ثلاث نساء يساهمن ببناء مستقبل سوريا من خلال أعمال مختلفة
بدأت النساء السوريات بتحمل مسؤوليات العائلة وأخذ دور المعيل، بشكل […]
3 مايو 2018
بدأت النساء السوريات بتحمل مسؤوليات العائلة وأخذ دور المعيل، بشكل متزايد، أثناء الحرب حيث يُقتل الأزواج أو الأبناء أو يتعرضون للاعتقال. وبالنسبة لكثير منهن، تعد هذه تجربتهن الأولى في سوق العمل.
تاريخياً، أثبتت مشاركة المرأة المتزايدة في قطاع الإنتاج والتجارة وريادة الأعمال بأنها عامل مهم من عوامل نجاح اقتصاد الدول الخارجة من الصراع، وفقاً لتقرير صادر عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة في عام ٢٠١٥ بعنوان “منع الصراع وتغيير العدالة وحفظ السلام”.
ويعزى ذلك بشكل جزئي إلى حقيقة أن النساء أكثر ميلا من الرجال، وفقا للتقرير، لإنفاق دخلهّن على احتياجات الأسرة، كالرعاية الصحية والتعليم، وبالتالي المساهمة بشكل كبير في الانتعاش الاجتماعي بعد انتهاء الصراع. وعلاوة على ذلك، يلعب التمكين الاقتصادي للمرأة دورا في دفعها للمشاركة في أنشطة المجتمع المدني.
وقالت أنيسة والجي، وهي خبيرة سياسية في هيئة الأمم المتحدة للمرأة متخصصة في عمليات السلام الشاملة للمساواة بين الجنسين”عندما تكون النساء متمكنة اقتصادياً، فإنهن في وضعيات أفضل للقيام بأدوار سياسية في مجتمعاتهن المحلية، وعلى سبيل المثال لعب دور قيادي في الوساطة وحل النزاعات داخل أو بين المجتمعات”.
كما أن زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، إذا استمرت، يمكن أن تلعب دوراً هاماً في مستقبل سوريا.
وعلى مدار الأسبوع الماضي، قامت سوريا على طول باستكشاف الأدوار المختلفة التي اتخذتها المرأة السورية للعمل من أجل السلام على المستوى الدولي وفي الداخل السوري، وفي هذه المقابلة الخامسة والأخيرة من سلسلتنا أجرينا مقابلات مع ثلاثة نساء: مزارعة وصحفية وعاملة، ومن خلال قيامهنّ بأدوار نشطة في مجال العمل، يأملن بتغيير مجتمعاتهن المحلية ونشر أسس السلام.
أرض زراعية في ريف درعا في أيار 2016. تصوير محمد أبازيد.
فاطمة أم فراس، 39 عاماً ، مزارعة من قرية غصم في ريف درعا الشرقي
حتى قبل مقتل زوج فاطمة أم فراس في عام 2013، كانت الأسرة تعاني من تكاليف المعيشة وتغطية نفقاتها. كان زوجها يعاني من مرض السرطان وكانت عائلته تعتمد اعتماداً كاملاً على راتبه التقاعدي الشهري من الحكومة، ولكن بعد خسارة ام فراس لهذا الدخل الشهري لم يكن أمامها سوى أن تبدأ مشروعها الزراعي الخاص من أجل تأمين مصاريف الحياة على نفسها وأطفالها الثلاثة في سن المدرسة.
ما الذي دفعك للعمل في الزراعة؟
أجبرت على العمل الزراعي بسبب ضيق العيش الذي نعاني منه في المرحلة الحالية بعد وفاة زوجي الذي قتل على يد قوات النظام منذ 5 سنوات، حيث كان هو المعيل الوحيد لنا.
فبعد أشهر من وفاة زوجي تم قطع الراتب الشهري التقاعدي، ولم أتمكن من تأمين مستلزمات منزلي ولقمة عيش أبنائي واحتياجاتهم الأساسية مثل النفقات المتعلقة بالمدرسة والقرطاسية والدفاتر.
كما أنني أجبرت عدة مرات لطلب سلفة مالية من معارفي وهذا الأمر كان من أشد المحن بالنسبة لي، لأنني لست معتادة على طلب المال من أحد.
وكان الحل الوحيد بالنسبة لي هو العمل بالزراعة وبيع الخضار، وقدم لي أخي الأكبر مبلغاً متواضعاً وهو 150ألف ليرة سورية لمساعدتي في البدء. وكتجربة أولية بدأت بالمشروع ضمن إمكانيات ضعيفة وبسيطة ومحدودة. بدأت بزراعة القليل من الخضار خوفاً من فشلي وعدم النجاح في المشروع.
وأول تجربة لي كانت جيدة نوعاً ما كونها كانت المرة الأولى التي أعمل بها بالأخص في زراعة الخضار.
ماهي أبرز التحديات التي واجهتك أثناء عملك بالزراعة؟
واجهت الكثير من الصعوبات خاصةً في البداية، وكان من الصعب بيع محصولي وكل يوم بعد جني المحاصيل يجب أن أذهب إلى أكبر عدد ممكن من المحلات والأسواق في القرية لبيع المحاصيل. ومن أبرز الصعوبات هي رفض أصحاب المحلات والأسواق شراء المحاصيل بسبب توفر نفس المحاصيل لديهم وبكميات كبيرة. كما كان غالبية أصحاب المحلات الذين يوافقون على شراء محصولي كانوا يحددون السعر الذي يناسبهم.
ساعدني أحد أقاربي، بعد أن رأى معاناتي والجهد الذي أبذله وأنا أتنقل بين محلات الخضروات ولا أستطيع بيع المحاصيل بالشكل الصحيح، من خلال بيع الطلبات الخاصة إلى معارفه، وبدأ يرافقني وينقلني بدراجته النارية إلى المحلات في القرية والقرى المجاورة لبيع منتجاتي، والحمد لله كان لذلك فضلاً كبيراً في تحسن البيع.
وأيضاً كان الحصول على بذور من أجل الزارعة مشكلة أخرى، فإن معظم البذور تتواجد في منطقتنا ولكن بأسعار باهظة جداً. كنت أقوم بتوصية الحافلات التي تسافر بين طريق درعا والسويداء، ثم انتظر لأيام إلى أن تصل البذور, وكنت أدفع تكلفة الشراء و النقل وتسهيل مرورها على الحواجز العسكرية ما بين المنطقتين.
الزراعة تحتاج إلى جهد وعمل مستمر وعناية بالمزروعات من خلال سقايتها والتنظيف حول الثمار ورش الأسمدة. وكنت أمضي أكثر من 7 ساعات يومياً للعناية بالمزروعات، ولم أكن معتادة على العمل الذي يتطلب جهداً جسدياً، حيث كانت هذه أول مرة أعمل فيها في مجال الزراعة، لذلك في البداية كانت معاناتي كبيرة من أجل الحصول على إنتاج صغير.
ما هي نظرة السكان والمجتمع حول عملك؟
نظرة مودة واحترام لأنني لجأت للعمل في منزلي لتأمين لقمة عيش أبنائي ولم ألجأ إلى الناس والجمعيات الخيرية. كنت بنظرهم امرأة مكافحة تحملت الظروف والصعوبات التي واجهتها.
نورا الباشا، ٢٩ عام، صحفية من السويداء
كانت نورا الباشا تحلم دائما بدراسة الصحافة، ومع زيادة شعورها بالإحباط بسبب عدم وجود تغطية إخبارية موثوقة في بلدها الأم في محافظة السويداء، قررت أن تستثمر وقتها في تعلم المهنة. وهي تعمل اليوم كصحفية مستقلة تقدم تقاريرها لوسائل إعلام مختلفة.
ما الذي دفعك للعمل في المجال الصحفي؟
السبب المباشر هو التعتيم الإعلامي الذي كانت تعاني منه السويداء نتيجة خروج الكثير من الناشطين خارج سوريا.
حاولت بعض وسائل الإعلام التي لها توجه معين، قدر الإمكان، أن تضعف صوت السويداء خدمة للتوجه الذي تنتهجه، ومن جهة أخرى تعتيم إعلام النظام ونقله صورة مغايرة للواقع بالسويداء بمحاولة منه ليظهر السويداء في الجهة الموالية له وهذا الشيء غير صحيح. شعرت أنه لابد من نقل صورة لحقيقة الواقع الذي تعيشه السويداء، ومن هنا بدأت.
بدأت العمل منذ قرابة ٤ أعوام. وقبل ذلك، كنت أقوم بنقل الحدث بشكل عشوائي. تعلمت العمل الصحفي بمساعدة أحد الصحفيين الرائعين ويدعى رواد مصطفى، المدير السابق لشبكة بلدي نيوز، الذي علمني طريقة كتابة الخبر والتقرير وأفسح لي المجال للعمل في مجال الصحافة. ثم بدأت بالعمل ببلدي نيوز تحت إشرافه مباشرة وكان يجلس ساعات طوال يعلمني طرق كتابة التقرير والمقال والخبر.
سوق في كفرنبل بمحافظة إدلب. تصوير: شبكة أخبار كفرنبل.
كيف كانت ردة فعل عائلتك وأصدقائك عندما بدأت بالعمل كصحفية؟
تلقيت الكثير من الدعم لاسيما من قبل عائلتي وعلى وجه الخصوص والدي وشقيقي الذين منحاني الكثير من الحرية، ووقفوا إلى جانبي بكثير من المواقف وقدموا لي المساعدة. كما تلقيت تشجيعا من أصدقائي وحتى من إحدى الشرائح المتدينة في المجتمع وهذا ما شد من عزيمتي.
ماهي أبرز التحديات التي واجهتك أثناء عملك كصحفية في السويداء؟
أبرز الصعوبات التي واجهتها هي عدم القدرة على التنقل بحرية والخوف من الملاحقة والاعتقال نتيجة ملاحقة النظام للإعلاميين المعارضين.
وطبعا الإحباط من الواقع وعدم القدرة على التغيير المطلوب، وأحيانا بسبب البقاء على اطلاع مباشر على أخبار القتل والدم والأطفال. لكن بالرغم من كل الصعوبات والخوف والوصول لمرحلة الإحباط واليأس، إلا أنها كانت من أهم التجارب في حياتي.
هل واجهت أي تحديات أو صعوبات متعلقة بكونك امرأة؟
طبعا أنا من ريف السويداء ومن قرية تقريبا كل الناس هناك تعرف بعضها البعض. البنت لها خصوصية بهذا المجتمع كأي مجتمع شرقي فهناك تخوف من أي أذى قد يلحق بي كوني امرأة. وبما أنني فتاة وموجودة ضمن مجتمع شرقي له عادات وتقاليد جعلني أعمل ضمن نطاق محدد وحتم علي مراعاة الكثير من عاداته وتقاليده، فلا أستطيع التحرك بكل الأوقات لتغطية ونقل الحدث مباشرة.
كما أن أي تعرض الفتاة للاعتقال قد يكون كارثة بحسب وجهة نظر المجتمع، لذلك كان يتوجب علي أن اتحرك بحذر كبير كي لا أعرض الناس المحيطة بي لأي مشاكل.
ولن أقول أن هذه صعوبات، إنما هي عثرات صغيرة.
برأيك ما هو تأثير الحرب على فرص العمل للنساء في السويداء؟
المرأة في السويداء باتت شريكة للرجل في كل مجالات الحياة.
قبل ١٥ سنة كان دور المرأة محصور نوعا ما بتربية الأطفال والاهتمام بشؤون المنزل. حاليا المرأة تشارك بميدان العمل جنبا إلى جنب مع الرجل وفي أغلب مجالات الحياة، باتت المرأة شريكة بشكل فعلي مع الرجل، حتى في المجالات التي لم يكن مسموح بها من قبل.
دلال نجار، 22 عاماً، عاملة في كفرنبل في إدلب
منذ أن أصيب زوجها بالشلل في حادث دراجة نارية عام 2014 عملت دلال نجار، وهي ربة منزل سابقة، في وظائف متنوعة في إدلب من أجل تأمين قوت يومها لها و لأبنها البالغ من العمر ثلاث سنوات. ولا تزال النجار في سن الثانية والعشرين، إلا أن الجهد الذي بذلته أثرت بالفعل على جسدها.
هل يمكنك إخبارنا كيف بدأت عملك؟
تعرض زوجي لحادث دراجة نارية. كسر رأسه وكتفه وفقد سمعه وأصيب بشلل نصفي. لقد مرت ثلاث سنوات على الحادث وما زال يخضع للعلاج. بعد الحادث الذي تعرض له زوجي خرجت للبحث عن عمل وعملت بالحصاد، وبدأت العمل بملئ الشاحنات بسماد الزرع. كما كنت أجمع الأحجار الصغيرة التي تستخدم في أساسات البناء. وعملت أيضاً في روضة أطفال وكان لدي راتب ولكن بعد توقف الراتب أُجبرت على العمل في وظائف أخرى.
[ كانت النجار تعمل في روضة أطفال تديرها منظمة مزايا الغير ربحية. وقال مؤسس منظمة مزايا لسوريا على طول مقابلة سابقة أن المنظمة تكافح لتأمين تمويلها].كيف كانت تجربتك مع العمل؟
حالياً أعمل بشكل أقل لأنني أصبت بديسك و انزلاق في الغضاريف والفقرات القطنية الرابعة والخامسة والتهاب في المفاصل. هذه ضريبة العمل الذي أدفعها من أجل أن أعيل ابني وزوجي.
ومع ذلك ، يكفي أنني أستطيع سد احتياجات أسرتي وتأمين طلباتهم. بدأت أشعر بأهميتي في المنزل وبين الآخرين، وهذا الشيء ساعدني في تغيير حالتي النفسية وبدأت أشعر بقيمتي.
كيف كانت ردة فعل المجتمع على عملك؟
لو لم يقدر الله لزوجي أن يصاب لما كان سمح لي بالعمل خارج المنزل. طلبت منه قبل أن يتعرض للحادث أن يسمح لي الالتحاق بدورات خياطه أو تمريض لكنه لم يكن يقبل، وفي كل مرة كان يقول “المرأة شغلها بيتها وبس”.
تعرضت لانتقادات من قبل الكثير من الناس بسبب عملي، بالرغم من أنهم يعرفون ظروفي الصعبة. كانوا يقولون إن هذا ليس عملي ويجب أن أجد شخصًا يكفل ويؤمن مصاريفي. لكن إن كنت لم أجد من يكفلني فكيف أترك عملي وابني بحاجة للحليب؟، وكيف أترك زوجي الذي تصيبه نوبات عصبية دون تأمين الدواء؟
كلام الناس لم يؤثر علي أبدا لأني مسؤولة عن بيت وأسرة وهم بحاجة لرعاية. ابني صغير وزوجي مريض لا أستطيع التخلي عن عملي.
برأيك كيف سيكون وضعك لو لم يكن هناك حرب؟
لم أكن سأفكر بهذا العمل لو لم يكن هناك حرب لأن وضعي سوف يكون مختلفا تماما عن الآن. لو وجدت من يقدم لي المساعدة ما كنت سعيت ليلا ونهارا حتى أؤمن مصروف البيت. وقبل الحرب الناس كانت معيشتها أفضل وقادرة على تقديم المعونة للمحتاجين، أما الآن الوضع صعب جدا وبالكاد يستطيعون تأمين مصاريف أسرهم.