5 دقائق قراءة

حرب معابر بين النظام و”قسد”: من الخاسر؟

بفعل إغلاق النظام المعابر، شهدت مناطق الإدارة الذاتية ارتفاعاً في أسعار أصناف من المواد الغذائية والأدوية مصدرها مناطق النظام السوري، نتيجة ندرة في توفرها. وهو ما أثر على حياة المدنيين هناك.


31 مارس 2021

عمان- في 23 آذار/مارس الحالي، أغلق نظام الأسد معظم معابره مع مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا التابعة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، من دون الكشف عن سبب الإجراء. لكن الحركة التجارية بين الجانبين كانت قد توقفت فعلياً في التاسع عشر من الشهر ذاته، عندما أغلقت “قسد” تلك المعابر ضمن التدابير الأمنية لاحتفالات عيد النوروز الذي يحتفل به الأكراد في 21 آذار/مارس.

وقال مصدر في معبر الطبقة لـ”سوريا على طول” إن “النظام أغلق أربعة معابر أمام الحركة التجارية وعبور المسافرين، باستثناء الحالات المرضية، من قبيل مرضى السرطان أو الحالات المرضية الحرجة، شريطة وجود تقرير طبي”، مع السماح أيضاَ “بعبور طلبة الجامعات والموظفين في المؤسسات الواقعة تحت سيطرة النظام”. فيما استثني من الإغلاق “معبر الصالحيّة المخصص لحركة المدنيين مشياً على الأقدام فقط، وفق الأيام المحددة: السبت والإثنين والأربعاء”، كما أضاف المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه كونه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام.

وتربط خمسة معابر رسمية مناطق الإدارة الذاتية بمناطق سيطرة دمشق، هي: التايهة في منبج بريف حلب الشرقي، والبوعاصي والهورة في الطبقة بريف محافظة الرقة، والعكيرشي جنوب الرقة، والصالحيّة في دير الزور. منها معبران تجاريان فقط، هما الهورة والتايهة، فيهما منطقة جمركية “لتحصيل الرسوم على البضائع القادمة من مناطق سيطرة النظام لصالح الجانبين”، بحسب المصدر ذاته. أما المعابر الثلاثة الأخرى فهي إنسانيّة مخصصة لحركة المسافرين عبر الحافلات ومشاة، باستثناء الصالحية المخصص للمشاة فقط فلا يسمح فيه بعبور الحافلات.

دوافع الإغلاق

تزامن إغلاق المعابر بين مناطق نظام الأسد ومناطق الإدارة الذاتية التي تشرف عليها “قسد” من جهة الأخيرة، مع أزمة محروقات كبيرة في مناطق نفوذ دمشق. وهي الأزمة التي تفاقمت أيضاً بفعل تعطل حركة الملاحة في قناة السويس لعدة أيام مؤخراً. إذ أعلنت وزارة النفط أنها ستقوم “بترشيد توزيع الكميات المتوفرة من المشتقات النفطية”، نتيجة انعكاس توقف حركة الملاحة في القناة على توريدات النفط إلى سوريا. 

ورغم أن حركة الصهاريج التي تنقل المحروقات من مناطق الإدارة الذاتية إلى مناطق النظام لم تتأثر بإغلاق المعابر؛ إذ تقاطعت إفادات مصادر من مناطق الإدارة الذاتية لـ”سوريا على طول” بأن عمليات نقل النفط إلى مناطق النظام ما تزال مستمرة، إلا أن الإغلاق أدى إلى رفع أسعار عدد من المواد الأساسية في شمال شرق سوريا. وهو ما يهدد استمرار تدفق النفط إلى مناطق النظام، على النقيض من دافع الأخير لإغلاق المعابر.

إذ يعود سبب الإغلاق، بحسب مسؤول سابق في مديرية الاقتصاد بالطبقة التابعة للإدارة الذاتية ، إلى “محاولة النظام الضغط على “قسد” بهدف زيادة كميات النفط الخام الواردة إلى مناطقه”، خاصة بعد أن أوقفت “قسد”، في كانون الثاني/ يناير الماضي توريد النفط الخام إلى دمشق، لمدة شهرين. 

لكن علي رحمون، عضو الهيئة الرئاسية في مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، الذراع السياسية لـ”قسد”، رأى أن دافع إغلاق النظام المعابر أبعد من زيادة واردات النفط. مرجحاً في حديثه إلى “سوريا على طول” أن يكون الإغلاق “محاولة ضغط روسي-تركي على الإدارة الذاتية، خاصة وأنه جاء بُعيدَ انسحاب القوات الروسية من محيط مدينة عين عيسى” التي تشهد تحشيداً عسكرياً متبادلاً من قبل فصائل المعارضة السورية المدعومة من تركيا و”قسد”.

وفيما اتهم رحمون أيضاً تركيا بـ”ممارسة ضغوط على حكومة أربيل للحد من الواردات التي تدخل إلى شمال شرق سوريا، ما يؤكد وجود تنسيق بين أنقرة وموسكو لفرض حصار على الإدارة الذاتية”، استبعد المسؤول السابق في مديرية الاقتصاد وجود هكذا سيناريو، كون الحركة ما تزال مستمرة عبر معبريّ عون الدادات وأم جلود في منبج بريف حلب الشرقي، واللذين يربطان مناطق “قسد” بالمعارضة السورية المدعومة التركية، كما أوضح المصدر لـ”سوريا على طول”.

من جانب آخر، كان الرئيس المشترك لهيئة الاقتصاد والزراعة في الإدارة الذاتية، سلمان بارودو، حذر  من أن النظام يهدف من إغلاق المعابر إلى “زيادة نسبة الضرائب والإتاوات على البضائع الداخلة إلى مناطق الإدارة الذاتية لصالح القوات العسكرية الحكومية التي تدير [تلك المعابر]”.

من المتضرر من الحصار؟

بفعل إغلاق النظام المعابر، شهدت مناطق الإدارة الذاتية ارتفاعاً في أسعار أصناف من المواد الغذائية والأدوية مصدرها مناطق النظام السوري، نتيجة ندرة في توفرها. وهو ما أثر على حياة المدنيين هناك. وقد كانت الخضراوات الأكثر والأسرع تأثراً، بحيث “ارتفعت أسعار بعض أصناف الخضار بنسبة 200%”، كما قال لـ”سوريا على طول” علي الخليل (اسم مستعار)، صاحب محل بيع خضار في مدينة الرقة.

إذ بلغ سعر كيلو البندورة 3,000 ليرة سورية (0.85 دولار أميركي) بعد أن كان 900 ليرة (0.25 دولار). فيما بلغ سعر كيلو الباذنجان 2,500 ليرة (0.70 دولار) بعد أن كان 900 ليرة، كما أوضح الخليل، كون “تجار الخضار تحولوا إلى تأمين هذه الأصناف عبر طرق التهريب، الأمر الذي رفع أسعارها”.

وبحسب الخليل أيضاً، “ارتفعت أيضاً أسعار الخضار والفواكه التي يتم استيرادها من تركيا عبر معبر عون الدادات في منبج بسبب كثرة الطلب عليها، مع شح المواد التي تصل من مناطق النظام، إضافة إلى استغلال التجار”. إذ ارتفع سعر كيلو البطاطا من 500 ليرة (0.14 دولار) إلى 1,000 ليرة (0.28 دولار).

وتوقع المزارع عدي المحمد (اسم مستعار)، من سكان محافظة الرقة، أن يستمر ارتفاع أسعار الخضروات حتى منتصف نيسان/أبريل المقبل، أي مع “بدء حصاد الخضروات المزروعة محلياً ضمن أنفاق زراعية”، كما قال لـ”سوريا على طول”. 

أيضاً، شهد شمال شرق سوريا “ارتفاعاًً في أسعار الأدوية القادمة من مناطق النظام بعد إغلاق المعابر، بحيث بلغت نسبة الزيادة لبعض الأصناف 100%”، كما قال الصيدلاني خليل الحميدي (اسم مستعار) لـ”سوريا على طول”، من مكان إقامته في مدينة الرقة.

فعلى سبيل المثال، بلغ سعر علبة مضاد الالتهاب “الأزتيرومايسين” المستخدم في علاج كورونا 3,000 ليرة (0.85 دولار) بعد أن كانت بنصف هذا السعر، فيما بلغ سعر شريط السيتامول عيار 1000 ملغ 800 ليرة (0.23 دولار) بعد أن كان 400 ليرة. وارتفع سعر فيتامين سي من 500 ليرة (0.14 دولار) إلى 1000 (0.28 دولار)، بحسب الحميدي، الذي حذر من أن “استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول الأدوية سيترتب عليه نتائج كارثية، خاصة مع تفشي وباء كورونا والارتفاع الكبير في عدد الإصابات”.

على الرغم من ذلك، نفى رحمون وجود “أي مباحثات بين الإدارة الذاتية ودمشق بشأن إعادة المعابر”، مع التزام الإدارة الذاتية “بإرسال الكميات المتفق عليها من النفط الخام والقمح لمناطق النظام حتى الآن”.

وتوقع رحمون أن تكون “الأزمة عابرة ومؤقتة”، إذ سيضطر النظام “إلى فتحها مجدداً بعد فشل افتتاح المعابر بينه وبين فصائل المعارضة شمال غرب سوريا”، معتبراً أن آثار الإغلاق “سيكون أشد على النظام في حال استمراره، خاصة إذا ردت “قسد” على إغلاق المعابر بمنع خروج القمح والنفط من شمال شرق سوريا إلى مناطق النظام”. 

“وقود وقمح شمال شرق سوريا مصدر رئيس للنظام في ظل الحصار الاقتصادي الذي يعاني منه نتيجة فرض قانون قيصر”، أضاف رحمون، كما “كان النظام يجني مبالغ مالية كبيرة من المعابر، عبر فرض رسوم جمركية، وبتوقفها يخسر هذا الوارد”.

شارك هذا المقال