حماة: عقد من الحرب يحيل بهجة العيد إلى مجرد ذكرى
حماة- مع طغيان حزن الفقد والدمار، واستفحال أزمة المعيشة نتيجة ما يقرب من عقد من الحرب، تضاف إليهما تداعيات تفشي وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، تكاد تنعدم بهجة عيد الأضحى في المدن السورية عموماً، بحيث لم يبق من العيد الذي يحل يوم الجمعة المقبل سوى اسمه.
29 يوليو 2020
يزن شهداوي*
حماة- مع طغيان حزن الفقد والدمار، واستفحال أزمة المعيشة نتيجة ما يقرب من عقد من الحرب، تضاف إليهما تداعيات تفشي وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، تكاد تنعدم بهجة عيد الأضحى في المدن السورية عموماً، بحيث لم يبق من العيد الذي يحل يوم الجمعة المقبل سوى اسمه.
“نحن الأضاحي”، كان جواب أحمد، رب الأسرة من مدينة حماة، وسط سوريا، عند سؤاله عن إمكانية شرائه أضحية هذا العيد. فالأعياد وبهجتها، وتلك العادات والتقاليد التي كانت لدى الحمويين، كما أضاف، لم تعد ملكاً لذوي الطبقات محدودة أو حتى متوسطة الدخل، وإنما حكر على الأغنياء والمقتدرين ممن يملكون ثمن لحمة العيد وحلوياته التي أصبحت اليوم عبئاً على الأهالي وليست بهجة كما يراها آخرون.
أسعار مرتفعة
“وصل الحال بالفقراء والمساكين”، كما وصف أحمد، “افتقاد موائدهم حتى لحم الدجاج، فلم يعد الأمر مقتصراً على الاستغناء عن لحم الغنم والحلويات، وذلك بعد وصول سعر كيلو الدجاج إلى أكثر من 5,000 ليرة سورية [2.20 دولار أميركي، بحسب سعر الصرف في السوق السوداء المقدر بـ2250 للدولار]، أي بزيادة تقارب أربعة أضعاف سعره في عيد الفطر الماضي”. معتبراً أن “البهجة تشترى بالمال؛ بالحلويات، بسعادة الأطفال حين يرون أصناف [أطعمة] لم يعتادوا عليها على موائدهم، وليس بالبرغل والأرز، والطعام اليومي الذي ملّت البطون الخاوية منه”. لكن “راتب 60 ألف ليرة [26.70 دولار] يكفي ماذا؟”، كما قال، لشراء “كيلو لحمة غنم وصل إلى 16 ألف ليرة [7.15 دولار]، أم كيلو حلويات وصل إلى 20 ألف ليرة، أم كيلو دجاج لا يكفي شخصين من العائلة وصل إلى خمسة آلاف؟”، مضيفاً بسخرية ممزوجة بالألم: “إن اكتفى العيد بهذا الراتب الرائع، فبماذا سأمضي طيلة أيام الشهر الباقية؟”.
في السياق ذاته، لفت أبو عبدو، أحد تجار لحوم الأغنام في مدينة حماة أيضاً، إلى حدوث “انخفاض كبير جداً” في طلب الأضاحي ورؤوس الغنم لهذا العيد، بحيث يمكن القول إن الطلب “شبه معدوم”، على حد قوله. معللاً ذلك بتداعيات أزمة كورونا، وضمنها انخفاض الحوالات المالية من المغتربين إلى ذويهم وأقاربهم في سوريا عموماً، ووصول سعر الأضحية من الخراف إلى ما يزيد عن 360 ألف ليرة [160 دولار]، بينما وصل سعر العجل إلى مليونين ونصف المليون ليرة، وهو ما “يعتبر سعراً خيالياً لأضحية في سوريا”. مضيفاً أن “الأغنياء والتجار وأصحاب الدخل الجيد بدأوا أيضاً بالاستغناء عن شراء لحم الغنم لموائد أعيادهم، واستبدالها بلحم العجل الذي يبلغ سعر الكيلو منه 11 ألف ليرة [4.90 دولار]”.
لكن ارتفاع الأسعار، بسبب كورونا وقلة البضائع والاستيراد وارتفاع سعر الدولار الأميركي، شمل جميع المواد الغذائية، كما الألبسة وحتى أماكن الترفيه البسيطة التي تمثل حيزاً لإبهاج الأطفال في الأعياد. فالبضائع على اختلاف أنواعها، تضاعفت أسعارها ثلاث أو أربع مرات، بحيث لم يعد المواطن يدري ما هي أولوياته التي يجب أن يقوم بتأمينها، بحسب السيدة أم ياسين، التي تعيل وحيدة، بعد وفاة زوجها منذ عامين، أولادها الثلاثة، من خلال عملها في القطاع الحكومي براتب يبلغ حوالي 55 ألف ليرة [24.45 دولار].
أسواق مهجورة
لم يعد باستطاعة أم ياسين، إزاء الغلاء الفاحش، ارتياد المحال الإعتيادية في سوق ابن الرشد وشارع عائشة؛ اللذين يعدان أشهر الأسواق التجارية في مدينة حماة. حالها في ذلك حال “أكثر من 70% من أهالي المدينة وريفها”، كما قالت. يشهد على ذلك خلو معظم محال تلك الأسواق عشية الأعياد من الزبائن الذين يتجهون بشكل متزايد إلى محال الألبسة المستعملة (البالة) الأوروبية باعتبارها بديلاً ملائماً إلى حدّ ما للفقراء وذوي الدخل المحدود من موظفي مؤسسات الدولة، بحسب أم ياسين.
وكما أوضحت، فإن سعر حذاء جديد لطفلها ذي التسعة أعوام، وصل إلى 18 ألف ليرة [8 دولار]، أي ما يعادل ثلث راتبها الشهري، مقارنة بسعر خمسة آلاف ليرة [2.20 دولار] في “البالة”. ورغم أن الأخير يظل باهظ الثمن قياساً برواتب الموظفين، وفقاً لأم ياسين، فإن سعره يلائم الوضع المعيشي الحالي قدر المستطاع. والأمر ذاته ينطبق على البنطال، إذ يصل سعر الجديد منه 15 ألف ليرة [6.65 دولار]. كما تجاوز سعر السترة (الكنزة) للطفل الصغير 12 ألف ليرة [5.35 دولار]، لكن أم ياسين اشترتهما لطفلها من “البالة” بإجمالي عشرة آلاف ليرة [4.45 دولار].
وكما كشف أبو كرم، بائع الألبسة الرجالية في مدينة حماة، فقد امتنع أصحاب معظم محال الألبسة والأحذية في مدينتي حماة وحمص عن شراء بضاعة جديدة استعدادا لموسم عيد الأضحى الحالي، خاصة وأن عيد الفطر وعيد الأضحى، كما أوضح، جاءا في موسم واحد صيفي. كما إن الطلب قبيل عيد الأضحى يكون أضعف عادةً مقارنة بعيد الفطر. يضاف إلى ذلك غلاء الأسعار من المنتج والمصانع بشكل “كبير جداً فاق توقعات أصحاب المحال” على حد وصفه. وهذا “أدى إلى شراء كميات لا تذكر؛ قطعة أو قطعتان فقط من كل نوع”.
حال الأسواق التي وصفها أبو أكرم بـ”المهجورة” حالياً، “لم يتوقعه أحد”. موضحاً أن مواسم العيد الماضي والأعياد الأسبق، ورغم الأوضاع الأمنية التي تعانيها المدينة، كانت تعوّض التجار غن كامل بقية العام. إذ “كانت الشوارع؛ كشارع الدباغة وشارع القلعة تغلق بسبب الازدحام الحاصل، رغم الغلاء الحاصل حينها، فيما هذا العيد حمل معه مصائب كبيرة للتجار”، كما أضاف؛ إذ “بالكاد يدخل ثلاثة أو أربعة زبائن طيلة اليوم، وغالباً ما يغادرون من دون شراء بعد سماعهم الأسعار الحالية”. إذ وصل سعر الحذاء الرجالي، وفقاً لأبو أكرم، 24 ألف ليرة [10.65 دولار]، والبنطال الرجالي 20 ألف ليرة [8.85 دولار].
شارع الدباغة بمدينة حماة والذي يبدو خالياً بشكل تام من أي حركة، 27/ 7/ 2020 (سوريا على طول)
أيام ذهبت ولن تعود
سابقاً، كانت مدينة حماة لا تنام منذ دخول شهر ذي الحجة. إذ تبقى أسواقها مفتوحة ليلاً نهاراً بسبب إزدحام الأهالي لشراء مستلزمات العيد، فيما تعلو أصوات الضحكات، لاسيما مع اجتماع العائلات في المنازل للقيام بالطقوس والعادات الخاصة بعيد الأضحى تحديداً. لكن تلك الأيام “ذهبت ولن تعود”، كما قالت السيدة أم أكرم من حماه. إذ أصبح العيد هذه الأيام، كما قالت، همّاً يجثم على صدور أرباب الأسر لعدم مقدرتهم على تأمين مستلزماته، لاسيما لأطفالهم، بعد أن كانت الأسر الحموية تتسابق بموائد حلوياتها والأضاحي تفيض لدى الفقراء لكثرتها، فيما بالكاد تسمع اليوم عن أضحية.
وحتى الحلويات التي تشتهر حماة بها، أصبحت “نسيا منسيا” على حد قول أم كرم، بسبب ارتفاع سعر كيلو الطحين إلى 1,200 ليرة [0.55 دولار]، علاوةً عن السمن والزيت والزبدة واللوازم الأخرى. فيما سعر كيلو البقلاوة يتجاوز حالياً 30 ألف ليرة [13.35 دولار]. بل ووصل الأمر بالأهالي، كما أضافت، حد التحسب لسعر فنجان القهوة الواحد للضيوف، لغلاء سعرها، بحيث يبلغ سعر كيلو القهوة البرازيلية قرابة 6,000 ليرة [2.65 دولار]، أو حوالي 20% من معدل راتب الموظف.
في السياق ذاته، أصبحت المطاعم حلماً لأهالي حماة، بسبب الغلاء من جانب، وأزمة كورونا من جانب آخر، وفقاً لأم كرم، بعدما كانت أمراً أساسياً لدى كل عائلة في المدينة في الأيام الثالثة والرابعة من كل عيد.
بالنتيجة، “لم تعد حياة الأهالي في سوريا تحتمل فرحاً أو حزناً، بعد أن بات همهم الوحيد تأمين قوت يومهم”، قالت أم أكرم، بحيث نسوا “اللحوم والحلويات والمتنزهات وغيرها منذ زمن”.
*تم استبدال الاسم الحقيقي للمراسل بآخر مستعار حفاظاً على سلامته