ترحيل طه الغازي رسالة تهديد إلى المدافعين عن حقوق اللاجئين في تركيا
أثار ترحيل الناشط الحقوقي طه الغازي استياءً بين أوساط السوريين والأتراك، ليست لشخصه وإنما لأنها تستهدف أحد أبرز المدافعين عن حقوق اللاجئين السوريين في تركيا البالغ عددهم نحو 2.8 مليون شخصاً تحت الحماية.
26 مايو 2025
إسطنبول- عندما كان الناشط الحقوقي طه الغازي خارج منزله في مدينة إسطنبول، في 16 أيار/ مايو الحالي، طرق باب منزله عناصر شرطة وأخبروا زوجته أنهم بحاجة لتأكيد عنوان السكن، لكن سرعان ما هدّدوها بالاعتقال إذا لم يحضر زوجها.
اتصلت زوجته به وأخبرته، لكن الغازي توقع أن القصة أكبر من إجراء روتيني. عاد مسرعاً وإذا بخمسة رجال أمن بلباس مدني يحيطون به، أخذوا هاتفه ومقتنياته ومن ثم اقتادوه إلى مديرية الأمن العام في شارع وطن، حيث عُرض عليه تقرير التوقيف المتعلّق بـ”الكود G-207 “، المرتبط بتهمة المشاركة في “نشاطات تحريضية ضد الدولة التركية، قد تشكل خطراً على الأمن القومي التركي”، كما قال لـ”سوريا على طول”.
نفى الغازي بشدة التهم الموجهة إليه، مؤكداً أن كل نشاطاته خلال السنوات الماضية تركزت على الدفاع عن حقوق اللاجئين السوريين، وبتنسيق مع جهات رسمية تركية، ومنظمات حقوقية ونقابات تركية مرخصة، ونواب في البرلمان من مختلف التيارات السياسية، ومع ذلك صدر قرار بترحيله من تركيا، التي حصل على جنسيتها سابقاً قبل أن يجرّد منها.
أثارت قصة الغازي استياءً بين أوساط السوريين والأتراك، ليست لشخصه وإنما لأنها تستهدف أحد أبرز المدافعين عن حقوق اللاجئين السوريين في تركيا، البالغ عددهم نحو 2.8 مليون سوري تحت الحماية، بعد أن عاد أكثر من 200 ألف سوري إلى بلادهم منذ سقوط النظام في كانون الأول/ ديسمبر 2024، وخشية أن تكون بداية مرحلة تستهدف فيها أنقرة المدافعين عن السوريين على أراضيها.
أثناء اقتياده إلى مركز الترحيل في منطقة “أرناؤوط كوي” في إسطنبول، “تم تصويري فيديو وأنا مكبل اليدين ورأسي للأسفل، كما لو كنت مجرماً”، يقول الغازي، ومن ثم أمضى هناك 20 دقيقة للحصول على تقرير طبي يؤكد عدم تعرضه للضرب، ومن ثم نقل من دون قيود إلى مركز ترحيل في مدينة آيدن.
بعد مصادرة هاتفه، لم يُسمح للغازي التواصل مع محاميه عبد الحليم يلماز أو عائلته، باستثناء دقيقة واحدة سمح له عناصر الشرطة بإرسال رسالتين عبر “واتساب”، الأولى لزوجته، والثانية لمحاميه يخبره بمكان وجوده، كما قال، مشيراً إلى أن مدير مركز آيدن تفاجأ بوجوده موقوفاً، كونه التقى معه سابقاً عندما كان مدافعاً عن غيره من السوريين.
بعد يومين من توقيفه، علم الغازي أن السلطات التركية اعتقلت زوجته أيضاً وهو ما اعتبره “ورقة ضغط”، لذا “طلبتُ العودة الطوعية اختصاراً للجهد والوقت”، على حد قوله، وقد تم ترحيلهما إلى سوريا في اليوم التالي، ويقيمان معاً حالياً في مدينة أعزاز بريف حلب.
توقيف الغازي “لم يكن قانونياً” من وجهة نظره، إذ لم تُعرض عليه أي مذكرة توقيف، ولم يُبلّغ مسبقاً بأي قرار بحقه، معتبراً أن “الاسم وحده كان كافياً ليُعامل كتهديد”، في إشارة إلى خلفية نشاطه الحقوقي، لا سيما في الدفاع عن اللاجئين السوريين.
بدأ الضغط على الغازي للحد من نشاطه الحقوقي بقرار سحب الجنسية التركية منه، في 27 أيار/ مايو 2024، بذريعة احتمالية تهديده للأمن القومي، وفقاً له، وحتى الآن يكافح عبر المسار القانوني لاستعادتها.
التضييق على ناشطي حقوق الإنسان
بعد أن سمحت السلطات التركية لعدد من ناشطي حقوق الإنسان، خلال السنوات الماضية، “العمل المشروط تحت غطاء اللقاءات الرسمية مع مسؤولي دائرة الهجرة لمناقشة قضايا السوريين وبحث إجراءات التضييق عليهم”، لم تعد ترغب “طرح أي فكرة بهذا الصدد، وتريد منع الناشطين من العمل”، بحسب الغازي، مشيراً إلى أن رئاسة الهجرة “كانت وما زالت لا تسمح للحقوقيين أو المنظمات بدخول مراكز الترحيل برغم الحاجة القانونية لهم”.
وتزامن اعتقال الغازي مع توقيف الصحفي السوري غسان ياسين، الذي تم إطلاق سراحه بعد ثلاثة أيام من احتجازه، ما أثار مخاوف عدد من العاملين في المجال الإعلامي، رغم أن ياسين قال في تغريدة على حسابه الشخصي عبر منصة X، إن الاحتجاز بسبب “مشكلة متعلقة بإقامته”.
ما حدث مع الغازي “يضعف من رصيد تركيا ومن قوتها الناعمة التي راكمتها بين أوساط السوريين خلال السنوات الماضية”، قال محامٍ سوري يقيم في تركيا لـ”سوريا على طول، معتبراً أن “هذا الرصيد بدأ يتآكل نتيجة إجراءات معقدة وتعسفية، يتخللها تجاوز واضح على القانون في كثير من الحالات، وقد أبلغتُ بهذا الرأي جهات رسمية معنية”.
وأضاف المحامي، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه رغم أنه كان يظهر سابقاً باسمه الصريح، “من غير المنطقي، ولا القانوني، تصنيف الأستاذ طه على أنه يشكّل تهديداً للأمن القومي، هو مجرّد ناشط حقوقي، يركّز جهوده على الدفاع عن حقوق اللاجئين السوريين، ولا يوجد ما يبرّر تحميله مثل هذا التصنيف الخطير”.
تهمة “تهديد الأمن القومي” أصبحت فضفاضة، ويمكن استخدامها ضد أي شخص لعدم وجود معايير واضحة أو ضوابط تحدد ما الذي يشكل تهديداً فعلياً، وهذا يفتح الباب أمام السلطة لاستخدام هذا التصنيف كأداة للقمع، ما يشكّل تجاوزاً صارخاً للقانون، وفقاً للمحامي.
وإن إدراج أي شخص تحت الكود الأمني (207)، كما حصل مع الغازي، يحرمه فعلياً من أي حماية قانونية، ويجعله عرضة للاعتقال والترحيل وإيقاف الوثائق الرسمية، وغير ذلك من الإجراءات العقابية، دون أن تتوفر له فرصة عادلة للدفاع عن نفسه، بحسب المحامي، مشيراً إلى أن المشكلة “لا تكمن في غياب القضاء، وإنما في صعوبة الوصول إليه، إذ إن اللاجئ يواجه عراقيل كبيرة أمام سلوك الطرق القانونية، ولا يتمتع بأي غطاء قانوني حقيقي، رغم وجوده تحت ما يُسمّى بالحماية المؤقتة”.
واشتكى المحامي من تزايد التضييق على كل من تجرأ على “تبني مسار الدفاع عن حقوق اللاجئين السوريين في تركيا”، منذ اعتقال الناشط الحقوقي أحمد قطيع، في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، الذي وجهت له تهمة التجسس لصالح فرنسا.
وقال المحامي، وهو واحد من المدافعين عن حقوق السوريين في تركيا، أن الناشطين “دفعوا أثماناً باهظة”، بينما “من يريد أن يعيش في تركيا، في ظل الأوضاع الراهنة، عليه أن يصمت!”.
مناصرة من خارج الحدود
مع التضييق على المدافعين عن حقوق اللاجئين في تركيا، تصدى العديد من الناشطين السوريين في أوروبا لتسليط الضوء على الانتهاكات التي تطال اللاجئين والمدافعين عنهم، كما هو حال الناشط الحقوقي معتصم الرفاعي، مسؤول مكتب العلاقات في حركة تمكين السياسية السورية، التي تنسق مع برلمانيين أوروبيين في بروكسل وبرلين.
يطمح الرفاعي إلى أن “يثمر ضغطهم ويدفع الاتحاد الأوروبي إلى التحرك بشكل عاجل لوقف الانتهاكات، ولأجل ذلك نعمل على توسيع دائرة التحرك بهدف بناء ضغط متعدد المستويات”، كما قال لـ”سوريا على طول”.
“ترحيل طه الغازي ليس حالة فردية، هناك حالات مشابهة، منها قضية الناشط الحقوقي السوري أحمد قطيع، الذي واجه ضغوطاً شديدة وتهديدات في تركيا بسبب عمله في الدفاع عن اللاجئين، وما يزال معتقلاً حتى اليوم مع اثنين من زملائه”، قال الرفاعي، لافتاً إلى أنهم يرفعون هذه الحالات إلى مؤسسات الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء، لضمان حماية اللاجئين السوريين في تركيا، بمن فيهم الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان”.
“ورغم أن ترحيل طه الغازي تم فعلياً، لكن التحرك الألماني-الأوروبي مستمر، ليس فقط من أجله، وإنما لحماية زملائه وعائلته وكل من يواجه من اللاجئين الخطر ذاته، بحسب الرفاعي، مشيراً إلى أنه: “نجري مباحثات مع عدد من النواب في البرلمان الألماني (البوندستاغ) لطرح الملف تحت قبة البرلمان”.
وعملت حركة تمكين مع عدد من النواب في البرلمان الأوروبي، من مختلف الكتل السياسية، لإعداد رسالة سياسية موجهة إلى رئيسة المفوضية الأوروبية من أجل التحرك، بحسب الرفاعي.
والهدف من ذلك تحقيق عدة مطالب، وهي: “إدانة ترحيل طه الغازي وزوجته، التحقيق في آثار الاتفاق الأوروبي-التركي على حقوق الإنسان، تعليق التعاون الأوروبي مع أنقرة، ضمان احترام التزاماتها القانونية الدولية، ومنح اللجوء السياسي والحماية للغازي وعائلته وزملائه المهددين”، كما قال الرفاعي.
تداعيات التضييق
مع تزايد وتيرة الملاحقات والاعتقالات والترحيل القسري بحق اللاجئين السوريين، خصوصاً منتقدي سياسات الحكومة التركية، خلق الناشطون حول أنفسهم مناخاً من الخوف والرقابة الذاتية، أدى في نهاية المطاف إلى “الامتناع عن إيصال صوتهم أو توثيق الانتهاكات، ما ينعكس مباشرة على قدرة اللاجئين في الوصول إلى الدعم القانوني والإعلامي وحتى الإنساني”، بحسب الرفاعي.
وحذر الرفاعي من أن إغلاق الفضاء المدني أمام المدافعين السوريين عن حقوق الإنسان في تركيا يهدّد بفقدان أدوات الحماية الوحيدة المتبقية للسوريين والسوريات في وجه الترحيل أو الاعتقال أو التعذيب.
أمام هذا الواقع، يتخوف العديد من السوريين من طلب الدفاع عن حقوقهم، خاصة أنه في حالات عدة، تعرض سوريون لحوادث سرقة أو اعتداء لفظي أو جسدي وصل حدّ ارتكاب جرائم بحقهم، وعندما طالبوا بحقهم تعرضوا للترحيل، بحسب الغازي الذي كان يمثل صوت السوريين ويمثل “غطاء تتستر خلفه الفئات السورية المتضررة لإيصال مظلوميتها”، لكن هذا الصوت غاب بعد ترحيله، كما قال.
تفاعلت وسائل إعلام تركية مع ترحيل الغازي وزوجته، وحذرت منصة حقوق اللاجئين في بيان نشرته في 20 أيار/ مايو الحالي، من أن ترك حقوق المهاجرين لممارسات السلطات العامة التعسفية يقوض الثقة الاجتماعية، ودعت السلطات إلى الالتزام بالمعايير القانونية الوطنية والدولية، مشددة على ضرورة “إعادة النظر في إدارة الهجرة على أساس حقوق الإنسان والمبادئ القانونية”.
ترحيل الغازي كان أسرع من نتائج التحرك لأجله، على عكس المنشد السوري هيثم الحلبي، الذي احتجز في كانون الأول/ ديسمبر 2024، لكن فريق “حماية” التابع لمنبر منظمات المجتمع المدني في تركيا نجح في وقف ترحيله.
وقد أشار الفريق حينها إلى أن مراكز الترحيل مليئة باللاجئين الشرعيين رغم براءتهم، داعياً إلى إعادة النظر في السياسات والأنظمة القائمة وعلاج المشكلة من جذورها.
رغم ترحيله، سيواصل الغازي المسار الحقوقي الداعم للاجئين السوريين بالتنسيق مع الجهات الحقوقية التركية، من مكان إقامته في سوريا، متمسكاً بـ”العمل التطوعي الذي بدأته في 2017 من دون الحصول على أي دعم”، وهذا “كان نقطة قوة وأتاح لي الاستقلالية في العمل”، على حد قوله.