8 دقائق قراءة

حرب على الانتخابات البلدية في مناطق الإدارة الذاتية شمال سوريا

بعد اعتراض ومقاطعة محلية، ورفض إقليمي ودولي، بلغ حدّ تهديد تركيا باجتياح عسكري لشمال شرق سوريا، أعلنت الإدارة الذاتية تأجيل الانتخابات البلدية "استجابة لمطالب الأحزاب والتحالفات السياسية" المشاركة في الانتخابات


10 يونيو 2024

الحسكة- بعد اعتراض ومقاطعة محلية، ورفض إقليمي ودولي، بلغ حدّ تهديد تركيا باجتياح عسكري لشمال شرق سوريا، وتشكيك الولايات المتحدة الأميركية في توافر الشروط والظروف الملائمة في المنطقة، أعلنت الإدارة الذاتية، في السادس من حزيران/ يونيو الحالي، تأجيل الانتخابات البلدية المزمع إجراؤها اليوم، الموافق 11 حزيران/ يونيو إلى آب/ أغسطس المقبل.

جاء تأجيل الانتخابات، بحسب الرواية الرسمية، “استجابة لمطالب الأحزاب والتحالفات السياسية المشاركة في العملية الانتخابية، وحرصاً على تنفيذ العملية الانتخابية بشكل ديمقراطي”. هذا التأجيل هو الثاني، بعد أن أجلت الإدارة الذاتية الانتخابات من أيار/ مايو إلى حزيران/ يونيو لأن الوقت “غير كافٍ”.

ونفى نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية، حمدان العبد، تأجيل الانتخابات بسبب “ضغوط إقليمية أو دولية”، مشدداً على أن السبب “عدم الجاهزية الكاملة للأحزاب لنشر مشروعها الانتخابي”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”. 

بدورها، قالت روكان ملا إبراهيم، الرئيسة المشتركة للمفوضية العليا للانتخابات في الإدارة الذاتية، لـ”سوريا على طول” أن أسباب التأجيل “داخلية”، تتعلق في “عدم إيصال البطاقات الانتخابية لجميع سكان المنطقة المنشغلين حالياً بفترة الحصاد، وبناء على طلب الأحزاب والتحالفات السياسية المشاركة في الانتخابات”، نافية وجود رابط بين التهديدات التركية وتأجيل الانتخابات. وسائل إعلام تركية ربطت التأجيل  بتحذيرات أنقرة “بعدم السماح بإقامة دولة إرهابية في المنطقة” على حد وصفها.

وتأتي الانتخابات البلدية، بعد أن صادقت الإدارة الذاتية في كانون الأول/ ديسمبر 2023، على عقدها الاجتماعي الجديد، وهو بمثابة دستور ينظم إدارة مناطق سيطرتها، وشمل العقد الجديد تغيير هيكلية مؤسساتها بما في ذلك البلديات، حيث تم استحداث اتحاد البلديات في شمال شرق سوريا بقانون رقم 4 لعام 2024 على أن يقوم بدور هيئة البلديات في المنطقة.

بموجب الانتخابات البلدية، يختار الناخبون والناخبات رؤساء المجالس البلدية وأعضاءها، في 134 بلدية موزعة على سبع مقاطعات (الجزيرة، الرقة، دير الزور، الفرات، الطبقة، عفرين، منبج)، بحسب التسميات الإدارية للإدارة الذاتية، وهي تختلف عن التسميات الإدارية المعتمدة لدى حكومة دمشق.

في نيسان/ أبريل الماضي، صادقت الإدارة الذاتية على قانون البلديات المؤلف من 62 مادة، ويتضمن القانون الجديد تحديد مهام البلديات وصلاحياتها، التي تشمل قضايا خدمية وقانونية.

وفي مادته الثالثة، أوضح القانون من يحق لهم التصويت، وهم “كل مواطن يتبع قيد نفوسه لمناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا ومن في حكمه كمكتومي القيد والمجردين من الجنسية، وتتوفر فيهم الشروط القانونية والأهلية للتصويت في الانتخابات”.

وبلغ عدد المرشحين للانتخابات، 5336 شخصاً، بينهم 270 مرشحاً مستقلاً، وتجاوز عدد مراكز الاقتراع ألفي مركز، ووصلت البطاقات الانتخابية إلى نحو 80 بالمئة من الناخبين الذين يحق لهم التصويت، وما زالت عملية التوزيع مستمرة، بحسب أرقام حصلت عليها “سوريا على طول” من المفوضية العليا للانتخابات، التي تضم 20 عضواً من كافة المقاطعات في شمال شرق سوريا.

ودخلت الأحزاب المشاركة في الانتخابات ضمن تحالفات أو بشكل مستقل، إذ ضم “تحالف الشعوب والنساء من أجل الحرية” 22 حزباً وحركات وتنظيمات نسوية، بينما ضمت قائمة “معاً لخدمات أفضل” خمسة أحزاب، وأربعة أحزاب شاركت بشكل مستقل، كما أوضحت إبراهيم. 

وقدرت إبراهيم عدد الناخبين بنحو مليونين إلى مليونين ونصف المليون ناخب، مشيرة إلى أنه لا يمكن تحديد الرقم الدقيق إلا بعد الانتهاء من توزيع كافة البطاقات الانتخابية.

اعتراض محلي

قوبلت مساعي إجراء الانتخابات البلدية في شمال شرق سوريا بانتقادات كبيرة ومعارضة من جهات داخلية وخارجية، بما في ذلك المجلس الوطني الكردي السوري، الذي قال في بلاغ صدر في 27 أيار/ مايو الماضي أن الانتخابات البلدية تجري في “بيئة غير محايدة ومحسومة النتائج وتفتقر إلى الشرعية”، معلناً مقاطعة الانتخابات.

وحذر اسماعيل رشيد، عضو اللجنة السياسية لحزب يكيتي الكردستاني-سوريا (أحد الأحزاب المنضوية في المجلس الوطني)، من مضي الإدارة الذاتية في الانتخابات دون أخذ المواقف الرافضة بعين الاعتبار، لأن “أوضاعاً كارثية وتداعيات خطيرة تنتظر مناطقنا” حال إجراء الانتخابات، لاسيما أن “حزب الاتحاد الديمقراطي PYD وارتباطهم مع PKK يعطي ذريعة لتركيا بالتدخل في مناطقنا”.

ومن أسباب عدم مشاركة المجلس في الانتخابات “تفرد حزب الاتحاد الديمقراطي PYD بالقرارات واحتكاره للحياة السياسية من خلال سلطة أمر الواقع”، إضافة إلى “عدم توفر البيئة المناسبة للانتخابات والاستقرار”، كما قال رشيد لـ”سوريا على طول”، ناهيك عن أن “نصف شعبنا مهجر، ولا يوجد اتفاق سياسي على المسار السوري، وهو مخالف للقرارات الأممية وخاصة 2254”.

مشاركة المجلس الوطني في الانتخابات مرهون بـ”إيقاف PYD لعمليات حرق مقرات المجلس، ووقف الاعتقالات وتجويع الشعب، وعدم التفرد كحزب بمصير شعبنا عبر تحكم كوادر PKK  بمفاصل المنطقة”، بحسب رشيد.

تعرضت مكاتب المجلس الوطني في شمال شرق سوريا لعمليات إحراق متعمدة أكثر من مرة، ورغم إدانة الإدارة الذاتية لهذه الحوادث وتأكيدها على ضرورة محاسبة الفاعلين وتقديمهم للعدالة، إلا أن المجلس يتهم الإدارة الذاتية بالوقوف وراء هذه الحوادث.

تعليقاً على رفض المجلس الوطني في الانتخابات، قال حمدان العبد: “إن المجلس الوطني ليس حراً في قراره، وهذا ما يمنعه من المشاركة في الانتخابات”، في إشارة إلى أن وجود ضغط من أنقرة والمعارضة السورية على المجلس، كونه جزء من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، أكبر جسم سياسي سوري معارض، الذي يتخذ من تركيا مقراً له.

وكان الائتلاف الوطني قد أصدر بياناً في الأول من الشهر الحالي، أكد فيه “عدم شرعية الانتخابات”، وصفاً إياها بأنها محاولة “لنسف العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، وتهدف إلى الالتفاف على قرارات مجلس الأمن ذات العلاقة بسورية”.

ويتماشى تصريح عبد الحكيم بشار، نائب رئيس الائتلاف عن المجلس الوطني الكردي، مع بيان الائتلاف، إذ اعتبر أن “الانتخابات تجري خارج القرار الأممي 2254  وتتناقض معه، لا سيما أن القرار ينص على أن تأتي الانتخابات في المرحلة الأخيرة، يسبقها اتفاق سياسي وحكم شامل غير طائفي ودستور جديد”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

وذهب بشار في نقده للانتخابات إلى أنها ليست خدمية كما يتم تصويرها، وإنما أحد أهدافها “إعطاء صورة مزيفة بأن سكان شرق الفرات يديرون أنفسهم”، بينما “الجميع يعلم أن كوادر حزب العمال الكردستاني يديرون المنطقة من وراء الستار، ويتحكمون بجميع القرارات”.

رداً على هذه الاتهامات، أكد العبد على أن هدف الانتخابات تطوير العمل الخدمي، وأن الإدارة الذاتية  “إدارة مجتمعية ديمقراطية، وحكم الشعب نفسه بنفسه، وتجسيد حقيقي لمفهوم اختيار الشعب لممثليه”، معتبراً أن اعتراض الأطراف الداخلية والخارجية للانتخابات “مبنية على مصالحها”.

من جهتها، لم تعلن حكومة دمشق عن موقفها الرسمي حيال انتخابات شمال شرق سوريا، إلا أن جريدة الوطن المقربة من النظام نقلت عن مصادر لم تسمّها، أن “المشروع الانفصالي القائم حالياً مرفوض رفضاً قاطعاً ولا سلطة شرعية لما يسمى الإدارة الذاتية للقيام بانتخابات في المناطق التي تسيطر عليها والانتخابات الوحيدة الشرعية المعترف بها هي انتخابات الإدارة المحلية التي جرت تحت سلطة الدولة السورية”.

وأرسلت مصادر “الوطن” تهديداً مبطناً، مفاده أن إجراء الإدارة الذاتية للانتخابات “سيترتب عليه تبعات سياسية وميدانية”.

“الحكومة السورية تخشى تأييد وقبول شعوب شمال شرق سوريا لمشروع الإدارة الذاتية، وتريد العودة إلى ما قبل عام 2011، لذا قهي ترفض الانتخابات”، ردّ العبد على موقف النظام.

رفض إقليمي ودولي

في موقف هو الأكثر حدّة، لوّحت تركيا بشن عملية عسكرية على شمال شرق سوريا إذا مضت الإدارة الذاتية في انتخاباتها، كما جاء على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في أواخر أيار/ مايو الماضي، قائلاً أن بلاده تتابع عن كثب “الأعمال العدوانية التي تقوم بها المنظمة الإرهابية ضد وحدة أراضي بلدنا وسوريا بذريعة الانتخابات”.

وفي 29 من أيار/ مايو الماضي، قالت وزارة الدفاع التركية أن أنقرة لن تسمح بفرض أمر واقع يهدد أمنها القومي وينتهك وحدة أراضي سوريا.

استنكرت روكان ملا إبراهيم التصريحات التركية، مؤكدة أن الانتخابات “شأن داخلي لا يحتاج إلى قرار دولي، وأنها لا تشكل خطراً على الأمن القومي التركي”، وأضافت: “مع إجراء الانتخابات أو من دونها تقصف تركيا مناطقنا”.

“تسعى أنقرة خلق الحجج لاجتياح مناطقنا في سبيل تنفيذ مشروعها العثماني، المتمثل باحتلال الشمال السوري مروراً بحلب والموصل في العراق”، قال حمدان العبد، نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية، لافتاً إلى أن “التهديدات التركية ليست جديدة”.

لا يوجد لدى الإدارة الذاتية ضمانات لحماية المنطقة من التهديدات التركية حال إجراء الانتخابات، لكن “هناك موقف أميركي روسي بعدم السماح لتركيا في احتلال مناطق أخرى”، بحسب العبد.

لكن ربما كان موقف الولايات المتحدة حاسماً في تأجيل الانتخابات، باعتبارها حليف قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تشكل الإدارة الذاتية جناحها السياسي، كما أن واشنطن أحد أهم الجهات المانحة للمشاريع الخدمية والإنسانية في المنطقة، ما يعني أنه لا يمكن تجاوز وجهة نظرها.

لم ترحب الولايات المتحدة بانتخابات الإدارة الذاتية، إذ قال نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية، فيدانت باتيل، في مؤتمر صحفي، أواخر أيار/ مايو، أن “أي انتخابات تجري في سوريا يجب أن تكون حرة ونزيهة وشفافة وشاملة وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254″، مشيراُ إلى واشنطن لا تعتقد أن “الظروف متوفرة لإجراء مثل هذه الانتخابات، وقد نقلنا ذلك إلى مجموعة من الجهات الفاعلة في شمال شرق سوريا”.

فسّر نائب الرئيس المشتركة للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية موقف واشنطن من الانتخابات بأن الأخيرة “لا ترغب باتخاذ أي خطوة من شأنها أن تؤثر على الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، كما أنها تحاول إرضاء تركيا بحكم العلاقة بين البلدين” موضحاً أنها طلبت منهم “تأجيل الانتخابات وليس إلغاءها كلياً”.

موقف المدنيين من الانتخابات

تؤثر الانتخابات البلدية على الواقع الخدمي والمعيشي للمدنيين بشكل مباشر، لكن في ظل التجاذبات السياسية من جهة، وسوء الأوضاع الخدمية في شمال شرق سوريا، تباينت مواقف مدنيين تحدثت إليهم “سوريا على طول” من الانتخابات المؤجلة.

لم تكترث عبير محمد، معلمة في إحدى المدارس التابعة للنظام السوري، بالانتخابات البلدية، لدرجة أنها لم تكلف نفسها عناء الخوض بتفاصيلها أو معرفة أسماء المرشحين عن منطقتها في مدينة القامشلي، كما أوضحت لـ”سوريا على طول”، لافتة إلى أنها سمعت بالانتخابات من أحد جاراتها “ولن أشارك فيها”، رافضة الإداء بسبب عدم المشاركة.

ورغم أن البلديات الحالية “تقدم الحدّ الأدنى من الخدمات للمنطقة”، يعتزم كمال نجم الإدلاء بصوته في الانتخابات، معتبراً أنها “حق يضمن يضمنه لي العقد الاجتماعي”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

يدرك نجم أن الانتخابات “لن تكون عصا سحرية تؤدي إلى تغييرات جذرية في الواقع الخدمي”. وعليه، وجد أن الكتل والتحالفات الانتخابية “بالغت كثيراً في صياغة برامجها، وصورت الانتخابات كأنها ستدخل المنطقة إلى عالم جديد”، بحسب نجم، المقيم في مدينة رميلان شرقي القامشلي.

بغض النظر عن تأثيرها على الخدمات، وجد علي حبش، النازح من منطقة عفرين إلى القامشلي، أن إجراء الانتخابات “ضرورة” لأنها تفسح المجال أمام “وجوه جديدة” في إدارة البلديات، لا سيما في ظل وضع الخدمات “المزري”، سواء في “قطاع الكهرباء أو المياه أو شبكة الطرق”.

“سأشارك في الانتخابات على أمل أن يتغير الحال للأفضل”، قال حبش لـ”سوريا على طول”، رغم إدراكه أن تحسن الوضع يتوقف على “الميزانية المخصصة للبلديات ودعم المنظمات الدولية” للمشاريع الخدمية.

لكن “التراجع الدائم في الواقع الخدمي منذ ثماني سنوات” وموقفه السلبي من “طريقة إدارة السلطات للمنطقة” دفعت سلمان أحمد (اسم مستعار) إلى مقاطعة الانتخابات، واصفاً إياها بـ”الشكلية”، لا سيما أن “حزب الاتحاد الديمقراطي هو من يتحكم بمفاصل الحياة في شمال شرق سوريا”، على حد قوله.

وأضاف أحمد: “حتى لو فاز أحد مرشحي الأحزاب غير التابعة بشكل مباشر لقيادات الإدارة الذاتية، فإن الميزانيات المخصصة للبلديات تمرّ عبر هذه القيادات”.

وعبر أحمد عن استيائه من الواقع الخدمي “السيء” في محافظة الحسكة، فـ”الشوارع مليئة بالحفر، ومئات الحفر الخاصة بالصرف الصحي من دون أغطية”، ناهيك عن “عدم وجود مياه صالحة للشرب، وغياب رقابة الأسعار والأسواق، ما أدى إلى انتشار المواد منتهية الصلاحية”.

“في دير الزور يقتصر عمل البلديات على النظافة فقط”، قالت غادة زكريا، مرشحة مستقلة في دير الزور، هذا الواقع دفع بها إلى تحمل المسؤولية بالترشح، وفي حال فوزها “سأعمل على توفير الخدمات الأساسية للأهالي من مياه، ونظافة، وتعبيد الطرق”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

وأوضحت زكريا أن القانون الجديد للبلديات “يعطي الفرصة لبلديات المنطقة بأن تأخذ دورها وتكون قادرة على تلبية احتياجات الأهالي”. 

شكك كمال نجم في قدرة البلديات المنتخبة لاحقاً لأن “الخلل في أداء البلديات يتعلق بنقص الميزانيات المخصصة، وعدم كفاءة الكوادر، وعدم وجود رؤية استراتيجية وخطط محكمة وذكية تحقق التكافؤ على مبدأ إنجاز ما يمكن إنجازه في ظل الموارد القليلة”، معتبراً أن “الانتخابات لن تسد الثغرات”.

شارك هذا المقال