تعميم “مالية” دمشق بشأن “النكول” في البيوع انتهاك لحقوق المواطن وتجاوز للقانون
إن إصرار وزارة المالية على اعتبار عملية البيع ناجزة -رغم النكول- وعليه فإنها مستوجبة للضريبة المقررة، يعدّ انتهاكاً لحقوق المواطن الدستورية التي أوجبت أن يقوم النظام الضريبي على أسس عادلة.
28 يونيو 2021
مرسين- ما إن استفاق السوريون من صدمة قانون ضريبة البيوع العقارية، رقم 15 للعام 2021، الصادر في آذار/ مارس الماضي، والذي “يحدد مقدار الضريبة بمعدل من القيمة الرائجة للوحدة العقارية”، حتى عاجلهم وزير المالية في حكومة دمشق، كنان ياغي، بتعميم “قراقوشي” اعتبر فيه أن النكول عن إتمام عملية البيع للعقار هو بمثابة بيع ناجز، وبالتالي يتعين استيفاء ضريبة البيوع العقارية عنه.
والحقيقة أن هذا التعميم يجب أن يسجل كبراءة اختراع لهذا الوزير، وسابقة ليس لها ما يشبهها في العلوم المالية والنظم الضريبية في العالم، كونها تحقق مورداً ضريبياً للدولة بلا مطرح ضريبي، وتستوفي بها الدولة نسبة من قيمة العقار البيعية المفترضة عن صفقة لم تنجز، إذ بقي فيها الأطراف كما هم في مراكزهم القانونية بلا تبدل، أحدهما مالكاً لم يبع، والثاني مشترياً لم يشتر!
ويبدو أن الضريبة من وجهة نظر “وزير الجباية” تتحقق بمجرد التفكير في البيع أو الشروع الناقص فيه، وليس بعد أن ينجز هذا البيع.
وفي الوقت الذي أحدث التعميم ردود فعل رافضة وساخرة منه، ذهب فريق المطبلين والمفسرين الذين ينشئون محتوى الصفحة الرسمية لوزارة المالية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” إلى تفسير يصرّ على استحقاق تلك الضريبة طالما أن عملية البيع تم توثيقها لدى الدوائر المالية مقرونة بالموافقات الأمنية، ما يعني – من منظورهم – أن عملية البيع تامّة الأركان.
الأكثر من ذلك، أن تلك التفسيرات أحالت المتضرر من سداد الضريبة بسبب فشل إتمام عملية البيع، على المتسبب بفشلها من الطرفين المتعاقدين. وهو تفسير لا يتسم فقط باللامعقولية، بل يتعدى أيضاً صلاحيات الوزارة التي لا يحق لها تفسير القوانين وتأويلها بما يحقق أغراضها الجبائية، ما يشي تعمد العبث بالحماية الدستورية للمواطن من التغول الضريبي، ويطيح بكل القوانين المتعلقة بآليات اكتساب وانتقال الحقوق العينية العقارية.
وتنص المادة 18 من الدستور السوري الصادر العام 2012 على أنه:
- لا تفرض الضرائب والرسوم والتكاليف العامة إلا بقانون.
- يقوم النظام الضريبي على أسس عادلة وتكون الضرائب تصاعدية بما يحقق مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية.
وبالتالي، فإن إصرار وزارة المالية على اعتبار عملية البيع ناجزة -رغم النكول- وعليه فإنها مستوجبة للضريبة المقررة، يعدّ انتهاكاً لحقوق المواطن الدستورية التي أوجبت أن يقوم النظام الضريبي على أسس عادلة. لذلك، لا نعتقد أن من العدالة بمكان إلزام شخص ما بأداء ضريبة بلا مطرح لها. فضريبة البيوع العقارية تتحقق بإنجاز عملية البيع وانتقال ملكية المبيع التي هي مطرح الضريبة.
وينص قانون ضريبة البيوع العقارية، رقم 15 للعام 2021، في البند 3 من الفقرة (د) من المادة 13، على أنه: “في حال الحكم برد الدعوى أو شطبها، تقضي المحكمة برد المبالغ المسددة وفق أحكام البند رقم /١/ من هذه الفقرة إلى الشخص الذي قام بالتسديد، ويكتفى في هذه الحالة بإبراز صورة طبق الأصل عن الحكم القضائي المكتسب الدرجة القطعية إلى الدوائر المالية”.
لذلك، فإن إصرار وزارة المالية على مخالفة القانون الذي نص صراحة على رد المبالغ المسددة لمن قام بتسديدها إن ردت الدعوى أو شطبت، أي لم تنجز عملية البيع الموجبة للضريبة، وفرض تفسيرها الخاص وإلزام المجتمع به، يعتبر انتهاكاً لحقوق المواطنين وتجاوزاً للقانون. وعليه، تتعين مساءلة من يمثلها عن هذا السلوك .
إن الحقوق العينية العقارية تُكتسب وتنتقل عند تسجيلها في السجل العقاري، كما نصت عليه المادة 825 من القانون المدني السوري. لذلك، فإن مجرد مراجعة الدوائر المالية وتقديم طلب للحصول على براءة ذمة مالية تمهيداً لبيع عقار، لا يعني تحقق الضريبة سواء تمّت عملية البيع أم لم تتم.
أيضاً، فإن قانون السجل العقاري في المادة 10 من القرار 188 للعام 1926 ينص على أن: “كل اتفاق بين فريقين أكان مجانياً أو ببدل، وكل حكم مكتسب الدرجة القطعية، أو كل فعل يرمي إلى إحداث حق عيني أو نقل ذلك الحق أو إعلانه أو تعديله أو إبطاله، يجب أن يسجل في دفتر الأملاك”.
وفي المادة 11 من نفس القرار فإن الصكوك الاختيارية والاتفاقيات المتعلقة بإحداث حق عيني أو نقله أو إعلانه أو تعديله أو إبطاله لا تكون نافذة حتى بين المتعاقدين إلا اعتباراً من تاريخ تسجيلها في السجل العقاري.
إذن، فالحقوق العينية العقارية التي هي مطرح الضريبة تتحقق وتُكتسب فقط عند قيدها في السجل العقاري. أما مجرد قيدها في سجلات المالية كخطوة تمهيدية على طريق القيد النهائي في السجلات العقارية، لا يجعل الضريبة متوجّبة لأن مطرحها كضريبة بيع عقاري لم يتحقق بعد.
وبالتالي، فإن ما ورد في تعميم وزير المالية، وما تبعه من تفسير نشره مستشاروه القانونيون على صفحة الوزارة لا يعدو عن كونه محض هراء وهرطقات تدحضها الحقائق والنصوص القانونية. وإن إصرار الوزارة على تحصيل تلك الضريبة اعتماداً على تعميم الوزير وتفسير القانونيين هو من قبيل إكراه الناس على دفع غير المستحق ومن دون أي سند قانوني.
وعليه، تتعين مواجهة هذا التعنت بالسبل القانونية من قبل أي متضرر، وإقامة دعوى إلغاء للقرار الإداري الصادر عن الوزير، والذي صدر تحت عنوان “تعميم”، لكنه في جوهره قرار إداري يلزم بموجبه المديريات والدوائر التابعة للوزارة القيام بعمل محدد يراه المتضرر قراراً مخالفا للقانون – وهو كذلك فعلاً – وضاراً به وبمصالحه، ولا يتسم بالمشروعية وينطوي على تجاوز في استعمال السلطة.
في تراثنا الشعبي القديم كان العريس في ليلة الدخلة يقطع رأس قط بريء ليرهب عروسه ويثبت فحولته قبل الدخول بها، فتركن لأوامره ونواهيه في حياتهما الزوجية. لكن القط الضحية هو وحده من يدفع ثمن تلك الرجولة المزعومة والمدّعاة. هكذا يبدو وزير المالية السوري الذي يحاول استلهام هذا التراث في تعميمه القراقوشي، فيقتطع الضريبة رأساً، أحصل العرس أم لم يحصل!
* ناشط حقوقي – رئيس تجمع المحامين السوريين.