تغريبة جديدة: أهالي عفرين بين مرارة النزوح من الشهباء وخطر البقاء
قدرت الإدارة الذاتية عدد النازحين من المناطق التي سيطرت عليها المعارضة السورية إلى شمال شرق سوريا بنحو 120 ألف نسمة، يعانون من ظروف إنسانية صعبة، وسط ضعف الاستجابة الإنسانية الطارئة.
3 ديسمبر 2024
الحسكة- في رحلة نزوح جديدة تحمل في طياتها مرارة الألم والتهجير، وصلت سلوى عمر (اسم مستعار)، 31 عاماً، مساء أمس الاثنين، إلى مدينة الطبقة بريف الرقة الغربي، الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ضمن قافلة ضمت مدنيين وعسكريين من “قسد”، انطلقت من منطقة الشهباء شمال حلب، التي سيطرت عليها فصائل الجيش الوطني السوري (المعارض) ضمن عملية “فجر الحرية”، التي انطلقت في الأول من هذا الشهر.
سيطرت فصائل الجيش الوطني السوري (المعارض)، المدعومة من أنقرة، على منطقة الشهباء وقرى ناحية شيراوا بريف عفرين، في ذات يوم التهجير، عقب انسحاب قوات النظام السوري و”قوات تحرير عفرين”، وهي قوات كردية تشكلت من عناصر كانت في صفوف وحدات حماية الشعب الكردية، بعد أن انسحبت الأخيرة من عفرين عام 2018، إلى شمال شرق سوريا وسيطرة فصائل المعارضة على المنطقة ضمن عملية “غصن الزيتون” العسكرية.
بينما كانت هيئة تحرير الشام وفصائل المعارضة في إدلب تواصل عملياتها العسكرية في محافظات حلب وإدلب وحماة، ضمن عملية “ردع العدوان“، التي انطلقت في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر، أطلقت فصائل الجيش الوطني عملية “فجر الحرية“، مستهدفة مناطق سيطرة “قسد” والقوات الكردية في ريف حلب الشمالي، بما في ذلك منطقة الشهباء، التي تضم تجمعاً لنازحي عفرين.
بعد ذلك، توصلت فصائل المعارضة و”قسد” إلى اتفاق يقضي بانسحاب القوات الكردية من الشهباء والشيخ مقصود ومناطق أخرى بحلب إلى شمال شرق سوريا، وبدأت العملية فوراً بتسيير ثلاث دفعات من نازحي عفرين وسكان قرى الشهباء الأصليين، بالإضافة لعسكريين، إلى مدينتي الطبقة والرقة، كما قالت الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي لمقاطعة عفرين والشهباء، ملك الحسين، لـ”سوريا على طول”، مشيرة إلى “عدم وجود أرقام دقيقة بشأن عدد الأشخاص المهجرين” حتى الآن.
أثناء نزوحها إلى الشرق، حيث ينتظرها مستقبل غامض، قالت عمر، التي كانت تقيم مع عائلتها المكونة من خمسة أفراد في قرية الأحداث بمنطقة الشهباء منذ نزوحهم من عفرين قبل ست سنوات، أنهم قرروا الخروج مع “ورود تعليمات من الإدارة الذاتية بضرورة مغادرة المنطقة”، ناهيك عن أن أصوات القصف “العنيف التي كنا نسمعها، وسقوط قذيفة في الحي” من جهة، و”الخوف” على اعتقال أخيها المقاتل في “قسد” عززت من قرار العائلة في الرحيل.
قبل عملية التهجير، كان يعيش في منطقة الشهباء 103 آلاف شخص، أي بحدود 25 ألف عائلة، من بينهم أربعة آلاف عائلة نازحة من عفرين، بحسب أرقام حصلت عليها “سوريا على طول” من المجلس التنفيذي لمقاطعة عفرين والشهباء.
استجابة ضعيفة
وسط ظروف جوية باردة، وصل النازحون إلى مدينتي الرقة والطبقة، وانتشرت صور ومقاطع فيديو للعديد من النازحين الذين يفترشون الأراضي في الطبقة، ويلتحفون أغطية خفيفة، بينما أطفالهم حفاتاً لا يجدون ما يقيهم برد الشتاء، وآخرون ينامون في سياراتهم المحملة بما استطاعوا حمله من منازلهم.
وتظهر صور أخرى عائلات فارة من الشهباء، تتحمل عناء السفر في وسائط نقل شبه معطلة، في مشهد يذكرهم برحلة نزوح سابقة إبان عملية “غصن الزيتون”، التي انتهت بسيطرة فصائل الجيش الوطني، بدعم تركي على عفرين.
استغرقت رحلة النزوح من الشهباء إلى الطبقة أكثر من عشرة ساعات، نتيجة الازدحام الشديد وبطء حركة السيارات، بحسب عمر، التي اشتكت من شقاء الرحلة وعدم توفر الغذاء والمياه خلالها. أشار صحفي من الطبقة كان حاضراً لحظة وصول النازحين إلى وفاة أربعة أشخاص: طفلين نتيجة البرد القارس، وشخصين كبيرين في السن، ولم تتمكن “سوريا على طول” التأكد من صحة المعلومة من مصدر رسمي.
في المقابل، انتقد الصحفي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، ما وصفه “ضعف استجابة الإدارة الذاتية” في الطبقة لاستقبال نازحي الشهباء، لافتاً إلى أن بعضهم نُقلوا إلى المدارس بعد أن تم تحويلها إلى مراكز إيواء مؤقتة “تفتقر إلى وسائل التدفئة”، وحلّ بعضهم عند أقاربهم ومعارفهم في مدن وبلدات شمال شرق سوريا، بينما “افترش غالبيتهم الأرصفة والأراضي”.
انتقلت عائلة سلوى عمر إلى مدرسة بمدينة الرقة، لكن الإدارة الذاتية لم تقدم لها أية مساعدات، قائلة: “لم نستلم لا بطانيات، ولا فرشات، إضافة إلى عدم وجود مدافئ في المدرسة”، لذا تقاسم أفراد العائلة “ثلاث بطانيات وفرشتين حملناها معنا من الشهباء”.
وأضافت عمر في تسجيل صوتي أرسلته اليوم، عبر تطبيق “واتساب”: “نحن ضائعون، من عصر هذا اليوم لم نستطع الجلوس بسبب البرد”.
من جهتها، وجهت الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، نداءً، أمس الإثنين، إلى المنظمات الإنسانية والجماعات الداعمة بـ”التحرك العاجل” من أجل المساعدة في تأمين احتياجات النازحين، مقدرة عددهم بنحو 120 ألف شخص. حاولت “سوريا على طول” الحصول على تصريح من الإدارة الذاتية لكنها رفضت الإدلاء بأي معلومات.
عالقون في الشهباء
بينما غادرت عائلة سلوى عمر إلى شمال شرق سوريا، ما يزال حسن حسن (اسم مستعار)، عالقاً في إحدى قرى ناحية شيراوا، لأنه لم يتمكن من الالتحاق بالقوافل الثلاث لعدم وجود وسيلة نقل يخرج بها، كما قال لـ”سوريا على طول” عبر تطبيق واتساب.
أبدى حسن تخوف أفراد عائلته من بقائهم في كنف فصائل المعارضة، قائلاً: “نحن في حالة رعب، لأن الجميع يعرف ما فعلوه في عفرين”، قاطعته والدته قائلة: “علقنا هنا، ولا نعلم ماذا سيكون مصيرنا”.
حتى الآن لم يتعرض حسن، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لدواع أمنية، لأي انتهاكات أو مضايقات، لكن لا تدري العائلة، التي لا تجرؤ “على الخروج من المنزل” ماذا تخبئ لها الأيام القادمة.
يلف الغموض مصير سكان الشهباء الذين بقوا هناك، سواء كانوا عالقين كحال عائلة حسن وعائلة خالته التي لم تتمكن الخروج أيضاً أم فضلوا البقاء على الخروج.
وفي هذا السياق، أقر أحمد مستو، ناشط ثوري كردي من عفرين ويقيم في مدينة اعزاز، بريف حلب الشمالي، الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني أنه “لا يمكن الوثوق بفصائل الجيش الوطني، ولا توجد ضمانات للسكان بعدم تعرضهم لانتهاكات على يد الفصائل، التي ارتكبت انتهاكات بحق شعبنا”، كما قال لـ”سوريا على طول”.
ومع ذلك، بقاء السكان في مناطقهم “أفضل من النزوح إلى شمال شرق سوريا، حيث يتواجد عناصر حزب العمال الكردستاني، الذي يستخدم السكان ألعوبة بيده”، بحسب مستو، معتبراً أن “ما يحدث في الشهباء اليوم هو ضريبة يدفعها الشعب الكردي نتيجة سيطرة حزب العمال وفرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) على المنطقة”.
وأضاف مستو: “قد يتم اعتقال شخص لمدة يوم أو يومين للتحقيق معه، وإذا كان عسكرياً قد يسجن لشهر ثم يعود إلى منزله كما حدث في عفرين”. لكن هذه ليست قاعدة ثابتة، إذ تم اعتقال العديد من الكرد، بعضهم محسوبين على الجيش الوطني، لعدة سنوات.
ارتكبت فصائل الجيش الوطني العديد من الانتهاكات، التي طالت سكان شمال سوريا عرباً وكرداً، من قبيل: القتل والتعذيب وفرض الإتاوات وعمليات الإخفاء القسري والابتزاز المالي، إضافة إلى مصادرة المنازل والأراضي الزراعية.
هل تصدق التطمينات؟
أعلن “مجلس عفرين والشهباء”، وهو مجلس محلي يتبع للإدارة الذاتية، اليوم الثلاثاء، عن توجه عشرات الحافلات إلى مناطق الشهباء بغرض إخراج من تبقى من العالقين من المنطقة، على أن تتجول الحافلات في قرى الشهباء وشيراوا لنقل النازحين الراغبين بالخروج باتجاه الطبقة والرقة، مؤكدة أن هذه الحافلات الأخيرة لنقلهم.
حددت الإدارة الذاتية نقطتين للباصات، الأولى من أمام فرن بلدة دير جمال، والثانية في ساحة قرية أحرص بمنطقة الشهباء. انتظر حسن حسن، الذي لم يتمكن من الخروج في القوافل الأولى، حتى الساعة الواحدة والنصف ظهراً بتوقيت سوريا، لكن الحافلات لم تصل، كما أنه استبعد وصولها “في ظل تجول الفصائل بسيارتهم في الشوارع”.
في المقابل، رفضت عائلات أخرى مغادرة منازلها، من بينها عائلة عائشة محمد (اسم مستعار)، 32 عاماً، المقيمة حالياً في إحدى قرى ناحية شيراوا.
أوضحت محمد، الأم لأربعة أطفال، في حديثها لـ”سوريا على طول” سبب رفض النزوح، قائلة: “أطفالي صغار ويصعب علينا الخروج في ظل هذه الأجواء الباردة”، إذ يترواح أعمارهم بين 6 و11 عاماً، عدا عن أنها لم تنخرط في “العمل مع مؤسسات الإدارة الذاتية”.
وأشارت محمد إلى أنها سمعت، أمس الإثنين، عبر مكبرات الصوت في المساجد، نداء من الفصائل “يناشدنا بالبقاء في منازلنا، ويتعهد بعدم التعرض لأحد”، وهو ما أكدته ستة مصادر مدنية كردية من قرى مختلفة في ناحية شيراوا والشهباء، تواصلت معهم “سوريا على طول” لغرض إنتاج هذه المادة، وجميعهم قالوا أن الجيش الوطني لم يتعرض لهم حتى الآن.
وأيضاً، أصدرت إدارة الشؤون السياسية في حكومة الإنقاذ، التابعة لهيئة تحرير الشام، رسالة خاطبت فيها الأكراد، أكدت فيها على الرفض “القاطع للممارسات الهمجية التي ارتكبها تنظيم الدولة [داعش] ضد الأكراد”، وتعهدت عدم السماح لأحد “أن يعبث بهذا النسيج المتكامل”، داعية إياهم بالبقاء في مناطقهم.
“تجول عناصر الجيش الوطني في الشوارع دون اعتراض أحد”، كما أنهم “قدموا كميات من الخبز للسكان”، أمس الإثنين، بحسب حسن، ومع ذلك ما يزال يشعر بالقلق ويخشى أن يكون هذا التعامل “مؤقتاً إلى حين هدوء الأوضاع”، وأن يرتكبوا “الانتهاكات” بعد وقف العملية العسكرية.