جنوب سوريا: النظام يبحث عن “هيبته المفقودة” بمعارك أمنية
يسعى النظام من خلال التهديد بعمليات الاقتحام والضغط بالقوة العسكرية إلى تحصيل شروط وبنود إضافية في اتفاق التسوية، لفرض قبضته الأمنية في المنطقة
25 أغسطس 2020
عمّان – رغم تزايد تلويح دمشق بعمليات اقتحام عسكرية جنوب سوريا، خلال الأشهر الماضية، ولاسيما في محافظة درعا، يتأكد بشكل أكبر، كما رأت مصادر في المنطقة، أنه تلويح كاذب. في المقابل، وبعد مضي سنتين على استعادة القوات الحكومية السيطرة على جنوب البلاد بموجب “اتفاق تسوية” (مصالحة) رعته روسيا يعمل النظام السوري على ترسيخ مرحلة جديدة قوامها العمليات الأمنية بديلاً من العمليات العسكرية.
ويتمثل مدخل المرحلة الأمنية الجديدة في إشاعة حالة من الفوضى الأمنية في محافظة درعا خصوصاً، لاسيما عمليات الاغتيال ومحاولة الاغتيال التي تستهدف منتمين لأطراف الصراع كافة.
في هذا السياق، وصلت، مطلع آب/أغسطس الحالي، تعزيزات عسكرية من القوات الحكومية إلى محيط مدينة جاسم، شمال غرب درعا، بالتزامن مع تهديدات أطلقها ضباط النظام باقتحام المدينة. على إثر ذلك، عقدت لقاءات بين لجان التفاوض في محافظة درعا و”المجموعة الأمنية” في جنوب سوريا التابعة لدمشق، والتي يرأسها اللواء حسام لوقا، انتهت بعقد اتفاق لم يعلن أي من الطرفين تفاصيله بشكل رسمي.
لكن قيادياً عسكرياً من المدينة كشف لـ”سوريا على طول” أن الاتفاق الجديد الذي جنب المدينة عملية اقتحام، شمل عدة بنود أهمها: نشر دوريات مشتركة في المدينة مما يُعرف بفصائل التسوية التي تضم مقاتلين سابقين في المعارضة، وعناصر أمن الدولة، ورفع قوائم بأسماء المقاتلين في المدينة.
والأسبوع الماضي، طلبت المجموعة الأمنية وقيادة الفرقة الرابعة من قادة عناصر التسويات في ريف درعا الغربي تجهيز مجموعات عسكرية للالتحاق بجبهات القتال في ريفي حماة وإدلب شمال غرب سوريا، الأمر الذي قوبل بالرفض.
نتيجة لذلك، توغل، يوم السبت الماضي، رتل عسكري من الفرقة الرابعة والأمن العسكري في بلدة تل شهاب على الحدود السورية-الأردنية، وتم تنفيذ حملات دهم وتفتيش لعدد من المنازل في البلدة، إضافة إلى نشر عدة حواجز في محيط بلدة المزيريب، غرب درعا.
ورأى مسؤول عسكري سابق في المعارضة بريف درعا، أن الهدف من الحملة هو “صيد بعض الأسماء التي تقف في وجه خطة النظام بالمنطقة”. مضيفاً لـ”سوريا على طول”، شريطة عدم الكشف عن هويته، أن المعركة في جنوب سوريا تحولت إلى “معركة أمنية صامتة”، ومستبعداً بالتالي أن يقوم النظام بأي عمليات اقتحام عسكري.
وكشف المصدر ذاته أنه جرت خلال الأيام الأخيرة “لقاءات بين لجان التفاوض والنظام. وكان هناك تهديد بارد من الطرفين”. مضيفاً: “الأمور تتجه نحو حرب أمنية طاحنة أقرب إلى العراق”.
ويسعى النظام من خلال التهديد بعمليات الاقتحام والضغط بالقوة العسكرية إلى “تحصيل شروط وبنود إضافية في اتفاق التسوية، لفرض قبضته الأمنية في المنطقة”، بحسب ما قال القيادي العسكري من مدينة جاسم. وهو ما لم يتحقق إلى الآن بحسب عضو مفاوض في اللجنة المركزية في درعا، والتي تتولى مهام التفاوض مع النظام وممثلي الجانب الروسي.
البحث عن الذات
في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، عين بشار الأسد اللواء حسام لوقا رئيساً للمجموعة الأمنية في جنوب سوريا، خلفاً للواء قحطان خليل. وهو ما بدا بمثابة منعطف حاد في شكل المعركة في المنطقة، لاسيما وأنه جاء في وقت تزايدت فيه الاحتجاجات الشعبية، والعمليات العسكرية التي تستهدف القوات الحكومية في المحافظة.
وخلال اجتماعه بعدد من أعضاء لجان التفاوض في درعا، عقب أيام من تعيينه، شدد لوقا على أن تعيينه في المنصب الجديد جاء لـ”فرض هيبة الدولة، وإنهاء المظاهر المسلحة، وتسليم المطلوبين [للأجهزة العسكرية والأمنية] والسلاح”، بحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول” في وقت سابق عضو في اللجنة المركزية بدرعا حضر الاجتماع.
ويوم أمس الإثنين، اعتبر العضو المفاوض ذاته أن “النظام يبحث عن هيبته المفقودة”، إضافة إلى أنه “يعيش حالة من التخبط”. موضحاً في حديث لـ”سوريا على طول” أن النظام “تارة يريد من شباب المنطقة الغربية الذهاب إلى حماة، وتارة يريد سحب البطاقات [الأمنية] منهم، وتارة أخرى يريد تفتيش المنطقة بداعي وجود خلايا إرهابية فيها”. ولتكون النتيجة بتوصيفه أن “النظام يبحث عن ذاته ولن يجدها”.
في تفسير ذلك، يرى المفاوض “أن من يوصل المعلومات لقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية يبالغ فيها، ويخلق نوعاً من الفزع لديهم”، وأنه “فيما بعد تبين لنا أن بعض عمليات الاقتحام التي يتم الحديث عنها غير صحيحة. إنما تكون حقيقتها عملية أمنية وتفتيش للبحث عن أشخاص”، بذريعة “ضرورة القضاء على الفلتان الأمني في درعا، وخلايا تنظيم الدولة”.
وكلاء محليون
اعتمد رئيس المجموعة الأمنية السابق، قحطان خليل، كما خلفه حسام لوقا، إضافة إلى قادة القوات الحكومية في درعا، على لجان محلية مكونة من قادة عسكريين وعناصر سابقين من المعارضة لتنفيذ عمليات خطف واغتيال ضد أهداف تحددها دمشق. ومن أبرز تلك المجموعات، مجموعة القيادي مصطفى المسالمة، المعروف بـ”الكسم”، والذي يتبع للأمن العسكري. وأيضاً مجموعة القيادي عماد أبو زريق الذي يتبع للأمن العسكري أيضاً. ويتهم أبو زريق بتنفيذ عشرات عمليات الاغتيال قبل وبعد التسوية، لكونه تسلم خلال السنوات الماضية، وحتى توقيع اتفاق التسوية، الملف الأمني في جيش اليرموك ومن ثم في جيش الثورة، من فصائل المعارضة سابقاً.
هناك أيضاً مجموعة القيادي أبو علي اللحام، التابع للأمن العسكري. وكان اسم اللحام قد ظهر خلال الأسبوع الماضي مع اقتحام قواته، يوم الأربعاء الماضي، وقوات أبو زريق، مدعومة من قبل قوات النظام، قرية أم ولد شرق درعا، والتي ينحدر منها اللحام. على إثر ذلك. وقد جاء الاقتحام على خلفية خلافات عشائرية بين مجموعة اللحام ومجموعة عسكرية أخرى داخل القرية، وأدت إلى اشتباكات مع عناصر من أبناء القرية متحصنين داخلها، استمرت حتى ظهر يوم الخميس الماضي. إذ توقف الاقتتال بتدخل قوات من اللواء الثامن، الذي يقوده القيادي السابق في المعارضة أحمد العودة، والتابع للفيلق الخامس،المدعوم من روسيا.
وبحسب المسؤول العسكري السابق في المعارضة، من ريف درعا، فإن”الهدف من صناعة هذه المجموعات المحلية هو ضربنا بأيدي أبنائنا، لأنهم الأقدر على اختراقنا”. ولاحقاً يتخلص النظام من “هذه الأدوات [المجموعات المحلية] والمعارضة عبر حرب أهلية” بينهما.