حادثة خطف في السويداء تلمّ الضيعة
في ليلة باردة مطلع كانون الأول، تلقّى مؤيد، 29عاماً، الذي […]
20 سبتمبر 2017
في ليلة باردة مطلع كانون الأول، تلقّى مؤيد، 29عاماً، الذي يعمل كهربائي في محافظة السويداء، الخاضعة لسيطرة النظام، اتصالاً هاتفياً، من شخص ادّعى أنه صديقٌ لشقيقه الأكبر، ويحتاج مساعدة لأن سيارته تعطلت.
أنهى مؤيد عمله في ذلك المساء، وتوجه لمساعدة الرجل المقطوع في الطريق على أطراف قريته، غربي السويداء، والتي طلب آلا يذكر اسمها، وحين وصل وجد مجموعة من الرجال يقفون خارج سيارة “فان” مركونة على جانب الشارع.
وآخر ما يذكره مؤيد من ذلك المشهد هو لكمة على قفا رأسه ضربه بها أحد الرجال أدخلته في غيبوبة.
وقال مؤيد، لنورا الباشا، مراسلة سوريا على طول في محافظة السويداء “عندما صحوت وجدت نفسي معصوب العينين، وكان “الفان” لايزال يسير، ومن طريقة سيره شعرت بوعورة الطريق”.
مؤيد هو واحد من آلاف السوريين الذين اختطفوا في دوامة الحرب بسوريا، ورغم أنه يعيش في محافظة السويداء، المستقرة نسبياً، إلا أن تقارير سوريا على طول تشير إلى أن الاختطاف لا يزال شائعاً فيها نسبياً.
فمن وراءه؟ لا يزال الأمر غامضاً، ولكن الجناة غالباً ما يستغلون غياب الوجود العسكري لضباط أمن النظام في المحافظة، فيختطفون المدنيين لينتزعوا الفدية من أهاليهم.
في البقعة التي يسكنها مؤيد من محافظة السويداء، القانون العشائري مقدس، ولذا فإن قصة اختطافه أصبحت قضية ضيعته بأكملها، وحين سمع القرويون بأن لهجة الخاطف من الحوارنة في محافظة درعا الخاضعة لسيطرة الثوار والمحاذية للسويداء، أغلقوا الطريق الرئيسي بين المحافظتين وبدؤوا باعتقال الرجال من درعا، وفق ما قال أبو كفاح، والد مؤيد لسوريا على طول.
وفيما يلي يسرد أبو كفاح كيف سعت قريته لإنقاذ واحد من أهلها.
أبو كفاح، والد مؤيد.
كيف علمتم باختطاف ابنكم؟
في ذات ليلة من ليالي هر كانون الثاني، تأخر مؤيد على غير عادته، اتصلنا به كان هاتفه خارج التغطية، عندها توجه إخوته إلى المكان الذي كان يعمل به بالقرب من القرية، لم نجد له أي أثر، بحثنا عنه في منازل كل أصدقائه واتصلنا بأصدقائه من خارج القرية ولم نعثر عليه.
ليلة اختطافه لم ينم أحد منا، واجتمع رفاق مؤيد في بيتنا، وبسبب قصص الخطف توقعنا أنه تعرض للخطف، في اليوم التالي، حوالي الساعة 4 مساء، ورد اتصال لشقيق مؤيد الأكبر من رقم مؤيد ذاته وأخبرنا حرفيا “مؤيد عندنا تدفعوا 50 مليون تاخذوه”، بعدها حاولنا الاتصال على الرقم إلا أنه أصبح خارج التغطية، وقال شقيق مؤيد الأكبر: “إن اللهجة “حورانية”، فأقدم إخوة وأصدقاء مؤيد على قطع الطريق الرئيسي الذي يصل قرى ريف السويداء الغربي بريف درعا الشرقي، واحتجزوا عدداً من أبناء درعا الموجودين في القرية وعدداً من السيارات التابعة لمحافظة درعا، وتم نقل المحتجزين “لمضافتنا بالقرية”.
مدنيون يسيرون أمام أحد دوارات مدينة السويداء، حقوق الصورة لـ”نورا الباشا”
ألم تشعروا بالذنب تجاه المحتجزين من أبناء درعا؟ كيف تمت معاملتهم؟
طبعاً “مثل ما بقولوا بالسويداء شو جبرك عالمر، قلو الأمر”، بمعنى أنه وإن بعنا منزلنا وكل ما نملك لا يمكننا جمع المبلغ، وكنا مضطرين للضغط على العصابة، ولكننا عاملنا المحتجزين معاملة الضيف في جبل العرب، وأخبرناهم أننا لسنا هواة قتل أو خطف، فقط نريد أن يرجع لنا ابننا، حتى أنهم تعاطفوا معنا وبدؤوا يتواصلون مع أقاربهم في ريف درعا للبحث عن مؤيد.
كيف تواصلتم مع العصابة وماهي مطالبهم؟
كنا نحاول الاتصال برقم مؤيد لأنهم لم يمنحونا أي رقم آخر ودائماً الجهاز المحمول مغلق وخارج التغطية، لذلك كنا ننتظر اتصال منهم، وبالوقت ذاته نتواصل مع أقارب المحتجزين لدينا إما ليحاولوا معرفة العصابة الخاطفة، أو ليدفعوا المبلغ للخاطفين، وبعد الاتصال الأول ورد اتصال بعد الخطف بيومين، يومها حاولنا مفاوضة الخاطفين على المبلغ وأخبرناهم بأنه ليس لدينا القدرة المادية لدفع المبلغ الذي طلبوه، فأغلقوا الهاتف، وعاودوا الاتصال بنا بعد ساعة، أخبرونا أنهم أنزلوا المبلغ لـ 10 ملايين ليرة وأي تفاوض آخر سينهون حياته، هنا لم نعد نجرؤ على مفاوضتهم على قيمة المبلغ، لاسيما بعد إصابة والدته بوعكة صحية على خلفية الاتصال، حيث أصبحت تتوسل الجميع بعدم المساومة على مؤيد، الأمر الذي جعلنا نقبل بدفع 10 ملايين ليرة.
هل فكرتم بإخبار قوات الأمن؟
لا لم نخبر قوات النظام لأن مؤيد مطلوب للخدمة العسكرية.
كيف تمت عملية التسليم والاستلام؟
اتصلت بنا العصابة بعد أن جمعنا المبلغ من أقربائنا ومن أهالي المحتجزين لدينا من أبناء درعا، وذلك في يوم 18 كانون الثاني، يومها توجه عمّ مؤيد وشقيقه بسيارة وبحوزتهم المبلغ، وبالمكان المحدد بالقرب من قرية صما أعطوا المبلغ لأقارب أحد المحتجزين لدى عائلة مؤيد، والذي بدوره أخذ المبلغ وقال إن العصابة كانت قد تواصلت معه وأخبرته بمكان عليه أن يضع فيه النقود، ويمضي وبالفعل تم وضع المبلغ إلى الغرب من قرية صما، وبعد أربع ساعات، وصل مؤيد مكبل اليدين والقدمين وتم نزع سترته وإغلاق فمه بقطعة قماش، وقال إنهم رموه بالقرب من القرية في الريف الغربي بمنطقة غير مأهولة، وأشاروا له إلى الضوء وقالوا إن الضوء هو لحاجز قريتكم امضِ باتجاهه مباشرة دون أن تلتفت للخلف، وبالفعل وصل إلى حاجز القرية قرابة الساعة التاسعة والنصف مساء، وأفرجنا عن المحتجزين من أبناء درعا في الساعة ذاتها.
مؤيد فاضل، 29عاماً كهربائي في ريف درعا.
كيف أنت الآن؟
تركت هذه الحادثة أثرا سيئاً في حياتي، فبعد الحادثة لزمت منزلي 4 شهور دون أن أرى أحداً بسبب الضغط النفسي، ولأن شعورك وأنت مهدد بالقتل في أي لحظة أسوأ بألف مرة من إفراغ مخزن روسية بصدرك، ولأنني أحسست “بإنو انضحك علي”، بالإضافة لأنهم لم يعيدوا لي المسدس ولا جهاز المحمول حتى بعد دفع أقاربي للفدية.
هذا أكبر انكسار تعرضت له في حياتي.
ترجمة:فاطمة عاشور