6 دقائق قراءة

تقارب دمشق وأنقرة: مصالح تتقاطع “ضد” شمال شرق سوريا

التقارب السوري- التركي يشكل خطراً على مستقبل شمال شرق سوريا، ويهدد الإدارة الذاتية، التي وصفت المصالحة بين الجانبين بأنها "مؤامرة كبيرة"، ضد الشعب السوري


15 يوليو 2024

القامشلي- بعد سلسلة من التصريحات التركية الرامية إلى إعادة العلاقات مع النظام السوري، اشترطت دمشق “انسحاب القوات الموجودة بشكل غير شرعي من الأراضي السورية، ومكافحة المجموعات الإرهابية التي لا تهدّد أمن سورية فقط، بل أمن تركيا أيضاً”، كما جاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية والمغتربين السورية، في 13 تموز/ يوليو الحالي.

في أعقاب التصريحات الرسمية السورية، جددت تركيا حديثها عن التطبيع، عبر وزير خارجيتها هاكان فيدان، مشيراً إلى أن الوضع في سوريا “معقد للغاية”، وهناك حاجة لبدء “الحديث عنه ومناقشة المشكلات”، معتبراً أن دعوة أردوغان “قيمة للغاية، وآمل أن يعوا قيمتها، وهذه ليست محطة لأي عجز أو ضعف”.

تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، التي جاءت بعد 13 عاماً من القطيعة، تشكل هاجساً أمام جميع الأطراف في سوريا، بما في ذلك المعارضة المدعومة من أنقرة، التي حاول فيدان طمأنتها بأن الموقف التركي لن يتغير تجاهها، لا سيما أنها كانت معهم جنباً إلى جنب “ضد التنظيمات الإرهابية منذ سنوات”، على حدّ وصفه.

لكن، هذا التقارب يبدو أكثر خطراً على مستقبل شمال شرق سوريا، ويبدو ذلك من تصريحات الإدارة الذاتية، الجناح المدني لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تحكم المنطقة عسكرياً، باعتبار الأخيرة مدرجة على قائمة الإرهاب التركية.

في أواخر الشهر الماضي، وصفت الإدارة الذاتية المصالحة -إن تمت- بأنها “مؤامرة كبيرة ضد الشعب السوري، وشرعنة واضحة للاحتلال التركي”، معتبرة أن “أي اتفاق مع الدولة التركية هو ضد مصلحة السوريين عامة وتكريس للتقسيم”، بحسب البيان.

ورغم موقف دمشق الرافض -مبدئياً- لدعوات أنقرة، إلا أن تصريحات وزير الخارجية العراقية، التي أعلن فيها عن أنّ بغداد ستستضيف قريباً اجتماعاً بين مسؤولين سوريين وأتراك، يشير إلى أن البلدين ربما قطعا شوطاً في إعادة العلاقات بينهما.

وقبل ذلك، نقلت صحيفة الوطن الموالية للنظام عن “مصادر متابعة”، في 30 حزيران/ يونيو الماضي، أن الاجتماع سيكون “بداية عملية تفاوض طويلة قد تفضي إلى تفاهمات سياسية وميدانية”. لو تمت هذه التفاهمات فإنها ستكون “موجهة ضد الإدارة الذاتية ومحاولة للقضاء عليها”، لا سيما أن الطرفين “لا يقبلان بأي حالة ديمقراطية في سوريا”، كما قال لـ”سوريا على طول”، علي رحمون، نائب الرئاسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية، الذراع السياسي لـ”قسد”.

ونفى رحمون وجود أي اتصالات جديدة مع دمشق للتخفيف من تداعيات التقارب مع أنقرة على المنطقة، مشيراً إلى أنه “كانت هناك لقاءات في عام 2019، بهدف الوصول إلى تفاهمات” مع الحكومة السورية،  “لكنها توقفت عام 2020”.

وكانت اللقاءات السابقة تركز على “المسائل الأمنية والخدمية، كون المنطقة مرتبطة بدمشق في كثير من القضايا، ولا بد من التنسيق على المستويين الأمني والإداري”، بحسب رحمون.

ترغب أنقرة بإجراء مفاوضات مع دمشق، في هذا التوقيت، نظراً لـ”الضغوط الداخلية التي تواجهها من معارضتها الداخلية أو من الائتلاف الحاكم”، وأيضاً رغبة منها بـ”تكوين علاقات جيدة مع روسيا، مناكفة للأميركي الذي يدعم قسد”، كما قال الكاتب والمحلل السياسي السوري غسان يوسف لـ”سوريا على طول” من مكان إقامته في دمشق.

وتوقع يوسف أن تسير الأمور نحو عقد اجتماعات بين ممثلين عن البلدين في بغداد، بعد تصريحات الأخيرة بذلك، وخاصة أن “الاجتماعات السرية لم تنقطع بين البلدين أصلاً، سواء في بغداد أو قاعدة حميميم أو موسكو”، وقد أفضت هذه الاجتماعات “إلى تسليم حلب للدولة السورية، والتزمت تركيا بهذا الاتفاق، الذي تم برعاية روسية”، على حد قوله.

مخاطر التطبيع

جاءت التصريحات التركية الأخيرة بشأن التطبيع مع دمشق في وقت تستعد الإدارة الذاتية إجراء الانتخابات البلدية بمناطق نفوذها، المزمع إجراؤها في آب/ أغسطس المقبل، وهي انتخابات رفضتها تركيا قبل أن يتم تأجيلها الشهر الماضي. 

هناك “هاجس سوري تركي مشترك”، من أن تقوم الإدارة الذاتية بإجراء الانتخابات المحلية، ومن ثم تطور إلى انتخابات برلمانية أو إلى الانفصال، لذا فإن التفاهمات إن حصلت بين أنقرة ودمشق “ستشمل مناطق الإدارة الذاتية”، بحسب يوسف، معتبراً أن المحادثات بين الطرفين “جادة”، وسيبنى عليها “تفاهمات واتفاقيات أمنية واقتصادية”، تساهم في “عودة العلاقات بشكل مقبول”.

اقرأ المزيد: حرب على الانتخابات البلدية في مناطق الإدارة الذاتية شمال سوريا

وأضاف يوسف: “لن توقف تركيا عملياتها العسكرية ضد شمال شرق سوريا”، لتوجيه رسالة إلى الولايات المتحدة أنها “لن تسمع بقيام كيان كردي على حدودي”، وبالتالي “لن يكون أمام قسد خيار سوى الحوار مع الدولة السورية، وعدم رفع سقف مطالبها”، وبالنتيجة “تحصل على إدارة محلية لا مركزية من دون أن يكون لها قوة عسكرية”.

تعليقاً على ذلك، قال العبسي طه، المعروف باسم أبو عمر الإدلبي، قائد لواء الشمال الديمقراطي التابع لـ”قسد” أن الأخيرة “في حالة استعداد وتأهب دائم، ونحن جاهزون لردع أي عدوان، والرد عليه بشكل حاسم للدفاع عن شعوب المنطقة”، كما قال لـ”سوريا على طول”، لافتاً إلى أن “أي سيناريوهات جديدة سيجري التعامل معها”.

ورغم أن التصريحات السورية التركية “بدت أنها إيجابية”، إلا أنها “لا تعكس حقيقة المواقف والسياسات لكليهما على مدى سنوات الأزمة”، بحسب طه.

لكن تصريحات “قسد” والمؤسسات الرسمية في شمال شرق سوريا لا تبدد مخاوف المدنيين في المنطقة، لأن أنقرة أطلقت خلال السنوات الماضية عمليتين عسكريتين، انتهت الأولى بالسيطرة على منطقة عفرين، ضمن عملية “غصن الزيتون”، عام 2017، والثانية بالسيطرة على مدينتي رأس العين (سري كانيه) بريف الحسكة، وتل أبيض بريف الرقة، ضمن عملية “نبع السلام”، عام 2019.

ومع الحديث عن التقارب السوري-التركي، تسود حالة من الخوف والترقب في أوساط المدنيين، لا سيما أنها تتزامن مع مواصلة أنقرة قصف أهداف في شمال شرق سوريا. أمس الأحد، فقد شخص حياته وأصيب آخر في ريف بلدة عين عيسى، بشمال شرق سوريا، إثر قصف تركي استهدف طريق حلب-اللاذقية الدولي (M4).

كذلك، تتعرض قرى مدينة منبج منذ ليلة أمس لقصف مصدره القوات التركية وفصائل المعارضة المدعومة منها، وفقاً لما نشره المجلس العسكري لمدينة منبج وريفها على حسابه الرسمي عبر فيسبوك.

وفي هذا السياق، دعا طه المجتمع الدولي لأن يأخذ دوره في “الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، والوقوف بحزم في وجه كل من يحاول زعزعة الاستقرار فيها، الذي من شأنه نشر الفوضى والإرهاب على نحو واسع”.

وشدد طه على إسهام روسيا في تحقيق نتائج على صعيد التقارب “سينعكس سلباً على الأزمة السورية”، لأن ما تسعى إليه موسكو “يجري بعيداً عن تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 للحل السياسي في سوريا “.

تواصلت “سوريا على طول” مع الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية، لمعرفة السيناريوهات التي يمكن أن تتبعها رداً على التقارب بين دمشق وأنقرة، لكنها لم تتلق أي رد حتى لحظة نشر هذا التقرير.

منع إقامة “دويلة” كردية

تختلف رؤى دمشق وأنقرة اليوم عما كانت عليه في السابق، وكلاهما يريد “أن يكون هناك نوع من التحول في جمود العلاقات بينهم”، وبناء على ذلك كان هناك رعاية روسية لعقد لقاءات ثنائية بين موسكو وأنقرة من جهة، وأخرى ثنائية بين موسكو ودمشق، “واليوم تذهب الأمور نحو انطلاقة جديدة للعلاقات إلى حد ما، وأهم مما كانت عليه سابق”، كما قال الباحث السياسي والمختص في الشأن التركي د.مهند أوغلو.

ومن شأن التقارب أن يدفع دمشق إلى “الصمت” عن أي تحرك عسكري تركي في شمال شرق سوريا، لا سيما عين العرب (كوباني) ومنبج وتل رفعت، بحسب أوغلو، لافتاً في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أن “الواقع الميداني سوف يتغير بشكل أساسي والعمليات العسكرية قادمة وبقوة”.

لا يمكن التنبؤ بالسيناريو المرتقب لشمال شرق سوريا، لأن “المنطقة أمام كثير من السيناريوهات”، بحسب أوغلو، لكن ما يمكن التأكيد عليه أن “تركيا لا تريد أن تستمر الإدارة الذاتية في إجراء الانتخابات البلدية، وتدرك دمشق بأن أنقرة محقة في تحقيق ذلك”.

وعزا أوغلو المخاوف التركية من الانتخابات إلى أنها قد تؤدي إلى “تشكيل نواة دويلة على حدودها، وربما تنتقل التجربة إلى المناطق الجنوبية بتركيا، من قبيل ديار بكر الحدودية مع سوريا، لهذا لن تسمح أنقرة بحدوث هذا في سوريا، وسوف تضرب قسد، الذراع المباشر لحزب العمال الكردستاني”، على حد قوله.

لكن، التهديدات العسكرية على المنطقة “لم تتوقف أبداً”، حتى من قبل الحديث عن الانتخابات البلدية، بحسب طه، مشيراً إلى أن “أنقرة مستمرة في عدوانها عبر الطائرات المسيرة والقصف الجوي والمدفعي”، الذي أوقع ضحايا مدنيين وخسائر مادية في المرافق الحيوية والاقتصادية ومصادر الطاقة والمياه.

وتعليقاً على ما نشرته صحيفة الوطن السورية، مطلع الشهر الحالي، أن الإدارة الذاتية أغلقت معابرها مع الحكومة السورية  رداً على التقارب السوري التركي، قال طه، قائد لواء الشمال الديمقراطي، أن “الحديث عن إغلاق المعابر شكل ضجة إعلامية مبالغ فيها”، مشيراً إلى أن “موضوع إغلاق المعابر، يحدث عندما تدعو الحاجة لذلك، وهي ليست المرة الأولى، وهذا الأمر يخضع لعدة اعتبارات تنظيمية أو اقتصادية أو أمنية، وهي تأتي لفترة معينة ومن ثم تعود الأمور لطبيعتها”.

من جهتها، نفت شيرا أوسي، عضوة الهيئة الرئاسية لمجلس سوريا الديمقراطية، الأنباء المتداولة عن قرب افتتاح معبر نصيبين الحدودي بين سوريا وتركيا، شمال شرقي البلاد، لأن “قوات السلطة في دمشق لا تسيطر إلا على المعبر في مدينة القامشلي، ويقتصر تواجدها على المربع الأمني فقط”، ناهيك عن أن ما يهم البلدين “فتح طريق غازي عنتاب-حلب من أجل تأمين نقل البضائع التركية إلى الأردن ومنها إلى الخليج العربي كون تركيا تعاني من أزمة اقتصادية خانقة”، على حد قولها.

لكن بمعزل عن مسار التطبيع، أكد علي رحمون، نائب الرئاسة المشتركة لمجلس سوريا، على أن استراتيجيتهم تتمثل بالعمل على “حوار سوري- سوري”، مشدداً على أن “الحل يجب أن يكون سياسياً وليس عسكرياً”.

شارك هذا المقال