهم إلى بلادهم، بحسب الناشط الحقوقي طه الغازي، مشيراً إلى أن الترحيل يخالف المادة 33 من اتفاقية حقوق اللاجئين عام 1951، والمادة 4 من بروتوكول حقوق اللاجئين عام 1967، وقد وقعت تركيا عليهما.

مركز الترحيل في غازي عنتاب قام بتصوير مقطع فيديو لي، يفيد بأنني أرغب العودة الطوعية من دون إجبار أو تهديدَ

أيضاً، تحظر المادة 6 من نظام الحماية المؤقتة الذي أقرته وزارة الداخلية التركية عام 2014 “ترحيل اللاجئ السوري إلى بلده في حال وجود خطر عليه”، وفقاً لغازي، الذي شدد على أن “إجبار اللاجئين السوريين على توقيع ورقة العودة الطوعية مخالفٌ لمواثيق حقوق الإنسان وحقوق اللاجئين التي وقعت عليها أنقرة”.

من جهته، قال رئيس رابطة السوريين الأحرار، غزوان قرنفل، إن “قانون الحماية المؤقتة يسبغ على الخاضعين له حماية ضد الإعادة القسرية، لكن ما يحدث هو خلاف لذلك”.

ورغم أن قانون الحماية المؤقتة “يجّرد الأشخاص ويسمح بترحيلهم في حالات من قبيل عضوية الشخص بمنظمة إرهابية أو يروج لأفكارها، أو أن يعمل من دون إذن عمل”، لكن “على مستوى القانون الدولي “لا يجوز إعادة ترحيل الأشخاص إلى البلد التي فروا منها التماساً للأمان”، كما أوضح قرنفل لـ”سوريا على طول”.

علاوة على ذلك، فإن “دائرة الهجرة التركية تتخذ قرارات الترحيل دون عرض الأشخاص على القضاء”، بحسب قرنفل، لافتاً إلى أن “ذلك يهدد استقرار المقيمين تحت بند الحماية المؤقتة”.

وفي أعقاب عملية الترحيل الأخيرة لم تصدر رئاسة إدارة الهجرة التركية أي بيان حول الـ150 لاجئاً سورياً، رغم أهمية توضيحها ملابسات الترحيل وأسبابه، وتساءل الغازي “إذا تبين أن عملية الترحيل كانت بالخطأ، كون المرحلين يحملون وثائق رسمية هل ستقدم دائرة الهجرة بيان اعتذار؟!”.

وكان وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، ومدير الهجرة العامة سافاش أونلو حضرا اجتماعاً ضم شخصيات سورية وتركية فاعلة، في 8 شباط/ فبراير الحالي، نوقش فيه عدة قضايا تهمّ السوريين من بينها قضية المرحّلين، وقد وعد الجانب التركي بإعادتهم.

من جهتها، طالبت منظمة العفو الدولية الدول المستضيفة للسوريين، في تقرير نشر في أيلول/ سبتمبر 2021، بعدم فرض العودة القسرية عليهم، كون سوريا ليست مكاناً آمناً لترحيل اللاجئين إليه، ووثقت 66 حالة لأفراد تعرضوا لانتهاكات بعد عودتهم إلى سوريا، بينهم 13 طفلاً، وعليه حثت الدول المجاورة لسوريا “بما في ذلك لبنان والأردن وتركيا على وضع حد لإعادة اللاجئين إلى سوريا واحترام مبدأ عدم الطرد أو الرد”.

أبعد من الترحيل

كان قرار ترحيل محمد حسام رمضان بمثابة هدم لثلاث سنوات من البناء في تركيا، “أسست خلالها حياة جديدة. أطفالي في مدارسهم، وأنا على مشارف إطلاق مشروعي الخاص”، لكن اليوم “أنا في مكان وعائلتي في مكان، كل شيء ذهب بين يوم وليلة”.

أما بالنسبة للناشط منيب الجلحة، تتجلى مخاوفه في تهديد حياته “فأنا معرض للاختفاء أو الاعتقال على يد فصائل المعارضة في شمال غرب سوريا التي انتقدتها سابقاً”. 

وفي ذلك، اعتبر الصحفي ماجد شمعة أن ترحيل السوريين “بمثابة دمار للسوري المرحّل ولعائلته”، أما ترحيل الناشطين والسياسيين “حكمه حكم الإعدام، فالجميع يعلم مصير الناشط الذي فضح نظام الأسد في حال ترحيله إلى مناطقه”، كذلك فإن “ترحيل الناشطين إلى مناطق الجيش الوطني وجبهة النصرة يعرضهم للخطر إذا سبق لهم انتقاد هذه الجهات”، بحسب شمعة.

 ومع استمرار سياسة الترحيل بحق اللاجئين السوريين في تركيا، يبحث محمد العبد (اسم مستعار) عن أي فرصة لمغادرة تركيا، معتبراً في حديثه لـ”سوريا على طول” أنها “لم تعد آمنة بالنسبة لنا، ولا تمثل بيئة مستقرة”.

ترحيل السوريين بمثابة دمار للسوري المرحّل ولعائلته

ويحمل العبد، 25 عاماً، بطاقة حماية مؤقتة صادرة عن ولاية مرسين، غير أنه يقيم في اسطنبول، مبرراً ذلك “بعدم وجود فرص عمل في مرسين، وإذا وجدت عملاً فالراتب لا يكفي، خاصة وأنني أخصص جزءاً منه لعائلتي في سوريا”.

وحاول العبد نقل “الكملك” إلى اسطنبول، لكنه لم يتمكن من ذلك، “فنقل الكملك يحتاج إذن عمل أو بطاقة طالب أو صلة قرابة من الدرجة الأولى مع شخص يحمل كملك اسطنبول”، وهذا غير متاح بالنسبة له “فأصحاب العمل يرفضون استصدار إذن عمل والشروط الأخرى لا تنطبق عليّ”.

ورغم هذه الظروف المحيطة بالسوريين، يرفض مهند السياد الحديث عن مخاوفه بعد ترحيله، ممنياً نفسه بأن “السلطات التركية لن تقبل أن يبقى ولدي وحيداً في تركيا وأنا في سوريا”، وفيما كان يسعى التقاء زوجته وابنه في السويد، فأكبر همّه اليوم “أن أجتمع بابني في تركيا”.

شارك هذا المقال