11 دقائق قراءة

حماية أم تدخل؟ ورقة الأقليات في سوريا تثير الجدل وتؤجج خطاب الكراهية

منذ سقوط النظام، تبرز مطالبات محلية ودولية بضرورة تقديم الحكومة الجديدة في دمشق ضمانات للأقليات العرقية والطائفية في سوريا، ما أسهم في إثارة الجدل وتأجيج خطاب الكراهية


28 يناير 2025

باريس- منذ بدء عملية “ردع العدوان”، التي أطلقتها إدارة العمليات العسكرية بقيادة أحمد الشرع (الجولاني)، في 27 تشرين الأول/ نوفمبر 2024، وانتهت بسقوط نظام بشار الأسد وهروبه خارج البلاد، برزت مطالبات محلية ودولية بضرورة تقديم الحكومة الجديدة، التي كلّفها الشرع، ضمانات للأقليات العرقية والطائفية في سوريا.

وتحول ملف الأقليات إلى أشبه بـ”ورقة ضغط” على حكومة تصريف الأعمال في دمشق، لاعتبارات تتعلق بتاريخ هيئة تحرير الشام وانتهاكاتها السابقة تجاه الأقليات، قبل أن تغيّر من سلوكها في السنوات السابقة، إضافة إلى أن الحكومة الجديدة تمثل “الأكثرية” الدينية في البلاد، لأول مرة منذ أكثر من أربعة وخمسين عاماً كان الحكم بيد أقلية ينتمي إليها حافظ الأسد، الذي انقلب على الحكم في عام 1970 وورثه ابنه بشار. 

بدورها، أرسلت الإدارة الجديدة مراراً وتكراراً تطمينات للأقليات، بصفتهم مواطنين سوريين وجزء لا يتجزأ من البلاد التي تتميز بوجود تنوع طائفي وعرقي حتى عرف هذا المزيج بـ”الفسيفساء السورية”. وتعهدت دمشق بعدم التعرض للأقليات وضمان حقوقهم في مستقبل البلاد، بعد سقوط الأسد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، الذي استخدم ورقة الأقليات ضد مناهضيه مدعياً حمايتهم.

ومع ذلك، تصاعد خطاب الكراهية بين السوريين على وسائل التواصل الاجتماعية، بالتزامن مع التصريحات السياسية للدول الغربية، التي أبدت تخوفها على “الأقليات” في سوريا، وهو ما أثار انقساماً حاداً بين السوريين، خاصة أن العديد منهم اعتبروا هذه التصريحات محفزة لخطاب الكراهية ونافذة من أجل تدخل خارجي في شؤون البلاد.

خلفية “الجولاني”

بعد 13 عاماً من مغادرتها، تمكن نادر (اسم مستعار) من زيارة قرية اليعقوبية (المسيحية) بريف جسر الشغور، شمال غرب سوريا، منتصف الشهر الحالي، قادماً من مدينة حلب، التي نزح إليها.

“تغير وجه القرية كثيراً ولم أعرف أحداً فيها، وشعرت أن الخوف ما زال موجوداً”، قال نادر لـ”سوريا على طول”، رغم أنه لم يتعرض لأي مضايقات، ومع ذلك “لم أكن مرتاحاً، وما زلت لا أثق بالحكومة الجديدة نظراً لما عشناه سابقاً”.

ارتكبت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) العديد من الانتهاكات بحق المسيحيين والدروز في مناطق سيطرتها شمال غرب سوريا، من قبيل: مصادرة ممتلكاتهم، ومنعهم من إقامة طقوسهم الدينية، قبل أن تنتهج سياسة مغايرة في تعاملها مع الأقليات بمناطق نفوذها، عندما بدأت في عام 2020 برد الممتلكات لأصحابها، وغيرت من سلوكها تجاه الأقليات الدينية والعرقية في المنطقة، إضافة إلى انفتاحها على الغرب في محاولة لشطب اسمها من قوائم الإرهاب.

منذ سيطرة إدارة العمليات العسكرية على مدينة حلب، في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، لاحظ نادر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه الحقيقي لدواع أمنية، “حسن تعامل عناصر الهيئة وانضباطهم” في حلب، التي يسكنها منذ نزوحه عن ريف إدلب، معتبراً أنهم “قدموا صورة مثالية”، ولكن هذا لا ينفي “حدوث تصرفات فردية” لا تعجبه في شوارع حلب، من قبيل: “تجول نساء في الشوارع يدعون النساء غير المحجبات إلى ارتداء الحجاب”، على حد قوله.

“في شهر واحد، استطاعت الإدارة الجديدة إدارة المشهد بشكل جيد فاق كل التوقعات وبأقل الخسائر”، مع ذلك “لا يمكن أن تزيل من عقل السوريين أن السيد أحمد الشرع هو أبو محمد الجولاني، وأن القادة الجدد كانوا من النصرة وتنظيم القاعدة”، من وجهة نظر جميل دياربكرلي، مدير المرصد الآشوري لحقوق الإنسان.

أيضاً، لا يمكن للعديد من أهالي محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية، تجاهل أن “الحكومة الجديدة هي نفسها النصرة، التي خاضت فصائل المحافظة ضدها ثلاث معارك سابقاً”، كما قال سامر سلوم، عضو اللجنة التنفيذية للحراك السلمي في السويداء لـ”سوريا على طول”، لذا “البعض في السويداء يرون أن هؤلاء إسلاميين ومتشددين ويتخوفون منهم”.

شكل الدولة

يمثل شكل الدولة السورية الجديدة هاجساً للعديد من السوريين على مختلف معتقداتهم وطوائفهم، إذ رغم التزام هيئة تحرير الشام، التي تمثل الدولة حالياً، بوعودها في مدينة حلب، ما يزال “هناك هاجس من شكل الدولة” لدى الأرمن والمسيحيين في المدينة، كما قال أرميناك توكماجيان، الباحث في مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط لـ”سوريا على طول”.

“لم يحصل أي استهداف للمجتمع الأرمني في حلب”، بحسب توكماجيان، وهو من أرمن المدينة، وبذلك يمكن تفسير هذه المخاوف بأنها “ليست أمنية، وليست قائمة على أن من يحكم سوريا قد يستهدف المكون الأرمني كمجتمع”، ولكنها تتعلق بـ”شكل الدولة والأنماط المعيشية والحياتية والثقافية، بمعنى: هل سوف يُفرض الحجاب أو يتم فصل الذكور عن الإناث في مدارس الأرمن؟!”، وفقاً له.

ورغم أن نظام الأسد كان “ظالماً وقاسياً”، إلا أنه في الوقت ذاته “كان مصدر أمان لغالبية الأقليات”، بحسب نادر، الذي يخشى من “أسلمة الدولة”، على حد قوله.

بالتوازي مع الحديث عن “الأقليات” وأحياناً احتدامه ليتحول إلى خطاب كراهية على وسائل التواصل الاجتماعي، تشهد البلاد أعمالاً انتقامية محدودة بحق أشخاص متهمين بارتكاب جرائم حرب أثناء انخراطهم في صفوف النظام لا بسبب خلفياتهم العرقية أو الدينية، إلا أن هذه الأعمال عززت مخاوف الأقليات، خاصة أبناء الطائفة العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد.

لقياس مستوى خطاب الكراهية، أجرت “سوريا على طول” تحليلاً لتعليقات على منشوري “فيسبوك” لإحدى المؤسسات الإعلامية المحلية في السويداء، تضمن الأول بياناً صحفياً للشيخ حكمت الهجري، رئيس الرئاسة الروحية للموحدين الدروز في السويداء، الذي يتصدر المشهد في المحافظة، نشر في الأول من كانون الأول/ ديسمبر، علق فيه على تطورات عملية “ردع العدوان”، وسيطرة إدارة العمليات على مدينة حلب آنذاك، وبلغ عدد التعليقات التي جمعت منه 214 تعليقاً.

وتضمن المنشور الثاني، الذي نشر في 11 كانون الأول/ يناير الحالي، أي بعد سقوط النظام السوري، جزءاً من تصريحات صحفية أدلى بها الهجري في مقابلة متلفزة مع قناة بي بي سي البريطانية (BBC)، وبلغ عدد التعليقات التي جمعت منه 196 تعليقاً.

وأظهر التحليل، الذي اعتمد على أدوات الذكاء الاصطناعي ومن ثم مراجعته بشرياً، ارتفاعاً في مستوى خطاب الكراهية من 18.7 بالمئة في المنشور الأول إلى 27.5 بالمئة في المنشور الثاني، كما زاد استخدام مصطلحي “أقلية وأكثرية” من خمس مرات في التعليقات على المنشور الأول إلى 25 مرة في التعليقات على المنشور الثاني. 

“المجتمع العلوي هو المستهدف الأول [بخطاب الكراهية]، ومن ثم الأكراد، ويليهم الدروز، والأقل هم المسيحيون”، بحسب الباحث توكماجيان، ويرجع أساس هذا الخطاب إلى “فهم السوريين لعلاقة هذه المكونات بالنظام”، رغم أن “ليس كل العلويين أو المسيحيين داعمين للنظام إلا أن هناك فكرة راسخة عند البعض بأن هؤلاء مرتبطين بالنظام وداعمين له”، وفقاً له.

بدوره، أرجع الصحفي كمال شاهين، المقيم في مدينة اللاذقية، انتشار خطاب الكراهية إلى “أسباب مرتبطة بطبيعة النظام الجديد والقوى التي تحكمه”، في إشارة إلى الإدارة الجديدة التي يرأسها الشرع حالياً.

وأشار شاهين في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى وجود “تيارين متصارعين بين خطاب سلم أهلي مطلوب ويعمل عليه كثيرون، وخطاب كراهية يعمل عليه آخرون بما فيهم الدول التي صنعت الواقع الجديد، كإسرائيل”، معتبراً أن “توجيه الخطاب ضد العلويين (كما تحبون أن تسموا الأمر)، هو لعبة في إطار التشويش على احتمال خروج سوريا من مستنقعها الذي طال، وهو خطاب يتسق مع رغباتهم وقابل للاستثمار في إطار استمرار تخريب البلاد”.

أفرز ذلك وجود تيارات “ترغب بالخروج من إطار الدولة الحديثة، والذهاب إلى دويلات طائفية وإثنية”، مقابل تيار ثانٍ أكثر حضوراً “يريد سوريا دولة حديثة ديمقراطية ودولة قانون ومؤسسات”، بحسب  شاهين، الذي حذر من أن “تهديدات الطرف الأول متوفرة لأسباب تتعلق ببنية هذا التيار، الذي يضم قوى محلية ترتبط بمشاريع إقليمية مثل المشروع الإيراني وحتى الغربي”.

“صب الزيت على النار”!

في منتصف كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أي بعد أيام من سقوط نظام الأسد، قال وزير الخارجية الأميركي آنذاك، أنتوني بلينكن، أن دبلوماسيين كباراً من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية وتركيا اتفقوا على ضرورة احترام الحكومة السورية الجديدة لـ”حقوق الأقليات”.

وهو أيضاً ما شدد عليه وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا في زيارة لهما مطلع الشهر الحالي، استهلها الوزير الفرنسي جان نويل بارو، بلقاء قادة الكنائس المسيحية في سوريا قبيل لقائه بأحمد الشرع.

“التركيز على الأقليات، لا سيما المسيحيين، من هيئة تحرير الشام أو الغرب” بشكل مبالغ فيه هو “غير مبرر”، من وجهة نظر توكماجيان، لافتاً إلى أن “تحرير الشام فهمت كيف يفكر الغرب، وبناء على ذلك كانت ترسل رسائل للغرب بأنه ليس لديها مشكلة مع المسيحيين”، وهذه التطمينات التي قدمتها إدارة العمليات العسكرية “حققت بدرجات متفاوتة الهدف منها، إذ كانت فعالة مع المسيحيين والأرمن، ولحد ما مع الدروز، لكنها لم تفلح مع الأكراد”، وفقاً له.

رسائل التطمين هذه “كانت ضرورية” لأن العديد من السوريين رأى باستلام هيئة تحرير الشام أن “الأكثرية استلمت الحكم في البلاد”، ناهيك عن أن “السوريين فقدوا الثقة ببعضهم، وبالتالي كانت تطمينات تحرير الشام وتصريحات الدول العربية والغربية مهمة لمنع أي تعديات”، بحسب دياربكرلي، مدير المرصد الآشوري، علماً أن “تعيينات الهيئة وقراراتها بعد سقوط النظام لا تمثل الأكثرية بالضرورة”، من وجهة نظره.

وذهب دياربكرلي إلى أن “التركيز الغربي على المسيحيين كان سبباً مضاعفاً لعدم وقوع حالات انتقام طائفي تجاههم، مع الإشارة إلى وعي الإدارة السياسية ومن خلفها تحرير الشام بضرورة صيانة الحضور المسيحي في المجتمع السوري وعدم المساس به، وهذا ما ظهر حتى اللحظة من أفعال وزيارات وتطمينات”.

“التصريحات الغربية هي التزام دولي، وتنسجم مع إعلان الأمم المتحدة المتعلق بأبناء الأقليات“، بحسب فاروق حجي مصطفى، المدير التنفيذي لـ”برجاف”، وهي منظمة مجتمع مدني تنشط في شمال شرق سوريا وفي إقليم كردستان العراق. وعلى الرغم من أن “الإعلان الأممي غير ملزم إلا أن الدول تعمل على تنفيذه بمساعدة الأمم المتحدة”، إضافة إلى أن الإعلان الأممي “يعطي أبناء الأقليات الحق بإدارة أنفسهم ذاتياً وأن يحددوا الشكل المناسب لهم حتى يكونوا جزءاً من الدولة ويتمتعون بحقوقهم”.

وأيضاً “يراعي القرار الدولي 2254 عملية الانتقال السياسي وحقوق جميع مكونات الشعب السوري، ويفترض على الحكومة الجديدة أن تأخذه بعين الاعتبار”، كما أوضح حجي مصطفى لـ”سوريا على طول”. 

من جهته، اعتبر مدير برنامج سوريا في مركز سينابس، أليكس سايمون، أن “التصريحات السياسية العامة والسطحية حول حقوق الأقليات في سوريا لا معنى لها وهي منفصلة عن استراتيجية فعلية لتشكيل سلوك السلطات”.

وربما “تلحق الضرر بالمجموعات التي تدعي أنها تدافع عنها: من خلال تصوير الأقليات كمجموعات منفصلة تحتاج إلى الحماية، بدلاً من اعتبارها جزء من النسيج السوري ويجب تضمينها في دولة تقوم على المواطنة المتساوية”، كما أوضح سايمون لـ”سوريا على طول”. 

تردد هذه التصريحات “صدى رواية نظام الأسد بأن انتصار الثوار من شأنه أن يؤدي إلى كارثة للأقليات الدينية: على الرغم من أن النظام نفسه سعى بنشاط إلى زرع التوترات الطائفية”، بحسب سايمون، ورأى بأن “مثل هذه التصريحات موجهة إلى ناخبي المسؤولين الغربيين في بلادهم”، ناهيك عن أن “هذه الدول لطالما فضلت الطغاة العلمانيين على الإسلاميين من جميع الأطياف، وتصالحت منذ فترة طويلة مع المذبحة الجماعية للسوريين من مختلف الطيف الاجتماعي”، وفقاً له.

وإذا كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي “يرغبان في دعم الأقليات بالفعل لا مجرد استخدامهم كورقة إعلامياً، فيتعين عليهما التحرك بشكل عاجل لدعم سوريا في تعزيز المؤسسات الشاملة والاقتصاد الذي يمكّن جميع السوريين من إطعام أنفسهم فيه”، بحسب سايمون.

“تاريخياً لم يكن هناك حماية للأقليات بالمعنى الديني بقدر ما كانت الحماية باباً للتدخل السياسي والاقتصادي وتفكيك البلاد والعباد”، قال شاهين، وقد “سبق لفرنسا أن ادعت حماية المسيحيين في لبنان والنتيجة لبنان طائفي بامتياز. الولايات المتحدة أوصلت العراق لنفس النتيجة”، وبالتالي فإن “هذه التصريحات تصب الزيت على النار، ومفهوم حماية الأقليات مفهوم استعماري” بحسب شاهين.

وكذلك، اعتبر فاتح جاموس، القيادي في تيار طريق التغيير السلمي، وهو حزب سياسي شيوعي من معارضة الداخل، أن الدعوات الغربية لحماية الأقليات “لا تُطرح إلا في مصلحة مستقبل الكيان الصهيوني، وأن مثل هذه الدعوات ستجعل سوريا لقمة سائغة للخارج، وسوف تحفز قضايا الكراهية الوطنية والقبول بالتدخلات أو الاحتلالات”، لافتاً في حديثه لـ”سوريا على طول” من مكان إقامته في اللاذقية إلى أن “هذا مشابه لما حصل مطلع تشكل الدولة الوطنية السورية”.

ومع ذلك، ربما تفيد التصريحات الغربية في “ردع قوى الأمر الواقع من التغول على السوريين بكافة مكوّناتهم”، وتدفع باتجاه “منظومة تشاركية قد لا تقبلها منظومة الحكم الجديد بحكم بنيتها الإقصائية التي ظهرت في الشهر التالي لسقوط النظام عبر الاعتماد على مكون جغرافي واحد (إدلب) في إدارة الدولة السورية”، بحسب شاهين.

“الحقوق لا تؤجل”

بعد سقوط النظام تعالت أصوات رجال دين وشخصيات اجتماعية وسياسية مطالبة بحقوق إثنيّاتهم وطوائفهم من قبيل: الحكم الذاتي أو إدارة المناطق بشكل محلي بعيداً عن حكومة دمشق وغيرها، بينما ارتفعت أصوات أخرى تشدد على الهوية السورية الجامعة.

“في عالم مثالي يجب أن نتوقف عن الحديث كأقليات، لكن في فترة حكم انتقالية هي ضرورة إلى حين البدء بخطوات عملية نحو بناء مواطنة حقيقية”، بحسب الباحث توكماجيان، معتبراً أنه “في حال انتهجت الإدارة الجديدة سياسة النظام السابق المتمثلة بطبقة حاكمة ورعايا، فإن خطاب الأقليات سوف يزداد”، كون الأفراد “سيجدون في طوائفهم ومجتمعاتهم طريقة بديلة للتعبير عن مشاكلهم”، بينما “إذا مضينا إلى دولة مواطنة ومساواة بالحقوق والواجبات فإن هذا الخطاب سوف يتوقف”.

لا تكفي التصريحات التي تقدم تطمينات، وإنما هناك ضرورة في المرحلة الحالية أن “تعطي الحكومة الجديدة تطمينات حقيقية تضمن حقوق أبناء الأقليات”، بحسب حجي مصطفى، الذي شدد على أن “الحقوق لا تؤجل بمرحلة انتقالية أو غير انتقالية، ويجب مناقشتها بالمرحلة الانتقالية حتى تسد الطريق أمام أي ثورة أو نزاع”.

وحذر حجي مصطفى من أنه “يصعب إعادة المجتمع الكردي إلى حضن الدولة دون منحه تطمينات حول خارطة طريق العمل لبناء الدولة وأنهم جزء أساسي من بنائها، فهناك جيل كامل من الشبان الكرد كبروا خلال سنوات الثورة ولن يعودوا دون تحصيل حقوقهم”. 

“يجب أن يكون لدى الإدارة الجديدة طموح بأن تعبر عن كل سوريا وبكل مكوناتها، لا أن يكون ذلك بطلب من أبناء الأقليات” وفقاً لحجي مصطفى.

تكمن المشكلة الأساسية حالياً في “غياب وجود هوية وطنية سورية جامعة”، بحسب دياربكرلي، لذا “يتوجب العمل على إنشائها، وعند ذلك لن يقبل أي سوري بخطاب الأقليات، وتصبح الأكثرية هي أكثرية سياسية والأقلية أقلية سياسية”.

وكذلك، يتطلع سامر سلوم من السويداء إلى أن يكون “الخطاب سورياً وليس مناطقياً أو دينياً”، منادياً بـ”التوقف عن القول: أنا درزي، مسيحي، سني”، لأن ذلك “سيجر البلد إلى مزيد من الخراب”.

“لا وجود لضرورات ملحة لضمانات قانونية أو دستورية لحماية الأقليات”، بحسب جاموس، وإنما يكفي “التمسك بشرط الحوار السوري-السوري والتحضير لمؤتمر حوار وطني نتوافق من خلاله على مشروع واحد وانتقال يعزز السلم الأهلي”.

الحل: مواطنة كاملة

تجنباً لانجرار البلاد نحو سيناريوهات سيئة يتوجب العمل على “حلول تشمل الجميع، والعمل على تعزيز فكرة المواطنة، وأن الجميع متساوون في الحقوق والواجبات”، قال توكماجيان.

واتفق دياربكرلي مع ذلك، معتبراً أن “الحل يتمثل في عقد اجتماعي وهوية جامعة تعكس حالة التنوع السوري، ومواطنة كاملة متساوية في الحقوق والواجبات، وعبر هذه المواطنة يملك الإنسان حرية ممارسة دينه ومعتقده ولغته الأم وكل شيء ضمن القانون”، حينها “لا يهم من يحكم سوريا حتى لو جاء الظواهري نفسه وأراد الحكم على أساس هذا الدستور”.

لكن “بناء العقد الاجتماعي وصياغة الدستور يجب أن تكون بإشراك الجميع في صياغته، لا أن يقدم جاهزاً”، بحسب حجي مصطفى، الذي رأى “ضرورة إزالة مفردات مثل كلمة العربية من اسم الدولة لضمان نجاح الحل السياسي”.

يتمثل الحل من وجهة نظر شاهين في “عقد مؤتمر حوار وطني يجري فيهِ انتخاب ممثلين عن كافة القوى السياسية والحزبية والفكرية، بما في ذلك من يرغب من المتدينين”، ويقع على عاتق المؤتمر “التمهيد للمرحلة الانتقالية وتشكيل لجان صناعة دستور جديد للبلاد ومناقشة العديد من القضايا العاجلة”، وأن يُؤخذ بالقرار 2254 “كأساس في المرحلة الانتقالية القادمة، لأنه صُنع بأياد سورية وطنية”، على حد وصفه.

“تعزيز التوازن في سوريا غير ممكن إلا بالتركيز على الهوية الوطنية الجامعة، والارتقاء بالحقوق القومية والثقافية مع الحماية المطلقة لحق العبادة المتساوي”، بحسب جاموس، الذي حذر من أن “سوريا أمام مرحلة انتقالية خطرة جداً ومعقدة، وسيكون أي تشبيك خارجي والاعتماد عليه خطأ وطنياً حتى لو أتى بنتائج لصالح أي أقلية”.

وأيضاً “المجتمع السوري سيكون أمام مرحلة صعبة وخطرة، تتمثل بضغط النخب الانتهازية وتحريضها السيء للطوائف بدلاً من تركها متعايشة مع بعضها”، من وجهة نظر جاموس، لافتاً إلى أن “هذه النخب تشجع على الطائفية السياسية كما تشجع النخب القومية على العصبيات القومية بدلاً من الدعوة للحوار والتوافق”.

ونادى دياربكرلي بضرورة “انفتاح الإدارة السياسية الجديدة على المجتمع السوري”، وأن تعمل على “تحسين الوضع الاقتصادي بشكل عاجل، لأن الحديث عن التعايش بالنسبة للسوريين في ظل الانهيار الاقتصادي هو موضوع كمالي ورفاهية، ولا يمكن بناء تعايش دون بناء حالة اقتصادية جيدة”.

مضى أكثر من شهر ونصف على سقوط الأسد وتولي أحمد الشرع إدارة البلاد، وحتى الآن لم يتوجه بخطاب مباشر للسوريين “يؤكد لهم أن الحريات الشخصية مصانة، ويمنع تدخل أحد في حياتهم وملبسهم ومشربهم”، بحسب سامر سلوم، معتبراً أن تواصل الشرع المباشر مع السوريين سيكون “أكبر تطمين لهم، ويقطع الطريق أمام الشائعات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي”، التي تسهم في ضرب السلم الأهلي.

شارك هذا المقال