ترميم جسور الرقة: إنجاز غير مكتمل وحلول مؤقتة لا تلبي الاحتياجات
تضم الرقة 134 جسراً وعبارة، منها سديّ الفرات والبعث، دُمّر 66 منها كلياً أو جزئياً بفعل قصف التحالف الدولي أو مفخخات "داعش". وقد رُمم 56 جسراً وعبارة، 14 منها بشكل مؤقت و10 بطرق بدائية.
29 أبريل 2021
عمان- على مدخل مدينة الرقة الجنوبي، شمال شرق سوريا، ما يزال جسر الرشيد (الجديد) خارج الخدمة، وهو واحد من أصل خمسة جسور تربط عاصمة تنظيم داعش سابقاً بأريافها، لكنه الأهم على الصعيد الإنساني والتجاري والطبي، كما ذكرت مصادر عدّة لـ”سوريا على طول”.
ووجود جسر المنصور (القديم) على المدخل الجنوبي للمدينة، الذي تم ترميمه في حزيران/يونيو العام 2019 لا يغني عن جسر الرشيد (الجديد)، إذ إن “القديم لا يصلح لعبور الشاحنات ذات الحمولات الكبيرة”، بحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول” مدير منظمة طبية، مقرها مدينة الرقة، لذلك “تتجه الشاحنات المحملة بالمعدات والمواد الطبية إلى مدينة الطبقة في ريف الرقة الغربي، ليتم إفراغ الحمولة في سيارات نقل أصغر، ومن ثم تنقل إلى المدينة”، هذه العملية “تستغرق جهداً ووقتاً وتكاليف أكبر”.
خرج جسر الرشيد (الجديد) عن الخدمة كلياً، في كانون الثاني/ يناير 2017، جراء قصفه من التحالف الدولي في معركة القضاء على تنظيم “داعش”، والتي تسببت بتدمير 70 إلى 80% من مدينة الرقة، بحسب تقديرات الأمم المتحدة. وسبق أن تعرض الجسر لقصف من الطيران الروسي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 تسبب بدمار جزئي فيه.
ورغم تأهيل أكثر من 90% من الجسور والعبارات المائية المدمرة في محافظة الرقة بشكل رسمي أو بطرق مؤقتة وعشوائية، ما تزال أهمها بالنسبة للسكان خارج الخدمة.
وتضم محافظة الرقة 134 جسراً وعبارة، من ضمنها سديّ الفرات والبعث (كديران)، بحسب بيانات جمعتها “سوريا على طول” من مصادر رسمية ومنظمات مجتمع مدني، دُمّر 66 منها بشكل كليّ أو جزئي بفعل قصف التحالف الدولي أو مفخخات “داعش”.
وبعد أربع سنوات على تأسيس مجلس الرقة المدني التابع للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، والمسؤول عن الشؤون الخدمية والصحية لمدينة الرقة وريفها، ما تزال ثمانية جسور وعبّارتان (جسران صغيران) خارج الخدمة، وهي: جسر الرشيد (الجديد) في مدينة الرقة، وجسر اليمامة وسحل الخشب وجسر هنيدة-كديران (جسر القطار) في الريف الغربي، والرجم الأبيض في الريف الشمالي الغربي، وتل السمن-الكالطة وخنيز الوسطي- الحتر في الريف الشمالي، وجسر المغلة في الريف الشرقي، وعبّارتا كسرة شيخ الجمعة في الريف الجنوبي.
وقد رُمم 56 جسراً وعبارة، لكن 14 منها تم ترميمه بشكل مؤقت، بتثبيت جسور معدنية (حربية) قدرتها أقل من الإسمنتية وتحتاج إلى صيانة مستمرة، فيما تم ترميم عشرة جسور أخرى بطرق بدائية “من خلال وضع الردميات والأنقاض كبديل للجسر”، بحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول” مدير منظمة مجتمع مدني تنموية، طالباً عدم الكشف عن اسمه لدواع أمنية، وحذرت المنظمة من أن “هذه الجسور غير ثابتة بشكل تام، وتتحول إلى معابر موت خلال تساقط الأمطار لخطورتها. عدا عن أنها لا تصلح لمرور الشاحنات والسيارات ذات الأوزان الثقيلة”.
أزمة إنسانية مستمرة
على بعد 500 متر من جسر “سحل الخشب” بريف الرقة الغربي، الذي دمرته غارات التحالف الدولي في كانون الأول/ديسمبر 2016، يعيش المزارع أبو محمد مع زوجته وأبنائه الثمانية ظروفاً إنسانية صعبة، إذ “لا مستوصف في القرية ولا طبيب مختص”، كما قال لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أنه يضطر للذهاب إلى مدينة الطبقة “للحصول على خدمات طبية جيدة، أو تأمين احتياجاتنا من المواد غير المتوفرة في المنطقة، بما فيها المواد والمعدات الزراعية”.
يسلك أبو محمد في رحلته اليومية إلى الطبقة طريقاً “خطرة وغير مؤهلة على كتف قناة ري البليخ “، كونها أقصر الطرق، إذ يترتب عليه قطع مسافة 13 كيلومتراً للوصول إلى الطبقة، مقدماً خطورة الطريق غير المؤهلة على الطريق البديلة المؤهلة عبر سد البعث (كديران) تفادياً لقطع مسافة 40 كيلومتر. وقد كان قبل تدمير الجسر يقطع مسافة 14.5 كيلومتر من خلال عبور الجسر إلى قرية السويدية وصولاً إلى الطبقة .
وعدا عن خطورة الطريق يتحمل أبو محمد أعباء مالية إضافية، إذ إن “وعورة الطريق وعدم وجود وسائل نقل عامة عليه، تضطرنا لاستئجار سيارة، بتكلفة 20 ألف ليرة ذهاباً وإياباً [6.75 دولار أميركي بحسب سعر الصرف الحالي في السوق الموازية والذي يراوح عند قرابة 3000 ليرة للدولار]”، في وقت يقدر متوسط دخل الفرد في سوريا 64,000 ليرة سورية (22 دولار).
وذات رحلة في يوم ماطر، رافقت أم محمد زوجها إلى الطبقة، لكن أثناء عبورهما الطريق غير المؤهلة “وقع حادث أمام أعيننا، فتدهورت دراجة نارية وسقطت مع صاحبها في القناة، ” قال أبو محمد ، لافتاً إلى أن “هذه الحادثة تسببت بمشكلة نفسية دائمة لدى زوجتي، ومنذ ذلك الحين تتوتر عند العبور من هذا الطريق حدّ الانهيار”. لكن بالنسبة لأبي محمد ، “لا يمكن الاستغناء عن أسواق الطبقة، كما لا أريد اتباع الطريق الطويلة”.
معاناة أبو محمد شبيهة بمعاناة كثيرين من سكان محافظة الرقة على اختلاف أماكن إقامتهم وتفاصيل قصتهم، ففي حالة التاجر خليل عبد القادر، 45 عاماً، الذي يعتمد على مدينة الرقة في التزوّد بالمواد الأساسية وتوزيعها في منطقة الكسرات، بريف الرقة الجنوبي حيث يقيم، لا يمكنه نقل مشترياته عبر جسر المنصور (القديم) إذا كانت تزيد عن أربعة أطنان.
وبما أن جسر الرشيد (الجديد) خارج الخدمة يضطر عبد القادر إلى الاتجاه “غرباً مسافة 35 كيلومتراً لعبور سد البعث عند قرية كديران، ومن ثم مسافة 30 كيلومتراً إلى منطقة الكسرات”، فيما “لو تم تأهيل الجسر الجديد الذي كان يستخدم للحركة التجارية”، كما قال لـ”سوريا على طول”، “فلن تتجاوز المسافة من المدينة إلى الكسرات 15 كيلومتراً”.
يترتب على ذلك بالنسبة لعبد القادر مزيداً من الوقت والمسافة، ما يعني ارتفاعاً في أسعار النقل، إذ إنه يدفع 75,000 ليرة سورية (27 دولار أميركي)، أي ثلاثة أضعاف قيمة النقل فيما لو كان جسر الرشيد ضمن الخدمة، كل ذلك من شأنه “رفع الأسعار على المواطنين”، كما قال.
وإلى الريف الشمالي من محافظة الرقة، حيث يقيم خليل الراشد في قرية خنيز الكشة، توجد ثلاثة جسور في المنطقة، اثنان منها خارج الخدمة، وهما: جسر خنيز وسطاني- قرية الحتر، وجسر الكالطة- تل السمن، أما الثالث جسر ثلث خنيز- تل السمن، وقد تم تأهيله “من سكان المنطقة عبر وضع ردميات مكان الأجزاء المدمرة منه”.
الراشد، الذي يعمل أيضاً في الزراعة، يتنقل في مثل هذه الأيام من فصل الصيف بين بيته في خنيز وأرضه الزراعية في تل السمن مستخدماً جسر ثلث خنيز- تل السمن المؤهل بطريقة عشوائية، لكن “أتفادى استخدامه في الشتاء حيث تساقط الأمطار وفيضان النهر”، كما قال لـ”سوريا على طول”، وبذلك يقطع مسافة 20 كيلومتراً للوصول إلى أرضه متجهاً إلى قرية حزيمة جنوباً ومن ثم يسير شمالاً إلى تل السمن، بدلاً من 4 كيلومترات.
عدم استقرار
في إطار سعيها لتمكين المجتمع المحلي ودعم الاستقرار في محافظة الرقة وتنميتها، تعمل منظمات دولية ومحلية بالتعاون مع مجلس الرقة المدني على تنفيذ مشاريع تأهيل البنية التحتية وإعادة الخدمات الأساسية، من قبيل ترحيل الأنقاض، وترميم المرافق العامة، وإيصال الكهرباء والمياه للسكان، بهدف تحسين الظروف المعيشية للسكان البالغ عددهم حاليا 551,934 نسمة، منهم 117,612 نازحاً.
وبحسب ما ذكر مدير أحد المنظمات العاملة في الرقة في مشاريع دعم الاستقرار لـ”سوريا على طول”، “تهدف مشاريع دعم الاستقرار إلى إعادة الحياة بصورة فعلية من خلال إعادة تأهيل البنية المتعلقة بالخدمات الأساسية، من دون إعادة الإعمار كونه مرتبط بقرار سياسي”. وقد أسهمت المنظمة في عدد من “المشاريع الخدمية، من قبيل ترميم المدارس وتنفيذ مشاريع تأهيل لشبكات الكهرباء في الرقة”، كما قال.
لكن عدم تأهيل الجسور من شأنه أن يعيق عملية دعم الاستقرار في المنطقة، وينعكس سلباً على قدرة المنظمات المدنية والطبية في تنفيذ مشاريعها، فإضافة إلى تأثر عملية إمداد مدينة الرقة بالمواد والمعدات الطبية، نتيجة خروج جسر الرشيد (الجديد) عن الخدمة، كما قال مدير المنظمة الطبية العاملة في الرقة، فإن “خروج جسر سحل الخشب في ريف الرقة الغربي عن الخدمة يؤثر على خدمة أهالي المنطقة بالعيادات المتنقلة التابعة للمنظمة ويعيق حركتها بين قرى الريف الغربي”.
ورغم ترميم غالبية الجسور والعبارات المائية في محافظة الرقة إلا أن “الجسور المرممة لا تعوض تلك المدمرة”، بحسب المصدر في منظمة المجتمع المدني بريف الرقة الغربي، لافتاً إلى أن “تدمير جسري سحل الخشب واليمامة يجبر المدنيين والمنظمات على قطع مسافات أكبر”.
وأضاف المصدر “فيما يعدّ الوقت مهماً بالنسبة لنا كعاملين في القطاع المدني، تحول الجسور المدمرة دون تنفيذ المشاريع أو إجراء الزيارات التقييمية ضمن الوقت المطلوب”، لافتاً إلى أن “زيارة تقييمية لمشروع في سحل الخشب لا تتطلب أكثر من ساعتين فيما لو كان الجسر مرمماً، لكن اليوم الزيارة تستغرق يوماً كاملاً أو يومين.
ورغم تشديد عدد من منظمات المجتمع المدني على “أهمية إعادة تأجيل الجسور”، كما قال المصدر، فإن “العمل على مشاريع إعادة ترميم الجسور خارج حسابات المنظمات، كونها تفوق القدرة المالية للمنظمات، إضافة إلى أنها ملف أمني يتطلب موافقة التحالف الدولي والتنسيق معه”.
رداً على ذلك، قال الرئيس المشترك لمكتب الإعلام في الإدارة الذاتية، عامر مراد، لـ”سوريا على طول” أن “موضوع الجسور ليس له أي علاقة بالقضايا الأمنية، معتبراً أن حماية المواطنين وتخديمهم واجبان متكاملان، لكنهما ليسا متناقضين لدرجة أن يكون أحدهما على حساب الآخر”.
خط أحمر؟
طالبت منظمات مجتمع مدني وأهالي المناطق المتضررة من تدمير الجسور مجلس الرقة المدني وبلديات الشعب التابعة له “بترميم الجسور ووضعها على قائمة أولويات المجلس لكن من دون استجابة الأخيرة”، كما قال مدير منظمة المجتمع المدني، لافتاً إلى أن “المجلس يتذرع بعدم وجود تمويل لترميم الجسور”، لكنه توقع أن تكون “أسباب أمنية وراء عدم ترميمها”.
وسعياً لإنهاء معاناة الأهالي التي امتدت لسنوات بفعل تدمير الجسور “طالبت المنظمة في أكثر من اجتماع مع التحالف الدولي ومجلس الرقة المدني بأن يتم ترميم جسري اليمامة وسحل الخشب”، إذ بالنسبة لنا “هما أولوية كبيرة”، كما أضاف المصدر.
وعدا عن أن “بعض الجسور تحتاج إلى موازنات مالية كبيرة لترميمها”، كما قالت مهندسة إنشائية عملت مع عدة منظمات في الرقة، فإن المنطقة أيضاً “تفتقر إلى تكنولوجيا تنفيذ الجسور مثل الروافع العالية، أو الإسمنت سريع التصلب، والذي لا يمكن تأهيل الجسور الكبيرة، مثل جسر الرشيد من دونها”. لذلك “ربما يكون الحل بدخول شركات إقليمية أو دولية لديها إمكانيات عالية لترميم ما تبقى من جسور” بحسب قولها.
لكن الأهم من التمويل والآليات المتخصصة اللازمة لترميم جسور الرقة، تتطلب عملية الترميم قراراً من الجهات الدولية المانحة، وهذا غير مطروح على أجندتها حتى الآن “لأن ما تم إنجازه من أعمال ترميم الجسور كان يندرج تحت بند دعم الاستقرار، أي إجراء إصلاحات ضمن آليات محدودة”، أضافت المهندسة.
وفي هذا السياق، كشف عضو في لجنة الإدارة المحلية في مجلس الرقة المدني لـ”سوريا على طول” بأن “المجلس يعاني من ضعف التمويل، وقد ناشد المجلس الجهات المانحة مراراً لترميم الجسور”، لكن كون ترميم بعض الجسور الكبيرة “يندرج ضمن إعادة الإعمار، وهذا يتطلب حلاً سياسياً في سوريا، فإنها ليست على أجندة الجهات المانحة الدولية”.
لكن بدوره نفى الرئيس المشترك لمكتب الإعلام في الإدارة الذاتية، عامر مراد، أن يكون ملف الجسور مرتبطاً بإعادة الإعمار، لافتاً إلى أن الإدارة الذاتية تقوم بما يترتب عليها “من واجبات تجاه المواطنين، بحسب الإمكانيات المتوفرة، وإعادة الإعمار أمر آخر”، مضيفاً “من غير المعقول تأجيل الخدمات الأساسية للمواطنين بحجة إعادة الإعمار”، موضحاً أن “الموضوع الخدمي مرتبط بحجم الإمكانيات المالية المتوفرة، وليست هناك أية خطوط حمراء أمام مسألة تخديم المواطنين في كافة المجالات”.
وإلى حين استكمال ترميم جسور الرقة، التي تعدّ بالنسبة لسكان المحافظة والمنظمات العاملة فيها “شريان الحياة”، كما وصفها مدير منظمة المجتمع المدني العاملة في الرقة، تبقى معاناة السكان مستمرة، ولن تحقق مشاريع دعم الاستقرار الأهداف المرجوة منها.
أنجز هذا التقرير بدعم من الاتحاد الأوربي ومنظمة Free Press Unlimited، لكنه لا يعكس موقف الاتحاد الأوربي، ويتحمل “سوريا على طول” المسؤولية عما جاء فيه.
بدعم من الاتحاد الأوروبي