خلف جبهات قتال التنظيم في مدينة الرقة: الناس تعيش بانتظار دورها بالموت
في أحد الأحياء الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة في الرقة، يستخدم […]
15 أغسطس 2017
في أحد الأحياء الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة في الرقة، يستخدم زيد الثابت مراسل صوت وصورة جهاز نت فضائي للاتصال بشبكة الإنترنت، ويدخل الفيسبوك لينشر الأخبار من مسقط رأسه، حيث يعيش.
يقول ثابت لمراسلة سوريا على طول، نورا الحوراني “بالطبع هو ممنوع بالنسبة للتنظيم وإذا تم اكتشافه من قبلهم سيكلفني حياتي إلا أن التنظيم مشغول مؤخرا بالقتال”.
وقبل شهرين، شنت قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من جانب الولايات المتحدة، المرحلة النهائية من حملتها لطرد تنظيم الدولة من عاصمته السورية، حيث سيطرت قوات سوريا الديمقراطية، وبفضل الدعم الجوي من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة، على أكثر من 55 % من المدينة.
وبينما تستهدف طائرات التحالف مواقعا داخل المدينة، يتحدث ثابت عن المعارك التي وصفها بـ “الجحيم”، حيث يقول “المعارك هي عبارة عن حرب شوراع ويعتمد فيها التنظيم على القناصين والتفخيخ” لوقف تقدم قوات سوريا الديمقراطية.
ويضيف “الواضح أن داعش ليس لديها نية بأن تنسحب بسهولة”.
وبعيدا عن الخطوط الأمامية للقتال، يعيش السكان ظروف الحرب اليومية خارج عتبات بيوتهم، بحسب أبو محمد من أبناء الرقة والذي يقيم على بعد 800 متر فقط من الخطوط الأمامية.
يقول أبو محمد لنورا حوراني “الناس بدها تخلص من الوضع والأغلب بيتمنى الموت”، ويضيف “مافي غير إنو الواحد يطلع يتفرج شو في قصف ومين مات ومين مصاوب”.
ويتابع أبو محمد “شي مأساوي… والجريح بينتظر الموت ولا يمكن مساعدتو”.
شارع سيف الدولة، شرقي مدينة الرقة، يوم الجمعة. تصوير: الرقة تذبح بصمت.
زيد الثابت، هو الاسم الوهمي لناشط سوري من أبناء الرقة، في منتصف الثلاثينات من العمر، يعيش حاليا في مناطق سيطرة التنظيم في الرقة.
قد تصل عقوبة العمل كناشط في مناطق سيطرة التنظيم إلى الموت- كيف يمكنك التواصل مع المكاتب الإعلامية، وكيف تتحدث معي الآن؟
لايوجد أي شبكة تواصل بين الناس لأن الاتصالات الأرضية مقطوعة، أما أنا بسبب عملي أملك جهاز نت فضائي وهو عبارة عن صحن صغير وشريط يتم وصله برسيفر.
وبالطبع هو ممنوع بالنسبة للتنظيم واذا تم اكتشافه من قبلهم سيكلفني حياتي، لذلك أخفيه بشكل مستمر ولا يمكنني استعماله إلا في أوقات معينة.
حالياً التنظيم منشغل بالمعارك فلم تعد سيارات رصد الاتصالات تتجول للبحث عن أي وسيلة اتصال ممكنة مما جعلني أتواصل بشكل أكبر.
كيف يمكنكم القيام بعملكم كناشطين لنقل الخبر في الوقت المناسب داخل الرقة في ظل القتال العنيف وظروف الحرب الدموية؟
حالياً بعد كثافة القصف وازدياد أعداد المجازر أصبح الوضع أصعب بما يخص التوثيق، لذلك نشرنا بين الناس أن يحتفظ كل شخص بورقة في جيبه مكتوب عليها اسمه واسم عائلته ومعلومات عن مدينته ان كان نازحاً لكي يتم التعرف عليه في حال موته بالقصف، فتخيل مأساوية ما وصلنا إليه.
المراسلين الموجودين في المنطقة يعدون على الأصابع ويعملون بإمكانات بسيطة ضمن أخطر الظروف.
لهذا كانت أخبار المجازر وأسماء الضحايا تأتي بعد يوم أو يومين أو ربما أكثر، أما ما يخص الصور فهي أخطر ما يمكن الحصول عليه في مناطق التنظيم.
كيف تصف الوضع في الرقة للعالم الخارجي؟
الوضع مأساوي لأبعد الحدود، ولا يمكنني وصف المشهد بصورة أدق من “الجحيم”، فالناس تعيش بانتظار بالموت.
كل أنواع الموت متاحة هنا إما بالقصف أو الجوع أو العطش، والجميع محاصرون لا منفذ ولا خروج، ووصل الناس إلى مرحلة من اليأس واليقين بأنه لم يعد هناك مجال للخروج.
في البداية كان همّ الأهالي تدبر أي وسيلة للنجاة والخروج من المدينة. الآن وبعد المجازر اليومية التي يشهدها الناس والحصار المطبق على المدينة تعشش اليأس في قلوب أغلبهم ولم تعد الناس مهتمة بالخروج وكل شخص ينتظر موته فقط .
المدينة بلا كهرباء ولا حتى شبكة اتصالات أرضية فالناس لا تستطيع التواصل مع بعضها، والجميع محتجز في المنازل لا يخرجون إلا للبحث عن فتات الطعام وما يسد الرمق هنا أو هناك.
وعندما يخرج الناس من منازلهم بعد سماعهم بقصف منزل أو مبنى بجوارهم للبحث عن الطعام بدل الموتى، يصبح موتنا أرحم.
ما وضع المعارك حالياً في المدينة؟ وكم عدد عناصر التنظيم الذين يديرون المعارك بتقديرك؟
المعارك هي عبارة عن حرب شواع ويعتمد فيها التنظيم على القناصين والتفخيخ وبحسب تقديري ومشاهدتي على الأرض فإن عناصر التنظيم لا يتجاوزون 400 عنصر حالياً.
قوات قسد تتقدم بشكل بطيء جداً تحت غطاء من التحالف، فالاعتماد بشكل أساسي على القصف سيخلف المزيد من المجازر والضحايا من المدنيين للأسف.
ومن الافضل ان يتوقف القصف بأي طريقة وتخرج الناس وبعدها يقصفون ويشتبكون كما يحلو لهم، ومن الواضح أن لا داعش تريد الانسحاب بسهولة مثل الطبقة ولا قسد لديها نيّة جدية بالتقدم.
****
أبو محمد مدني من الرقة، 45 سنة، أب لثلاثة أبناء.
حدثني عن الوضع داخل الرقة، هل يأمل السكان أن تسيطر قوات سوريا الديمقراطية على المدينة؟
للأسف أصبحت أشعر بأنني شخصمريض نفسياً ليس لدي أي نوع من الصمود أو الصبر،وفي بعض الأحيان أشعر بأنني في حلم وأنتظر من يوقظني.
كنت أعتقد بأنني إنسان قوي وصلب، لكنني هزيل و منهار حرفياً.
أغلب الأوقات أقضيها وأنا أبكي بلا صوت وبدون سبب، ودون أم أعرف ما الذي يضايقني.
لدي عقد نفسية لا يعالجها غير الله.
الناس لم تعد تكترث بمن سوف يسيطر، الناس تريد الخلاص والأغلب يتمنى الموت على البقاء بهذه الحالة.
هل هناك مراكز طبية للعلاج في حال القصف؟ ما هو مصير الجرحى؟
كلا لايوجد، وكل ما تبقى هو جزء من المشفى الوحيد بعد تدمير نصفه بالقصف.
لا يوجد إسعاف وليس هناك قدرة على علاج الجرحى أو نقلهم خارجاً لأن داعش مخصصة الموارد الطبية لعناصرها.
شي مأساوي، والجريح ينتظر الموت ولا يمكن مساعدته.
حدثني عن وضعك؟ كيف تمارسون حياتكم اليومية في الرقة؟
أغلب الأهالي يلتزمون بيوتهم، الخروج من البيت مخاطرة كبيرة لأنك لا تعرف من ومتى يستهدفك قناصوا داعش، بالإضافة للقذائف والقصف الذي لا يتوقف ولا لحظة.
لا أحد يستفيد من الخروج فلم يعد هناك عمل والحياة متوقفة تقريباً، الناس تخرج لترى أماكن القصف وتعرف من مات ومن أصيب، فلا يوجد وسيلة تواصل بين الناس لأن التلفونات مقطوعة.
هل تعيش وحدك؟ أين عائلتك؟
عندي 3 أولاد وزوجة أخرجتهم من مدة إلى ريف دير الزور مع عائلة كانت نازحة ومعها سيارة وبقيت وحدي وقتها كان التنظيم يسمح للنساء والأطفال.
بما أن الخروج خطير ولا يوجد عمل، كيف تتدبرون أموركم وتأمنون الطعام؟
بعض الحارات فيها محلات ضمن البيوت، والناس الذين يعيشون ضمن هذه الشوارع يأخذون ما تبقى فيها من شعيرية أو ممكن برغل وخبز يابس ومعلبات منتهية الصلاحية، ومن المحتمل أن لا تجد شيء يأكل .
أغلب الأهالي ليس لديهم مخزون من الطعام لإن الأسعار كانت مرتفعة قبل الحصار الحالي، ومن لديه مخزون من الطعام فهو من البقوليات والحبوب التي من الممكن تخزينها بدون كهرباء. .
وأنا لو ما الله رحمني وفي عندي جار خرج من إسبوعين وترك في بيته زيتون وبعض خبز يابس وقليل من البرغل، لمت من الجوع.
ترجمة: سما محمد