4 دقائق قراءة

خط نفط إيران-سوريا: كارثة بيئية وشيكة في البحر الأبيض المتوسط

حادثة احتراق السفينة ليست الأولى التي تثير مخاوف وقوع كارثة بيئية، فهي واحدة من سلسلة حوادث وقعت على خط الإمداد البحري الإيراني، الذي ينقل النفط الخام إلى سوريا، ويشكل خطراً بيئياً يهدد المنطقة بأكملها.


بقلم ليز موفة

2 مايو 2021

عمان- أثار اندلاع حريق على متن ناقلة نفط قبالة الساحل السوري، في 24 نيسان/أبريل الماضي، مخاوفاً من وقوع كارثة بيئية، بعد أسابيع من حدوث تسربٍ نفطي هائل في شرق البحر الأبيض المتوسط، وصل إلى سواحل سوريا ولبنان وإسرائيل.

“معجزةٌ حقاً أنّ [سفينة] ويزدوم لم تنفجر”، غرّد سامر مدني، مؤسس موقع “TankersTrackers.com”، المتخصص بتعقب مسار شحنات النفط الخام. وتابع “إنها تحمل ما لايقل عن 300.000 برميل من النفط الخام، وهو يفوق حجم التسرب النفطي لناقلة “إكسون فالديز” [التي غرقت في عام 1989]. ما من شأنه لو حدث أن يدمر منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط”. 

في نهاية المطاف، أُخمد الحريق في ناقلة النفط المسجلة في بيروت، والتي تحمل نفطاً إيرانياً خاماً إلى السوق السورية، لكن ثلاثة أشخاص على متن الناقلة لقوا حتفهم إثر ذلك. 

حادثة احتراق السفينة ليست الأولى التي تثير مخاوف وقوع كارثة بيئية، فهي واحدة من سلسلة حوادث وقعت على خط الإمداد البحري الإيراني، الذي ينقل النفط الخام إلى سوريا، ويشكل خطراً بيئياً يهدد المنطقة بأكملها.

تصعيد بحري بين إيران وإسرائيل

بعد أن كانت سوريا البلد الأول المُنتِج للنفط في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، تعاني اليوم من عجز كبير في الوقود، لا سيما المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، الذي فقد السيطرة على حقول النفط شرق البلاد. 

وعدا عن أن الشحنات القادمة من طهران إلى دمشق رفدت سوريا وأسواقها المحلية بالنفط، فإنها أتاحت في الوقت ذاته تصدير النفط الإيراني رغم العقوبات الدولية التي تشلّ حركتها.

وبالعودة إلى الحريق الذي اندلع في ناقلة النفط، فقد سارعت وسائل إعلام إلى عزو ذلك إلى هجومٍ مشتبه من طائرة مسيرة، والذي نسبته قناة تلفزيونية واحدة على الأقل إلى اسرائيل. إذ منذ أواخر عام 2019، استهدفت إسرائيل ما لا يقل عن  اثنتي عشرة سفينة متوجهة إلى سوريا، ورداً على ذلك، هاجمت إيران السفن التجارية الإسرائيلية في خليج عُمان. 

وغالباً ما تُستهدف الناقلات المحمّلة بالنفط الخام عبر خط النفط البحري إيران-سوريا وهي في طريقها إلى مصفاة بانياس، حيث تُفرّغ السفن من حمولتها، و يُخزّن النفط لتتم تنقيته أو يُرسل عبر خطوط الأنابيب إلى مصفاةٍ بحمص.  

لكن بعد يوم واحد على اندلاع الحريق، أنكرت دمشق وطهران أنّ سبب الحريق هجوم عسكري، وادّعت أنّ عمليات اللحام على متن السفينة هي التي تسببت بذلك، هذه الرواية شكّك سامر مدني بمصداقيتها.

ورداً على ذلك، غرّد مدني “من هو ذاك الذي يحمل عقلاً سليماً ليأت على قرار إجراء عملية لحام في أثناء تفريغ 300 ألف برميل من على متن ناقلةٍ نفطٍ بكامل حمولتها”، متابعاً “أنتم لا يُسمح لكم حتى بإشعال عود ثقابٍ أو ولاعة سجائر وفقاً لقواعد[السلامة] المفروضة في سوريا”.

ومع ذلك، قد يكون مستبعداً استهداف الناقلة المحمّلة بالنفط من قبل طائرة اسرائيلية، نظراً لما قد ينجم عن ذلك من مخاطر تسربٍ نفطي هائل على مقربة من سواحل إسرائيل ذاتها. إذ غالباً ما تتعرض السفن الإيرانية لعمليات تخريبية باستخدام ألغام لاصقة (ليمبت)، التي تُلصق سراً على هيكل السفينة لتنفجر في عرض البحر، ما يتسبب بأضرار طفيفة هدفها شلّ حركة السفينة وإحداث بلبلة على خط النفط. 

مخاطر كارثة بيئية

أياً كان سبب الحريق، يشكل خط النفط البحري بين إيران وسوريا تهديداً وشيكاً للبيئة الطبيعية في المنطقة. إذ في حزيران/يونيو 2019، تعرضت أنابيب نقل النفط البحرية في  بانياس إلى عملية تخريبية أسفرت عن تسربٍ نفطي طيلة شهر، ما أدى إلى تسرب النفط على امتداد 100 كيلومتر من الساحل السوري. 

“حصلت إلى الآن ثلاثة حوادث كبرى: تفجير أنابيب نقل النفط البحرية قرب مصب بانياس في عام 2019، هجوم مزعوم في تموز/يوليو 2020 أسفر عن تسربٍ نفطي، غير أنّ أسبابه غامضة، وتسرّب نفطي كبير من ناقلة نفطٍ في البحر الأبيض المتوسط في عام 2021، أثرّ على سواحل سوريا ولبنان وإسرائيل”، بحسب ما قال لـ”سوريا على طول”، ويم زويجننبرغ، قائد مشروعٍ يُعنى بالتركيز على الصراع والقضايا البيئية في منظمة باكس للسلام الهولندية غير الحكومية (PAX).

واتهمت إسرائيل إيرانَ أنها وراء حادث تسرب النفط الذي نجم عنه تلوث 90% من مساحة سواحلها في شباط/ فبراير، ليتسبب بأكبر كارثة بيئية، وعزت ذلك التسرب إلى سفينةٍ تقل شحناتٍ من النفط إلى سوريا. 

“لقد [وجدنا] أيضاً نحو اثنتي عشرة بقعة نفطية تسربت مباشرة من السفن المحملة بالنفط، ويٌرجح أنّ [سببها] التخلص من الزيوت الثقيلة أو المخلّفات النفطية حول مناطق التفريغ، إلا أننا لم نرصد ذلك بطريقة بنيوية، لذا من المحتمل أن يكون عددها أكبر”، كما أضاف زويجننبرغ.

تحدث التسربات بمراحل مختلفة على طول خط نفط إيران-سوريا، وغالباً ما يتسرب النفط من الناقلات القديمة. علاوة على ذلك، كثيراً ما يتم نقل النفط من سفينة إلى أخرى وسط البحر لتجنب اكتشافها مما يزيد من مخاطر التلوث. 

سواءً حدثت التسربات عمداً أو خطأً عرضياً، فإن تسرب النفط قبالة الساحل السوري قد ينجم عنه أضراراً دائمة على الحياة البحرية، ولا سبيل لإصلاحها. علماً أن السواحل السورية تحتوي على ما يزيد عن 1.700 نوعاً من الفصائل البحرية المسجلة.

وأضاف زويجننبورغ أنه “من المرجح أن يٌفضي [التسرب الكبير] إلى إيقاف إرسال شحنات جديدة من النفط والسلع الأخرى إلى بانياس والموانئ المجاورة”، ما قد يُفاقم أزمة الواردات في سوريا، لينعكس ذلك على أسعار المواد الأساسية وتوافرها، بما في ذلك المواد الغذائية.

وستكون المجتمعات الساحلية أول المتأثرين، لا سيما الصيادون. إذ كما أشار زويجنبرج “في حالة نشوب حريق كبير، فإن الأبخرة السامة المنبعثة من احتراق النفط قد تؤدي إلى مخاطر صحية عامة، في حين سينتشر هباب الفحم [الشحار] الناتج عن احتراق الوقود ليغطي الأراضي الزراعية الساحلية بالسواد، وتحتاج حينها للتنظيف”.

هذا ويتزايد احتمال حدوث كارثة بيئية واسعة النطاق على السواحل السورية مع زيادة مخاطر حدوث التسربات النفطية في خضم التصعيدات البحرية الإيرانية-الإسرائيلية، والتلوث الناجم عن عمليات نقل النفط غير الشرعية.

ورجّح زويجننبرغ أنّ تتفاقم تبعات التسرب النفطي، “فلا طاقة للحكومة السورية المنهكة بالحرب على الاستجابة وتنظيف مخلّفات التلوث النفطي”. لذلك، سيضطر السوريون المتأثرون بالتلوث الاعتماد على مواردهم الخاصة للتعامل مع العواقب المترتبة.

نُشر هذا التقرير أصلاً في اللغة الإنجليزية وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور

شارك هذا المقال