4 دقائق قراءة

حزب الله والميليشيات الإيرانية في سوريا: تحركات وإعادة تموضع لسد الخرق الأمني

بعد انكشاف مواقعها في سوريا، يجري حزب الله اللبناني وميلشيات إيران عمليات إعادة تموضع في سوريا لسد الخرق الأمني، يقابلها تحركات روسية لتحقيق التوازن.


31 أكتوبر 2024

 

باريس- مع استمرار الضربات الإسرائيلية التي تلاحق حزب الله اللبناني والمليشيات الإيرانية على الأراضي السورية، وحالة “الانكشاف” التي تعرض لها الحزب على المستوى القيادي واللوجستي بعد مقتل قيادات الصف الأول والثاني، يجري الحزب والمليشيات الإيرانية تحركات وتغييرات على مستوى إعادة التموضع والتنقل في الجغرافية السورية.

تأتي التحركات الأخيرة “لسد الخرق الأمني، بعد انكشاف مواقع حزب الله والميليشيات المرتبطة بإيران”. إذ بعد العملية العسكرية التي أطلقتها إسرائيل في أيلول/ سبتمبر ضد حزب الله في لبنان وسوريا، وأدت إلى مقتل الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، اكتشف الحزب أنه “ليس مكشوف على صعيد مراقبة القادة فحسب، وإنما المواقع العسكرية مكشوفة أيضاً، ما يعني أن لديه مشكلة على مستوى الجغرافية”، كما قال المحلل السياسي والاستراتيجي، العميد الركن مصطفى الفرحات، لـ”سوريا على طول”.

وأمام حالة انهيار الحزب وتصفية قياداتِه “انتقلت القيادة لإيران، التي تسلمت قرارات الدفاع والهجوم وإعادة التموضع على الجغرافية [السورية]”، بحسب الفرحات. بينما تدير إيران إعادة تموضع وكلائها في سوريا بنفسها، تجري القوات الروسية تحركات على جبهتي الجولان السوري المحتل وشرق سوريا معقل الميليشيات الإيرانية.

إعادة تموضع بحياكة إيرانية!

في 29 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، قصف الطيران الحربي الإسرائيلي مواقع عسكرية في تل الجابية بريف درعا الغربي، بالتزامن مع استهداف المدفعية الإسرائيلية تل الفرس ومنطقة الرفيد والمعلقة والحيران وكودنة بريف القنيطرة قرب الجولان المحتل.

تشير الضربات الإسرائيلية إلى “احتمالية وجود نشاط” لحزب الله أو ميليشيات إيران لم يقيدها النظام أو يمنعها في ريف درعا الغربي والقنيطرة، بحسب قيادي عسكري سابق في المعارضة، يقيم شمال درعا، متوقعاُ في حديثه لـ”سوريا على طول” أن يكون توقيت الضربات الإسرائيلية بعد “إجراء الميليشيات الإيرانية وحزب الله عدة تنقلات على صعيد تغيير المواقع في الثكنات التابعة للجيش السوري خلال الأسبوعين الماضيين”.

وفي المنطقة الشرقية، الحدودية مع العراق، ظهر عناصر جدد من حزب الله اللبناني في محافظة دير الزور، بحسب شبكة “دير الزور 24″، مؤسسة إعلامية محلية معارضة. في الوقت ذاته، فرضت قيادة الحرس الثوري الإيراني في مدينة الميادين بدير الزور على جميع المنتسبين لميليشاتها الخضوع لدورات عسكرية على الأسلحة الرشاشة والثقيلة والمدرعات.

وفي وقت سابق من الشهر الحالي، أخلت الميليشيات الإيرانية مقرات تابعة لها في منطقة البوكمال الحدودية مع العراق شرق دير الزور، في محاولة لتجنب ضربات التحالف الدولي وإسرائيل.

وفي إطار هذه التحركات، “وصل خبراء يمنيون إلى مدينة البوكمال” بحسب عمر أبو ليلى، مدير شبكة دير الزور 24، مشيراً في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أن الميليشيات الإيرانية “تكثف من وجودها في شمال شرق سوريا بعد الضربات الإسرائيلية”، التي استهدفت حزب الله في لبنان وسوريا.

وفي الوقت الذي تزيد فيه الميليشيات الإيرانية من وجودها في شرق سوريا فإنها “تجري تغيير مخازنها وبعض مواقعها، خشية تعرضهم لقصف من التحالف وإسرائيل في العراق وسوريا كما حدث في لبنان”، وفقاً لأبو ليلى.

وشهدت المناطق الحدودية مع لبنان في ريف حمص والقلمون الشرقي، التي تعدّ أحد المواقع الرئيسية لانتشار حزب الله، عمليات إعادة انتشار وتغيير في المواقع العسكرية لحزب الله. رداً على هذه التحركات، استهدف الجيش الإسرائيلي، اليوم الخميس، مقرات تابعة لقوة الرضوان في حزب الله بمدينة القصير السورية الحدودية مع لبنان.

رغم الضربات الإسرائيلية “لا يستغني حزب الله عن أي منطقة في الجغرافية السورية، لأن سوريا هي طريق إمداد له”، من وجهة فراس فحام، الباحث في مركز أبعاد للدراسات الاستراتيجية، لكنه في بعض المناطق، كما في جنوب سوريا، “يحاول التخفي ضمن تشكيلات تابعة للنظام السوري مثل فوج الجولان والفرقة الرابعة”، أو “يجري إعادة تموضع من وقت لآخر حتى لا يكون هدفاً سهلاً للطيران الإسرائيلي”، بحسب فحام.

لكن، هذه التحركات للحزب، لا يملك الحزب ذاته ولا النظام القرار فيها، لأنهما “مجرد أدوات لتحقيق المشروع الإيراني”، وفق العميد الفرحات، الذي اعتبر أن طهران نقلت معركتها مع إسرائيل إلى أرض خصومها، وهي تواجه تل أبيب “بالخصم نفسه، فهي تقاتل اليوم بالعنصر العربي، بما في ذلك اليمني، والأفغاني”.

وبينما يضغط الغرب وإسرائيل على النظام من أجل “إخراج الميليشيات الإيرانية ومنعها من استخدام الجبهة السورية”، فإنه “غير قادر على إجبار طهران على مغادرة أراضيه”، بحسب الفرحات.

أكثر من ذلك، تمتلك إيران “أدوات ناعمة” داخل مؤسسات النظام والمجتمع تمكّنها من “حماية مصالحها الأمنية والعسكرية في سوريا”، بحسب نوار شعبان، الباحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، مشيراً إلى أن هذه الاستراتيجية بدأت إيران وحزب الله في بنائها منذ عام 2018.

عملية التغلغل الإيراني هذه “تجعل من الصعب الضغط على طهران”، لأن إيران تمتلك أدوات كثيرة “يمكنها استخدامها ضد النظام لتشدّ الخناق عليه” إذا حاول الضغط عليها، كما قال شعبان لـ”سوريا على طول”.

تحركات حزب الله والميليشيات الإيرانية في سوريا لن تنتهي بـ”الانسحاب” من سوريا، لأن “الميليشيات على حدود الجولان هي ورقة ضغط ضد إسرائيل” ولا يمكن لإيران أن تفرط بها، وبالتالي “كما أن إيران تجيد حياكة السجاد جيداً فإنها تحيك تموضع ميليشياتها” بنفس الطريقة، وفقاً للفرحات.

روسيا تمسك العصا من الوسط

في الوقت الذي يجري حزب الله والميليشيات المرتبطة بإيران تغييرات عسكرية على صعيد تموضعها في الجغرافية السورية، تنشر القوات الروسية المزيد من قواتها في شرق سوريا وجنوبها. أرسلت القوات الروسية تعزيزات عسكرية جديدة إلى قاعدتين عسكريتين لها بريف دير الزور، الأسبوع الماضي، تضمنت التعزيزات صواريخ ومدرعات وجنود.

وفي جنوب سوريا، تسيّر القوات الروسية دورياتها بشكل دوري في ريفي درعا الغربي والقنيطرة، كما ضاعفت نقاط المراقبة التابعة لها منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، في أعقاب عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها حركة حماس ضد إسرائيل. ففي الشهر الماضي وحده، وضعت القوات الروسية ثلاث نقاط مراقبة جديدة لها في ريف القنيطرة، ليرتفع بذلك عدد النقاط في المناطق الحدودية مع الجولان المحتل إلى 18 نقطة، ما يشير إلى رغبة موسكو بعدم اتساع رقعة المواجهات مع إسرائيل داخل الأراضي السورية.

تعليقاً على ذلك، قال فحام، الباحث من مركز أبعاد، أن موسكو تحاول “إمساك العصا من المنتصف، فهي لا تعرقل الضربات الإسرائيلية ولا توقف التحركات الإيرانية وإنما تضبطها”، لأن “روسيا أمام توازنات دقيقة مرتبطة بصراعها مع الغرب ولديها تحالف مع إيران”.

ويتضح ذلك في الموقف الروسي، حيث “توفر موسكو غطاء للتحرك الإيراني بهدف الضغط على إسرائيل تارة، وتارة أخرى تستجيب للطلبات الإسرائيلية ولا تعرقل ضرباتها ضد إيران”، بحسب فحام.

من جهته، استبعد العميد الركن الفرحات أن توفر موسكو غطاء أو حماية للميليشيات الإيرانية في سوريا، قائلاً: “رغم وجود مصلحة متبادلة بين موسكو وطهران وتبادل الخدمات، إلا أن روسيا تتمنى خروج إيران من سوريا”، مشيراً إلى أن موسكو لديها إحساس بأنها “حصدت أقل مما يحصده الإيرانيون في سوريا رغم ما قدمته من غطاء سياسي وعسكري”، لذا “لو كانت تريد حماية ميليشيات إيران لفعّلت منظومات الدفاع الجوي S-300 و S-400”.

شارك هذا المقال