خمسون ألف نازح سوري عالقون على الحدود الصحراوية مع الأردن
حين استولى مقاتلو تنظيم الدولة على قريته في شمال حمص، […]
26 أبريل 2016
حين استولى مقاتلو تنظيم الدولة على قريته في شمال حمص، في أيار الماضي، لم يتردد محمد الحمصي البتة في أن يزج بزوجه وأطفاله السبعة في الجزء الخلفي من شاحنة “البيك آب”، ويشد الرحيل نحو الجنوب.
وقال الحمصي، والذي سرد حكايته باسم مستعار وطلب ألا يذكر اسم قريته، لسوريا على طول، “معظم الناس هربوا إلى دمشق، ولكن أبنائي مطلوبين للخدمة العسكرية، لذا اتجهت إلى الأردن”.
وأمضت العائلة ليلها في صندوق شاحنة “البيك آب”، وهي ترتج بهم عبر صحراء سورية الشرقية إلى رقبان، وهو معبر حدودي غير رسمي مع الأردن، ويبعد نحو 250كم شمال شرق العاصمة عمان.
وتابع الحمصي “حين وصلنا إلى الحدود الأردنية السورية، لم يعد بإمكان الشاحنة أن تمضي بنا إلى أي نقطة أبعد”، فحرس الحدودي الأردني لا يسمحون بعبور العربات.
وأضاف “نزلنا ومشينا حوالي ساعة إلى مكان فيه جدار كبير مصنوع من الأكياس الرملية (…) وهناك كان ألاف الناس ممن سبقونا”.
ومنذ إحدى عشر شهرا والحمصي وعائلته يقيمون في مخيمات الصحراء على المعبر الأردني، المعروف لعمال الإغاثة بـ”الساتر” نسبة لجدار الأكياس الرملية الذي يرسم الحدود الجنوبية للمنطقة الحدودية التي يوجد بها السوريون العالقون على الحدود الأردنية.
وخشية وجود أنصار لتنظيم الدولة بين النازحين، “وفي منتصف آذار، قام الأردن باغلاق جميع المعابر الحدودية غير الرسمية” في رقبان وحدالات، الذي يبعد عنه نحو 50 كم غربا، وفق ما ذكرت هيومن رايتس وتش.
ومنذ ذلك الحين، وأعداد النازحين السوريين المقيمين على الساتر في ازدياد مضطرد، “حيث يسمح حرس الحدود لبضع العشرات فقط بالدخول إلى مواقع العبور يوميا”، وفق تقرير آخر لمنظمة الهيومن رايتس وتش.
وتظهر صور الأقمار الصناعية التي التقطتها هيومان رايتس ووتش أن عدد الخيم، في مخيم الركبان، ارتفع من 68 خيمة في نيسان 2015 إلى 1450 في كانون الأول، من العام ذاته.
وفي الأسابيع الأخيرة، بدأت الحكومة الأردنية بالسماح لعدد أكبر من النازحين بالدخول من كلا المخيمين في اليوم الواحد، حيث سمحت لما يقارب 300 شخص بدخول البلاد في الأسبوع الواحد، حسب ما ذكرته جريدة الغد الأردنية، يوم الخميس.
وقال المتحدث باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني، في مؤتمر صحفي، يوم الأحد الماضي، إن “50 ألف شخص” ما زالوا يعيشون في الركبان والحدلات.
ووصف النازحون السوريون، الذين تحدثوا إلى سوريا على طول، من داخل الساتر الترابي، الأوضاع هناك بأنها “غير إنسانية”.
ويعاني النازحون المقيمون قرب الساتر “من انعدام الحمامات، وانتشار الحشرات، وانقطاع المياه” حسب ماقاله أبو أنس، أحد النازحين في المخيم، لسوريا على طول، عبر الواتس أب، يوم الأربعاء.
وقال أبو أنس، هو أحد أبناء ريف حمص الشرقي، وعاش في الركبان لأكثر من سنة، “لا أستطيع العودة والعيش تحت ظل تنظيم الدولة، كما أنني سأتعرض للاعتقال من قبل النظام في حال عودتي إلى أراضيه”.
وفي تشرين الثاني، العام الماضي، أنجبت زوجة أبو أنس طفلة، داخل المخيم. حيث أضاف “يوجد حالات ولادة تتم من قبل نساء لا يعرفن عن الولادة شيء، وليس لديهن أي شهادات تخولهن لمزاولة العمل الطبي”.
إلى ذلك، قال مسؤول في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لسوريا على طول، أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) هي المسؤولة عن توفير خدمات الرعاية الصحية الأساسية، لأولئك الذين يعيشون في الركبان والحدلات، في حين أن برنامج الأغذية العالمي (WFP)، هو المسؤول عن إيصال المساعدات الغذائية، واليونيسيف توفر المياه عن طريق الشاحنات.
وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، وزعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر “1.1 مليون وجبة جاهزة للأكل، 25.500 متر مكعب من المياه الصالحة للشرب، وقدمت 18 ألف استشارة طبية للنازحين في الركبان والحدلات”، حسب ما قالته المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، هالة الشملاوي، لسوريا على طول، يوم الأربعاء الماضي. وفي إشارة إلى النازحين السوريين الذين قدموا عابرين المنطقة الصحراوية، قالت إن “العديد منهم لم يحضروا معهم أي شيء غير ملابسهم”.
وبحسب سكان المخيم، فإن دخول العاملين في مجال الاغاثة إلى المخيم محدود، الأمر الذي يؤدي غالباً إلى انقطاع الماء والطعام والدواء.
إلى ذلك، قال الحمصي “في أيام الشتاء لاتصلنا المساعدات من الصليب الأحمر بشكل دائم، وذلك بسبب ظروف الجو والامطار، فبهذه الحال لا ندري ماذا نفعل”.
والحمصي مثل أي شخص ينتظر دوره لدخول الاردن، ويسجل اسمه كلاجئ في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ليتمكن من السعي للجوء إلى بلد ثالث في نهاية المطاف.
ولكن السلطات الاردنية تقول بأنه لا يمكنها تسريع عملية الدخول، بسبب اجراءات أمنية.
وصرح العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني في مقابلة له على قناه الـ”بي بي سي”، في شهر شباط الماضي “نحن نعلم يقيناً أن هناك عناصر من داعش داخل ذلك المخيم، ولذا فإنهم يخضعون لنظام تدقيق صارم وحازم”.
وأشار إلى أن بلاده تستضيف أكثر من 637 ألف لاجئ سوري مسجل لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، في حين أن الحكومات ما زالت تقوم بالضغط على الاردن من أجل ادخال بعض الألاف من النازحين السورين العالقين على الساتر الحدودي بين الأشجار، إلى بلادهم.
وأضاف العاهل الأردني “إذا كنتم تدعون اتخاذ موقف أخلاقي أفضل من موقفنا إزاء هذه المسألة، سنأخذ هؤلاء إلى قاعدة جوية وسنكون سعداء بنقلهم إلى بلادكم”.
وفي نفس الوقت، يستعد النازحون السوريون لقضاء صيف آخر في الصحراء، حيث تصل درجات الحرارة الى 40 درجة مؤية.
وقال أبو أنس “لا نعرف ماذا سيحدث لنا هذا الصيف”، واصفاً أن “الصيف الماضي أودى بحياة كبار في السن ومرضى”.
وأضاف “توفي العديد من النازحين على الساتر، ويوجد هناك مقبرة عالحدود فيها أكثر من 60 قبرا، وأنا دفن بعضهم بنفسي”.