6 دقائق قراءة

ترسم البسمة وتعزز الثقة: الأنشطة الرياضية لذوي الإعاقة شمال سوريا محدودة وغير مستدامة

كانت الألعاب البارالمبية في إدلب أكبر حدث رياضي يجمع أشخاص من ذوي الإعاقة بأعمار مختلفة في شمال غرب سوريا، وتأتي أهمية مثل هذه البطولات في أنها تقدم دعماً مختلفاً لهذه الشريحة، التي تشكل 28 بالمئة من السوريين.


إدلب- “أول مرة أرى ابتسامة زين وثقته بنفسه، كانت لحظة دخوله على كرسيه المتحرك إلى الملعب البلدي”، للمشاركة في الألعاب البارالمبية، التي أقيمت في محافظة إدلب، شمال غرب سوريا في 26 آب/ أغسطس هذا العام.

أحدثت هذه الفعالية الرياضية، التي شارك فيها أكثر من 333 شخصاً من ذوي الإعاقة في شمال غرب سوريا، بينهم 72 امرأة وفتاة، “تحولاً كبيراً في حياته وحياتنا كعائلة بمشاركته برياضة لطالما حلم بها”، كما قال لـ”سوريا على طول” شادي الباشا، والد زين، ذو العشرة أعوام، المصاب بحثلٍ عضلي جعله مقعداً منذ أعوام. 

سبق الألعاب البارالمبية في إدلب، التي ضمت 11 لعبة، فترة إعداد وتدريب خضع لها المشاركون بدعم من منظمة بنفسج، الجهة الراعية للبطولة لمدة شهر ونصف، وخلال التدريبات لاحظ والد زين “تحسناً ملحوظاً في سلوكياته مع أصدقائه وإخوانه”، لكن إيقاف الفعالية بعد يومين من انطلاقتها “حول شعور السعادة الذي غمرنا إلى إحباط وحزن”، بحسب الباشا.

في 28 آب/ أغسطس، أوقفت حكومة الإنقاذ، التابعة لهيئة تحرير الشام، الفعالية الرياضية بسبب “وقوع العديد من التجاوزات في النشاط المذكور والتي تخالف ثقافتنا وعاداتنا وديننا”، كما جاء في بيانها، في إشارة إلى انحناء حامل الشعلة للجمهور محياً إياهم. حاولت “سوريا على طول” التواصل مع منظمة “بنفسج” لكنها لم تتلق رداً حتى لحظة نشر هذا التقرير.

كان النشاط -الذي لم يكتمل- أكبر حدث رياضي يجمع أشخاص من ذوي الإعاقة بأعمار مختلفة في شمال غرب سوريا، المنطقة التي يبلغ عدد سكانها نحو 4.2 مليون نسمة، نصفهم نازحون تقريباً، ويعاني فيها 52 بالمئة من الأفراد الذين تبلغ أعمارهم عامين فأكثر من صعوبات في أداء المهام اليومية قد تصل مرحلة الإعاقة، بحسب دراسة لوحدة تنسيق الدعم، صادرة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

وجد حمدو سلات، 44 عاماً، في الألعاب البارالمبية بإدلب فرصة لتحقيق حلمه في العودة إلى الفعاليات الرياضية، وهو موظف في مكتب شؤون ذوي الإعاقة في مديرية صحة إدلب، ومصاب بشلل الأطفال منذ طفولته، وشارك في تنظيم المسابقة بصفته “مشرفاً ومدرباً”، كما قال البطل العالمي، الذي ينحدر من مدينة بنش بريف إدلب، لـ”سوريا على طول”.

تُوّج سلات بطلاً للعالم في رياضة رفع الأثقال لذوي الإعاقة بماليزيا عام 2009، وكان بطلاً في دورة الألعاب الآسيوية في الصين عام 2010، وفي رصيده 37 إنجازاً دولياً ونحو 200 إنجاز محلي. 

يعيش الآلاف من ذوي الإعاقة في شمالي البلاد ظروفاً قاسية، ويضاف إلى مهامهم اليومية مهمة جديدة، تتمثل في السعي والكفاح من أجل الاعتراف بحقوقهم في المشاركة بالحياة العامة، بما في ذلك الأنشطة الرياضية والترفيهية.

بعد اندلاع الثورة السورية في آذار/ مارس 2011، التي تحولت إلى حرب، “صار وصول ذوي الإعاقة في شمال غرب سوريا إلى المرافق الترفيهية والرياضية أكثر صعوبة”، إضافة إلى “مشكلة التمويل وتحديات الحصول على الموافقات اللازمة من السلطات المحلية والشروط التي يفرضها المانحون، وهو ما يزيد من تعقيد تنظيمها”، كما قالت أسماء المصري، مديرة رابطة صامدات لدعم مصابات الحرب في إدلب لـ”سوريا على طول”.

كسر العزلة

كان حمدو سلات يعتصر ألماً مع انعقاد أي بطولة رياضية عالمية، بدءاً من أولمبياد لندن 2012، مروراً بريو دي جانيرو في البرازيل 2016، إلى أولمبياد طوكيو 2020، وصولاً إلى باريس 2024، لأنه يشعر أن آماله في المشاركة بهذه البطولات تتلاشى نظراً لوجوده في شمال غرب سوريا، المنطقة التي لا يمكنه الخروج منها حالياً.

مشاركة الرياضيين في شمال غرب سوريا عموماً، وذوي الإعاقة خصوصاً، في البطولات الدولية صار حلماً “بعيد المنال”، بسبب عزلة هذه المنطقة، يُضاف عليها الظروف التي تحيط بالرياضيين من ذوي الإعاقة وتجعلهم أكثر عزلة، بحسب سلات.

ووصف سلات بطولة الألعاب البارالمبية في إدلب بأنها “حدث فريد”، فمنذ اندلاع الحرب “لم نشهد أي نشاط رياضي يجمع كل ذوي الإعاقة في بطولة واحدة تحاكي البطولات العالمية، وهو ما زاد من تهميشنا وعزلنا عن المجتمع”، وفقاً له.

في مرحلة إعداد المشاركين، الذي شارك فيها سلات بصفته مدرباً، لاحظ البطل العالمي “تحولاً كبيراً في حياة المشاركين، لدرجة أن نظرتهم للإعاقة تغيرت من عائق إلى ميزة”، وتركت هذه الأنشطة “تأثيراً نفسياً إيجابياً على المشاركين، الذين شعروا بأنهم قادرين على تحقيق إنجازات كبيرة”.

في سياق التحديات التي يواجهها ذوو الإعاقة في شمال غرب سوريا، يلعب الدعم النفسي دوراً حيوياً في تحسين حالتهم النفسية والجسدية، بحسب طلال الحاجي، عامل دعم نفسي واجتماعي في في منظمة الإغاثة الطبية لسوريا (MRFS).

وأشار الحاجي في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أن “الأنشطة الرياضية يمكن أن تكون أداة فعالة لتحسين الحالة النفسية لذوي الإعاقة، لأنها تساهم في تحفيز إفراز هرمونات السعادة مثل الأندورفين، ما يؤدي إلى تحسين المزاج وتقليل القلق والاكتئاب”، ناهيك عن أنها “تعزز الثقة بالنفس لدى الشخص، عبر تحقيق إنجازات صغيرة”.

ومن ناحية اجتماعية، يمكن لذوي الإعاقة من خلال المشاركة في الأنشطة الرياضية “التواصل مع الآخرين وبناء شبكات دعم اجتماعية، وهو أمر بالغ الأهمية لتخفيف شعورهم بالعزلة والتمييز”، عدا عن أن الرياضة “توفر روتين يومي لذوي الإعاقة يساعدهم على الاستقرار النفسي”، وفقاً لحاجي.

الفرق الذي أحدثته مشاركة الطفل زين في التدريبات التي سبقت الألعاب البارالمبية بإدلب على نفسيته وسلوكه مع الآخرين، يؤكد ما استشهد به الحاجي، الذي شهد أكثر من قصة نجاح لأشخاص من ذوي الإعاقة، منها شخص مبتور الطرف السفلي ويعاني من اكتئاب حاد، لكن “تغيرت حياته بعد تطبيق برنامج متكامل، وتمكن في نهاية المطاف من المشاركة في فعالية رياضية كبيرة”، وفقاً للحاجي، وهذا يؤكد على “دور الدعم النفسي المتكامل في تعزيز الصحة النفسية لذوي الإعاقة وتمكينهم لمواجهة التحديات”.

ضعف التمثيل النسائي

إذا كان التهميش يطال ذوي الإعاقة، فإن النساء هم الأشد تهميشاً، بحسب تجربة أسماء المصري، مديرة فريق صامدات، قائلة: “إن إشراك النساء عموماً في الفعاليات الرياضية والترفيهية في إدلب قليلة، لكن بالنسبة للنساء المصابات تكاد تكون معدومة، لأن المجتمع يظن أن ذوات الإعاقة غير قادرات على المشاركة بأي فعالية رياضية أو غيرها”.

أسست المصري، التي أصيبت في قدمها برصاصة قناص تابع للنظام السوري عام 2012، واستطاعت مع فريقها المكون من 15 امرأة “توفير الدعم النفسي والاجتماعي لأكثر من مئة سيدة من ذوات الإعاقة عن طريق أنشطة بسيطة، كجلسات التوعية وزيارة المصابات اللواتي لا يمكنهنّ الخروج من منازلهنّ بسبب الإصابة”، كما قالت.

في بداية مشوارها، عانت المصري من الشعور بالانغلاق الذاتي والعزلة الاجتماعية، لكنها حاولت التغلب على هذه المشاعر بـ”تأسيس فريق يُعنى بمصابات الحرب، ويمسك بيدهنّ لتجاوز مشاعر الخوف والألم، ومن أجل إدماجهنّ في المجتمع”.

للدعم النفسي أثر إيجابي كبير على المصابات، وتلعب الأنشطة الرياضية دوراً مهماً في تحسين الجانب النفسي لدى ذوي الإعاقة، كما لاحظت المصري، معتبرة أن “مشاركة النساء المصابات في الألعاب التي نظمتها بنفسج هي التجربة الأولى، وكانت فرصة للخروج من العزلة والتمييز وتقدير الذات من جديد”، وفقاً لها.

شارك في بطولة بنفسج 45 امرأة و27 فتاة، بحسب أرقام ذكرتها المنظمة في البروشور التعريفي بالبطولة. أسهمت الفترة التحضيرية للبطولة في “تحسين حالة النساء المشاركات، حيث انتقلنَ من مشاعر الخجل والخوف إلى الثقة بالنفس والإيمان بالقدرات الشخصية”، بحسب المصري.

وإلى جانب التحسن على صعيد نفسي، أسهمت التدريبات “في تحقيق تحسن بدني عند المشاركات”، مشددة على أهمية تنظيم مثل هذه الأنشطة مع إعطاء فرصة للنساء في المشاركة، خاصة أن المبادرات الصغيرة لا يمكنها تنظيم مثل هذه الفعاليات. قالت المصري أن رابطتها “نظمت رحلة ترفيهية واحدة في الصيف، إذ نظمت نشاطاً في أحد مسابح إدلب حضره 40 مصابة، وبلغت تكلفة الفعالية 400 دولار أميركي”.

بالنسبة للمصري، يشكل الدعم المالي “أكبر التحديات التي تواجهنا لتنظيم فعاليات كبيرة مماثلة”، بينما الحصول على الموافقات اللازمة من هيئة تنسيق العمل الإنساني في وزارة التنمية، المسؤولة عن متابعة مشاريع المنظمات “سهل، طالما أننا ملتزمات بأعراف المجتمع وتحقيق المعايير المطلوبة”، على حد قولها.

التفكير خارج الصندوق

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، أطلقت منظمة بنفسج “بطولة كأس العالم للمخيمات”، التي تحاكي بطولة كأس العالم لكرة القدم، التي أقيمت في قطر آنذاك. لاقت فعالية بنفسج الرياضية استحساناً في أوساط السوريين، بما في ذلك المستفيدين من البطولة.

ضمت بطولة بنفسج الأولى 32 فريقاً من 25 مخيماً للنازحين وسبع مناطق صناعية في شمال غرب سوريا، في رسالة مفادها أن الترفيه ضرورة ملحة لأطفال المخيمات، لا تقلّ أهمية عن برامج الإغاثة والتعليم التي تستهدفهم.

اقرأ المزيد: كأس العالم في إدلب: مونديال يحاكي “قطر 2022” أبطاله أطفال المخيمات

وفي البطولة الجديدة، استهدفت بنفسج ذوي الإعاقة في شمال غرب سوريا ببطولة رياضية مخصصة لهم، لتطرح برنامجاً مختلفاً عن أنشطة الدعم الطبي والمادي والنفسي السائدة في المنطقة.

طرح مثل هذه الأنشطة مخصصة لذوي الإعاقة مهم في سوريا، البلد الذي يعاني 28 بالمئة من سكانها من إعاقة، أي حوالي ضعف المعدل العالمي، لأسباب تتعلق بالحرب وعدم تلقي الرعاية والخدمات، وتسهم الحرب في “إحداث آثار مدمرة على الأطفال ذوي الإعاقة” على وجه الخصوص، بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش.

المشكلة في عدم إدراج برامج رياضية وترفيهية تستهدف ذوي الإعاقة لا يقتصر على الجهات المانحة والمنظمات العاملة على الأرض فحسب، إذ إن الأنظمة والقوانين في سوريا تصون حق ذوي الإعاقة وإدماجهم في سوق العمل، لكنها “لا تلزم المؤسسات بتقديم أنشطة رياضية وترفيهية لهم، وهو ما يزيد  من تهميش هذه الفئة”، كما قالت المحامية حلا الإبراهيم، المقيمة في إدلب، لـ”سوريا على طول”.

ورغم النجاحات التي حققتها الفعاليات الرياضية الكبيرة في شمال غرب سوريا إلا أنها لا تزال غير مستدامة، وبالتالي تراجع الحالة للمشاركين والمشاركات في مثل هذه البطولات، إذ توقفت الفعاليات لفترات طويلة، كما أشارت المصادر التي تحدثت لـ”سوريا على طول”.

تظهر تجربة الطفل زين كلاعب مشارك، وحمدو سلات كمدرب، أهمية الأنشطة الرياضية، باعتبارها إحدى الوسائل المؤثرة للتغيير الاجتماعي والنفسي لذوي الإعاقة، وهو ما أكده والد الطفل زين، الذي وجد في الرياضة باباً لخروج ابنه من عزلته.

شارك هذا المقال